الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بردا كثيرا وسلّط عليهم ريحا عظيما فأخرج منها إلى المنصورية فاشتد عليهم البرد فأوهى جسمه ومات أكثر من معه ووصل إلى المنصورية فاعتل بها، ومات (167) يوم الجمعة آخر شوال سنة احدى وأربعين وثلاثمائة (168)، ودفن بالمهديّة، ومولده بالقيروان سنة اثنتين وثلاثمائة (169)، فكانت مدة ملكه سبع (170) / سنين وستة أيام.
المعز لدين الله وانتقال الفاطميين إلى مصر
.
وقام بعده ولده أبو تميم معدّ الملقب «بالمعز لدين الله» وهو واسطة عقدهم. «كان بويع (171) بولاية العهد في حياة أبيه المنصور (172)، ثم جدّدت له البيعة بعد وفاة أبيه في التّاريخ المذكور لوفاة أبيه، ودبّر الأمور وساسها وأجراها على قانون السّياسة إلى يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة احدى وأربعين وثلاثمائة (173). فجلس يومئذ على سرير ملكه (174)، ودخل عليه الخاصّة وكثير من العامّة، وسلّموا عليه بالخلافة، وتسمّى «بالمعزّ» ولم يظهر على أبيه حزنا.
ثم خرج إلى بلاد افريقية يطوف فيها، ليمهّد [قواعدها](175) ويقرر أسبابها، (فانقاد له جميع العباد، في سائر البلاد)(176) ودخلوا تحت طاعته (177)، وعقد لغلمانه
(167) قال ابن خلدون: «أصابه الجهد من مطر وثلج تجلد على ملاقاته، ودخل على أثره الحمام فعيت حرارته، ولازمه السهر فمات» العبر 4/ 95.
(168)
كذا في تاريخ الخلفاء الفاطميين، 19 مارس 953، وفي كتاب العبر:«ثم توفي المنصور سلخ رمضان سنة احدى وأربعين» 4/ 95.
(169)
914 - 915 م.
(170)
في الأصول: «تسع» وهو مخالف للحقيقة اذ كانت خلافته من سنة 334 هـ إلى سنة 341 هـ وأثبت ابن خلدون: «وتوفي لسبع سنين من خلافته» 4/ 95، والمختصر: 2/ 99.
(171)
النقل من ترجمة المعزّ العبيدي في الوفيات 5/ 225 بتصرف.
(172)
انظر أيضا تاريخ الخلفاء الفاطميين.
(173)
25 أفريل 953 م.
(174)
كتم المعزّ وفاة أبيه المنصور شهرا وعشرة أيام. تاريخ الخلفاء الفاطميين ص: 541.
(175)
اضافة من الوفيات.
(176)
في الوفيات: «فانقاد له العصاة من أهل تلك البلاد» .
(177)
انظر كتاب العبر 4/ 96.
وأتباعه الأعمال واستنوب (178) لكل ناحية من يعلم كفايته وشهامته، وضمّ إلى كل واحد منهم جمعا كثيرا من الجند وأرباب السّلاح.
ثم جهّز أبا الحسن جوهر (179) القائد، ومعه جيش كثير (180) لفتح ما استعصى عليه من بلاد المغرب، فسار إلى فاس، ثم منها إلى سجلماسة ففتحها، ثم توجّه إلى البحر المحيط وصاد من سمكه وجعله في قلال الماء، وأرسله إلى المعزّ، ثم رجع إلى المعزّ (181) ومعه صاحب فاس [أحمد بن بكر](182) وصاحب سجلماسة [ابن واسول](183) أسيرين في قفصي (184) حديد، وما رجع [إلى المعزّ] حتى وطّد له (185) البلاد (وطوّع العباد من باب المهديّة إلى البحر المحيط، من أقصى المغرب / وإلى أعمال مصر من المشرق)(186). ولم يبق بلد من هذه البلاد إلاّ وقد أقيمت فيها دعوته (وخطبت في جميعها خطبته)(187) إلاّ مدينة سبتة، فانها بقيت لبني أميّة أصحاب الأندلس.
