الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المستعصم بالله:
وولّي (253) بعده ابنه أبو فهر (254) عبد الله بن المستنصر ولقّب «المستعصم بالله» ، فكانت أيامه خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما، وهو آخر الخلفاء العباسية ببغداد (255).
فعدة الخلفاء العباسية بعد انقراض بني أمية ثمان وثلاثون وإن ضمّ إليهم محمد وإبراهيم الأولان كانوا أربعين.
التتار:
وفي سنة ست وخمسين وستمائة تحرك خاقان التتار (256) لأخذ بغداد من يد المستعصم بالله، وسبب ذلك أن محمد بن محمد بن عبد الملك العلقمي صار وزيرا للمستعصم، وكان رافضيا سبابا للشيخين، مستوليا على المستعصم عدوا له ولأهل السنة، يوافقهم في الظاهر وينافقهم في الباطن، وكان قصد بتدبيره إزالة خلافة بني العباس وجعل الخلافة في الشيعة، فطمس آثار أهل السنة وأطفأ نورهم، ورفع منار البدعة، فجعل يسعى في توقيف أمرائها وتعمير ديارها وذلك بمكاتبة / هولاكو خان آخر السلاطين المغولية وأولهم جنكز خان (257)، كان خروجه سنة تسع وتسعين وخمسمائة (258).
وأصل هذا الجنس أنهم ترك رحالة يسكنون الخيام من اللبود لشدّة برد بلادهم،
(253) في الأصول: «وملك» .
(254)
كذا في ط وفي ش: «أبو مهد» .
(255)
قتل ببغداد على يد هولاكو الذي دخل هذه المدينة في 20 محرّم 656 هـ - 28 جانفي 1258 م.
(256)
جاء في دائرة المعارف الإسلامية الطبعة العربية «تتر وتكتب تتار، «اسم مدلوله يختلف باختلاف العصور» وفي النص يشير إلى القبائل المغولية 9/ 236.
(257)
في الأصول: «جنكر» والمثبت من دائرة المعارف الإسلامية النسخة الفرنسية 3/ 42 والنسخة العربية 12/ 379 وكتاب العبر اعتمادا على مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري وقال: «وزايه بين الكاف والخاء ليست صريحة» .5/ 1117. وتكتب عادة جنكيز خان وسنكتبها كما أشرنا فيما يلي من نص المؤلف دون الإشارة إلى ذلك.
(258)
1202 - 1203 م.
واكثر دوابهم الخيل قوتهم الأرز ولحوم الخيل وألبانها، وكلّ من ملكهم يسمّى خان، وهم من بقايا ياجوج وماجوج، سمّوا تركا لأن الإسكندر تركهم خارجين عن سدّ ياجوج وماجوج، قيل مسيرة مساكنهم ثمانية أشهر طولا في مثلها عرضا، متهارجون كالحيوان الهاملة لا يجمعهم دين ولا حاكم، وهم طوائف يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا، يعبدون الأوثان والشمس والنجوم والجن، لباسهم جلود الكلاب، فأول ملوكهم الأخباث، رأس الخبث جنكز خان، اسم قبيلته قتاة.
وفي مسالك الأبصار (259) أن جدّة جنكز امرأة اسمها مودنجة (260) مات زوجها فحملت بعده، فأنكروا عليها، فقالت: كنت ذات يوم فرأيت نورا دخل في فرجي ثلاث مرات، وان في بطني ثلاثة ذكور، فوضعت ثلاثة كما قالت، فصدّقوها، أحد الثلاثة اسمه برقد (261)، والثاني قونا (262)، والثالث نجعو (263) وهو جدّ جنكز خان (264)، وابتداء أمره أنه خدم عند ملوك الخطأ المسمّى أزبك خان (265)، فقرّبه وأدناه فحسده الوزراء حتى أثّر كلامهم فيه، فتبعه حتى كبر أزبك خان فقتله واحتوى على جميع كنوزه سنة تسع وتسعين وخمسمائة (266)، ثم تقوّى فقصد ملك الصين بعدد كالرمال، فقبض عليه سنة / إحدى وستمائة (267)، وكان أمّيا لا يقرأ ولا يكتب، فأسّس قواعد سياسته يذعن لها العقلاء، ثم قهر ملوك الأرض قياصرة وأكاسرة، وعسكره من كلّ
(259) لابن فضل الله العمري، يذكره المؤلف وكأنه ينقل عن غيره، قال نالينو (Nallino) في دراسة محمود مقديش ونزهته «ذكر مقديش أنه أخذ من ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار ما يتعلّق بجدود جنكز خان، وأظن أنه استعمل مراجع أخرى دون أن يلتجأ إلى المسالك كما زعم» Nel Secolo XVIII Venizia E sfax في مائوية أماري ص: 317.
