المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدّمة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وسلّم - نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار - جـ ١

[محمود مقديش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌المقدمة:

- ‌المقالة الأولى[في تحديد المغرب برا وبحرا وأسماء البلدان]

- ‌الباب الأولفي تحديد المغرب برا وبحرا

- ‌البحر المظلم:

- ‌الحدود البرية للمغرب:

- ‌حفر الزقاق:

- ‌المدّ والجزر:

- ‌حدود البحر الشامي:

- ‌الباب الثانيفي الكلام على ضبط بر المغرب الأقصى وما يليه من الغرب الأوسط وذكر ما فيه من البلاد والعباد

- ‌البربر وأصولهم وافريقية وتسميتها:

- ‌نول لمطة:

- ‌آزكّي:

- ‌سجلماسة:

- ‌درعة:

- ‌السّوس:

- ‌جبل درن:

- ‌أغمات وريكة:

- ‌مراكش:

- ‌نهر تانسيفت:

- ‌ أغمات أيلان

- ‌عود إلى ذكر مرّاكش:

- ‌الطريق من مرّاكش إلى أم ربيع:

- ‌آنقال:

- ‌مكول:

- ‌ايكسيس:

- ‌سلا:

- ‌فضالة:

- ‌الطريق من فضالة إلى آسفي:

- ‌آسفي:

- ‌مرسى ماست:

- ‌داي وتادلة:

- ‌الطريق من تادلة إلى‌‌ فاس:

- ‌ فاس:

- ‌ صفروي

- ‌قلعة مهدي:

- ‌مغيلة:

- ‌ مكناسة

- ‌بني تاورة:

- ‌السوق القديمة:

- ‌قصر عبد الكريم:

- ‌عود إلى ذكر فاس:

- ‌الطريق من فاس إلى تلمسان:

- ‌ تلمسان

- ‌الطريق من تلمسان إلى تنس:

- ‌تنس:

- ‌وهران:

- ‌المسيلة:

- ‌الطريق من وازلفن إلى مليانة:

- ‌مليانة:

- ‌الطريق من كزناية إلى المسيلة:

- ‌قلعة بني حمّاد وما جاورها:

- ‌قسنطينة وما جاورها:

- ‌جبل سحاو:

- ‌سوق بني زندوي:

- ‌جيجل:

- ‌مدن أخرى:

- ‌الجزائر:

- ‌تامدفوس:

- ‌مرسى الدّجاج:

- ‌تدلس:

- ‌بجاية:

- ‌الطريق من بجاية إلى القلعة:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌بلزمة:

- ‌حصن بشر:

- ‌سبتة:

- ‌الجزر والمدن والمراسي والمواقع الساحلية من سبتة إلى بونة:

- ‌ باغاية

- ‌توزر:

- ‌قفصة:

- ‌الطرقات من قفصة إلى ما جاورها:

- ‌ جبل نفّوسة

- ‌قابس:

- ‌صفاقس:

- ‌ قصر الجم

- ‌جمال:

- ‌المهدية:

- ‌نفزاوة:

- ‌ القيروان

- ‌تونس:

- ‌قرطاجنة:

- ‌بنزرت:

- ‌طبرقة:

- ‌باجة:

- ‌مرسى الخرز:

- ‌ بونة

- ‌الأربس:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌جزيرة باشو:

- ‌جبل زغوان:

- ‌جبل وسلات:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌طرابلس:

- ‌الطرقات من طرابلس إلى ما جاورها:

- ‌جبل دمر:

- ‌برقة

- ‌الطريق من برقة إلى العين:

- ‌الطريق من برقة إلى الإسكندرية:

- ‌الطريق الساحلي من بونة إلى نابل:

- ‌نابل:

- ‌الطريق الساحلي من نابل إلى سوسة:

- ‌سوسة:

- ‌الطريق الساحلي من سوسة إلى صفاقس:

- ‌جزيرة قرقنة:

