الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته:
ولمّا (102) وصل من ذهب لعبد المؤمن من أهل زويلة إلى مرّاكش ودخلوا على عبد المؤمن أخبروه بما جرى على المسلمين وأنه ليس في ملوك / الاسلام من يقصد سواه، ولا يكشف هذا الكرب غيره مع ما كان يغريه الحسن على غزو افريقية وافتكاك المهديّة، فأثّر فيه كلامهم تأثيرا عظيما حتى دمعت عيناه، وأطرق مليا وأخذته غيرة الدّين وعصبيّة الاسلام وعزّة الملك فرفع رأسه وقال: أبشروا لأنصرنّكم ان شاء الله ولو بعد حين، وأكرم نزلهم وأطلق لهم ألفي دينار، ثم أمر بعمل الروايا (103) والقرب والحياض وما يحتاج إليه العساكر من آلة السفر، وكتب إلى جميع نوّابه بالمغرب، وكان قد ملك إلى قرب تونس يأمرهم بحفظ جميع ما يحصل من الغلات، وأن يترك في سنبله ويخزن في مواضعه، وأن يحفروا الآبار في الطّريق، ففعلوا جميع ما أمرهم به فجمعوا غلاّت ثلاث سنين ونقلوها إلى المنازل، وطينوا (104) عليها فصارت كالتلال.
فلمّا كان صفر من سنة أربع وخمسين وخمسمائة (105) سار عن مرّاكش، وكان أكثر أسفاره في صفر، فسار يطلب افريقية، واجتمع معه من العساكر مائة ألف مقاتل، ومن الأتباع والسّوقة مثلهم (106)، (وقيل الخيل مائة ألف وأما الرجالة فلا يحصون كثرة)(107) وبلغ من حفظه لعساكره أنهم كانوا يمشون بين الزّرع فلا تتأذى بهم سنبلة، واذا نزلوا صلوا جميعهم مع امام واحد بتكبيرة واحدة لا يتخلف منهم أحد كائنا من (108) كان. وقدم بين يديه الحسن بن علي صاحب المهديّة» (109) «(110) ومن تاريخ ابن شدّاد أن عبد المؤمن لمّا سار إلى تونس بالجموع العظيمة / كانوا يمرّون بالمزارع في الطّريق الضيّقة فلا يؤذون شيئا منها، وكانت هذه العساكر تمتدّ أميالا وكلّهم يصلّي الصّلوات
(102) ينتقل إلى ص: 241 من نفس المرجع.
(103)
في الأصول: «الروايات» والصواب ما أثبتناه والروايا جمع روية.
(104)
يقصد: «وطمسوا عليها» .
(105)
1159 م.
(106)
كذا في ط وفي الكامل، وفي ش:«أمثالهم» .
(107)
زيادة عما في ابن الأثير 11/ 242، وانظر رحلة التجاني ص:345.
(108)
في الأصول: «ما» .
(109)
الكامل 11/ 241 - 242.
(110)
نقله من رحلة التجاني ص: 346 - 347.
الخمس وراء إمام واحد بتكبيرة واحدة، وكانت مقدّمة هذا العسكر اثني عشر ألفا قد كلّفوا بحفر الآبار واستخراج المياه، فكانوا يمتدون قبله بيومين، فلا يأتي الاّ وقد هيّئت الغلاّت وملئت الأحواض بالمياه، ولولا هذا التّدبير لم يقدر على قطع هذه المسافة البعيدة بهذه الجيوش العظيمة، وكان كلّما مرّ بأرض فيها عرب بادروا إليه فاستصحب أعيانهم معه، وقد كانت وقعة سطيف أذلّتهم، وكان أسطوله في البحر سبعين مركبا قوّادها محمد ابن عبد العزيز بن ميمون من البيت المشهور (111) في قيادة البحر وابن الخرّاط (112) وأبو الحسن الشاطبي، وغير هؤلاء ممّن هو مثلهم في المعرفة والشهرة.
