المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني: - نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار - جـ ١

[محمود مقديش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌المقدمة:

- ‌المقالة الأولى[في تحديد المغرب برا وبحرا وأسماء البلدان]

- ‌الباب الأولفي تحديد المغرب برا وبحرا

- ‌البحر المظلم:

- ‌الحدود البرية للمغرب:

- ‌حفر الزقاق:

- ‌المدّ والجزر:

- ‌حدود البحر الشامي:

- ‌الباب الثانيفي الكلام على ضبط بر المغرب الأقصى وما يليه من الغرب الأوسط وذكر ما فيه من البلاد والعباد

- ‌البربر وأصولهم وافريقية وتسميتها:

- ‌نول لمطة:

- ‌آزكّي:

- ‌سجلماسة:

- ‌درعة:

- ‌السّوس:

- ‌جبل درن:

- ‌أغمات وريكة:

- ‌مراكش:

- ‌نهر تانسيفت:

- ‌ أغمات أيلان

- ‌عود إلى ذكر مرّاكش:

- ‌الطريق من مرّاكش إلى أم ربيع:

- ‌آنقال:

- ‌مكول:

- ‌ايكسيس:

- ‌سلا:

- ‌فضالة:

- ‌الطريق من فضالة إلى آسفي:

- ‌آسفي:

- ‌مرسى ماست:

- ‌داي وتادلة:

- ‌الطريق من تادلة إلى‌‌ فاس:

- ‌ فاس:

- ‌ صفروي

- ‌قلعة مهدي:

- ‌مغيلة:

- ‌ مكناسة

- ‌بني تاورة:

- ‌السوق القديمة:

- ‌قصر عبد الكريم:

- ‌عود إلى ذكر فاس:

- ‌الطريق من فاس إلى تلمسان:

- ‌ تلمسان

- ‌الطريق من تلمسان إلى تنس:

- ‌تنس:

- ‌وهران:

- ‌المسيلة:

- ‌الطريق من وازلفن إلى مليانة:

- ‌مليانة:

- ‌الطريق من كزناية إلى المسيلة:

- ‌قلعة بني حمّاد وما جاورها:

- ‌قسنطينة وما جاورها:

- ‌جبل سحاو:

- ‌سوق بني زندوي:

- ‌جيجل:

- ‌مدن أخرى:

- ‌الجزائر:

- ‌تامدفوس:

- ‌مرسى الدّجاج:

- ‌تدلس:

- ‌بجاية:

- ‌الطريق من بجاية إلى القلعة:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌بلزمة:

- ‌حصن بشر:

- ‌سبتة:

- ‌الجزر والمدن والمراسي والمواقع الساحلية من سبتة إلى بونة:

- ‌ باغاية

- ‌توزر:

- ‌قفصة:

- ‌الطرقات من قفصة إلى ما جاورها:

- ‌ جبل نفّوسة

- ‌قابس:

- ‌صفاقس:

- ‌ قصر الجم

- ‌جمال:

- ‌المهدية:

- ‌نفزاوة:

- ‌ القيروان

- ‌تونس:

- ‌قرطاجنة:

- ‌بنزرت:

- ‌طبرقة:

- ‌باجة:

- ‌مرسى الخرز:

- ‌ بونة

- ‌الأربس:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌جزيرة باشو:

- ‌جبل زغوان:

- ‌جبل وسلات:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌طرابلس:

- ‌الطرقات من طرابلس إلى ما جاورها:

- ‌جبل دمر:

- ‌برقة

- ‌الطريق من برقة إلى العين:

- ‌الطريق من برقة إلى الإسكندرية:

- ‌الطريق الساحلي من بونة إلى نابل:

- ‌نابل:

- ‌الطريق الساحلي من نابل إلى سوسة:

- ‌سوسة:

- ‌الطريق الساحلي من سوسة إلى صفاقس:

- ‌جزيرة قرقنة:

- ‌الطريق الساحلي من صفاقس إلى جربة:

