الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمن يُبيِّن لهم مخالفة أعمالهم للشرع. فضلاً عن شكهم بالأدلة التي تلقى عليهم، أو بفهمها.
يساعدهم على هذا علماء الضلال، ودعاة البدعة.
وما لم ينتبه الداعية لهذا .. فسيزرع الفتن .. ويحصد الصدود.
ومن هذا؛ يُعلم خطأ من ينهى - في زماننا - عن الشيء، والمدعوون لا يعلمون معناه، فلا هم -والحال هذه- فهموا التأصيل، ولا هم اقتنعوا بحكم التمثيل.
كمن ينهى عن بعض الشركيات، ويحكم على الفاعل بالشرك، أو ينهى عن بدعة، ويحكم على الفاعل بالابتداع، والمدعوون لا يعلمون معنى الشرك ولا معنى الابتداع .. بل هم بشركهم هذا، وبدعتهم هذه، يظنون أنهم يتقربون إلى الله تعالى.
بل إنّ هذا الفعل من الداعي سيزيد الناس نفوراً عنه ..
والصواب: أن يبين الداعية معنى الأصل، الذي تتعلق به المسألة، التي يريد بيانها، أو النهي عنها، تمهيداً للكلام عن المسألة .. ونقلاً للمدعوين من مرحلة إلى أفضل. (1)
المطلب الخامس: الأمور التي يجب أن يراعيها الداعية عند بيان التأصيل، ومفاسد الخروج عنها
.
ينبغي على الداعية أن يراعي في تطبيق هذه القاعدة الأمور التالية:
(1) وهكذا معظم الأمور؛ يدعى إلى أصولها قبل فروعها، وإلى معناها قبل تمثيلها، وإلى إقامة الحجة قبل الحكم على العباد، ولو مات المسلم وهو لا يعلم عنها شيئاً ما ضريه في دينه سيئاً. وسيأتي تفصيل ذلك في بابه.
الأول: بساطة الطرح، وسهولة التعبير، مما يسهل على المدعوين فهمه، وذلك حتى يزال الجهل، وتُقام الحجة، وتحصل الاستجابة، لأن مسائل التأصيل قد صيغت - من قبل- صياغة صعبة الفهم على أهل عصرنا.
الثاني: أن يركز على الاستدلال من الكتاب والسنة، مستشهداً على ذلك بأقوال أهل العلم من الأئمة، وليَحْذر من ذِكر الأدلة مجردة عن أقوال الأئمة، فيشكُ المدعوون في فهمه .. أو يذكر أقوال الأئمة دون الأدلة .. فلا يطمئنون لعلمه، لأن وَقْعَ النصوص عند العامة له تأثير بالغ في نفوسهم، ثم تأتي أقوال العلماء لتُطَمْئِن المدعوين إلى صحة فهم الداعي.
الثالث: أن يبدأ بتوضيح الأصل، بإيراد أمثلة وقعت في العهد الأول في الإسلام، ثم بضرب أمثلة حدثت في العصور المتتابعة .. حتى إذا فهم المدعوون وأدركوا معنى التأصيل، ضرب لهم أمثلة من واقعهم، ولو بدأ بضرب الأمثلة من واقعهم لنفروا من ذلك.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وما أكثر مافي السنة من قصص ماضية. ((بَيْنَما رجل ممن كان قبلكم
…
)) (1).
فإذا كان المدعوون مبتلين بالابتداع مثلاً، وأراد أن يحدثهم عنه .. فبعد توضيح التأصيل، وبيان معنى الابتداع وخطورته، حتى إذا ما اطمأن الداعية إلى أن المدعوين فهموا ذلك وهضموه .. بعد هذا يضرب لهم أمثلة مما حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كالنفر الثلاثة الذين حرم بعضهم على
(1) انظر أحمد (2/ 413)، والبخاري (6480)، ومسلم (2088)، والنسائي (8/ 315).
نفسه النكاح، والنوم، وأوجب بعضهم على نفسه الصوم (1) حتى إذا شعر الداعي أن المدعوين عقلوا ذلك .. ضرب لهم أمثلة من واقعهم (2).
