الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نهاية المرابطين:
ثم أفضى (105) الملك بعده لولده علي بن يوسف، فكان رجلا حليما وقورا منقادا للحق والعلماء، تجبى إليه الأموال من البلاد، لم يزعزعه عن سريره حادث قط، ولا طاف به مكروه، حتى غشيه محمد بن تومرت صاحب عبد المؤمن - الآتي قريبا إن شاء الله خبره - (106)، وكانت وفاة علي لسبع خلون من رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة (107)، وكان موته عند خروج عبد المؤمن عليه قاصدا أخذ جهة البلاد المغربية (108)[ليأخذها] من علي بن يوسف، فكان مسير عبد المؤمن على طريق الجبال، فسير علي في حياته ولده تاشفين ليكون في مقابلة (109) عبد المؤمن، ومعه جيش فساروا في السهل وأقاموا على هذا مدة، فتوفي علي (بن يوسف)(110) بن تاشفين في أثنائها في التاريخ المذكور آنفا، فقدّم أصحابه ولده اسحاق بن علي بن تاشفين وجعلوه نائبا عن مرّاكش عن أخيه تاشفين، وكان اسحاق صبيّا، فظهر أمر عبد المؤمن ودانت له الجبال / وفيها غمارة وتادلة والمصامدة، وهم أمم لا تحصى، فخاف تاشفين بن علي واستشعر القهر، وتيقن زوال دولتهم، فأتى مدينة وهران، وهي على البحر وقصد أن يجعلها مقره، فان غلب عن (111) الأمر ركب منها في البحر إلى برّ الأندلس فيقيم بها كما أقامت بنو أميّة بالأندلس عند انقراض دولتهم بالشّام وبقيّة البلاد، وفي ظاهر وهران ربوة تسمى صلب الكلب، وبأعلاها رباط يأوي إليه المتعبّدون.
وفي الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة (112)، صعد تاشفين إلى ذلك الرّباط ليحضر الختم في جماعة يسيرة من خواصه، وكان عبد المؤمن بجمعه في تاجرة - وهي قرية صغيرة بساحل البحر من أعمال تلمسان، هي مولد عبد المؤمن، كما هو مقرر في ترجمته، واتّفق أنه أرسل منسرا (113) أي
(105) يرجع إلى صفحة 123 من الوفيات.
(106)
في ط: «ذكره» .
(107)
26 جانفي 1043 م.
(108)
في الأصول: «القريبة» والمثبت من الوفيات 7/ 126.
(109)
كذا في ط والوفيات، وفي ش:«مقاتلة» .
(110)
ساقطة من ش.
(111)
في الأصول «على» .
(112)
23 مارس 1145 م.
(113)
في الأصول: «مسيرا» والمثبت من الوفيات 7/ 126.
جمعا - إلى وهران، فوصلوها في السادس (114) والعشرين من شهر رمضان، ومقدمهم الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى صاحب المهدي، فكمنوا (115) عشيّة وأعلموا بانفراد تاشفين في ذلك الرّباط، فقصدوه وأحاطوا به، وأحرقوا بابه، فأيقن الذين فيه بالهلاك، فخرج تاشفين راكبا فرسه، وشدّ الركض عليه ليثب الفرس فوق النّار وينجو، فترامى الفرس بالرّوعة، ولم يملكه اللّجام حتى تردّى في جرف هناك إلى جهة البحر على حجارة في وعر، فتكسر / تاشفين وهلك في الوقت، وقتل الخواص الذين كانوا معه، وكان عسكره في ناحية أخرى ولا علم بما جرى في الليل.
وجاء الخبر بذلك لعبد المؤمن، فوصل إلى وهران، وسمّي ذلك الموضع الذي فيه الرّباط «صلب الفتح» ، من ذلك الوقت نزل عبد المؤمن من الجبل إلى السّهل، ثم توجّه إلى تلمسان، ثم توجّه إلى فاس فحاصرها، وأخذها في سنة أربعين وخمسمائة (116)، ثم قصد مرّاكش في سنة إحدى وأربعين (117) فحاصرها أحد عشر شهرا، وفيها اسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين، فأخذها، وقد بلغ القحط من أهلها الجهد، وأخرج إليه اسحاق بن علي ومعه سير بن الحاج (118)، وكان من الشجعان وخواص دولتهم، وكانا مكتوفين، واسحاق دون البلوغ، فعزم عبد المؤمن أن يعفو عن اسحاق لصغر سنّه فلم يوافقه خواصه، وكان لا يخالفهم، فخلى بينهم وبينهما فقتلوهما، ثم نزل عبد المؤمن في القصر، وذلك في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة (119)، وانقرضت من العدوة دولة بني تاشفين ملوك لمتونة الملثمين» (120).
«وانما (121) سمّوا ملثّمين لأنهم قوم يتلثّمون ولا يكشفون وجوههم، وذلك سنّة لهم يتوارثونها خلفا عن سلف، وقيل سمّوا ملثّمين لأن حمير الذين هم أصلهم، كانت تتلثّم
(114) في الأصول: «السابع» والمثبت من الوفيات 7/ 126.
(115)
في الأصول: «مكثوا» .
(116)
1145 - 1146 م.
(117)
1146 - 1147 م.
(118)
في الأصول: «يسر بن الحجاج» والمثبت من الوفيات 7/ 127.
(119)
1147 - 1148 م.
(120)
بنصه من وفيات الاعيان 7/ 126 - 127 في ترجمة يوسف بن تاشفين ما عدا الجملة الأخيرة فقد تصرف فيها المؤلف.
(121)
ينتقل إلى ص: 129 من الوفيات.
لشدّة الحرّ والبرد يفعله الخواص منهم، فكثر ذلك فيهم حتى صار يفعله عامتهم، وقيل سبب ذلك أن قوما من أعدائهم / كانوا يقصدون غفلتهم إذا غابوا عن بيوتهم فيطرقون الحي فيأخذون المال والحريم، فأشار عليهم بعض مشايخهم أن يبعثوا النّساء في زيّ الرّجال، وأن يقعدوا هم في البيوت متلثّمين في زيّ النّساء، فاذا أتاهم العدوّ ظنوهم نساء فيخرجون عليهم، ففعلوا ذلك وثاروا عليهم بالسّيوف فقتلوهم، فمن ثمّ لازموا اللّثام»، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم لمراده، لا اله غيره، وقد يسمّون بالمرابطين لكثرة غزوهم ورباطهم.