ولمّا (113) وصل إلى باجة أقام بها ووجّه إلى أهل تونس بالتأمين التام والعفو، فما ازدادوا الاّ عصيانا، وقد كانوا قاتلوا ولده عبد الله قبل ذلك ومزقوا جيشه وفعلوا به الأفاعيل لمّا وصل إلى محاصرتهم سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة (114) وانفصل عنهم أسوأ انفصال، فارتحل عبد المؤمن من باجة ونزل على طبريّة (115) وأعاد إليهم التّرغيب في الطّاعة والتّرهيب من المخالفة فلم يقبلوا، فارتحل إلى تونس، وكان نزوله عليها يوم السبت العاشر من جمادى الأولى، وقيل في الرّابع والعشرين من جمادى الأخيرة من السّنة المذكورة، واتصلت الأخبية من الحنايا / إلى حلق الوادي فعاين أهل تونس أمرا عظيما، وأقام العسكر ثلاثة أيام لا يقاتلون، فنزل إلى عبد المؤمن أشياخ [لطلب] (116) السّلم من أهل تونس منهم بنو عبد السّيد: عمر ومعاوية وعبد السّيد، ومنهم أبناء منصور اسماعيل وابن عمّه عتيق وغيرهم تمام الاثني عشر، وقيل سبعة عشر، فوصلوا إلى عبد المؤمن وطلبوا العفو فاستعفوا به بعد مكابدة شديدة، فأمّنهم في أنفسهم وأهاليهم وأموالهم لمبادرتهم إلى الطّاعة وأما من عداهم من أهل البلد فيؤمنهم في أنفسهم وأهاليهم ويقاسمهم في أموالهم وأملاكهم نصفين وأن يخرج صاحب البلد وهو أحمد بن خراسان هو وأهله إلى بجاية، فاستقر ذلك (117) لأهل تونس، وأما غير أهل تونس من قراها وسائر بلادهم
(111) في الأصول: «مشهورة» .
(112)
في الأصول: «ابني» والمثبت من رحلة التجاني.
(113)
رحلة التجاني ص: 345.
(114)
1157 م.
(115)
في الأصول: «طبرقة» والمثبت من رحلة التجاني ص: 345.
(116)
في مكانها في الأصول: «إلى» .
(117)
في الرحلة: «ذلك» .
فانهم يشاطرون في أموالهم، وتسلّم عبد المؤمن تونس، وأخرج ابن خراسان من يومه فمات في الطريق» (118).
«ثم ان (119) عبد الله بن عبد المؤمن لما فعل به أهل تونس ما فعلوا حين نزل عليهم قبل هذا حلف أن يدخلها بالسّيف، ويقتل جميع من تقع عينه عليه من أهلها فأمر النّاس في هذه الخطرة أن يدخلوا دورهم ولا يخرج أحد حتى يسمع النّداء فدخل عبد الله البلد وسيفه في يده فلم يلق الاّ شيخا قتله وانصرف وقد برت يمينه (120) ومنع العسكر من الدّخول.
وأقام (121) عليها ثلاثة أيّام، وعرض (122) الاسلام على من بها من اليهود والنّصارى فمن أسلم / سلم، ومن امتنع قتل.
ثم ارتحل (123) إلى المهديّة وخلّف بتونس أبا محمد عبد السلام الكومي ومعه أشياخ من الموحّدين لاستخلاص الأموال من أهل تونس فوقع البحث عن أموالهم ودخلت دورهم فحمل جميع ما فيها وبيع ما أمكن بيعه من رباعهم وأملاكهم وخرج الأمناء إلى سائر بلاد افريقية لمشاطرة الرّعيّة في جميع ما بأيديهم حتى لم يبق من افريقية بقعة الاّ عمّها ذلك» (124)(وقيل أقام أهل تونس بها بأجرة تؤخذ من نصف مساكنهم)(125) «وسار عبد المؤمن (126) منها إلى المهديّة والأسطول يحاذيه في البحر فوصل إليها ثاني عشر رجب ضحوة يوم الأربعاء وكان حينئذ بالمهديّة أولاد (127) ملوك الافرنج وأبطال الفرسان، وقد أخلوا زويلة، فدخل عبد المؤمن زويله وامتلأت بالعساكر والسّوقة، فصارت مدينة معمورة في ساعة واحدة، ومن لم يكن له موضع من العسكر نزل بظاهرها، (وانضاف إليهم من
(118) ما يتعلق بتونس نقله من رحلة التجاني 345 - 346.