الرابع: أن لا يتعدى حكمه على الأقوال والأفعال إلى الحكم على الأعيان مادام داعية حتى لا يثيرهم ويمنعهم من الفهم والقبول.
(1) رواه البخاري (5063)، ومسلم (1401).
(2)
حُذِّر داعية صحيح العقيدة من إلقاء محاضرة، وبخاصة في العقيدة في أحد المساجد، بدعوى: أن روّاد المسجد من أصحاب الشركيات والضلالات وسوء الأخلاق، وقد يؤذون الداعية أذى شديداً، كما فعلوا أكثر من مرة مع غيره، مع ما يحصل من فتنة في المسجد، وأصرّ الداعية على إلقاء المحاضرة، وعن التوحيد، ودخل معه نفر لحمايته من الأذى، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، بل خرج معظم الحضور مقتنعين بأنهم كانوا على خطأ، في أفعالهم الشركية، وأجلّوا الداعية أيما إجلال، وأسكتوا بعض شيوخهم من الرد على الداعية.
والسر في ذلك: أن الداعية بدأ معهم بالتأصيل، فشرح لهم معنى الألوهية، ومعنى العبادة، وبين لهم بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة الذين يحبونهم، بوجوب صرف العبادة لله، وأن صرفها لغيره لا يليق بالموحد، وربما أغضب الله.
وأسهب في بيان صفات الله من السمع، والبصر، والعلم، والقدرة، وأن أحداً من المخلوقين مهما كان لا يوازي سمعه سمع الله، ولاعلمه علم الله، وبين هذا بأسلوب مشوق، وكلمات معبرة، دون أن يحكم على الناس، ودون أن يلقي الحكم على التمثيل قبل التأصيل، بل أصل .. ، وضرب لهم أمثلة عند قوم آخرين.
وبعد هذا التمهيد حكم على التمثيل، فصرّح لهم بحُرمة صرف أي عبادة لغير الله، فلمّا قام أحد شيوخهم للرد عليه، قام الحضور في وجهه، وأسكتوه، ولما خرج المحاضر تبعه بعضهم، فكشف عن عضده وعليه تميمة، وقال: كأني فهمت من محاضرتك، أن هذا شرك، فقال المحاضر: هل أنت معلق قلبك بها أم بالله؟ قال: بالله، قال: فما تنفعك؟ ! وفهمك صحيح أنها من الشرك، فو الله مازاد الرجل على أن نزعها قائلاً: لقد خدعونا سنين، فانظر أثر التأصيل في فهم الناس، ونجاح الدعوة عند من سلك هذا المسلك.
الخامس: يجوز للداعية - بل يجب عليه أحياناً - إذا دعت المصلحة، وتعين الأمر، أن يبدأ بالتمثيل، ويبين حكمه، أو يواكبه بالتأصيل، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ولكن ينبغي أن يكون حكيماً حين الحكم على التمثيل.
والقاعدة -هذه- إنما تقرر: الأصل، وطريقة الدعوة بعامة،
إن إغفال العمل بهذه القاعدة من الدعاة دفع كثيراً من المدعوين إلى النفور، إما لعدم فهمهم، وإما لشكهم بالدعاة، ودفع آخرين إلى الحيرة في الأقوال المتعارضة، لأنه لم يتبين له التأصيل الذي يستطيع به الترجيح بين الأقوال.
والناس في السّاحة الإسلامية - كما هو معلوم - متناقضون .. فهذا يقول عن فعل: إنه شرك، والآخر يقول - عن الفعل نفسه -: أنه جائز.
وذاك يقول: عن فعل: إنه بدعة، والآخر يقول عن الفعل نفسه: سنة.
فماذا يكون حال المدعوين غير المؤهلين - أعانهم الله -
وإن الدعوة إلى التأصيل تضع حداً لهذا التناقض، وتبين الحق من هذه الخلافات، وتسهل للدعاة الدعوة، وللمدعوين الهداية، والله المستعان.