- ‌جربة:

- ‌الطريق الساحلي من جربة إلى لبدة:

- ‌لبدة:

- ‌الطريق الساحلي من لبدة إلى الإسكندرية:

- ‌ الإسكندرية

- ‌جغرافية الأندلس:

- ‌اليونان ودورهم بالأندلس:

- ‌طليطلة وما جاورها:

- ‌قرطبة:

- ‌المرية:

- ‌أقاليم الأندلس:

- ‌مدن ساحلية:

- ‌جزر البحر الشامي:

- ‌صقلية:

- ‌المقالة الثّانيةفي ذكر الخلافة وخلفاء الصّحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من خلفاء بني أميّة بالمشرق وفتوحات المغرب في أيّامهم

- ‌الباب الأولفي الخلافة وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌مفهوم الخلافة:

- ‌آدم عليه السلام أول الخلفاء:

- ‌كيومرث:

- ‌مهلائيل:

- ‌شيث وذريته:

- ‌ ادريس

- ‌إبراهيم وإبنيه:

- ‌العرب: طرف من أصلهم وبعض من أخبارهم:

- ‌ولاية الكعبة:

- ‌الخليفة الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان رضي الله عنه

- ‌خلافة علي رضي الله عنه

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌يزيد:

- ‌بقية خلفاء بني أمية:

- ‌غزوات عمرو بن العاص:

- ‌غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح:

- ‌ولاية معاوية بن خديج:

- ‌ولاية أبي المهاجر:

- ‌ولاية عقبة بن نافع وغزواته:

- ‌غزوة عقبة بن عامر الجهنّي:

- ‌غزوة رويفع بن ثابت:

- ‌غزوة زهير بن قيس البلوي:

- ‌ولاية حسان بن النعمان وغزواته:

- ‌فتح الأندلس:

- ‌بيت الحكمة بالأندلس:

- ‌تتمة الحديث عن فتح الأندلس:

- ‌ولاية عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌ولاية علي بن رباح:

- ‌المقالة الثّالثةفي ذكر خلفاء بني العبّاس وبعض أمرائهم بالعراق وأمرائهم بالمغرب

- ‌الباب الأولفي ذكر خلفاء بني العباس

- ‌قيام الدولة وخلافة أبي العباس السفّاح:

- ‌أبو جعفر المنصور:

- ‌محمد المهدي:

- ‌محمد موسى الهادي:

- ‌ هارون الرّشيد

- ‌محمد الأمين:

- ‌المأمون وقضية خلق القرآن:

- ‌المعتصم:

- ‌الواثق بالله:

- ‌المتوكل على الله:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌المعتز بالله:

- ‌المهتدي بالله:

- ‌المعتمد وحركة الزنج:

- ‌ المعتضد بالله

- ‌المكتفي بالله وظهور القرامطة:

- ‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

- ‌القاهر بالله والراضي بالله:

- ‌المتقي بالله:

- ‌المستكفي بالله:

- ‌المطيع لله:

- ‌الطائع لله:

- ‌القادر بالله:

- ‌القائم بأمر الله:

- ‌المستظهر بالله:

- ‌المسترشد بالله:

- ‌الراشد بالله:

- ‌المقتفي لأمر الله:

- ‌المستنجد بالله:

- ‌المستضيء بالله:

- ‌الناصر لدين الله:

- ‌المستنصر بالله:

- ‌المستعصم بالله:

- ‌التتار:

- ‌هولاكو وسقوط بغداد وانقراض الدولة العباسية:

- ‌العباسيون بمصر:

- ‌تيمورلنك:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بعض أمراء بني العباس بالمشرق

- ‌ الصفارية

- ‌السامانيون:

- ‌الغزنويون:

- ‌السلاجقة:

- ‌الديلمية:

- ‌السلقدية:

- ‌الخوارزمية:

- ‌الباب الثالثفي مشاهير أمراء بني العبّاس بالمغرب

- ‌يزيد بن حاتم:

- ‌هرثمة بن أعين:

- ‌بداية بني الأغلب:

- ‌أبو العباس عبد الله:

- ‌زيادة الله:

- ‌أبو العباس محمد:

- ‌زيادة الله الأصغر:

- ‌أبو الغرانيق:

- ‌ابراهيم:

- ‌عبد الله بن ابراهيم:

- ‌المقالة الرّابعةفي ذكر ملوك الشّيعة بالمغرب وكيفيّة انتقالهم لمصر وما يتبع ذلك

- ‌عبيد الله المهدي وقيام الدّولة الفاطمية:

- ‌حركة القيروانيين المضادة للفاطميين:

- ‌أقوال بعضهم في الفاطميين والمجادلة حول رميهم بالكفر والزندقة وتبرئتهم منهما:

- ‌تأسيس المهديّة:

- ‌القائم وثورة أبي يزيد:

- ‌المنصور وفشل ثورة أبي يزيد:

- ‌المعز لدين الله وانتقال الفاطميين إلى مصر

- ‌الفاطميون بمصر:

- ‌المقالة الخامسةفي ذكر ملوك ضهاجة بالمغرب وصلاح الدّين بمصر

- ‌الباب الأولفي ذكر ملوك صنهاجة

- ‌زيري بن مناد:

- ‌بلكين بن زيري:

- ‌باديس:

- ‌المعزّ بن باديس: قطعه الدعوة للفاطميين واجتياح العرب افريقية

- ‌تميم بن المعز:

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌علي بن يحيى وابنه الحسن:

- ‌الباب الثانيفي ذكر دولة‌‌ نور الدين

- ‌ نور الدين

- ‌عماد الدّين اسماعيل:

- ‌عود إلى ذكر نور الدين:

- ‌الحملات الصليبية الأولى واستقرار الافرنج بالشام:

- ‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

- ‌الملك الكامل والحروب الصليبية الخامسة:

- ‌الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب والحروب الصليبية السادسة

- ‌نهاية الأيوبيين:

- ‌المماليك بمصر:

- ‌المقالة السّادسةفي ذكر خلفاء بني أميّة بالأندلس وذكر الطوائف بعدهم

- ‌بنو أميّة:

- ‌ملوك الطوائف:

- ‌المقالة السّابعةفي ذكر ملوك لمتونة وهم الملثمون بالعدوة والأندلس

- ‌بداية المرابطين:

- ‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفّقة في الأندلس:

- ‌نهاية المرابطين:

- ‌المقالة الثّامنةفي ذكر دولة الموحّدين وأمرائهم بالعدوة والأندلس وافريقية

- ‌الباب الأولفي أول ملوكها ومن بعده من الملوك

- ‌المهدي بن تومرت:

- ‌ عبد المؤمن

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌العادل:

- ‌المعتصم:

- ‌المأمون ومن ولي بعده إلى نهاية الدولة الموحدية:

- ‌الباب الثانيفي فتح عبد المؤمن للمهدية والبلاد الساحلية بعد استيلاء الافرنج عليها حسبما ذكره ابن الأثير وغيره من أئمة التاريخ

- ‌أسباب احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌هروب الحسن الصنهاجي والتقائه بعبد المؤمن:

- ‌احتلال النرمان لصفاقس والسّاحل:

- ‌انتفاض صفاقس وغيرها من المدن على النرمان:

- ‌عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته:

- ‌الباب الثالثفي ذكر ثوار افريقية على الموحدين

- ‌ثورة بني غانية:

- ‌ثورة محمد بن عبد الكريم الرجراجي:

- ‌يحيى الميورقي يستولي على المهديّة وتونس وغيرهما:

- ‌يحيى الميورقي يستمر في ثورته ويصده عنها النّاصر الموحدي ويفتكّ منه افريقية:

- ‌نهاية قراقوش ويحيى الميورقي بن غانية:

- ‌المقالة التّاسعةفي ذكر دولة بني مرين وبني زيان وبني نصر

- ‌الباب الأولفي ذكر دولة بني مرين بالعدوة

- ‌عبد الحق بن محيو ومن ولي بعده:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو ثابت عامر:

- ‌أبو الربيع سليمان:

- ‌أبو سعيد عثمان:

- ‌أبو الحسن المريني ودخوله إلى تونس:

- ‌أبو عنان وأعماله بافريقية:

- ‌نهاية المرينيين:

- ‌السلطة بالمغرب الأقصى في عصر المؤلف:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بني زيّان ملوك تلمسان

- ‌يغمراسن:

- ‌عثمان ومن ولي بعده:

- ‌أبو تاشفين عبد الرحمان ودخوله تونس:

- ‌نهاية بني زيّان:

- ‌الباب الثالثفي ذكر دولة بني نصر بالأندلس

- ‌المقالة العاشرةفي ذكر دولة بني حفص بأفريقية

- ‌أبو محمد عبد الواحد

- ‌أبو العلا ادريس

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌المستنصر ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌الواثق:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم ابن أبي زكرياء:

- ‌الدّعي ابن أبي عمارة:

- ‌أبو حفص عمر ابن أبي زكرياء:

- ‌أبو عصيدة ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌أبو بكر الشهيد:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو يحيى زكرياء ابن اللحياني:

- ‌ محمّد أبو ضربة

- ‌أبو يحيى أبو بكر:

- ‌وفاة القاضي ابن قدّاح:

- ‌وفاة الفقيه محمد بن عبد الله بن راشد القفصي:

- ‌وفاة الفقيه عبد الله ابن البراء التنوخي:

- ‌وفاة الشّيخ علي بن منتصر الصدفي:

- ‌وفاة الشّيخ أبي حيان:

- ‌أبو حفص عمر بن أبي بكر والتنافس بين الحفصيين:

- ‌عود إلى ذكر تملك أبي الحسن المريني تونس وأعمالها وما وقع له بها:

- ‌الفضل بن أبي بكر:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم بن أبي بكر وابن تافراجين:

- ‌حركة أبي عنان المريني في اتجاه تونس:

- ‌عود إلى ذكر أبي اسحاق ابراهيم وابن تافراجين:

- ‌وفاة ابن تافراجين:

- ‌وفاة القاضي أبي القاسم بن سلمون البياسي:

- ‌وفاة أبي اسحاق ابراهيم:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو العباس أحمد ونزول النصارى بالمهدية:

- ‌أبو فارس عبد العزيز:

- ‌ترجمة الشّيخ ابن عرفة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز داخل افريقية والمغرب:

- ‌نزول النصارى بقرقنة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز بمالطة والمغرب الأوسط:

- ‌نزول النصارى بجربة ومواجهة أبي فارس لهم:

- ‌حركة أخرى بالمغرب الأوسط لأبي فارس ووفاته:

- ‌مزايا أبي فارس:

- ‌أبو عبد الله محمد المنتصر:

- ‌أبو عمرو عثمان ومن توفي في أيامه من المشايخ:

- ‌أبو زكرياء يحيى بن مسعود وعبد المؤمن بن ابراهيم:

- ‌محمد بن الحسن وتغلب النصارى على مواقع من افريقية:

- ‌الحسن بن محمد والتصارع العثماني الاسباني بافريقية:

- ‌درغوث باشا:

- ‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

- ‌محمد الحفصي: نهاية الدولة الحفصية والاستقرار العثماني بتونس:

- ‌تتمة من الناسخ:

الفصل: ‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

بسكين، فلما رجعوا إلى بلدهم سألهم ملكهم عن حال البلدة التي قدموا منها فقالوا له:

ما رأينا بلدا أكثر منها مالا وأقل سلاحا وأعجز أهل عن مدافعة عدو فحكوا له الحكايتين، فتأهّب ملكهم لدخولها في مراكب البحر فدخلها في ليلة واحدة بلا كبير مشقّة، واستولى عليها، ولم ينج من أهلها إلاّ من كان تسوّر ليلا، وانحاز المسلمون إلى تاجوراء، وجبال غريان ومسلاتة، وصارت المدينة للنّصارى / إلى أن كان من أمرها ما كان» (502) اهـ.