- ‌الطريق الساحلي من صفاقس إلى جربة:

- ‌جربة:

- ‌الطريق الساحلي من جربة إلى لبدة:

- ‌لبدة:

- ‌الطريق الساحلي من لبدة إلى الإسكندرية:

- ‌ الإسكندرية

- ‌جغرافية الأندلس:

- ‌اليونان ودورهم بالأندلس:

- ‌طليطلة وما جاورها:

- ‌قرطبة:

- ‌المرية:

- ‌أقاليم الأندلس:

- ‌مدن ساحلية:

- ‌جزر البحر الشامي:

- ‌صقلية:

- ‌المقالة الثّانيةفي ذكر الخلافة وخلفاء الصّحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من خلفاء بني أميّة بالمشرق وفتوحات المغرب في أيّامهم

- ‌الباب الأولفي الخلافة وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌مفهوم الخلافة:

- ‌آدم عليه السلام أول الخلفاء:

- ‌كيومرث:

- ‌مهلائيل:

- ‌شيث وذريته:

- ‌ ادريس

- ‌إبراهيم وإبنيه:

- ‌العرب: طرف من أصلهم وبعض من أخبارهم:

- ‌ولاية الكعبة:

- ‌الخليفة الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان رضي الله عنه

- ‌خلافة علي رضي الله عنه

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌يزيد:

- ‌بقية خلفاء بني أمية:

- ‌غزوات عمرو بن العاص:

- ‌غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح:

- ‌ولاية معاوية بن خديج:

- ‌ولاية أبي المهاجر:

- ‌ولاية عقبة بن نافع وغزواته:

- ‌غزوة عقبة بن عامر الجهنّي:

- ‌غزوة رويفع بن ثابت:

- ‌غزوة زهير بن قيس البلوي:

- ‌ولاية حسان بن النعمان وغزواته:

- ‌فتح الأندلس:

- ‌بيت الحكمة بالأندلس:

- ‌تتمة الحديث عن فتح الأندلس:

- ‌ولاية عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌ولاية علي بن رباح:

- ‌المقالة الثّالثةفي ذكر خلفاء بني العبّاس وبعض أمرائهم بالعراق وأمرائهم بالمغرب

- ‌الباب الأولفي ذكر خلفاء بني العباس

- ‌قيام الدولة وخلافة أبي العباس السفّاح:

- ‌أبو جعفر المنصور:

- ‌محمد المهدي:

- ‌محمد موسى الهادي:

- ‌ هارون الرّشيد

- ‌محمد الأمين:

- ‌المأمون وقضية خلق القرآن:

- ‌المعتصم:

- ‌الواثق بالله:

- ‌المتوكل على الله:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌المعتز بالله:

- ‌المهتدي بالله:

- ‌المعتمد وحركة الزنج:

- ‌ المعتضد بالله

- ‌المكتفي بالله وظهور القرامطة:

- ‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

- ‌القاهر بالله والراضي بالله:

- ‌المتقي بالله:

- ‌المستكفي بالله:

- ‌المطيع لله:

- ‌الطائع لله:

- ‌القادر بالله:

- ‌القائم بأمر الله:

- ‌المستظهر بالله:

- ‌المسترشد بالله:

- ‌الراشد بالله:

- ‌المقتفي لأمر الله:

- ‌المستنجد بالله:

- ‌المستضيء بالله:

- ‌الناصر لدين الله:

- ‌المستنصر بالله:

- ‌المستعصم بالله:

- ‌التتار:

- ‌هولاكو وسقوط بغداد وانقراض الدولة العباسية:

- ‌العباسيون بمصر:

- ‌تيمورلنك:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بعض أمراء بني العباس بالمشرق

- ‌ الصفارية

- ‌السامانيون:

- ‌الغزنويون:

- ‌السلاجقة:

- ‌الديلمية:

- ‌السلقدية:

- ‌الخوارزمية:

- ‌الباب الثالثفي مشاهير أمراء بني العبّاس بالمغرب

- ‌يزيد بن حاتم:

- ‌هرثمة بن أعين:

- ‌بداية بني الأغلب:

- ‌أبو العباس عبد الله:

- ‌زيادة الله:

- ‌أبو العباس محمد:

- ‌زيادة الله الأصغر:

- ‌أبو الغرانيق:

- ‌ابراهيم:

- ‌عبد الله بن ابراهيم:

- ‌المقالة الرّابعةفي ذكر ملوك الشّيعة بالمغرب وكيفيّة انتقالهم لمصر وما يتبع ذلك

- ‌عبيد الله المهدي وقيام الدّولة الفاطمية:

- ‌حركة القيروانيين المضادة للفاطميين:

- ‌أقوال بعضهم في الفاطميين والمجادلة حول رميهم بالكفر والزندقة وتبرئتهم منهما:

- ‌تأسيس المهديّة:

- ‌القائم وثورة أبي يزيد:

- ‌المنصور وفشل ثورة أبي يزيد:

- ‌المعز لدين الله وانتقال الفاطميين إلى مصر

- ‌الفاطميون بمصر:

- ‌المقالة الخامسةفي ذكر ملوك ضهاجة بالمغرب وصلاح الدّين بمصر

- ‌الباب الأولفي ذكر ملوك صنهاجة

- ‌زيري بن مناد:

- ‌بلكين بن زيري:

- ‌باديس:

- ‌المعزّ بن باديس: قطعه الدعوة للفاطميين واجتياح العرب افريقية

- ‌تميم بن المعز:

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌علي بن يحيى وابنه الحسن:

- ‌الباب الثانيفي ذكر دولة‌‌ نور الدين

- ‌ نور الدين

- ‌عماد الدّين اسماعيل:

- ‌عود إلى ذكر نور الدين:

- ‌الحملات الصليبية الأولى واستقرار الافرنج بالشام:

- ‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

- ‌الملك الكامل والحروب الصليبية الخامسة:

- ‌الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب والحروب الصليبية السادسة

- ‌نهاية الأيوبيين:

- ‌المماليك بمصر:

- ‌المقالة السّادسةفي ذكر خلفاء بني أميّة بالأندلس وذكر الطوائف بعدهم

- ‌بنو أميّة:

- ‌ملوك الطوائف:

- ‌المقالة السّابعةفي ذكر ملوك لمتونة وهم الملثمون بالعدوة والأندلس

- ‌بداية المرابطين:

- ‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفّقة في الأندلس:

- ‌نهاية المرابطين:

- ‌المقالة الثّامنةفي ذكر دولة الموحّدين وأمرائهم بالعدوة والأندلس وافريقية

- ‌الباب الأولفي أول ملوكها ومن بعده من الملوك

- ‌المهدي بن تومرت:

- ‌ عبد المؤمن

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌العادل:

- ‌المعتصم:

- ‌المأمون ومن ولي بعده إلى نهاية الدولة الموحدية:

- ‌الباب الثانيفي فتح عبد المؤمن للمهدية والبلاد الساحلية بعد استيلاء الافرنج عليها حسبما ذكره ابن الأثير وغيره من أئمة التاريخ

- ‌أسباب احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌هروب الحسن الصنهاجي والتقائه بعبد المؤمن:

- ‌احتلال النرمان لصفاقس والسّاحل:

- ‌انتفاض صفاقس وغيرها من المدن على النرمان:

- ‌عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته:

- ‌الباب الثالثفي ذكر ثوار افريقية على الموحدين

- ‌ثورة بني غانية:

- ‌ثورة محمد بن عبد الكريم الرجراجي:

- ‌يحيى الميورقي يستولي على المهديّة وتونس وغيرهما:

- ‌يحيى الميورقي يستمر في ثورته ويصده عنها النّاصر الموحدي ويفتكّ منه افريقية:

- ‌نهاية قراقوش ويحيى الميورقي بن غانية:

- ‌المقالة التّاسعةفي ذكر دولة بني مرين وبني زيان وبني نصر

- ‌الباب الأولفي ذكر دولة بني مرين بالعدوة

- ‌عبد الحق بن محيو ومن ولي بعده:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو ثابت عامر:

- ‌أبو الربيع سليمان:

- ‌أبو سعيد عثمان:

- ‌أبو الحسن المريني ودخوله إلى تونس:

- ‌أبو عنان وأعماله بافريقية:

- ‌نهاية المرينيين:

- ‌السلطة بالمغرب الأقصى في عصر المؤلف:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بني زيّان ملوك تلمسان

- ‌يغمراسن:

- ‌عثمان ومن ولي بعده:

- ‌أبو تاشفين عبد الرحمان ودخوله تونس:

- ‌نهاية بني زيّان:

- ‌الباب الثالثفي ذكر دولة بني نصر بالأندلس

- ‌المقالة العاشرةفي ذكر دولة بني حفص بأفريقية

- ‌أبو محمد عبد الواحد

- ‌أبو العلا ادريس

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌المستنصر ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌الواثق:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم ابن أبي زكرياء:

- ‌الدّعي ابن أبي عمارة:

- ‌أبو حفص عمر ابن أبي زكرياء:

- ‌أبو عصيدة ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌أبو بكر الشهيد:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو يحيى زكرياء ابن اللحياني:

- ‌ محمّد أبو ضربة

- ‌أبو يحيى أبو بكر:

- ‌وفاة القاضي ابن قدّاح:

- ‌وفاة الفقيه محمد بن عبد الله بن راشد القفصي:

- ‌وفاة الفقيه عبد الله ابن البراء التنوخي:

- ‌وفاة الشّيخ علي بن منتصر الصدفي:

- ‌وفاة الشّيخ أبي حيان:

- ‌أبو حفص عمر بن أبي بكر والتنافس بين الحفصيين:

- ‌عود إلى ذكر تملك أبي الحسن المريني تونس وأعمالها وما وقع له بها:

- ‌الفضل بن أبي بكر:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم بن أبي بكر وابن تافراجين:

- ‌حركة أبي عنان المريني في اتجاه تونس:

- ‌عود إلى ذكر أبي اسحاق ابراهيم وابن تافراجين:

- ‌وفاة ابن تافراجين:

- ‌وفاة القاضي أبي القاسم بن سلمون البياسي:

- ‌وفاة أبي اسحاق ابراهيم:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو العباس أحمد ونزول النصارى بالمهدية:

- ‌أبو فارس عبد العزيز:

- ‌ترجمة الشّيخ ابن عرفة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز داخل افريقية والمغرب:

- ‌نزول النصارى بقرقنة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز بمالطة والمغرب الأوسط:

- ‌نزول النصارى بجربة ومواجهة أبي فارس لهم:

- ‌حركة أخرى بالمغرب الأوسط لأبي فارس ووفاته:

- ‌مزايا أبي فارس:

- ‌أبو عبد الله محمد المنتصر:

- ‌أبو عمرو عثمان ومن توفي في أيامه من المشايخ:

- ‌أبو زكرياء يحيى بن مسعود وعبد المؤمن بن ابراهيم:

- ‌محمد بن الحسن وتغلب النصارى على مواقع من افريقية:

- ‌الحسن بن محمد والتصارع العثماني الاسباني بافريقية:

- ‌درغوث باشا:

- ‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

- ‌محمد الحفصي: نهاية الدولة الحفصية والاستقرار العثماني بتونس:

- ‌تتمة من الناسخ:

الفصل: ‌ ‌مقدّمة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وسلّم

‌مقدّمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيدنا محمد وسلّم (1)

‌تمهيد:

