الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّارين، واعلموا أني [أول](224) مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وإني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية قومه (225) لذريق فقاتله - إن شاء الله تعالى - فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتم (226) أمره ولن يعوزكم بطل عاقل تسندون أمركم إليه بعدي وإن هلكت قبل وصولي إليه، فاخلفوني في عزمتي (227) هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا (228) المهمّ من فتح هذه الجزيرة بقتله فإنهم بعده يخذلون.
فلما فرغ طارق من تحريض أصحابه على الصّبر في قتال لذريق وأصحابه وما وعدهم من النّيل الجزيل انبسطت نفوسهم، وتحقّقت آمالهم وهبت ريح النصر عليهم وقالوا له: قد قطعنا الآمال (مما يخالف)(229) ما عزمت عليه، فاحضر إليه فإنّا معك وبين يديك، فركب طارق وركبوا وقصدوا مناخ لذريق وكان قد نزل بمتسع / من الأرض، فلما تراءى الجمعان نزل طارق وأصحابه، وباتوا ليلتهم في حرس إلى الصبح.
فلما أصبح الفريقان ركبوا وعبّوا كتائبهم وحمل لذريق على سريره، وقد رفع على رأسه رواق ديباج يظلّه، وهو مقبل في غاية من البنود والأعلام وبين يديه المقاتلة والسلاح، وأقبل طارق وأصحابه عليهم الزرود، ومن فوق رؤوسهم العمائم البيض، وبين أيديهم القسي العربية، وقد تقلدوا السيوف، واعتقلوا الرماح، فلما نظر إليهم لذريق قال: أما والله هذه الصور التي رأيت في بيت الحكمة ببلدنا، فداخله منهم رعب» (230).
بيت الحكمة بالأندلس:
فلنتكلّم هنا على بيت الحكمة ما هو، ثم نكمل بعده حديث هذه الواقعة.
وأصل (231) بيت الحكمة أن اليونان كان من تقدم ملوكهم يخشى على جزيرة
(224) في الأصول: «إني مجيبكم» والمثبت من الوفيات 5/ 322.
(225)
في الأصول: «القوم» والمثبت من الوفيات.
(226)
في الوفيات: «كفيتكم» .
(227)
في الوفيات: «عزيمتي» .
(228)
في الأصول: «والتقوا» والمثبت من الوفيات.
(229)
في الأصول: «فلا تحالف» والمثبت من الوفيات.
(230)
أخذه من ترجمة موسى بن نصير، الوفيات: 5/ 318 - 323.
(231)
يرجع للنقل من الوفيات بتصرف 5/ 327 في المقال المخصص لبيت الحكمة، وطرح المؤلف الجزء الأول من هذا الباب المتعلق خاصة بملك قادس وابنته التي قدمها المؤلف فيما سبق من حديثه.
الأندلس من البربر والعرب لما بينهم من المنافرة، وتباين الطباع فاتفقوا وعملوا طلسمات في أوقات اختاروها أرصادا، وأودعوا تلك الطلسمات تابوتا من الرّخام وتركوه في بيت بمدينة طليطلة، وركبوا على ذلك البيت بابا وأقفلوه وعهدوا إلى كل ملك منهم بعد صاحبه أن يلقي على ذلك الباب قفلا، تأكيدا لحفظ ذلك البيت فاستمر أمرهم على ذلك.
ولما كان وقت انقراض دولة اليونان ودخول العرب والبربر إلى جزيرة الأندلس، وذلك بعد مضي ستة وعشرين ملكا من ملوك اليونان من يوم عملهم / الطّلسمات بمدينة طليطلة وكان الملك لذريق المذكور السابع والعشرين من ملوكهم، فلما جلس في ملكه قال لوزرائه (232) وأهل الرّأي من دولته قد وقع في نفسي شيء من أمر هذا البيت الذي عليه ستة وعشرون قفلا، وأريد أن أفتحه لأنظر ما فيه، فإنه لم يعمل عبثا فقالوا: أيّها الملك صدقت، فإنه لم يعمل عبثا ولا أقفل سدى، فالمصلحة أن تلقي أنت أيضا عليه قفلا أسوة بمن تقدمك من الملوك، وكانوا آباءك وأجدادك ولم يهملوا هذا فلا تهمله وسر سيرهم، فقال: إنّ نفسي تنازعني إلى فتحه، ولا بد لي منه، فقالوا: إن كنت تظن فيه مالا فقدره ونحن نجمع ذلك من أموالنا فخذه، ولا تحدث علينا بفتحه حدثا لا نعرف عاقبته فأصرّ على ذلك - وكان رجلا مهيبا - فلم يقدروا على مراجعته، وأمر بفتح الأقفال وكان على كل قفل مفتاحه معلّق فيه، فلما فتح الباب لم ير في البيت شيئا سوى مائدة عظيمة من ذهب وفضة مكللة بالجواهر وعليها مكتوب: هذه مائدة سليمان بن داود عليهما السلام ورأى في البيت ذلك التّابوت، وعليه قفل ومفتاحه معلّق، ففتحه، فلم يجد فيه سوى رق، وفي جوانب التابوت صور فرسان مصوّرة بأصباغ محكمة التصوير، على أشكال [العرب](233) وعليهم الفراء، وهم معمّمون على ذوائب جعد، ومن تحتهم الخيل / العربية، وبأيديهم القسي العربية، وهم متقلّدون السّيوف المحلاّة، ومعتقلون بالرماح، فأمر بنشر ذلك الرّقّ، فإذا فيه: متى فتح هذا البيت وهذا التّابوت المقفلان بالحكمة دخل القوم الذين صورهم في التّابوت إلى جزيرة الأندلس، وذهب ملك اليونان من أيديهم، ودرست حكمتهم، فهذا هو بيت الحكمة» (234).
(232) في الأصول: «لوزيره» والمثبت من الوفيات.
(233)
إضافة من الوفيات ليستقيم المعنى.
(234)
وفيات الأعيان 5/ 323 - 328 وأنظر أيضا عن بيت الحكمة نفح الطيب 1/ 227 - 232 والروض المعطار للحميري.