ومما وقع في أيّام الحسن لما أدخل النّصارى لتونس انهم تمكنّوا من بناء حصار حلق الوادي (503)، وشاركوه في تصرّفاته في الأحكام، فأقاموا منهم كبيرا اسمه جوان بن جاكمو (504) في القصبة مشاركا للحسن في أحكامه وتصرّفاته، وصار معه كالمتمكّن على حلقومه بمدية أن قال لأقطعه.

‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

ثم إن أحمد الحفصي لما استقلّ بالأمر بعد أبيه التفت بما يقوم به في مصالح البلاد «وجد (505) الخزائن خالية لأن أباه أتلفها، وغلب النّصارى على أكثرها، وشرع أولاد سعيد في النهب على جاري عوائدهم، وكانوا يجاهرون بشن الغارات إلى أن آل بهم الحال ووصلوا إلى الجبل الأخضر (506) وساقوا (507) مواشي الأمير أحمد الحفصي، فخرج لهم بنفسه وأدركهم بسيجوم، وطعن شجاعا من شجعانهم، وركب ثلاثة آلاف فارس سمّاهم زمازمية وكانوا قبلا يسمون موحدية (508)، واستفتى أرباب الأحكام الشرعية في شأنهم» (509)، فأجابوا بأن ابن يونس المالكي لما سئل عن حكم أموال المفسدين القاطعين للطّرق المغيرين على المسلمين ويسفكون الدّماء وينهبون الأموال كبوادي الغرب وشبههم،

(502) رحلة العياشي نقلا حرفيا ص: 66 - 67.

(503)

انظر اتحاف أهل الزمان 2/ 13.

(504)

في الأصول: «جاكموا» والتصويب من المؤنس ص: 168.

(505)

النقل بتصرف من المؤنس ص: 169.

(506)

فجاه باردو، الاتحاف 2/ 16.

(507)

في الأصول: «وسبوا» والتصويب من المؤنس.

(508)

في الأصول: «موحدين» والتصويب من المؤنس.

(509)

المؤنس ص: 169.

ص: 620

قال: قال سحنون لمالك - رضي الله تعالى عنهما -: أتكون دماؤهم وأموالهم هدرا؟ قال:

نعم. قال ابن القاسم: وإن كان فيهم ركن من أركان الاسلام / مثل الذين يصلّون ويصومون شهر رمضان ويقولون لا إلاه إلاّ الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك - رحمه الله تعالى -: لو كانوا مسلمين ما ضرّوا باخوانهم المسلمين، وإن الجهاد فيهم فريضة، وقال مالك أيضا: جهادهم أحبّ إليّ من جهاد الرّوم، قال سحنون بن سعيد: مالهم سائغ حلال لمن أخذه كان بالوجفة (510) أو بغير الوجفة أو بسبب من الأسباب، صح من الأحكام، نقله ابن يونس من المدوّنة، ونقل عن الرّصاع مثل ذلك، وفي ابن ناجي تحريم مبايعتهم السّلاح حتى الأخفاف والرواحي.

وكان المولى أبو عمرو عثمان الحفصي أجلاهم عن الوطن، وحددّ لهم السّكنى من وادران إلى القبلة لا يتعدونه (511).

ثم إن أحمد الحفصي اتخّذ عسكرا من السّود لما كان يتوقّع من تملّك البلاد لقوم لغتهم العربية، فاتخذ لذلك الجيش السّوداني، ورفع منزلتهم رجاء أن يكونوا أولائك المرموز إليهم - حسبما وقع عليه في الأجفار أو أخبره به منجّموه - وكان له اهتمام بهذا الفن ودار على آذانه كثيرا أن الحكم ينتقل عنهم إلى رجل اسمه علي من غير جنس العرب، ويكون انقراض ملكهم على يديه، فأقام مملوكا من أعلاجه سمّاه عليا، وأجلسه مجلسه، وفوّض له الأمر (512)، ويأبي الله أن يكون إلاّ ما أراده وقدره ولا ينفع حذر مع قدر.