الحمد لله ذو المجد والعز والملك الذي لا يزول، الغالب على أمره فلا معقب لحكمه ولا مغير، ولا ينتقض ولا يحول، دائم الوجود، فلا يتحدد بالأعصار والدّهور، والأوقات والفصول، تنزه عن الجهة والمكان، وعن أن يحيط بكنه ذاته الأوهام بل ولا العقول، كرّم بني آدم وحملهم في البرّ والبحر، وفضّلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، ورفع بعضهم على بعض خلافة وملكا، وعلما وعملا، وحكمة ونبوءة وولاية، وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا، علّم الإنسان بالقلم ما لم يعلم، ووهبه خيرا جزيلا، ويسر علينا ضبط العلوم والآثار، ونقل ما انتقش على صفحات الأيّام من الأخبار، وألهمنا إلى ردّ وقائع الأكوان الماضية إلى أوقاتها، وتقييد الحوادث الحاضرة بساعاتها، وجعل لنا في القصص عبرة وذكرى، وأيقظنا به من سنة الغفلة، وجعل لنا أحسن القصص في كتابه العزيز تلاوة وذكرى، فكم شاهدنا ببصائرنا ما لم نشاهده بأبصارنا، وكم سرحت أفكارنا في ديار قوم نأت عن ديارنا، حتى حضرنا في لحظة واحدة في بقعة واحدة ما تطاولت به الدهور ونأت به الأقطار، وصارت واقعات الكون محصورة في دور من الأدوار، ودار من الديار، وجعلنا القاصين (2) لآثار من سلفنا، مبلغين (3) ما ثبت لدينا لمن خلفنا، ناقلين ما أبقاه الدهر من الأخبار، راقمين لأحوال من مضى وما لهم من الآثار، والصّلاة والسّلام على سيدنا ومولانا محمد أشرف من تعلّم وعلّم، ووعظ بذكر من مضى من الأمم، وزهد في الدنيا الدنيئة فهي عبرة لمن اعتبر، وفي تقلبها بأهلها تبصرة لمن تبصر، ورضي الله تعالى عن

ص: 35

آله وصحبه الذين بنقل آثارهم المرضية، وتصفح سيرهم الزكيّة، نهتدي إلى الصّواب والحق المبين، والتمسك بأذيال شبههم السّنية، نفوز بعين اليقين، إن هذا لهو حق اليقين، وسبحان الله العظيم.

أما بعد فإن علم التاريخ الذي اعتنى بتحريره أساطين حفّاظ الرواة، واشتغل بتنقيحه الأئمة المحققون الهداة، من أفضل العلوم نفعا، وأشرف المزايا قطعا، إذ بمعرفته يكون اللّبيب في دار الغرور على أهبة سفر، وبتعاطيه يكون الموفق دائما على حذر، وفيه للفضلاء النبلاء تذكرة وهن للتهيئ للرحيل، وإيقاظ للغافل (4) من نومة كسله، وتسويفه إلى المبادرة بالتوبة التي هي إلى السعادة أهدى دليل، وتنشيط للمتواني ليتلافى (5) ما بقي من عمره فإنه نزر (6) قليل، وفيه مع ذلك امتثال لقوله صلى الله عليه وسلم «ليبلغ الشاهد الغائب» أو كما قال:«فإنه علم شامل لتبليغ جميع ما فيه نفع للخلق، من أحكام ومواعظ وكل نافع من الكلام» ، وقالوا:«من كتب وقائع أيامه فقد كتب كتابا لمن بعده، ليشاهد حوادث دهره وأعوامه، ومن قيّد ما شاهد فقد أهدى لمن بعده أسرارا، ومن كتب التاريخ فقد زاد في عمر من يخلفه أعمارا، وبوّأه بسماعه (7) ديارا لم تكن له دارا، وأحلّ أهل الآفاق بلادا ما كانت لهم منزلا ولا قرارا. شعر (8): فإنني إن لم أر الديار بعيني، فلعلّي أرى الدّيار بسمعي، ولقد أفادنا الأمم الماضون بأخبارهم، وأطلعونا على ما دثر وما بقي من آثارهم، فأبصرنا ما لم نشاهده بأبصارهم، وأحطنا بما لم نحط به خبرا بأخبارهم، فحق على من تيسر عليه نقل ما شاهد، وسمع ما لم يشاهد أن يبلّغ من بعده كما بلغه من قبله كما قال: «لقد غرسوا حتى أكلنا وإننا، لنغرس حتى يأكل الناس بعدنا» .

