الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قتلوه، فبينما هم في سلب الأزواد اذ بالمولى أبي فارس نادى بالمسلمين وجمع القوّاد ومن حضره من الجند وكرّ راجعا تجاه العدو حتى أخذ المحلة من أيديهم قهرا وحميت العرب، وانصرف العدو منهزما، وقتل منهم نحو خمسة وسبعين، وواجه العدو بنفسه، ودفع في صدورهم دفعة شتّتت شملهم، فلم يلتفت إلاّ والعدو قد أحاط به وعلموا أنه ابن الخليفة، ومن عادتهم في الحرب أنّهم اذا أخذوا ملكا أو ابن ملك لا ينزلونه عن فرسه، فمن ثم أخذوا بعنان فرسه وساروا به فألهمه الله تعالى أن خلع عنان فرسه من رأسه وألح الفرس وهمزه فخرج الفرس من بينهم، فرموه بسهام وأسنّة، واتبعوه بخيل وأعنّة وهو لا يلتفت إليهم حتى وصل المسلمين سالما، ثم إن النّصارى اختلفوا فيما بينهم، وأراد الجنوي الغدر بالفرنسيسي، فرحل الفرنسيسي بسفنه، ولما علم الجنوي أنه لا يقدر وحده رحل أيضا، وكفى الله المؤمنين شرهم برد كيدهم / عليهم، فانصرفوا خائبين بعد أن أقاموا (309) شهرين ونصف (310).
وفي يوم الأربعاء ثالث شعبان من سنة ست وتسعين وسبعمائة (311)، توفي السّلطان أبو العباس أحمد بتونس ودفن بقصبتها عن سبع وستين سنة، ومدة خلافته بتونس أربعة وعشرين سنة وثلاثة أشهر ونصف (312).
أبو فارس عبد العزيز:
فتولى بعده ولده أبو فارس عبد العزيز، بويع بتونس يوم وفاة والده على رضا من النّاس وألّف بين اخوته واعتضدهم في دولته، وكان والده أغمي عليه وأشرف على الهلاك في غرة شعبان، فاجتمع أولاده وتآمروا في كتم حاله ودسّوا إلى عمهم أبي زكرياء يحيى وهو اذ ذاك ساكن بالرياض الذي صار مدرسة بالحلفاوين من باب السويقة من أخبره أن أخاه المولى الخليفة أصبح في عافية، فجاء برسم عيادته على عادته، فلما دخل القصبة وجد أولاد السّلطان بالقصبة، فظنّ أن أخاه قد توفي، فأراد الرّجوع إلى رياضه، فقام
(309) في الأصول: «قدموا» .
(310)
في تاريخ الدولتين نقل ذلك عن ابن الخطيب (أي ابن القنفذ القسنطيني) الذي ذكر ذلك في الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية ص: 188.
(311)
3 جوان 1394 م.
(312)
عن دولة السّلطان أبي العباس أحمد ابن الأمير محمد ابن السّلطان أبي يحيى أبي بكر انظر تاريخ الدولتين ص: 106 - 114 فقد نقل المؤلف ما فيه باختصار.
