الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادية عشرة في ذكر دولة آل عثمان وأمرائهم الذين فتحوا تونس الفتح الثالث من أيدي الكفار عند استيلائهم عليها.
الخاتمة فيما يتعلق بخصوص صفاقس ووطنها بقدر الطاقة.
المقدمة:
أما بيان المقدمة في حد علم التاريخ الخ، فاعلم أن التّاريخ في اللغة مصدر أرّخ الكتاب إذا وقّته، وفي العرف اسم لعلم ضابط لوقائع الأعصار الماضية والحاضرة، مما له خطر وشأن بوقته للنقل، فخرج بالماضية والحاضرة المستقبلة.
فإن العلم المتعلق بها أن أسند للرّسول صلى الله عليه وسلم سمّي علم الملاحم، وإن أسند لغيره كالإمام علي وذريّته - رضي الله تعالى عنهم -، سمّي علم الأجفار (17) وبقول ما له خطر ما لا خطر له مما تجري به العادة فإن ذلك لا يضبط (ولا يتعلق بضبط)(18) غرض، وبقولنا بوقته (19) مخرج للقصص المجرّد، وبقولنا للنّقل ضبط الحقوق الشّرعية للتوثيق بأوقاتها فإن الغرض منها إثبات الحقوق لا مجرد النقل.
ثم التاريخ إن تعلّق بأحوال الرّسول صلى الله عليه وسلم، وأحوال الصّحابة - رضي الله تعالى عنهم - سمّي علم السّير، وقد يخص ما تعلق من ذلك بالقتال في سبيل الله باسم علم المغازي، فيطلق التاريخ (على ما سوى)(20) ذلك كما هو الشائع. ومن هذا التعريف يؤخذ موضوعه وهو (الوقائع المعتبرة)(21) مما له شأن. وأما منفعته فمعرفة أحوال من مضى
(17) الأجفار، جمع جفر بفتح الجيم وسكون الفاء وهو ما بلغ أربعة أشهر من أولاد المعز وفصلت عن أمها. قال المعري: لقد عجبوا لأهل البيت لما أتاهم علمهم في مسك جفر ومرآه المنجّم وهي صغرى أرته كل عامرة وقفر والمسك بفتح الميم الجلد. أنظر حياة الحيوان الكبرى للدميري 1/ 197، وفيات الأعيان لابن خلكان 2/ 404 - 405 في ترجمة عبد المؤمن بن علي، الإستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للناصري 2/ 88 - 89، وفيه كتابة محررة مقيدة، ولهذه الكلمة معان أخرى أنظر مثلا تاج العروس 3/ 104. ويقصد في النص العلم الذي يسمى علم الحروف وهو علم يدعي أصحابه أنهم يعرفون به الحوادث إلى انقراض العالم، لويس معلوف، المنجد، بيروت، ص: 94.
(18)
سقطت من ت.
(19)
في ت: «بقوته» .
(20)
في ش، وت:«فجاء ما سوى» .
(21)
في ت، وش:«الواقع المعبرة» ، وهو تحريف من الناسخ لعدم استقامة المعنى.
من أولى الأقطار، وأما غايته فإليها الإشارة بقوله - علت كلمته - {لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} الآية (22) {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ} (23) إلى غير ذلك حسبما أشرنا إليه في الخطبة. وأما واضعه فقال الجلال السّيوطي - رحمه الله تعالى -: والمحفوظ أن الأمر بالتاريخ من عمر - رضي الله تعالى عنه - أخرج البخاري في «الأدب المفرد» والحاكم عن مكحول بن مهران: رفع إلى عمر ورقة فيها شعبان، فقال:
شعبان الذي نحن فيه أو الآتي أو الذي مضى؟ فقال عمر لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوا للناس شيئا يعرفونه من التّاريخ. فكان عمر - رضي الله تعالى عنه - أوّل من حض على ذلك، فقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الرّوم، فقال: إن الرّوم يطول تأريخهم يكتبون من ذي القرنين، فقال: اكتبوا على تأريخ فارس. ولم يزل يدور الحديث (24) بينهم إلى أن أجمع رأيهم على الهجرة، فإن الهجرة كانت [من](25) عشر سنين، فكتبوا التاريخ من هجرة النبيء صلى الله عليه وسلم فكان عمر - رضي الله تعالى عنه - أول من وضع للنّاس (26) التاريخ الإسلامي المقيّد بكونه من هجرة النبيء صلى الله عليه وسلم (27) وقال في «سمط اللآل» (28): لم يكن في صدر الإسلام تأريخ إلى أن ولي عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وافتتح (29) بلاد العجم ودوّن الدواوين، وجبى الخراج، وأعطى الأعطية، فقيل له ألا تؤرّخ؟ فقال: وما التأريخ؟ فقيل له: شيء كانت الأعاجم تفعله يكتبون في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: هذا حسن، فأرخوا (30). وقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: قد ذكر الله تعالى التأريخ في كتابه العزيز فقال: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ} (31). ومن استعمال التاريخ بمعنى التوقيت قوله تعالى {فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً} (32).
(22) سورة يوسف: 111.
(23)
سورة هود: 120.
(24)
في مكانها في الأصول: «التاريخ» ، والمثبت من الوزير السراج الذي يقدم نفس النص في الحلل، المجلد الأول، ص:158.
(25)
زيادة يقتضيها المقام.
(26)
كلمة سقطت من ت وط.
(27)
ورد الخبر في الكامل لابن الأثير 1/ 10.
(28)
سمط اللآل في تعريف ما بالشفا من الرّجال، تأليف الشّيخ محمد قويسم بن علي التونسي المالكي المعروف بالنواوري (1033/ 1623 - 1114/ 1702). والكتاب توجد منه نسخة بالمكتبة الوطنية وأصله من المكتبة الأحمدية بجامع الزيتونة، ويقع في أحد عشر جزءا من القطع الكبير، أنظر الزركلي، الأعلام، 7/ 233.
(29)
في ت: «وفتح» .
(30)
محمد قويسم، سمط اللآل، 1/ 17.
(31)
سورة البقرة: 189.
(32)
سورة القصص: 29.