الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دين الإسلام، وإنما تتعلق بدين الرجل نفسه، وحاله، وقوة إيمانه، ومدى استجابته.
فلو أن لعائلة غير مسلمة اليوم متبنى، وأرادت الإسلام، وصعب عليهم مفارقته، قيل لهم: أرضعوا المتبنى، وليبق معكم.
ولو أن امرءاً قال: أُسلم وأؤدي بعض العبادات دون بعض، ولا أنتهي عن المحرمات كلها، أو بعضها، لقيل له: أسلم .. لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً (1).
المطلب الثامن: الوضع المكي لم ينسخ:
من المعلوم أن المجتمعات ليست واحدة في أحوالها فهناك المجتمع المكي .. والمجتمع الدعوي .. والمجتمع الحبشي .. والمجتمع الحجاجي .. والمجتمع الإسلامي .. إلى غير ذلك من أنواع المجتمعات التي لكل واحد منها أحواله، وأحكامه، ومواقفه.
لذلك تتأكد حكمة بقاء منهجية التدرج لتتناسب وهذه المجتمعات كل حسب حاله، وبخاصة في المجتمع المكي.
(1) من جميل ما حدث مرة، أن أحد العلماء سأل رجلاً عن سبب تركه للصلاة، فقال الرجل: أحب الصلاة ولكن الوضوء يصعب علي لبرودة الماء، لذلك تركت الصلاة، وكان ذلك في بلاد باردة، وقبل وجود أجهزة تدفئة المياه، فقال له العالم: تيمم وصل .. فضج العلماء الآخرون ودفعوا العالم للمحكمة على أنه أسقط الوضوء وهو معلوم من الدين بالضرورة.
وبعد قيل وقال .. أصر الشيخ على فتواه معللاً أن وجود هذا الرجل في المسجد سيزيد من علمه وإيمانه، وسيدفعه ذلك إلى الوضوء .. وقد كان الأمر - بَعدُ - كذلك.
والمقصود بالوضع المكي: وجود مسلمين ضعفاء مضطهدين بين أظهر الكافرين، لا يسمح لهم بالدعوة، ولا يستطيعون إقامة شعائرهم، ولا الأمر بالمعروف، ولا النهي عن المنكر .. فضلاً عن الجهاد، وإقامة الحدود.
فإن وجد قوم من المسلمين كذلك، فيشرع لهم الاقتداء بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة، من أداء ما يستطيعونه من العبادات، والانتهاء عما يستطيعونه من المحرمات.
ويجب عليهم الرد الكريم، والصفح الجميل، والعفو عن المؤذين، وكف الأيدي، ويحرم عليهم الرد بالعنف والقتال.
قال تعالى: { .. فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ .. } الآية [النساء: 77]
قال ابن تيمية: ((فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله، من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة، فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية {قَاتِلُوا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الاخِرِ وَلا يُحَرّمُونَ مَا حَرّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتّىَ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29])). (1)
(1) الصارم المسلول (2/ 413).