هذا وإن النّصارى / الذين تخلفوا من نجدة الحسن - المتقدم الذكر - في غاية الاهتمام والإعتناء بانشاء الحصارات التي بحلق الوادي واحداث ما لم يسبق لحدوثه من قبل، وضايقوا الحضرة غاية الضّيق إلى أن صاروا يرمون الصّوف والجير على أهل تونس فإن أتوا به فذلك مرادهم، وإلاّ أغاروا عليهم برّا وبحرا وبارت (513) الحيلة في مدافعتهم فمن أعظم بناءاتهم حصار حلق الوادي والبرج المقارب له، والثّالث البستيون خارج باب البحر، أما الحصار فهو بناء عظيم كالمدينة مربّع، وعلى أركانه (514) الأربع أربعة ابراج في غاية الضخامة على كل ركن برج، والبحر من جنوبيها والبحيرة من الغرب، وحفروا

(510) ساقطة من ش.

(511)

المؤنس ص: 170.

(512)

المؤنس ص: 171.

(513)

أي انعدمت.

(514)

في الأصول «أركانها» .

ص: 621

حفيرا عميق الماء بينهما حتى أحاط الماء من جميع الجهات، وعند مجتمع البحر والبحيرة البرج، وتدخل سفنهم على هذا الحصن الأعظم، فترسي عند بابه، وعمق الخليج ستّون ذراعا، وقعره متّصل بالبحر، وخارج الحصن دور يسكنها المنافقون، وقدرها أزيد من مائتي دار والخندق والبحر محيط بالجميع، ونقبوا تحت الأرض نقبا طويلا يتّصل إلى البرج الخارج عن الحصن، وبين الحصن والدّور سور يمنع من يريدهم بسوء وعرض سور الحصن يسير عليه سبعة من الخيل من غير مضايقة ولا مزاحمة، وهو ذو وجهين خارج وداخل بحجارة ضخمة اقتطعوها / من الحنايا التي مرّ وصفها، وما بين وجهي السّور حشو الجير افراغا مع دقيق الحصباء كي يعسر نقبه، ولا تعمل فيه الآلات من البونبات والألغام والمدافع، وجعلوا كنيستهم وسطه ودواميس المياه المحكمة بأتقن الصّنع، وأقاموا في بنائه ثلاثا وأربعين سنة لم يخل يوم فيها من التّحصين، وأما البستيون فكان خارج باب البحر قرب كنيسة النّصارى، وكان أشد ضررا على أهل تونس من غيره لأنهم أرادوا أن يبنوا فيه حصارا ومدينة وقد ابتدؤوها، وفصّلوا (515) شوارعها وأسواقها، وكادت أن تسكن لولا لطف الله ومعالجة العساكر العثمانية، والذي تمّ لهم منه قلعة واحدة، فكانت الحرب عليها لما دخلت العساكر العثمانية كما يأتي إن شاء الله تعالى.

ولما اشتدت أذيّة الكفّار للمسلمين وعجزوا عن مدافعتهم جعل الأمير أحمد حيلة فأظهر سفرا لافريقية (516) على جاري عادته وصحب في محلّته ألف فارس، وأردف كل فارس رجلا وسار إلى أن بلغ ماطرا، ورجع منعطفا وقصد الغزو إلى أهل حلق الوادي، ولكن خاف من جواسيس المنافقين من الأعراب الذين تزندقوا، فأخفى أمره ورجع على ناحية المعلّقة، وكمن هنالك وأرسل طائفة يسيرة من الخيل نحو الحصار، فتبعهم النّصارى ففر المسلمون أمامهم راجعين لتونس، فلما تباعدوا عن الحصار خرج الكمين لنحو / الحصار، فهرب من كان باقيا فيه من النّصارى، ودخلوا الحصار، وذهلوا من شدّة الفزع عن غلق الباب، ووصل المسلمون إلى الباب، فلم يقدروا على الدّخول لظنهم أن النّصارى أبقوه مفتوحا مكيدة، فرجع المسلمون فالتقوا بالنّصارى الذين كانوا تابعين للفارّين لتونس، فاقتتل الفريقان، فوقعت هناك مقتلة عظيمة بين الفريقين، وأكثر ما لاقى المسلمون من الأذى إنما كان من الزّنادقة المرتدّين من الأعراب، ثم إن الأمير