ولمّا وصل الخبر إلى المعزّ بموت كافور الإخشيدي صاحب مصر (واشتغال بني العباس بقتال الديلم)(188) تقدم المعزّ إلى القائد جوهر ليتجهز إلى الخروج إلى مصر، فخرج أولا إلى جهة المغرب لاصلاح أموره (189)، وكان معه جيش عظيم، وجمع قبائل العرب الذين يتوجّه بهم إلى مصر، وجبى القطائع التي كانت على البربر، فكانت خمسمائة ألف دينار.
(178) في الرحلة: «استندب» .
(179)
عن ترجمة جوهر انظر الوفيات 1/ 375 - 380 وتاريخ الخلفاء الفاطميين ص: 604.
(180)
في الوفيات «كثيف» .
(181)
في الأصول: «المغرب» والمثبت من الوفيات.
(182)
اضافة من كتاب العبر للتوضيح.
(183)
اضافة من كتاب العبر للتوضيح.
(184)
انظر كتاب العبر 4/ 98 وفي تاريخ الخلفاء الفاطميين: أن المعز اخترع لهما قفصين تفنن في صنعهما لعرض الأسيرين على الرعايا، ص:613.
(185)
في الأصول: «ولم» والمثبت من الوفيات.
(186)
في الوفيات: «وحكم على أهل الزيغ والعناد من باب افريقية إلى البحر المحيط في جهة الغرب، وفي جهة الشرق من باب افريقية إلى أعمال مصر» 5/ 225.
(187)
في الوفيات: «وخطب له في جمعته جماعته» .
(188)
اضافة من المؤلف عما هو موجود بالوفيات.
(189)
في كتاب العبر: «لحشد كتامة. . . وذلك سنة خمس وخمسين» 4/ 99.
وخرج المعزّ بنفسه في الشّتاء إلى المهديّة فأخرج من قصور آبائه خمسمائة حمل دنانير وغيرها، وعاد إلى قصره.
ولمّا عاد جوهر بالأموال والرّجال، وكان قدومه على المعزّ يوم الأحد لثلاث بقين من المحرم سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة (190)، أمره المعزّ بالخروج إلى مصر» «فخرج (191) من افريقية يوم السبت رابع عشر ربيع الأول من السنة المذكورة» «ومعه (192) أصناف القبائل فأنفق المعزّ على هذا العسكر المسيّر صحبته أموالا كثيرة، فأعطى من ألف دينار إلى عشرين دينار وغمر النّاس بالعطاء، وتصرفوا في القيروان في شراء جميع حوائجهم، ورحلوا ومعه ألف حمل من المال والسّلاح، [ومن] الخيل والعدد ما لا يوصف، وكان بمصر في تلك السّنة غلاء عظيم ووباء، حتى مات من مصر وأعمالها / في تلك المدّة ستمائة ألف إنسان على ما قيل.
فانتهى جوهر بمن معه إلى مصر» «فتسلمّها (193) يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان السنة المذكورة (194)، فصعد المنبر يوم الجمعة ودعا لمولاه المعزّ» (195) وهو بافريقية، «ولمّا كان (196) منتصف رمضان من السّنة المذكورة، وصلت البشائر إلى المعزّ بفتح الدّيار المصرية، ودخول عساكره إليها، ثم وصلته النجب بعد ذلك تخبره بصورة الفتح» . «فأقام (197) جوهر بمصر نافذ الأمر، [وسيّر عسكرا إلى دمشق وغزاها فملكها] (198)، وبنى القاهرة» (199) باذن سيّده، وانما سمّيت القاهرة لأنه أراد وضع أساسها عند طالع معيّن لتكون لذريّة سيّده لآخر الدّهر، فحفر الأرض لوضع الأساس فعمل أحجار الاساس لجماعة، وجعل لهم حبالا متّصلا بعضها ببعض، دائرة بدور حفر الأساس، وجعل في الحبال أجراسا، وأمر حملة الأحجار برميها اذا سمعوا صوت
(190) 21 ديسمبر 968 م.
(191)
النقل من ترجمة جوهر الصقلي بالوفيات 1/ 375.
(192)
يرجع إلى النقل من ترجمة المعز العبيدي 5/ 226.
