الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي قوله: أرباب متفرقون
…
، تحريك للعقل، ونجش للتفكير.
وفي قوله: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وءَابَآؤُكُمْ} تقرير وحكم.
المطلب الرابع: السنة ومخاطبة العقل والقلب:
لم يكن أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مستمداً من القرآن ومن إخوانه الرسل، فقد كانت سنته صلى الله عليه وسلم في خطابها، تجمع بين حض العقل والتفكير، ومناجاة الوجدان والقلب بما يحركهما .. ومن ذلك:
ما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاب الذي استأذنه بالزنى: فقال له: ((هل ترضاه لأمك .. هل ترضاه لأختك .. )) (1) الحديث.
فهذا خطاب للوجدان والفطرة.
ومن ذلك ما كان عليه الصلاة والسلام يقوله لأصحابه: ((إنما أنا لكم بمنزلة الوالد .. )) (2) الحديث.
وهل ثمة عاطفة أبلغ من هذه.
واتضحت العاطفة الحانية في أفعاله صلى الله عليه وسلم وضوحاً ساطعاً، وذلك في تقبيله للأولاد، وعدم ضربه أحداً من المسلمين .. وعفوه عمن آذاه ..
وأسلوب الداعية لا يقتصر على الكلام بل يشمل الفعال كذلك، بل ربما كانت أدل على المقصود.
(1) سبق تخريجه ص (168).
(2)
رواه أبو داود رقم (8)، وانظر صحيح أبي داود (6).
وأما في مقام العقل، ففي سنته الشيء الكثير .. فمن ذلك؛ قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل: أيأتي أحدنا شهوته وله أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ .. )) (1) الحديث.
ولما سئل عن العدوى: أرأيت البعير الأجرب يكون في الإبل
…
فيجر بها، فقال صلى الله عليه وسلم:((فمن أعدى الأول)) (2).
وسألته امرأة عن حكم الحج عن أمها التي ماتت فأجابها: ((
…
أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضية؟ .. اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)). (3)
فهذه خطابات تحرك العقل .. وتدفع نحو التفكير.
وهكذا ينبغي للداعية الحكيم - حتى يكون خطابه مؤثراً - أن يتضمن خطابه الدعوي إثارة للعاطفة، وتحريكاً للفكر .. فيجمع بهذا بين الأمرين، فإذا خاطبهم عاطفياً أيده بالأدلة المقنعة .. والحجج الدامغة .. وإذا خاطبهم بما يثير العقل .. حلاّه بالإثارة الوجدانية .. والمناجاة القلبية.
فإن محركات العقل، تدفع إلى الاقتناع والتسليم.
وإن مناجاة القلب، لها أثر في الاستجابة والاطمئنان.
وبهذا يكون الداعية قد حقق الموازنة، وخاطب جميع الأصناف، ولبّى حاجاتهم النفسية المركبة من العقل المفكر، والقلب المقرر، والله نسأل: عقولاً نيرة، وقلوباً صادقة، إنه ولي ذلك وأهله.
(1) رواه مسلم (1006).
(2)
رواه البخاري (5717)، ومسلم (2220).
(3)
البخاري (1852، 6699، 7315).