الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث لفتات عن الأسلوب في القرآن الكريم:
لقد جاء القرآن سهل الأسلوب، واضح البيان، متنوع الطرح، ليس فيه تعقيد في التعبير .. ولا فلسفة في العرض، ولا خيالية في التمثيل.
قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ} [القمر: 17، 22، 32، 40].
وإنما أُتي من لم يفهم القرآن، من جهة ما حلَّ بالعرب من عجمة، وبعدٍ عن لغتهم الأساس، وإلا فأي عربي لا يفهم قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ .. } السورة.
وقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ .. } السورة، فهذا من سهولة ووضوح بيانه ووضوحها.
ولا يَغْمُض سياق القرآن ومقاصده على عربي .. وإنما الذي يغمض، بعض الألفاظ التي هجر استعمالها العرب.
وأمّا بشأن الأسلوب فيتنوع أسلوب القرآن - كما أُلمح إلى ذلك من قبل- فتجد فيه التقرير الصارم، والأمر الجازم، في الوقت الذي تستمتع فيه بالقصص المؤثرة، والأمثال المعبرة، وتسمع منه الأخبار الماضية، والأحكام المحكمة، والأنباء القادمة
…
ثم يفاجئك بفتح ناظريك على المشاهد المستقبلة من صور يوم القيامة، ومناظر من الجنة والنار، كأنك تراهما رأي العين .. لتسمع لقطات مما يجري فيهما بين أهليهما .. {وَنَادَوا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ ماكثون} [الزخرف: 77]، {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ
فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر: 74]، وتلفي فيه الحوار الممتع، والمناظرة المفحمة، في الوقت الذي يعج بالحجج العقلية، والمؤثرات العاطفية.
كل ذلك بأسلوب يتلمس الناظر فيه، رقة التعبير عند الترغيب، وقوة التأثير عند الترهيب، ويلمحُ فيه كلمات الأنس التي يناجي بها القلوب اللينة، فيضفي عليها شعوراً من الأنس، وطمأنينة بعد القلق.
في الوقت الذي تلتفت فيه عبارات التذكير لتحرك الوجدان، وتغذي الشعور .. ثم تنعطف قوارع الترهيب، فتهدد كيان النفس، وتقذف الرعب في القلب ..
وترى فيه المحكم والمتشابه .. وتلقى فيه المجمل والمفصّل، كل ذلك وهو يتدفق بكلمات حانية .. ووعد صادق .. {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ .. } الآية [النساء: 147]، { .. إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27]، ويهدد بألفاظ قارعة، ووعيد شديد. {
…
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]
كل ذلك؛ بأسلوب أخّاذ، وعبارات جذابة .. وإيقاع يتناسب مع كل موضوع .. ومع كل ذي روح ونَفَس.
كل ذلك حتى يكون الخطاب شاملاً للخلق، مؤثراً في النفس .. مقيماً للحجة، فمن لم يتأثر بالترغيب .. تأثر بالترهيب .. ومن لم يتحرك قلبه .. تحرك عقله .. للاستجابة. (1)
(1) فوا حسرتا على أسلوب بعض دعاتنا .. وقد ذكرتُ الشواهد على هذا الأسلوب متناثرة في هذا الكتاب مما أغنى عن إعادته.
وفي مقام التمثيل انظر إلى أمثال القرآن الكريم ما أروعها في المقصود، وما أيسرها في الفهم، وما أوقعها في النفس، وما أسهلها في التعبير، وما أنسبها لجميع الخلق: ذكورهم وإناثهم، عربهم وعجمهم، بدويهم وحضريّهم (1).
وهكذا كان القرآن الكريم في بيانه؛ سهل الأسلوب .. واضح الطرح .. ، واقعي التمثيل .. يتناسب والناس جميعاً على اختلاف ثقافاتهم وأجناسهم.
(1) ولو أردنا تتبع ذلك، والاستشهاد عليه لخرجنا عن المقصود، وسيأتي شيء من التفصيل في بحث الأمثلة في القرآن في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.