الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في الوسائل بعامة وبخاصة المعاصرة: أنواعها .. وأحكامها:
وفيه سبعة مباحث:
المبحث الأول في الرابط بين الغايات، والطرق، والوسائل
.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: المقصود من ذلك:
للإنسان في حياته غايات، ولكل غاية طرق متبعة، ولكل طريق وسائل معينة.
فالسفر: قضية، غايتها تكون معروفة لدى المسافر: تجارة، أو سياحة، أو غيرها.
وطريق السفر معروف، لا يمكن سلوك غيره، وإن تعدد.
والوسيلة: هي التي يستعان بها في الطريق للوصول إلى الغاية، وتكون من المادة: كالتراب .. والحديد .. والورق .. أو تكون دابة، أو مركبة على اختلاف أنواعها، أو من الزاد، أو السلاح، أو المال، وقد تكون؛ خطابية .. كالموعظة والمحاورة .. وما شابه ذلك.
وإذا أردنا تطبيق ذلك في الدين:
فنجد أن للدين؛ غايات، وطرقاً، ووسائل.
فأما غايات الدين: فطلب رضوان الله، والنجاة من عقابه، والفوز بجائزته.
وهذا أمر توقيفي، منصوص عليه، لا مجال فيه لعقل أو اجتهاد، قد بينه الله في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
قال تعالى: {وَابْتَغُوَا إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ .. } الآية [المائدة: 35]، فهذا صريح في أن الغاية اتقاء الله، وابتغاء رضوانه.
وقال تعالى: {وَاللهُ يَدْعُوَ إِلَىَ دَارِ السّلامِ .. } الآية [يونس: 25]. فهي الغاية.
وقال تعالى: {يَقَوْمِ إِنّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنّ الاخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
وقال تعالى عن الصحابة: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا .. } الآية [الفتح: 29]
فالقرار، والمستقر، والمقام، هو: الغاية.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن سلعة الله غالية .. ألا إن سلعة الله الجنة .. )) (1)، وغاية المشتري هي: السلعة، وهي هاهنا الجنة.
وأما طرق ذلك فهي: توحيده، وعبادته كما شرع، وطاعته في ما أمر ونهى، من الإيمان برسله واتباعهم، وإقامة الصلاة، وصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام .. فهذه كلها طرق موصلة إلى الغاية.
والطرق إلى الله بهذا المعنى: فهي توقيفية، لا مجال فيها للاجتهاد، ويحرم فيها الابتداع.
(1) أخرجه الترمذي (2450)، وصححه الحاكم (4/ 308)، ووافقه الذهبي.
ومن أهم الطرق؛ الدعوة إلى الله عز وجل.
قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِىَ أَدْعُو إِلَىَ اللهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]
فقد جمعت الآية بين الغاية وهي: الوصول إلى الله. وبين الطريق إلى ذلك، وهي: الدعوة إلى سبيله، وكلاهما توقيفي، لا مجال فيهما للرأي.
فقوله: {سبيلي} ، كقوله:{صراطي} في قوله تعالى: {وَأَنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتّبِعُوهُ وَلا تَتّبِعُوا السّبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} . الآية [الأنعام: 153]
فـ (السبيل) و (الصراط) لا يكونان إلا توقيفيّين بلا شك، ولولا ذلك لما أمر الله باتباعهما.
قال تعالى: {فاتبعوه} : وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، ومخالفته حرام.
ويؤكد ذلك؛ أن الله حذر من مخالفته باتباع (السبل) وهي الطرق الأخرى، التي يُظن: أنها موصلة إلى الله، والتي لم يشرعها الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو ((الابتداع))، الذي شدد الله في تحريمه.
قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مّنَ الدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ} . [الشورى: 21]
وقال تعالى عن أهل الكتاب: {وَرَهْبَانِيّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللهِ} . الآية [الحديد: 27]
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)) (1).
(1) رواه البخاري (2697)، واللفظ له، ومسلم (1718).
وبناءً على هذه النصوص وغيرها:
فإن كل طريقة - يُبتغى بها وجه الله وعبادته - من غير ما شرع الله، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي مبتدعة، وهي محرمة (1).
ولذلك جاء تفسير (السُّبل)، في قوله تعالى:{ولا تتبعوا السُّبل}
(بالضلالات)(2).
ووضح هذا مجاهد أوضح بيان، فقال:((السُّبل، البدع والشبهات)) (3).
والصواب: أن لفظة (السُّبل) أعم من حصرها في بدعة أو طريق، بل هي عامة في كل سبيل غير سبيل الإسلام والسنة، كالمظاهرات الهمجية، والانقلابات العسكرية، والتفجيرات الجماعية، وما شابه ذلك، مما سيبين في بابه إن شاء الله.
وفي هذا المقام؛ يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من عمل بسنة غيرنا)) (4).
(1) انظر تعريف (البدعة) في اللسان، والنهاية في غريب الحديث، مادة (بدع)، والتعريفات للجرجاني
(ص 43)
(2)
ورد ذلك عن ابن عباس، أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1422)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 386).
(3)
أخرجه الدارمي في سننه (203)، والمروزي في السنة (20)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 293)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1422)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (3763)، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ.
(4)
أخرجه الطبراني (ج 11 رقم 11335)، والديلمي في مسنده رقم (5309)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.