الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفزاوة:
ولنرجع (82) الآن إلى نفزاوة فنقول: إن مدينة سبيطلة كانت مدينة جرجيس ملك الروم الأفارقة، وكانت من أحسن البلاد منظرا، وأكبرها قطرا، وأكثرها مياها، وأعدلها هواء، وأطيبها ثرى، وكان بها بساتين وجنّات فافتتحها المسلمون في صدر الإسلام، وقتلوا بها ملكها جرجيس كما يأتي.
ومنها إلى مدينة قفصة مرحلة وبعضها.
ومنها إلى
القيروان
سبعون ميلا.
القيروان:
والقيروان أم أمصار / وقاعدة أقطار (أسسها الصّحابة الأخيار - رضي الله تعالى عنهم وعني بهم -)(82) فكانت أعظم مدن المغرب قطرا، وأكثرها بشرا، وأيسرها أموالا، وأوسعها أحوالا، وأتقنها بناء، وأربحها تجارة، وأكثرها جباية، وأنفقها سلعة، وأنماها ربحا، (وهي مأوى الأولياء والصالحين، والأتقياء العابدين ممن غلب عليه)(83) التمسّك بالخير، (والعلم والعمل)(84) والوفاء بالعهد، والتخلي عن الشبهات والمحظورات، ومنبع العلوم والولاية والصّلاح والهداية، فهي لأهل المغرب أصل كل خير، والبلاد كلها عيال عليها، فما من غصن في الآفاق المغربية مطلقا إلا منها علا، ولا فرع في جميع نواحيها إلا عليها ابتنى، فضلها ظاهر على جميع البلاد، وإليها ينتمي فضلاء جميع العباد، كيف لا ومنها خرجت علوم المذهب، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب، ولا ينكر هذا الفضل خاص ولا عام، ولا يزاحمها في هذا الفضل أحد على طول الأمد والأيام، (قال سيدي أبو إسحاق الجبنياني) (85) - نفعنا الله به وبأمثاله آمين -:
القيروان رأس وما سواها جسد. ما قام بردّ الشّبه والبدع إلا أهلها، ولا قاتل وقتل على
(82) اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(83)
اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(84)
اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(85)
في ت: «قال الشيخ أبو اسحاق ابراهيم الجبنياني رضي الله تعالى عنه» وعن اللبيدي: انه أبو اسحاق ابراهيم بن أحمد بن علي بن أسلم البكري من رجالات القرن الرابع الهجري. حج في سنة 314/ 926 انظر عنه على سبيل المثال أبو القاسم اللبيدي: مناقب أبو إسحاق الجبنياني، تحقيق هادي إدريس. باريس 1959.
احياء السنّة إلا أئمتها، فجزاهم الله عنّا وعن المسلمين أحسن الجزاء، اللهم انفعنا بمحبّتهم واحشرنا يا ربّنا / في زمرتهم وأعد علينا من بركتهم (86).
ولما اختلفت الأمراء وانتقلت الدّولة تسلط عليها أهل البغي والفساد من البرابر والبدو والشيع، فتوالت عليها الحوائج حتى بكت عليها العيون وقرحت القرائح لما صارت ملعبة لأهل الطغيان والفجور، فتسلطوا عليها بالتخريب والتثريب، فلم يبق بها (87) من أصول أخيارها إلا النزر القليل مستضعفين، واستولت عليها أخلاط بغاة، أجهر الناس عصيانا، وأكثرهم طغيانا، وكذا شأن كل بلاد يضعف أخيارها، ويطغى فجارها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، قيل انها سترجع إلى ما كانت عليه وهيهات.
(أما عمارة الأسواق وسعة الأرزاق فهي - والحمد لله - قد تراجعت بعض تراجع. وأما العمارة وسعة البلاد فإلى الآن ما رجعت لأنه قيل أن المسجد الأعظم كان بها وسطا، وهو الآن في ركن من أركانها. وأما العلم فبعيد أن ترجع كما كانت، ولكن فضل الله واسع وليس لما يعطي الله مانع، وسيأتي ذكر شيء ممّا نالها من المحن فيكون كالشرح لما ذكر)(88).
ومياه (89) القيروان قليلة وشرب أهلها من فساقي بني الأغلب، فمنها الماجل الكبير، وهو من عجيب البناء لأنه مبني على تربيع، وفي وسطه بناء قائم كالصومعة، وذرع كل جهة / منه مائتا ذراع، فيمتلئ كله ماء إذا سالت الأودية.
والقيروان كانت مدينتين إحداهما اسمها القيروان، والثانية صبرة، (وهي في دولة صنهاجة الذين بنوها)(90) كانت دار الملك، قيل كان فيها من أيام عمارتها ثلاثمائة حمّام، وأكثرها للديار وباقيها مبرز للناس قاطبة، وهي الآن خراب، ليس بها ساكن، وعلى ثلاثة أميال منها قصور رقادة الشاهقة الذري الحسنة البناء، الكثيرة البساتين والثمار، وبها كانت الأغالبة تربع في أيام دولتهم، وزمن بهجتهم، وهي الآن خراب لا ينتظر جبرها. (والقيروان لا يحتاج لوصفها بكثرة الحنطة والفلاحة لأنها مشهورة بذلك، وأما اللّحوم والعسل والسمن والزيت فأمر خارج عن الوصف، وثمارها من غيرها لأن الفتن لم
(86) بعدها في ت «آمين يا رب العالمين» .
(87)
ساقطة من ت.
(88)
اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(89)
يرجع للنقل من الادريسي بتصرف ص: 110.
(90)
توضيح من المؤلف.