إليه بعضهم وحلف له ومنعه الخروج حتى يدبروا أمرهم، فقبضوا عليه وأدخلوه لداره بالقصبة واعتقلوه بها، فلما سمع أولاده بالقبض على أبيهم خرجوا من حينهم لأخيهم الأمير أبي عبد الله صاحب بونة، فرجع الأمير أبو فارس، فاجتمع باخوته على أكبرهم أبي بكر وهو ولي عهد أبيهم فقال له: ابن عمنا صاحب بونة جالس بمحلّته على الطريق يستمع الأخبار، فان هو سمع بأخذ / أبيه مشي إلى قسنطينة وأخذها فاختر إما أن تجلس هنا بتونس وأمشي أنا أمنعها، وإلاّ فامش أنت إليها وأجلس أنا هنا بتونس، فرأى أبو بكر أنه لا قدرة له على القيام بتونس، فقال: أنا أمشي إلى قسنطينة، فاجتمع أولاد الخليفة أبي العباس أحمد وكتبوا على اسم أبيهم كتابا بولاية قسنطينة للمولى أبي بكر، فخرج يوم الإثنين من غرّة شعبان إلى قسنطينة فوصلها يوم الخميس رابع يوم خروجه، فخرج البوّاب القائد ابراهيم حتى وقف على الكتاب وتردّد في الجواب، ثم لم يسعه إلاّ دخوله واستقل بتونس أبو فارس، فأخذ بالحزم في أموره وأوقف في كل خطة من يصلح لها، فاستقامت الأمور في أيّامه كلّها أحسن استقامة ثم شرع في إحداث الخيرات بتونس وغيرها فمنها بناؤه لزاوية باب البحر بتونس، وكانت بقعة معدة للمعاصي مجباها للمخزن عشرة آلاف دينار ذهبا في كل سنة، ومنها بناؤه للماجل الذي بمصلّى العيدين من تونس (313)، وهو من الأبنية الضخمة التي قلّ أن يبنى مثلها، ومنها بناؤه للزاوية التي خارج باب أبي سعدون بحومة باردو، وجعلها منهلا للوارد من أي أفق كان، يأوي إليها عشية إلى أن ينشأ (314) سفره من هناك سحرا، وحبس عليها ما يقوم بها، ومنها بناؤه للزّاوية التي بحومة الدّاموس خارج باب علاوة المعروفة بالشّيخ الصّالح سيدي فتح الله (315)، جعلها مأوى لمبيت الواردين من تلك الجهة اذا لم يقدر على الوصول / إلى المدينة، ومنها بناؤه محارس جملة تحوط ثغور المسلمين كمحرس آدار والحمامات وأبي الجعد ورفراف وغير ذلك، ومنها اقامة الخزنة بجوف جامع الزّيتونة، وحبّس ما فيها من الكتب الشّرعية والعربيّة واللّغة والطب والحساب والتاريخ والأدب وغير ذلك، ومنها احداث قراءة البخاري في كل يوم بعد صلاة الظهر بجامع الزّيتونة وكتاب «الشفا» و «الترغيب والترهيب» (316) بعد العصر، وأوقف على ذلك وقفا، ومنها احداث المارستان
(313) خارج الباب الجديد، تاريخ الدولتين ص:116.
(314)
في الأصول: «ينشي» وفي تاريخ الدولتين: «يشخص» .
(315)
هو فتح الله العجمي.
(316)
للحافظ زكي عبد العظيم المنذري وهو مطبوع.
بتونس للضعفاء والغرباء وذوي العاهات من المسلمين، وأوقف على ذلك أوقافا كثيرة تقوم به، ومنها ما عيّن لأهل الأندلس اعانة لهم على العدو في كل عام ألفا قفيز طعام من عشر وطن وشتاتة سوى ما يتبعها من ادام (317) وغير ذلك، ومنها ما ترك من المجابي المخزنية لوجه الله تعالى، فمنها مجبى سوق الرهادرة (318)، وكان قدرها ثلاثة آلاف دينار ذهبا في كل عام اذ كان كل من اشترى شيئا من انواع الأمتعة واللباس يغرم نصف عشر الدينار، ومجبى رحبة الماشية وقدرها عشرة آلاف دينار ذهبا (ومجبى فندق الخضرة وقدرها ثلاثة آلاف دينار ذهبا)(319) ومجبى سوق العطارين وقدره مائتان (320) وخمسون دينارا ذهبا، ومجبى فندق الملح وقدره ألف دينار ذهبا وخمسمائة دينار، ومجبى فندق البياض (321) وقدره ألف دينار ذهبا (ومجبى قائد الأشغال وقدره ثلاثة آلاف دينار ذهبا، ومجبى سوق القشّاشين (322) وقدره مائة دينار ذهبا) (323) ومجبى سوق العزّافين وقدره خمسون دينارا ذهبا، ومجبى الصابون وقدره ستة آلاف، وأبيح عمله للنّاس بعد أن كان عمله محضورا (324) / متوعدا فاعله بالعقوبة الماليّة والبدنيّة، وترك ما كان على المنكر من
(317) في تاريخ الدولتين: «آدم» ويقصد بها الزيوت.