(119)
انتقل إلى صفحة 347 من رحلة التجاني.
(120)
عن عبد الله بن عبد المؤمن في تونس انظر رحلة التجاني ص: 347.
(121)
الذي أقام بتونس بعد الفتح ثلاثة أيام هو عبد المؤمن بن علي (رحلة التجاني ص: 346).
(122)
في الأصول: «أعرض» الذي عرض الاسلام على اليهود والنصارى هو عبد المؤمن بن علي، رحلة التجاني ص: 347 والكامل لابن الأثير 11/ 242.
(123)
رجع إلى صفحة 346 من الرحلة.
(124)
رحلة التجاني ص: 346.
(125)
زيادة عما في رحلة التجاني.
(126)
النص الموالي موجود في رحلة التجاني وابن الأثير: الكامل، مع اختلاف بسيط والمؤلف ينقل عن ابن الأثير.
(127)
كذا في الكامل 11/ 243 وفي الرحلة ص: 347 نقلا عن ابن شداد: «ولاة ملوك الافرنج» .
صنهاجة والعرب وأهل البلاد ما يخرج عن الاحصاء) (128) فأقبلوا يقاتلون المهديّة مع الأيام (129) فلا يؤثر (130) فيها لحصانتها وقوّة سورها وضيق موضع القتال منها لأن البحر دائر بأكثرها وكأنها كفّ في البحر وزندها متّصل بالبر، فكانت الافرنج تخرج شجعانها إلى أطراف العسكر فتنال منه وتعود سريعا، فأمر عبد المؤمن أن يبني سور من غرب المدينة يمنعهم من الخروج، وأحاط بها الأسطول في البحر، وركب عبد المؤمن في شيني ومعه / الحسن بن علي الذي كان صاحبها فطاف بها في البحر، فهاله ما رأى من حصانتها، وعلم أنها لا تفتح بقتال برا ولا بحرا، وليس لها الاّ المطاولة، وقال للحسن:
كيف نزلت من مثل هذا الحصن؟ فقال: لقلة من يوثق (131) به وعدم القوت وحكم القدر، قال: صدقت (فعاد من البحر، وأمر بجمع الغلاّت والأقوات وترك القتال فلم يمض غير قليل حتى صار في العسكر كالجبلين من الحنطة والشّعير، فكان من يصل إلى العسكر من بعيد يقول: متى حدثت هذه الجبال ههنا؟ فيقال لهم: هي حنطة وشعير، فيعجبون من ذلك فتمادى الحصار)» (132).
وكان لمّا وصل إلى المهديّة عبد المؤمن «وصل إليه الشّيخ عمر الفرياني مع جماعة من مشايخ صفاقس فأذعنوا له بالطّاعة، وعيّن لهم عبد المؤمن حافظا من الموحّدين، وأمر عمر بالرجوع إلى بلده وأن تكون الأشغال المخزنية تتصرف على يديه، فأقام على ذلك إلى أن توفي» (133)، و «في (134) تلك المدّة أطاع أهل طرابلس وجبال نفوسة وقصور افريقية وما والاها، وفتح مدينة قابس بالسيف، وسير ابنه أبا محمد عبد الله في جيش ففتح بلادا، ثم أن أهل قفصة لمّا رأوا تمكن عبد المؤمن أجمعوا على المبادرة إلى طاعته، وتسليم المدينة إليه فتوجه صاحبها يحيى بن تميم بن المعتز (135)، ومعه جماعة من أعيانها وقصدوا عبد المؤمن، فلمّا أعلمه حاجبه بهم قال له عبد المؤمن: قد اشتبه عليك، ليس هؤلاء أهل قفصة، فقال له: ما اشتبه علي /، فقال عبد المؤمن: كيف
(128) زيادة عما في رحلة التجاني وموجود حرفيا في الكامل 11/ 243.
