الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتفاض صفاقس وغيرها من المدن على النرمان:
فلمّا كانت سنة احدى وخمسين وخمسمائة (80) يسّر تعالى خلاص معظم البلاد، فأول ما أنقذ من بلاد افريقية صفاقس (81)، فأظهروا مخالفة الكفار، وتبعهم النّاس، وخالفت جربة وقرقنة وطرابلس وقابس وغيرها، وكيفية اظهار صفاقس الخلاف أن لجار - لعنه الله - لمّا تغلّب على البلاد طلب الرّهائن من البلدان فمن جملة رهائن صفاقس الشّيخ الولي الصالح العالم سيدي أبو (82) الحسن علي الفرياني، بعد ما طلبوه أن يكون هو مقدم البلاد، فادّعى العجز، وأقيم ولده الشيخ سيدي عمر رحمه الله فجعل مقدما، «ولمّا أرادوا الخروج لصقليّة قال الشيخ أبو الحسن (83) لولده: «يا بني أنا كبير السنّ / وقد قرب (84) أجلي، فمتى أمكنتك الفرصة في الخلاف على العدو فافعل ولا تراقبهم ولا تنظر الي فاني أقتل، وأحسب أني قد متّ. فلمّا وجد الشّيخ عمر فرصة دعا أهل المدينة إلى مخالفة الافرنج وجميع النّصارى، وقال: ليطلع منكم جماعة إلى السّور، وجماعة إلى مساكن الافرنج والنّصارى، جميعهم وليقتلوهم، فقالوا له: إن الشيخ والدك نخاف عليه، فقال: هو أمرني بهذا، واذا قتل بالشيخ ألوف من الأعداء فما مات، فلم تطلع الشّمس حتى قتل الافرنج عن آخرهم، وكان ذلك أول السّنة المذكورة، (وذلك أوائل يناير)(85)(وما قاموا عليهم حتى جعلوا صهريجا تحت الأرض شرقي المسجد الأعظم (86) في صورة مخزن للماء، وصاروا كل ليلة ينزلون إليه لعمل السّلاح، والى الآن يسمّونه ماجل الصّاغة، وكان بابه مكشوفا، فلمّا أحدثوا السّاباط الشّرقي (87) من المسجد للموازين، وجعلوا هناك حانوتا صار بجانبه، وهو تحت الطّريق
(80) 1156 - 1157 م.
(81)
قال ابن الأثير: «فلما كان هذه السنة قوي طمع الناس فيه، فخرج عن طاعته جزيرة جربة وجزيرة قرقنة، وأظهروا الخلاف عليه وخالف عليه أهل افريقية، فأول من أظهر الخلاف عليه عمر بن أبي الحسن الفرياني بمدينة سفاقس. . .» 11/ 203.
(82)
انظر الكامل لابن الأثير 11/ 203 - 204 ورحلة التجاني 75 عند الكلام عن صفاقس، وتاريخ ابن خلدون 6/ 344 - 345.
(83)
الذي في ابن خلدون أنه كتب إلى ابنه عمر من صقلية، المؤلف تابع فيما يبدو لابن الأثير.
(84)
في الأصول: «وقد قارب أجلي» .
(85)
زيادة عما في ابن الأثير.
(86)
يوجد هذا المسجد ويسمى «الجامع الكبير» في قلب المدينة المسورة طبقا لتخطيط المدن العربية الاسلامية.
(87)
جزء مغطى من الشارع ويسمى الرّمانة نسبة إلى الات الوزن التي كانت تسمى كذلك، وما يزال هذا الإسم قائما وان تغيرت خلال هذا القرن مهمة الساباط المشار إليه.
من جهة شرق المسجد، ولما جاءن ليلة يناير عيد النصارى (88)، أظهروا معهم الفرج بموسم النصارى، وأمروا بطبخ الفول في كلّ دار، وجعلوا جماعة يدورون على الدّور في صورة شحّاتين يشحتون الفول، وأمر كل صاحب دار أن يخرج من الفول بقدر ما عنده من الرّجال، فجمعوا ما تحصّل وعدّوه وعرفوا ما عندهم، وأعطوا كل أحد من السّلاح بقدر ما أعطاهم من الفول (89)، وأحدثوا لعبا سموه لعب ضرب النّار (90) والى الآن يلعبن به الأصاغر ولما أتقنوا / وجه الحيلة مالوا على الكفرة ليلا، فلم تطلع الشمس حتى قتل الكفار عن آخرهم كما تقدم) (91) «وتبعهم أبو يحيى بن مطروح (92) بطرابلس ثم محمد بن رشيد بقابس، (ولم يبق تحت حكم الكفار غير المهديّة وزويلة)(93) فأرسل الشيخ سيدي عمر بن علي الفرياني إلى زويلة يحرّضهم على الوثوب على من معهم فيها من النّصارى، ففعلوا ذلك، وقدم عرب البلاد إلى زويلة، فأعانوا أهلها على من بالمهديّة من الافرنج، وقطعوا الميرة على المهديّة، فلما اتّصل الخبر بغليالم أحضر الشّيخ أبا الحسن، وعرّفه بما فعل ولده، وأمره أن يكتب إليه ينهاه عن ذلك، ويأمره بالعود إلى طاعته، ويخوّفه عاقبة فعله، فقال له الشّيخ: من أقدم على هذا لا يرجع بكتاب، فأرسل غليالم
(88) ما نسميه اليوم «عيد رأس السّنة الميلادية» وجاء في الحلل السندسية للوزير السراج «حسب زعم الروم ان أول يوم منه (أي يناير) هو سابع مولد المسيح وأنه يوم ختانه وهو من أكبر أعيادهم» 1/ 182.