(318)
الأصح «الرهادنة» كما ورد في رياض النفوس في ترجمة أبي محرز محمد الكناني 1/ 280 «وهم باعة الأمتعة القديمة ولهم أسواقهم وهي متعارفة قديما والرهادنة ج رهدن ورهدون بفتح الراء في الأول وضمها في الثاني. والرهدون في الأصل طائر كالعصفور بمكة ويقال كذلك لأحمق. والرهدون الكذاب، ولعلهم سموا «الرهادنة» لهذا فإنهم يتوسلون إلى رواج سلعهم بالكذب غالبا». ويقال الرهادرة بعد أن عوضت الراء النون. وجاء في معالم الإيمان 2/ 37 - 38 «وسوق الرهادرة عندنا اليوم: أصله للمخزن، وكان خرابا - وكان سوق الرهادرة للرعية الذي هو الآن للشواشين» . وجاء في بعض وثائق ملكية في صفاقس «سوق الرهادرة» ويقصد به «سوق الربع» حيث تباع الملابس والأصواف. أنظر أبو بكر عبد الكافي، تاريخ صفاقس 1/ 80 - 81 وفي مكانها في تاريخ الدولتين «سوق الدهانة» وأصلح المحقق بالهامش «رهادنة» ص:116.
(319)
ما بين القوسين ساقط من ش.
(320)
في الأصول: «مائة» والتصويب من تاريخ الدولتين ص: 117.
(321)
المراد به الفحم، وكأن اللفظة من أسماء الأضداد أو للتفاؤل، في اللهجة الدارجة يستعمل «البياض» بمعنى «الفحم» إلى الآن. وفيما يتعلق باسقاط مجابي هذه الأسواق راجع تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب لعبد الله الترجمان، لأنه أول من ذكر ذلك ونقل عنه من جاء بعده كصاحب تاريخ الدولتين وابن أبي دينار في المؤنس.
(322)
باعة القش، الأشياء القديمة، ما يعبر عنه الآن بالخردة.
(323)
ما بين القوسين ساقط من ش.
(324)
في الأصول: «محدورا» والتصويب من تاريخ الدولتين ص: 117.
خراج كالشرطة (325)، كان غير واحد من المكاسين (326) التزمها بثلاثة دنانير ونصف دينار ذهبا في كل يوم، وكذلك كان على المقامرين (327) وظائف قطعها، وقطع موضع اجتماعهم، وكذلك على العزافين (328) والمغنيات (329)، وكذلك قطع ما كان على المخنثين وأجلاهم من جميع بلاده لما بلغه عنهم من عمل المناكر، فقطع جميع المجابي لوجه الله تعالى.
ثم إن المولى أبا بكر لما دخل قسنطينة وبعد عشرة أيام من دخوله، جمع النّاس وطلبهم بيعته لما بلغه وفاة والده فبايعوه، وبعد مبايعته لازم داره في لذّاته مقتصرا على راحته فظهرت كلمة العرب، وفتحوا باب الطّمع والطلب، وزيّن لهم الكاتب أحمد بن الكمّاد كل نوع من أنواع الفساد، ثم توجه أحمد بن الكماد مع بعض الأعراب لصاحب بونة الأمير أبي عبد الله محمد ابن المولى أبي يحيى زكرياء وحضه على المبادرة إلى ملك قسنطينة فجمع الأمير أبو عبد الله أجناده وأهل وطنه ونزل قسنطينة سادس قعدة من سنة ست وتسعين وسبعمائة (330)، ومنع الواصل والدّاخل، وقطع الأشجار ورمى بالحجارة، واقتصر أهل البلد على مدافعته من الأسوار، فأقام عليها خمسة وسبعين يوما، ثم ارتحل يئسا منها، وعاد في السّنة الثانية إليها، فخرّب المنازل وأهلك الزّرع والمناهل، فتحرك إليه أبو فارس والتقى الجمعان في رمضان من سنة سبع وتسعين وسبعمائة (331) /، فهزمه أبو فارس من تبسّة (332)[الكائنة] بأرض الحنانشة عند أصل وادي مجردة إلى سيبوس هزيمة شنيعة فرّ فيها الأمير أبو عبد الله بنفسه على فرسه حتى دخل بونة مع من لحقه فظنوا اقامته فارتقب يوم وصوله الظّلام، وركب البحر من غير وداع أهله ولا سلام، وقصد فاس
(325)«يبدو في تحفة الأريب بأنه أداء لحاكم المدينة. . .» ص: 117.