(515) أي رسموا.

(516)

هي الشمال التونسي في اصطلاح للتونسيين.

ص: 622

أحمد جعل يكاتب باشاوات العساكر العثمانية بطرابلس والجزائر، وهادنهم وطمع في اعانتهم، فكانوا عليه لا له. فبعث أولا محمد القصبي في أيام الحسن بن خير الدّين، وجاء معه إلى الجزائر لاحسانه إليه، وبعث بعد ذلك أبا الطّيب تاجا الخضار للباشا علي وهو بمدينة طرابلس، وعاد مع الباشا علي إلى الجزائر، وكاتب حاكم قسنطينة، وجعل مع درغوث باشا صحبة أكيدة، ولما نزل درغوث باشا على جربة ليفتكها من أيدي النّصارى أرسل له الأمير أحمد مددا من العساكر والمؤونة (517) وافتكها على يد علي باشا الذي كان على طرابلس، وكان مكث جربة في أيدي النّصارى ستة أشهر.

ثم إن الأمير أحمد خاف من علي باشا أن ينتزع منه تونس فطرقه همّ أشد من همّ النّصارى، وصار حائرا في أمره فدخل عليه أبو الطّيب الخضار فوجده / مطرقا إلى الأرض مطيل الفكرة، فسأله عن ذلك فقال له:«خوفا يفاجئني علي باشا ولا طاقة لي (518) به» ، وكان الخضّار يود دخول العساكر العثمانية لفساد الحفصية من أجل أن أحمد الحفصي بعد أن استقامت أحواله رجع بالفساد وظلم العباد، ومدّ النظر إلى حريم النّاس، على عكس ما كان عليه أبوه من النّظر إلى أطفال المسلمين، فاجتمع عند أحمد أكثر من ثلاثمائة امرأة من بنات النّاس، فامتدت أيّامه حتى بلغ خمسا وعشرين وثلاثة أشهر ونصف.

فخرج أحمد الحفصي من تونس إلى قتال بعض أحياء العرب، فلما بعد عن البلد اتفق الخضّار مع أهل البلد باستدعاء علي باشا من الجزائر لاستنقاذ البلاد من أيدي الحفصيين لفساد نظام ملكهم وغلبة الفساد عليهم، فراسل علي باشا وحرّضه على القدوم واغتنام الفرصة، فخرج من الجزائر في عساكر عظيمة، وانضاف إليه طوائف من الأعراب كمغراوة وسويد وغيرهم نحو سبعة آلاف، وأقبل يجرّ ذيل عسكره لتونس، فلما سمع الأمير أحمد تلقّاهم بما التأم (519) عليه من العساكر ليدافع عن نفسه، وكان الملتقى على باجة، ولم يكن معه سوى الزمازمية (520) مع ما انضاف إليه وهو ألف وستمائة رجل، فلم يغن عنه ذلك شيئا فانهزم عند الملتقى، وأخذت محلته، ووصلت عساكر علي باشا / إلى مجردة، وكان زائدا، فعسر عليهم مجاوزته، فأرسلوا إلى بنزرت فجاءت الأخشاب

(517) في الأصول: «مونة» .

(518)

في الأصول: «له» .

(519)

في الأصول: «التم» .

(520)

في الأصول: «زمازمة» والتصويب مما سبق ومن المؤنس ص: 173.

ص: 623