هذا وقد سألني بعض اخواننا من أهل العصر لما سمع بعض مغازي الصحابة الأعلام - رضي الله تعالى عنهم - حين فتحوا المغرب الفتح الأول، ومغازي المجاهد في سبيل الله عبد المؤمن رحمه الله لإفريقية الفتح الثاني لما استولى عليه الكفار من البلاد البحرية، ومغازي العساكر العثمانية لتونس عند الفتح الثالث لما استولى عليها الكفرة (9) فاستنقذوها - رحم الله أسلافهم وأخلافهم وقرن النصر براياتهم -، وطلب مني تقييد شيء من ذلك مع تقييد شيء من أحوال أمراء الإسلام القائمين بحفظ المغرب من الفتح الأول إلى الآن،

(4) في ت، وط:«وإيقاظ الغافل» .

(5)

في ت، وط:«ليلاقي» .

(6)

في ش: «نور» .

(7)

في ش: «ساعة» ، والظاهر أنها هفوة من الناسخ لعدم استقامة المعنى.

(8)

ما سيأتي ونصن عليه المؤلف بالشعر ليس إلاّ نثرا كما يلاحظه القارئ.

(9)

في ش، وط:«الكفرة اللئام» .

ص: 36

وتحديد المغرب برا وبحرا، وذكر بلدان المغرب وخواصها وسكانها، ومساحة ما بينها، مع ذكر أهل الفضل من العلماء والصالحين بخصوص صفاقس من الماضين والحاضرين، وذكر أحوالها مع ذكر ما تيسّر من فضلاء غيرها على سبيل الإختصار، فرأيت فيما دون ما طلب خرط القتاد سيّما من مثلي ممن لا مادة له في تعاطي هذا الخطب العظيم الشأن، ومع ذلك فلست أعد نفسي أهلا لأن أكون من فرسان هذا الميدان، وأحرى وأنا في بلد مطروح في زوايا الإهمال لإقبال أهله على تحصيل الدينار والدرهم والسعي على العيال، ولم يعتن الماضون بضبط أحوالها إلاّ بقدر ما (10) ليس له بال. فأكّد علي السائل الطلب، وصار لي كالغريم الممطول، ومدافعتي له كالفضول. فتصفحت ما لدي من المادة فإذا هي بضاعة مزجاة، وقد جرف الطاعون من بلدنا من كنا نعده من الرواة، ورأيت أنه لا يصلح لهذا الأمر إلاّ الوزراء وأرباب الدول الذين يتقلّبون في ظلال الملوك والسلاطين، ويطالعون خزائنهم المحتوية على مادة التواريخ ويتدارسونها كل وقت وكل حين، وتتصرف على أيديهم حوادث العصر والأوطان، ووقائع السلاطين والبلدان، فأحجمت عما سئلت إحجام العاجز الكليل، وتقاعست عن التقدم لهذا الخطب الجسيم، إلاّ أن السائل حسب أن كل بيضاء شحمة وكل سوداء (11) تمرة، وظن أن هذا الأمر عندي على طرف اللثام (12)، وأنه مما يقال في أيسر أيام. فجعل يكرر السؤال المرة بعد المرة، وأنا أتعلل في كل كرة، فشبهت حاله معي بحال الطفل الصغير، إذ يظن أن أباه على كل شيء قدير. ولما لم ينفع التعلل والمدافعة بالتي هي أحسن وأوفق. قلت:«أدفع السائل بظلف محرق» . فعزمت على إسعافه بقدر الطاقة، وتوكّلت على الله، وطلبت منه الإعانة والتّوفيق، فإنه بتحقيق الأمنية حقيق، وبيده أزمّة (13) التّحقيق. وكتبت ما تيسر لي وإن كان شيئا يسيرا، لكنه بالنسبة لأمثالي قد يعده المنصف خيرا من الله كثيرا. والمرغوب من ذوي الفضل والكرم أن يعاملوني بالفضل والرضا والسماح، لا بالسخط والإفتضاح. ولله در القائل:

