الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس آثار الدعوة إلى الله تعالى:
إن للدعوة إلى الله تعالى آثارًا عظيمة، وثماراً نافعة، تعم العباد .. وتنتشر في البلاد.
والآثار هي الأهداف إن تحققت، ولذلك نجد اشتراكاً كبيراً بينهما وتوافقاً، وهذه الثمار نفسُها متداخلةُ المعاني فيما بينها، ومترابطةُ الأسباب، بل منها ما هو سبب للآخر، ومشاركٌ له في كثير من شُعبه، ويمكن إيجازها في ست:
- إحقاق الحق .. ودحض الباطل.
- انتشار العدل .. ورفع الظلم.
- انتشار الصلاح .. وقطع دابر الفساد .. واتقاء النقمات الإلهية.
- انتشار الخيرات .. ونزول البركات.
- انتشار الإخاء والسلام .. والأمن بين الأنام.
- سعادة العباد في الدارين.
ونبين في هذا الفصل هذه الآثار، من غير تفصيل ممل، ولا إيجاز مخل، والله الهادي إلى سواء الصراط.
الأثر الأول: إحقاق الحق، ودحض الباطل
.
إن أس الإسلام، ولبه، ومحوره: هو إحقاقُ الحق، أيًا كان، ومع من كان .. وإزهاق الباطل، أينما كان، ومع من كان .. دون النظر إلى
جوانب عاطفية، أو مصالح شخصية، أو قرابات نسبية، مهما كانت درجة هذه القرابة.
بل إنَّ نصر الحق، ودحض الباطل، هو الأصل في الدعوة إلى الله، وهو المطلب الأساس.
قال تعالى -حاكياً عن أهل الجنة قولهم بعد دخولهم الجنة-: {لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبّنَا بِالْحَقّ
…
}.الآية [الأعراف: 43]
وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ
…
}. الآية [الكهف: 29]
والحق في الدعوة إلى الله، ليس محصوراً في صورة دون صورة، ولا موجهاً لطبقة دون طبقة، ولا يسير في منحنى دون آخر، بل الحق يشمل كل صور الحياة، وأحداث الواقع، وطبقات الناس، وجميع المنحنيات، فلا يُستثنى أحد من قول الحق، أو قبول الحق.
كما يشمل جميع صور الاعتقاد، وأنواع العبادة، والأقوال والأفعال، وأنواع المعاملات والعادات في الميادين كلها.
قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ
…
} الآية [الرعد: 14] في كل صور الحياة.
ولذلك خاطب الله البشرية جميعاً بذلك فقال:
{قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ
…
} الآية. [يونس: 108]
وأوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الحق في كل مقام، دون خوف من أحد، فقال عليه الصلاة والسلام:
((لا يمنعن أحدَكم مخافةُ الناس -وفي رواية هيبةُ الناس- أو بَشَرٍ، أن يتكلم بالحق، إذا علمه أو شهده أو سمعه)). (1)
وجاءت النصوص مشددة على قول الحق في مقام الحكم بين الناس.
{وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ
…
} الآية. [المائدة: 48]
ولما أراد أسامة بن زيد أن يشفع في المخزومية التي سرقت، غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال له:((أتشفع في حد من حدود الله))، ثم قال عليه الصلاة والسلام:((إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) (2).
ولا يخفى على عاقل ما في نصر الحق، ودحض الباطل من خير عميم للبلاد، ومصالح عظيمة للعباد، ولذلك سارعت تلك الأمم على اختلاف ألوانها .. وتنوع أصولها .. إلى الدخول في الإسلام. تاركةً الباطل الذي عشعش في عقائدهم، وتحكم في عباداتهم، وسيطر على عاداتهم، مجافيةً سلاطين السوء، وحكام الجور، الذين تحكموا فيهم على مدى قرون، هاجرةً دجاجلة من كهنة ورجال دين، أفسدوا عليهم دينهم، فظهر الحق مستعلياً على باطل الشرك، كعبادة غير الله، من سؤال
(1) حديث صحيح، أخرجه أحمد (3/ 46 - 84)، وابن ماجه (4007)، والترمذي (2191) مطولاً، وغيرهم، وذكره شيخنا الألباني - تعالى- في الصحيحة رقم (168)، وله ألفاظ متقاربة.
(2)
رواه البخاري (3475)، ومسلم (1688).