الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس مراعاة حاجات المدعوين:
من الضروري للداعية الحكيم: أن يراعي حاجات الناس، من فقر، ومرض، ونكاح، وأن لا يتجاهلها، بل يكون قوي الملاحظة في ذلك مع المدعوين.
فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، فإذا بأبي هريرة رضي الله عنه في الطريق، وقد خرّ على وجهه من الجَهْد والجوع، فقال له:"يا أبا هر" فقلت: لبيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني. وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعُسّ من لبن، فشربت منه، ثم قال:((عد فاشرب يا أبا هريرة)). (1)
ومن أعظم الفوائد الدعوية في هذا الحدث:
تَفَطُّن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حال أبي هريرة، وعدم تجاهل حاجته
…
ومن بديع ما يذكر هنا: أن أحد الصحابة جامع زوجته في رمضان، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له:"هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال: لا .. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين .. ؟ قال: لا .. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا .. قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فيها تمر ((والعَرَقُ: المِكْتَل)) قال: أين السائل؟ فقال: أنا. قال: خذها فتصدق به، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟
(1) رواه البخاري (5375)، والعُسُّ: القدح الكبير، النهاية، مادة:(عسس).
فوالله ما بين لابتيها، -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه .. ثم قال:((أطعمه أهلك)). (1)
فما أحوجنا إلى هذا الفقه العظيم .. وإلى تقدير ظروف المدعوين، إذ انقلب الذنب عليه -لصدقه ولحاله- نعمةً .. فهل من مدّكر.
ولما أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة أحد الصحابة -ممن كان يخدمه- في الزواج قال له: ((يا ربيعة ألا تتزّوج؟ )) (2).
وأشهر من هذا كله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر الأئمة أن يخففوا من الصلاة، معللاً ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:((أيها الناس إنكم منفرون، فمن صلّى بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة)). (3)
ولا شك أن غنى الفقير، وزواجَ الأعزب، وشِبَعَ الجائع، مطلبٌ عظيم، وحاجة ملحةٌ، لا ينبغي للداعية أن يغفل أو يتغافل عنها.
(1) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111)، واللاّبة أو الحرّة: هي الأرض ذات الحجارة السود .. والمدينة بين لابتين عظيمتين، النهاية (4/ 374)، مادة:(لوب)، قلت: فأراد بهذا الساكنين بين هذين المكانين وهم جميع أهل المدينة.
(2)
رواه أحمد (4/ 58 - 59)، والطيالسي في مسنده (1173)، والطبراني في الكبير (5/ 59)، والحاكم (2/ 172 - 174)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وتعقبه الذهبي بقوله: لم يحتج مسلم بمبارك، ورواه الحاكم أيضاً (3/ 521) مختصراً، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 256 - 257)، وقال: رواه أحمد، والطبراني وفيه مبارك بن فضالة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3)
البخاري (90)، ومسلم (466).