(129)
كذا في الكامل، وفي الرحلة:«الامام» .
(130)
في الأصول: «يؤثرون» والمثبت من الكامل والرحلة.
(131)
كذا في ط والكامل، وفي ش:«يثق» .
(132)
ما بين القوسين زيادة عما في رحلة التجاني وهو موجود في الكامل لابن الأثير 11/ 243.
(133)
رحلة التجاني ص: 76.
(134)
عاد إلى النقل من الكامل 11/ 243.
(135)
ابن الرند كما في تاريخ الدولتين ص: 12.
يكون ذلك والمهدي يقول ان أصحابنا (136) يقطعون أشجارها ويهدّمون أسوارها، ومع هذا فنقبل (137) منهم ونكف عنهم {لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً} (138) فلمّا دخلوا عليه أنشده شاعرهم (139) أبو محمد عبد الله بن أبي العبّاس التيفاشي قصيدة امتدحه بها أولها:
[بسيط]
ما هزّ عطفية بين البيض والأسل
…
مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي
فوصله بألف دينار، (وأشار إليه عند ذكر هذه البيت أن اقتصر)(140).
ولمّا كان الثاني والعشرين من شعبان من السنة جاء أسطول صاحب صقليّة في مائة وخمسين شينيا غير الطّرائد وكان قدومهم من جزيرة يابسة (141)، وقد سبى أهلها وأسّرهم وحملهم معه، فأرسل إليهم طاغية الافرنج يأمرهم بالمسير إلى المهديّة، فقدموا في التاريخ، فلمّا قاربوا المهديّة حلوا (142) قلوعهم ليدخلوا الميناء، فخرج أسطول عبد المؤمن، وركب جميع العسكر ووقفوا [على] جانب البحر، فاستعظم الافرنج ما رأوا من كثرة العساكر، ودخل الرّعب في قلوبهم، وبقي عبد المؤمن يمرّغ وجهه على الأرض ويبكي ويدعو للمسلمين بالنّصر، واقتتلوا في البحر فانهزمت (143) شواني الافرنج، وأعادوا القلوع، وتبعهم المسلمون، فأخذوا منهم سبع شواني، ولو كان معهم قلوع لأخذوا أكثرهم، وكان أمرا عجيبا وفتحا غريبا (144)، وعاد أسطول المسلمين مظفرا منصورا، وفرق عبد المؤمن فيهم الأموال فيئس (145) أهل المهديّة من النجدة وصبروا على هذا الحصار ستة أشهر إلى آخر ذي / الحجّة من السنّة، فنزل من فرسان الافرنج إلى عبد المؤمن عشرة وسألوه الأمان لمن فيها من الافرنج على أنفسهم وأموالهم ليخرجوا منها ويعودوا إلى بلادهم، وكان قوتهم قد فني حتى أكلوا الخيل، فعرض عليهم الاسلام ودعاهم إليه فلم يجيبوا، فما زالوا يتردّدون إليه ويستعطفونه بالكلام اللين، حتى أجابهم
(136) كذا في ش وفي الكامل، وفي ط:«أصحابها» .
(137)
في ط: «فقبل» ، وفي ش:«يقبل» والاصلاح من الكامل لابن الأثير 11/ 244.
(138)
سورة الأنفال: 42.
(139)
اقتصر ابن الأثير 11/ 244 على قوله «مدحه شاعر منهم بقصيدة أولها» .
(140)
زائدة عما في الكامل.
(141)
من بلاد الأندلس (الكامل 11/ 92) وهي احدى الجزائر الشرقية المعروفة بجزائر الباليار.
(142)
في الكامل: «حطوا» .
(143)
في الأصول: «فانهزم» .
(144)
في الكامل: «قريبا» 11/ 244.
