الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
افريقية، وأمر عبد الملك حسّان أن يخرق البحر إلى تونس من جهة رادس، وكان موضع البحيرة الآن، على ما ورد في التواريخ، مزارع وبساتين، فحفره حفرا وخرقه إلى دار صنعتها، وأنشأ فيها مراكب، فكان يغير فيها على ساحل الروم، فشغلهم بأنفسهم عن الإغارة إلى افريقية، وكان صفة حفره أنه جعل) (116) سعة (117) هذا الحفر نحو من أربعين ذراعا، وعمقه أيضا نحو من أربع قيم، وقعره طين ثم أجرى ماء البحر في ذلك الحفر، فعلا على الحفر حتى جاوز أعلاه بربع قامة وأكثر (118) إلى أن بلغ الماء حدّه، فوقف، وعند آخر هذا الحفر يتّسع الماء ويعمق، ويسمّى ذلك الموضع وقور / وإليه تصل المراكب الحمّالة فترسي هنالك، ويتّصل فيض الماء في البحر المحفور إلى مدينة تونس، فهو على نحر البحيرة وأوساق المراكب تفرغ بوقور في زوارق صغار، وتعوم في أقاصير الماء إلى مدينة تونس، ودخول السفن من البحر إلى البحيرة لا يكون إلا واحدة بعد واحدة لأن سعة الفم (119) لا تحتمل أكثر من ذلك (وهو المسمّى بحلق الوادي)(120).
قرطاجنة:
ومن هذا الفم إلى (121) مدينة قرطاجنّة في جهة الغرب ثلاثة أميال ونصف، ومدينة قرطاجنّة الآن خراب، والمعمور منها قطعة يسيرة مرتفعة تسمّى المعلّقة، يعمرها ناس من العرب يسمّون بني زياد، وكانت قرطاجّنة في أيام عمارتها من غرائب البلاد لما فيها من عجائب البناء، وإظهار القدرة في ذلك، وكان بها الطياطر (122) التي ليس لها نظير في مباني الأرض قدرة واستطاعة، وهي من بناءات الروم الأفارقة، وذلك أن هذه الطياطر هي بناء مستدير فيه نحو من خمسين قوسا قائمة في الهواء سعة كل قوس منها أزيد من ثلاثين شبرا، وبين كل قوسين سارية وعضادتان، وسعة
(116) ما بين القوسين اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(117)
في ت: «صفة» . يرجع للنقل من ن. م. بتصرف ص: 112.
(118)
في ن. م.: «وأقل وأكثر» .
(119)
في ن. م.: «النهر» .
(120)
ما بين القوسين اضافة من المؤلف أراد بها التفسير.
(121)
في ن. م.: «ومن فم هذه البحيرة» .
(122)
في الأصول: «طياطير» وربما أراد بها المؤلف جمع طياطر، والمثبت من ن. م.، والبكري في البيان المغرب: ص: 43 - 44، ودوزي (Dozy) في قاموسه، وحسب دوزي، الإدريسي هو أول من استعمل هذه الكلمة التي هي تحريف لكلمة، Theatre أي المسرح، 2/ 76، باللاتينية «Theatrum» .
السارية والعضادتين أربعة أشبار ونصف، وتقوم على كل قوس من هذه الأقواس خمسة أقواس، قوس على قوس، صفة واحدة وبناء واحد من الكذان (123) الذي لا يجانسه شيء في الجودة أو فوق كل قوس / من هذه القسي حجر دائر، وقد صورت في الحجر الدائر على القسي السفلى أنواع من الصّور، وضروب من التماثيل العجيبة الثابتة (124) في الصخر من صفات الناس والضباع (125) والمراكب، والحيوانات، وكل ذلك قد أتقن بأبدع صنعة وأحذق حكمة، وسائر البناء الأعلى أملس لا شيء به، ويقال أن هذا البناء كان ملعبا ومجتمعا في فصل ما، ويوم ما من السنة. ومن عجائب بناءات قرطاجنة الدواميس التي تبلغ عدتها أربعة وعشرين داموسا، في سطر واحد وطول واحد، طول كل داموس منها مائة وثلاثون خطوة في عرض ستين (126) خطوة (وارتفاع كل واحد أزيد من مائتي ذراع)(127) بين كل داموسين أثقاب محكمة تتصل بها المياه من بعضها إلى بعض في العلو الشاهق بهندسة عجيبة وإحكام بليغ، وكان الماء يأتي إلى هذه الدّواميس من عين شوقار، وهي بقرب القيروان، ومسافة جري هذا الماء من العين إلى الدّواميس ثلاث مراحل، وكان جري الماء من هذه العين إلى هذه الدواميس على عدة قناطر لا يحصى لها عدد، وجري الماء بوزنة (128) معتدلة، وهذه القناطر قسي مبنية بالصّخر، فما كان منها في نشر الأرض كان قصيرا، وما كان منها في متواطئ الأرض كان عاليا جدا، وهذا من أغرب شيء رئي على وجه الأرض، وقد تعطّلت / هذه الأقواس وماؤها ودواميسها لخراب قرطاجنّة، وبعد خرابها بقي الناس سنين متطاولة يحفرون على ما تهدّم من قصورها وأصول بنائها، فيستخرجون من أنواع الرخّام ما يكل عنه الواصف، وربّما استخرج منها ألواح من رخام طول الواحد أربعون شبرا في عرض عشرة أشبار (129)(ويستخرج منها أنواع الرخام والمرمر المجزّع والملوّن ما يشتهي الناظر شيء كثير)(130) ويستخرج منها أعمدة
(123) في الأصول: «كذال» كما تنطق في اللهجة العامية بصفاقس والمثبت من ن. م. ص: 113.
(124)
كذا في نزهة المشتاق، وفي نسخ أخرى من النزهة «ناتئة» انظر هامش ن. م. ص:113.
(125)
في الأصول: «سباع» والمثبت من ن. م. ص: 113.
(126)
في نزهة المشتاق: «ستة وعشرون» .
(127)
ما بين القوسين اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.
(128)
في الأصول: «بركة» والمثبت من ن. م. ص: 113.
(129)
في نزهة المشتاق: «سبعة أشبار» .
(130)
ما بين القوسين، اضافة من المؤلف عما هو موجود بنزهة المشتاق.