(326)
في تاريخ الدولتين: «المساكين» .
(327)
في مكانها في تاريخ الدولتين: «الفخارين» .
(328)
في تاريخ الدولتين «الزفافين» وشرح الشّيخ ماضور ذلك بقوله «صوابه الزفانين وأصله من الزفن وهو الرقص» وفي حديث لعب الأحباش في العيد عند مسلم «أنهم كانوا يزفنون أي يرقصون وينقزون» وبقيت هذه المادة مستعملة إلى عهد قريب لا سيما بالساحل فيقولون الطبّال والزكار ومن معهما من رقاصة الزنوج «زفانة» ولا شك أنهم المقصودون هنا كما أن المقصود بالغانيات «المغنيات» .
(329)
في ط: «غنايات» وفي تاريخ الدولتين: «الغانيات» والمقصود هو «المغنيات» .
(330)
2 سبتمبر 1394 م.
(331)
جوان - جويلية 1395 م.
(332)
في الأصول: «تبرسق» والتصويب من تاريخ الدولتين ص: 118.
مستصرخا بصاحبها، ودخل أبو فارس بونة، وأمن أهلها ومن وجد بها عن خدمة الأمير أبي عبد الله وخدمة أبيه، ثم قدم أبو بكر من قسنطينة، فسلّم عليه أبو فارس، ورحّب به، وعند وداعه اعتذر إليه بالعجز فقبل منه، وكتب أبو بكر خلع نفسه بيده في عشرين من رمضان من السنة المذكورة.
وفي السنة المذكورة بعث أهل قسنطينة إلى أبي فارس يستغيثونه من أخيه أبي بكر فجيش، وسار إلى صفاقس قاصدا صاحبها أخاه عمر، وكان والده تركه عاملا بها، فنزل بها أبو فارس، وحاصرها إلى أن تحدث معه أهلها، فدخلوا على الأمير عمر الحمّام، فقبضوا عليه وأتوا به إلى السّلطان أبي فارس، فملك البلد، وقدّم عليها عاملا من قبله، وقفل راجعا بمحلته إلى أن قرب من تونس، فجدّد حركة منها إلى قسنطينة، فحين أشرف عليها أظهر أخوه أبو بكر عصيانا وامتناعا من اللقاء مع تيقن الأمان، والمدبّر لذلك كاتبه، فنزلها أبو فارس خامس عشر شعبان من سنة ثمان وتسعين وسبعمائة (333)، وقرر ما عنده / من الخير لأخيه وشافهه من شاطئ الهواء (334) بكلام دل على تصافيه، ودام الحصار مدة تزيد على عشرين يوما واسم أبي فارس لم يزل يذكر في قسنطينة على المنابر، ولم تتفق هذه القضية لمحاصر قبل هذا، وفعل أبو فارس ما لا يفعله محاصر من حفظ الجنّات والزّروع ودفع المضرّات عن جميع جهات البلد، ولما طال أمر الحصار نادى بعض من في السّور الفرار، وتوجّهت الإغاثة في ذلك، وانتظمت الكلمة من هنالك، ودخل بعض النّاس من سور الحبشية، ودخل السّلطان ومن تبعه من باب الحمّة ليلة الأحد ثامن عشر رمضان سنة ثمانمائة (335)، وقبض على أخيه أبي بكر، وقتل كاتبه، وأقام أبو فارس نحو شهر حتى مهّد البلاد ثم رجع إلى تونس آخر شوال ورجع بأخويه أبي بكر وعمر معه.
وفي سنة اثنتين وثمانمائة (336) خرج السّلطان واسترجع توزر من ابن يملول، ثم استرجع قفصة، وقبض على بني العابد شيوخها، وأمر بتخريب سورها، وعفا عن أهلها.
وفي أول سنة ثلاث وثمانمائة (337) تحرّك السّلطان إلى طرابلس، فحاصرها طويلا ثم فتحها سادس رجب من السّنة المذكورة (338).
(333) 24 ماي 1396 م.
(334)
في الأصول: «الهوى» .
(335)
4 جوان 1398 م.
(336)
1399 - 1400 م.
(337)
أوت 1400 م.
(338)
20 فيفري 1401 م.