(89)
طبخ الفول بمناسبة رأس السنة المسيحية حسب تقويم يوليوس قيصر عادة بربرية قديمة، وما زالت موجودة إلى الآن ويسمونها الحاجوجة ويطلقونها أيضا على نفس الليلة الجديدة من رأس العام وكلمة حاجوجة محرفة عن كلمة الحاجوز فاعول بمعنى فاعل كفاروق بمعنى فارق وتطلق هذه اللفظة على الليلة الأولى من السنة الجديدة لأنها تحجز بين السنة القديمة والجديدة وجاء في التقويم الشمسي لخارطة علي بن محمد الشرفي الصفاقسي المحفوظة بالمكتبة الوطنية بباريس بالقسم العربي تحت عدد 2278 «وأول ليلة منه (أي يناير) ليلة العجوز وتسمى الحاجوز لأنها تحجز بين السنة والسنة» وانفرد علي الشرفي بادماج حاجوز في معنى العجوز واعتبر العجوز ليلة واحدة بينما يرى الوزير السراج في الحلل السندسية 1/ 85 ويرى الزبيدى في تاج العروس 4/ 49 وغيرهم أن أيام العجوز سبعة أيام ابتداء من السادس والعشرين من فيفري وأنها سميت كذلك لأنها عجز الشتاء.
(90)
لعب ضرب النار عادة بربرية قديمة أيضا بقي أثرها بمناسبة الاحتفال بموسم عاشوراء. أنظر: بلاد البربر الشرقية في عصر الزيريين، مصدر سبق ذكره 1/ 381.
(91)
ما بين القوسين لم يذكره المؤرخون المتقدمون كالتجاني وابن الأثير وابن خلدون ولعل المؤلف تلقّنه من الروايات الشعبية الشائعة في عصره.
(92)
كذا في الأصول وفي «ليبيا منذ الفتح العربي» لأتوري روسي ص: 88 وفي «طرابلس الغرب» لمحمد ناجي ومحمد نوري ص: 158 «أبو يحيى رافع بن مطروح» وفي الكامل لابن الأثير 11/ 204 «أبو محمد بن مطروح» . والمؤلف ينقل عن ابن الأثير وخالفه في نقل كنية بن مطروح.
(93)
زيادة عما في الكامل.
اللعين رسولا يتهدد الشّيخ عمر ويأمره بترك ما ارتكبه، فلم يمكنه الشّيخ عمر من دخول البلد يومه ذلك، فلمّا كان الغد خرج أهل البلد جميعهم ومعهم جنازة والرسول يشاهدهم فدفنوها» (94) «قال الرسول (95): وصلت صفاقس فلم أمكن من النّزول إلى البرّ، ولمّا كان من الغد سمعت في البلد ضجّة، ثم فتح باب البحر، وخرج النّاس يكبّرون ويهلّلون ومعهم نعش قد رفعوه على رؤوسهم فحطوه، ثم تقدّم عمر فصلّى عليه ودفنه وعزاه النّاس وانفصلوا، قال: فاستدعيت الجواب فقيل لي: إن الشّيخ مشغول بالعزاء في والده الذي بصقليّة والنعش الذي رأيت نعشه، وقد عزم على موته والسلو عنه، وليس له / جواب الاّ ما رأيت، فلمّا بلغ ذلك طاغية صقليّة أمر بالشيخ أبي الحسن علي فسحب إلى المشنقة بوادي عبّاس فشنق وهو يتلو كتاب الله إلى أن فاضت نفسه رحمه الله» (ورحمنا به ونفعنا به وبأمثاله)(96).
قال التجاني (97): وكان انتقاض صفاقس على النّصارى سببا في انتقاض سائر بلاد السواحل وزوالها من أيديهم، وأقام عمر يدبّر أمر البلد إلى أن قدم عبد المؤمن.
(94) الكامل 11/ 204.
(95)
رجع إلى النقل من رحلة التجاني ص: 75.
(96)
زيادة من المؤلف.
(97)
رحلة التجاني 75 - 76.
(98)
في ش: «غليالم اللعين» .
(99)
بعدها أسقط المؤلف من نص ابن الأثير «فانهزم أهل صفاقس» .
(100)
في الكامل: «وركبوا في البحر فنجوا» .
(101)
الكامل 11/ 205.