(193)
يرجع إلى النقل من ترجمة جوهر الوفيات 1/ 375.
(194)
جويلية 969 م.
(195)
في الوفيات: «بالجامع العتيق» وهو جامع عمرو بالفسطاط، أنظر تاريخ الخلفاء الفاطميين 685.
(196)
يرجع إلى النقل من ترجمة المعز العبيدي 5/ 226.
(197)
يرجع إلى النقل من ترجمة جوهر الوفيات 1/ 376.
(198)
اضافة من الوفيات.
(199)
الوفيات 5/ 224 - 226 و 1/ 375 - 376.
الأجراس وقعد (200) يرصد استحقاق الرّمي ليحرّك لهم الأجراس ليرموا الحجارة، فخطر غراب على تلك الحبال فتحركت الحبال بالأجراس فصوّتت، فسمعها حملة الأحجار فحسبوا أن الذي يرصد الطّالع هو الذي حرّكها فرموا [الأحجار](201) قبل [ظهور](201) الطّالع المقصود، وكان الطّالع وقت رمي الأساس (202) نجم يسمّى القاهر فسميت القاهرة، فهي إلى الآن تقهر المعتدين والجبابرة ولو ساعدتهم بعض الأيام فلا بد من دائرة السوء عليهم. ثم صارت / كتبه ترد (203) إلى المعزّ باستدعائه إلى مصر، ثم أخبره بانتظام الحال بمصر والشّام (204) والحجاز، واقامة الدعوة له بهذه المواضع، فسرّ المعزّ بذلك سرورا عظيما، ولمّا تقرّرت قواعده بالدّيار المصرية استخلف على افريقية بلكّين بن زيري بن مناد الصّنهاجي (205)، وخرج المعزّ متوجّها إلى مصر بأموال جليلة المقدار، ورجال عظيمة الأخطار، وكان خروجه من المنصوريّة - دار ملكه اذ ذاك - يوم الاثنين، لثمان بقين من شوال سنة احدى وستين وثلاثمائة (206)، ولم يزل في طريقه يقيم بعض الأوقات في بعض البلاد أياما، ويجدّ السّير في بعضها، وكان اجتيازه على برقة، ودخل الاسكندرية لست بقين من شعبان (207)، فدخل الحمام وقدم عليه بها قاضي مصر أبو طاهر محمّد بن أحمد، وأعيان أهل البلاد، وسلّموا عليه وجلس لهم عند المنارة، وخاطبهم بخطاب طويل يخبرهم فيه أنه لم يرد دخول مصر زيادة في ملكه ولا لمال، وانما أراد اقامة الحق والحج والجهاد، وأن يختم عمره بالأعمال الصّالحة، ويعمل بما أمره به جدّه صلى الله عليه وسلم ووعظهم وأطال حتى بكى بعض الحاضرين، وخلع على القاضي وبعض الجماعة، وحملهم وودّعوه وانصرفوا، ثم رحل من الاسكندرية أواخر شعبان.
ونزل يوم السبت ثاني شهر رمضان بالجيزة بساحل النيل مقابل مصر (208)، فخرج إليه القائد جوهر، وترجّل عند لقائه وقبّل الأرض بين يديه، وبالجيزة / اجتمع به الوزير
(200) في ت وش: «قصد» .
(201)
اضافتين من عندنا للتوضيح.
(202)
كذا في ط وفي ت وش: «الأجراس» .
(203)
رجع إلى النقل من الوفيات 5/ 326، وفي الأصول:«تتردد» .
(204)
انظر أيضا كتاب العبر 4/ 102.
(205)
في كتاب العبر: «واستخلفه على افريقية والمغرب، وأنزله القيروان وسماه يوسف، وكناه أبا الفتوح» 4/ 103.
(206)
6 أوت 972 م. وفي كتاب العبر: «آخر شوال» 4/ 103. وبعدها أسقط ما يتعلق بمرور المعز بسردانية.
(207)
في الأصول: «شوال» والمثبت من الوفيات 5/ 227 ومن تاريخ العبر 4/ 103.
(208)
مصر هي القاهرة.