[طويل]

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

كما أن عين السخط تبدي المساويا

[طويل]

فقلت لهم لا تنسوا الفضل بينكم

فليس ترى عين الكريم سوى الفضل

(10) في ت: «إلاّ ما قدر هما» ، وفي ط وش:«إلاّ مما قدره» ، والتّصويب من عندنا ليستقيم المعنى.

(11)

كذا في ط، وفي ت:«أسود» ، وفي ش:«سواد» .

(12)

ما على الفم من النقاب، تاج العروس 9/ 55.

(13)

في ط: «أزمنة» .

ص: 37

وإذا عثروا لي علي غلط صريح أو نقل غير صحيح أن يردوه بالّتي هي أحسن بعد التثبت والتحقيق لأن هذه أخبار ينقلها الرواة وكل ينقل على حسب ما ثبت عنده وتقرر، ويؤرخ حسب (14) ما لديه تحرر، والتعرض لنقل الأقوال المختلفة قد يفضي إلى الملل (15) ويورث الكسل، فيأخذ الإنسان بحسب اجتهاده ما يراه أقرب للصواب، والله أعلم وعنده أم الكتاب.

وحصرت ما كتبته في مقدمة وإحدى عشرة مقالة وخاتمة، فجاء بحمد الله مهماته كأحد عشر كوكبا والشّمس والقمر بازغة غير كاسفة ولا آفلة، وسميته «نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار» .

وها أنا أشرع في المقصود بعون الله المعبود فنقول:

أما المقدمة ففي حدّ علوم التاريخ وموضوعه وفائدته ومنفعته، وأول من أرّخ في الإسلام فيكون هو كواضعه.

وأما المقالات:

فالأولى في تحديد المغرب برّا وبحرا، وأسماء البلدان وخواصّها وسكّانها، ومساحة ما بينها، والمراسي وما يتعلق بذلك.

الثانية في ذكر الخلافة وخلفاء الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاء بني أميّة بالمشرق، وما وقع من الفتح الأول لأرض المغرب على أيدي الصحابة وأمراء بني أمية.

الثالثة في ذكر خلفاء بني العباس وبعض أمرائهم بالعراق وأمرائهم بالمغرب.

الرابعة في ذكر ملوك الشيعة غربا وشرقا وما يتعلق بذلك.

الخامسة في ذكر ملوك صنهاجة بالمغرب، ونور الدّين بالشّام وصلاح الدّين بمصر والشّام، وكيفية قطع مذهب الشيعة من هذه الأقطار.

السّادسة في ذكر خلفاء بني أمية بالأندلس ودول الطوائف بعدهم.

السّابعة في ذكر ملوك لمتونة بالعدوة والأندلس.

الثّامنة في ذكر دولة الموحّدين بالعدوة والأندلس، وفتح عبد المؤمن الفتح الثاني لمّا استولى عليه الكفار من البلاد البحرية.

التاسعة في ذكر بني مرين (16)، وبني زيّان بتلمسان، وبني نصر بالأندلس.

العاشرة في ذكر دولة بني حفص بإفريقية.

(14) في ط: «بحسب» .

(15)

في ت: «قد يمضي إلى المال» .

(16)

في ت، وط:«دولة بني مرين» .

ص: 38