الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث عشر الوسيلة الثالثة عشرة: المباهلة:
يقصد بالمباهلة: دعاء الفريقين المتكاذبين، كلاً بالهلاك على الطرف الكاذب وذريته (1).
متى يدعى لها؟ : تكون بعد استنفاذ كافة السبل الدعوية، من بيان، وحوار، ومناظرة، مع إصرار الخصم وجحوده وعناده.
فإذا استمر الخصم على الافتراء والكذب، دعي إلى المباهلة.
لقوله تعالى: {فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
…
} الآية
[آل عمران: 61]، أي من أبَنْتَ له الحق، وأقمت عليه الحجة، فأبى وعاند .. فادعه بعد ذلك إلى المباهلة.
ففي هذا دليل على أنها آخر المطاف.
قال ابن كثير: ((كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران من النصارى -بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة، وعتوهم، وعنادهم -إلى المباهلة)) (2).
وقال ابن القيم: (( .. أن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله ولم يرجعوا، بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة)) (3).
(1) راجع النهاية لابن الأثير (1/ 167)، والمعجم الوسيط، مادة:(ب هـ ل).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 132) وكذلك عند تفسير الآية 61 إلى الآية 63 من سورة آل عمران.
(3)
زاد المعاد (3/ 643).
كيفيتها: يدعو أحد الطرفين الآخر لها .. ويجتمعان في مكان واحد، مع أهليهما وذريتهما، ثم يدعو بعضهم على بعض: أن ينزل الله لعنته على الكاذب منهما.
دليلها: قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [ال عمران: 61].
وبعد نزول هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران، بعد أن ناظرهم وأقام عليهم الحجة، وأَبَوا الإسلام، وأصروا على الافتراء - كما سبق ذكره - دعاهم إلى المباهلة، فخافوا وأبوا، ثم سالموا ودفعوا الجزية.
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: ((جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فو الله لئن كان نبياً فلاعنّاه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا .. )) (1) الحديث.
فيما تشرع فيه المباهلة:
تشرع المباهلة في كل أمر أساس في الدين، ينكره الخصم، ويفتري فيه، وللمباهل فيه برهان من الله لا اجتهاد فيه.
ولذلك لا تشرع المباهلة في الأمور الاجتهادية، ولا الفرعية، فإن الخطأ في الاجتهاد لا يلاعن عليه، بل يؤجر صاحبه بشروطه المعروفة.
(1) رواه البخاري (4380)، ومسلم (2420).
هل ما تزال المباهلة مشروعة؟ :
المباهلة مشروعة في الكتاب والسنة كما سبق بيانه، وإذا شرع أمر في الكتاب والسنة، فلا يقبل دعوى نسخه، أو تخصيصه، إلا بدليل قطعي، لا بالظن والاجتهاد ..
ودعوى بعضهم أنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دعوى مردودة، لأن الأمر للنبي أمر للأمة، ما لم يأت دليل يمنعه، وليس ثمة دليل مانع على هذه الدعوى.
قال ابن القيم: ((وقد أمر الله سبحانه بذلك- أي بالمباهلة- رسوله ولم يقل: إن ذلك ليس لأمتك من بعدك .. )) (1).
وقد تتابع المسلمون على استخدام هذه الوسيلة، مما يؤكد بقاء مشروعيتها.
وقد دعا إلى المباهلة ابن عباس، والأوزاعي، والعسقلاني، وغيرهم (2).
(1) زاد المعاد (3/ 643).
(2)
راجع زاد المعاد (3/ 643)، وفتح الباري (8/ 95).
ومن غريب ما وقع من المباهلة أن الحافظ العسقلاني أمير أهل الحديث، وشارح صحيح البخاري، قد باهل أحد محبي محيي الدين بن عربي على أنه ضالٌ، فأصابت المباهلة الرجل فمات، راجع (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) للعلامة برهان الدين البقاعي ص (149 - 148)، و (شرح قصيدة ابن القيم) لأحمد بن إبرهيم بن عيسى (1/ 172 - 173).