(260)
في الأصول: «قوي» والمثبت من كتاب العبر 5/ 1118.
(261)
في الأصول: «يوقن والمثبت من كتاب العبر 5/ 1118.
(262)
في الأصول: «قوناغني» والمثبت من كتاب العبر 5/ 1118.
(263)
في الأصول: «بودنجر» والمثبت من كتاب العبر 5/ 1118.
(264)
أورد ابن خلدون هذه القصة عن كتاب ابن فضل الله العمري فيما نقله عن شمس الدين الأصفهاني.
(265)
في الأصول: «ياونك» و «أونك» والمثبت من كتاب العبر 5/ 1119. وزيادة عن هذه الرواية التي تخصّ انطلاق جنكز خان أورد ابن خلدون رواية أخرى عن بداية هذا الرجل. لزيادة الاطلاع أنظر دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الفرنسية 3/ 42.
(266)
1202 - 1203 م.
(267)
1204 - 1205 م.
ملّة، وكان يعظّم علماء كلّ ملّة مسلمين ويهود ونصارى ومجوس، فلم يتعرّض لأحد في دينه، ولم يكن لقومه ملّة ولا كتاب، فأمر أكابره فوضعوا له قلما يسمّى «قلم العقل» ، وجعلوا له كتابا يسمّى «إلياسي الكبير» ، فجعل له ملّة على ما خيّل له شيطانه، فمن أحكامه صلب السّارق وخنق الزاني، وان شهد عليه واحد، وان السابق بالشكوى على الحق مطلقا، واستعباد الأحرار، وعدم العدة، ونكاح الرجل ما شاء فلا ينحصر في أربع، والأخذ بقول الجواري والصبيان، وغير ذلك من الأوهام، وكرسي مملكته قراقروم، ولمّا استقرّ أمره توجّه لمحاربة السّلطان خوارزم شاه (268) من سلاطين الخلفاء العباسية، وقاتله مرارا حتى غلبه وقتله (269)، ثم خرج بعساكره المختلطة من كلّ الأديان واستولوا على ما توجّهوا إليه من بلاد الإسلام حتى انتهوا إلى بخارى سنة سبع عشرة وستمائة (270)، فجمع العلماء والعباد والصّلحاء والزهاد، ودخل جنكز خان المدينة حتى انتهى إلى باب الجامع فقال: هذا بيت السّلطان لما رأى من حسنه، فقالوا: بل بيت الرّحمان فنزل عن دابّته وكذلك جماعته، واستدعى الخمور والطّبول والمزامير، فجلس مع كفّاره في مجالس العلم والعلماء واستمرّوا على شرب الخمور، والعلماء حاضرون مقهورون، ثم أدخلوا الخيل / إلى المسجد الجامع وربطوا لها مرابط وبقيت الكتب والمصاحف تحت أرجل الخيل والحمير والبغال، ثم استخلص مال الناس وأمر بقتلهم وأسّر النساء والأطفال، ثم أمر بالنهب وهدّم البلاد، ثم توّجهوا لسمرقند وفعلوا بها كذلك، ثم استمرّ على عراق العجم فأهلكوا أمّهات الأمصار فضلا عن القرى ثم مات جنكز الخبيث بعد ما أهلك الأرض سنة أربع وعشرين وستمائة (271)، ومدّة ملكه ثلاثة وعشرون سنة.
وخلّف عدة أولاد فرّق بينهم البلاد، وأوصى بالتخت لولده الصغير تولي خان (272)، فقام أبناؤه الخباث على ما كان عليه أبوهم من التخريب والإفساد.
(268) خوارزم شاه محمد بن تكش.
(269)
لم يقتل بن إن التتر تتّبعوه وهو هارب إلى أن وصل إلى جزيرة في بحر طبرستان فأقام بها وطرقه المرض. . . ثم هلك بها في سنة 617 هـ - 1220 - 1221 م أنظر ابن خلدون: كتاب العبر 5/ 236 - 238.
(270)
1220 - 1221 م، أنظر عن مسير التتر إلى أذربيجان كتاب العبر 5/ 244 - 247.
(271)
1226 م.
(272)
كذا في الأصول: «تولي» وفي كتاب العبر 5/ 1120: «طولي» وقال: «طولى بين التاء والطاء» وعن أولاد جنكيز خان وتقسيم الممالك بينهم، أنظر كتاب العبر 5/ 1121.