الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما في الصيغة الثانية: صيغة المتكلم، وفي الصيغة المطلقة، فإن المخاطبين يستشعرون بتواضع الداعية، وأنه منهم ومعهم، يصيبه ما يصيبهم، ويناله ما ينالهم، مما يدفعهم للتفاعل معه.
ولا يحتجّ محتج ببعض الآيات التي خاطبت الناس بـ (ميم الجمع)، لأن المخاطِب هو الله سبحانه وتعالى .. وفرق كبير بين خطاب الرب العظيم، وخطاب عبد غير معصوم، ولا يمكن أن يجتمع الله سبحانه مع خلقه في فعل أو ضمير، في سياق التكليف أو التأديب.
ومع ذلك؛ نجد الخطاب المطلق والمشروط بالأفعال والأقوال في كتاب الله عز وجل كثيراً دون تعيين.
قال تعالى: {وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَءَامَنُوا وَاتّقَوا
…
} الآية [الأعراف: 96].
وقال تعالى: {وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لّهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتاً} [النساء: 66].
المطلب الثاني: الخطاب المطلق:
من المستحسن للداعية أن يُعمِّم في خطابه، وأن يطلق في عباراته دون أن يُخصِّص أقواماً، أو يُعيِّن أفراداً، ولو كانوا قائمين على الخطأ، أو مستمرين في العصيان.
ويمكنه - عند الحاجة - أن يعلق الأحكام بالأفعال، وأن ينيطها بالأقوال.
وهذا أسلوب دأب عليه القرآن الكريم.
فقال تعالى: { .. أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]
وقال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ .. } الآية [التوبة: 75]
فيلحظ البصير أن الله عز وجل علق الأحكام بالأفعال والأقوال، ولم يذكر أسماء أصحابها.
وهذا هو الأصل إلا عند الحاجة الملحة.
وكذلك مضت السنة المطهرة على صاحبها أزكى الصلاة والسلام بعدم ذكر اسم المخالف أو المنصوح إلا بالتعريض، والعموم ..
فما أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما بال أقوام .. )) (1).
ومع أن المقصود خطاب أقوام قاموا بالمخالفة التي دعت النبي لتوجيه خطابه إليهم .. ومع ذلك؛ لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم: أسماءهم، فمن ذلك:
قوله: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله .. )) (2) الحديث.
وقوله: ((ما بال رجال يحضرون الصلاة معنا بغير طهور .. )) (3) الحديث.
(1) سبق تخريجه ص (287).
(2)
رواه البخاري (2168)، ومسلم (1504).
(3)
رواه أحمد (5/ 363)، والنسائي في سننه (2/ 156)، وفي الكبرى (1019)، وعبدالرزاق في مصنفه
(2725)
.
وقوله: ((ما بال رجال كلما نفرنا في سبيل الله، تخلف أحدهم، عندهن .. )) (1) الحديث.
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواماً لا يحسنون الوضوء، ويَدَعون مواضع من أرجلهم لا يصيبها الماء، فقال:((ويل للأعقاب من النار)) (2).
فلم يحكم عليهم، ولا على أعقابهم، بل؛ لم يذكر أسماءهم، ولم يقل:((ويل لكم))، أو ((ويل لأعقابكم)) مستعملاً كاف الخطاب.
وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم - أحيانا - بـ (نا) المتكلم، وهو لم يفعل الفعل، كما في خطبة الوداع:((وأول ربا أضع ربانا - ربا عباس بن عبدالمطلب -)) (3)، والنبي صلى الله عليه وسلم ما رابى قط.
فانظر إلى عظم هذه الأفعال التي فعلها هؤلاء المخطئون وما يفعله المنافقون؛ من الصلاة بغير طهور، ومن تركهم الجهاد واقترافهم لبعض الذنوب، فضلاً عن أذية بعضهم للرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا كله .. لم يذكر أسماءهم، ولم يحذر من أعيانهم.
ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم على الأعمال ويصححها. فمن هذا وغيره تستنبط القاعدة: ((نُصحّح ولا نُجرّح))، فهل من مدّكر ممن يخالف هذا؟ اللهم هُداك.
(1) رواه أحمد (5/ 102) واللفظ له، ومسلم (1692).
(2)
رواه البخاري (60)، ومسلم (241).
(3)
رواه مسلم (1218).
فعلى هذا؛ لا يجوز ذكر الأسماء بالسوء في المجالس العامة، فضلاً عن ذكرها على عامة الناس، إلا ما كان منه في ضرورة قصوى .. كدفع مفسدة جلية .. أو جلب مصلحة كبيرة.
ومنه يدرك المسلم الواعي؛ خطأ من يذكر الأسماء على المنابر .. ويشهر بهم في المجالس .. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي الوقت الذي نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمي الذين يخطئون، نجده صلى الله عليه وسلم يسمي أهل الفضل والعلم على الملأ.
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبيُّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أميناً، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)) (1).
وحديث العشرة المبشرين بالجنة مشهور.
فعن سعيد بن زيد قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته وهو يقول: ((عشرة في الجنة: النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في
(1) رواه الترمذي (2/ 309)، وابن ماجة (154)، وابن حبان (7131، 7252) والحاكم (3/ 422) وصححه على شرط الشيخين.