الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع الموازنة بين الترهيب والترغيب:
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: المقصود من هذه القاعدة:
جُبلت النفس البشرية على الخوف .. كما فطرت على الطمع .. لذلك كان من منهجية الدعوة إلى الله تعالى؛ أن يثير الداعية هذه الكوامن الفطرية .. ويجعلها تتفاعل مع خطابه الدعوي .. ومن المهم أن لا يغلِّب جانباً على جانب، بل من الخطير أن يفعل ذلك، بل على الداعية أن يوازن في دعوته بين ترهيب الناس وتخويفهم بالله، وبما يكون من عواقب ذنوبهم في الدنيا، وما عليها من العذاب الشديد في الآخرة، وبين ترغيبهم بما عند الله عز وجل، من الجزاء العظيم، والنعيم المقيم، وما يفتح الله لهم من الخير، والبركات، والنصر، والتمكين في الدنيا، مما يرغبهم للإقبال على الله، وطاعته، والتوبة إليه، ومحبته.
ولا ينبغي للداعية أن يقتصر على جانب دون جانب، فإن بدأ بالترهيب فينبغي عليه أن يختمه بالترغيب، وإن عكس عكس.
المطلب الثاني: منهج القرآن الكريم من هذه القاعدة:
المتتبع لمنهج القرآن الكريم يجد هذا واضحاً من خلال آياته.
فإذا ما ذكرت الجنة أتبعها الله سبحانه بذكر النار .. وإذا ما ذكر العذاب .. أتبعه بذكر الرحمة والنعيم، وقد يكون هذا في آيات متتالية وقد يكون في الآية الواحدة.
فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكره الله في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: {مّثَلُ الْجَنّةِ الّتِى وُعِدَ الْمُتّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مّن مّآءٍ غَيْرِءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مّن لّبَنٍ لّمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لّذّةٍ لّلشّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مّنْ عَسَلٍ مّصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رّبّهِمْ} [محمد: 15]، فبعد هذا الترغيب الجميل، أعقبه بما يخوف النفوس، ويرعب القلوب، فقال:{كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النّارِ وَسُقُوا مَآءً حَمِيماً فَقَطّعَ أَمْعَآءَهُمْ} [محمد: 15]
ولما ذكر الله العذاب الشديد في سورة الحج بقوله: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُوا قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلّمَآ أَرَادُوَا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 19 - 22].
أعقب هذه الآيات الصارخة بالعذاب، والمرعبة للقلوب، بآيات تنطق بالنعيم المقيم، والاطمئنان العظيم برحمة الله {إِنّ اللهَ يُدْخِلُ الّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23]
وإذا ذكر الله صفة من صفاته التي توحي بالرحمة، أتبعها بما يرهب من صفة أو عذاب.
قال تعالى: {نَبّئْ عِبَادِى أَنّى أَنَا الْغَفُورُ الرّحِيمُ * وَأَنّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ} . [الحجر: 49، 50]