(145)
في الأصول: «فأيس» .
إلى ذلك، وأمّنهم وأعطاهم سفنا فركبوا فيها، وكان الزّمان شتاء فغرق أكثرهم ولم يصل منهم إلى صقليّة الاّ النّفر اليسير.
وكان صاحب صقليّة قال: ان قتل عبد المؤمن أصحابنا بالمهديّة قتلنا المسلمين الذين عندنا بجزيرة صقليّة، وأخذنا حريمهم وأموالهم، فأهلك الله الافرنج غرقا وكان مدّة ملكهم للمهديّة اثنتي عشرة سنة.
ودخل عبد المؤمن المهديّة بكرة عاشوراء من المحرّم سنة خمس وخمسين وخمسمائة (146)، فسمّاها عبد المؤمن سنة الأخماس، وأقام بالمهديّة عشرين يوما فرتب أحوالها، وأصلح ما ثلم من سورها، ونقل إليها الذخائر من الأقوات والرجال والعدد، وولى عليها أبا عبد الله محمد بن فرج الكومي (147)، وأسكن الحسن زويلة، وأمر الكومي أن يقتدى به في أقواله وأفعاله وأقطع الحسن اقطاعا، وأعطاه دورا نفيسة يسكنها، وكذا فعل بأولاده، ورحل عن المهديّة أول صفر من السّنة المذكورة إلى بلاد المغرب» (148).
«وأقام (149) الحسن وبنوه بعد عبد المؤمن عشر سنين على ما هم عليه إلى أن توفي عبد المؤمن / وولي ابنه أبو يعقوب فوصل أمره بطلوع الحسن إلى المغرب، فطلع بأهله وولده وحاشيته سنة ست وستين وخمسمائة (150)، فلمّا وصل إلى الموضع المسمى بتامسنا (151) توفي هنالك (152) وبه قبره، وكانت وفاته في شهر رجب من العام المذكور.
وذكر التجاني (153) في «رحلته» ان عبد المؤمن لمّا وصل إلى افريقية واستنقذ المهديّة من أيدي النّصارى، وقام (154) أهل كل بلد على من عندهم امتثل أهل سوسة ذلك، ورحل (155) أشياخهم إلى عبد المؤمن، ووصل إليه أيضا جبارة بن كامل الذي كان مستوليا عليها، فقدم على سوسة حافظا من الموحدين يعرف بعبد الحق بن علناس
(146) 21 جانفي 1160 م.
(147)
لم يذكر اسمه ابن الأثير، وذكره التجاني ص:349.
(148)
بتامسنا.
(149)
النقل من رحلة التجاني ص: 349.
(150)
1170 - 1171 م.
(151)
في الأصول «بتماس» والمثبت من الرحلة ص: 349.
(152)
ببقعة تعرف بآبار زلو (رحلة التجاني ص: 350).
(153)
رحلة التجاني ص: 30 عند الكلام عن سوسة.
(154)
في ش: «وأقام» .
(155)
في الأصول: «ووصل» والاصلاح من رحلة التجاني.
الكومي، فطرقهم أسطول النّصارى ثانية وهم على غرّة، فاستولى على البلد وقتل من أهله (156) من قتل وسبى من سبى، وخرّب البلد تخريبا عظيما لأنه لم يبن على الاقامة فيه (157)، وأسّروا الحافظ المذكور وأهله وولده، وتوجّه بهم إلى صقليّة فأقاموا بها مدّة، ثم افتدوا بعد ذلك، وخرجوا، ومن حينئذ استولى الخراب على مدينة سوسة.
وكفى فخرا لسوسة أن المنستير الذي وردت الأحاديث في فضله محرس من محارسها ومنسوب إليها. روى أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم في تأليفه (158) بسنده إلى سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رابط بالمنستير ثلاثة أيام وجبت له الجنّة» (159) وبسنده إلى خالد بن معدان عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بمدينة يقال لها المنستير باب من أبواب الجنة (160) / ينقطع الجهاد [في] آخر الزمان من كل موضع فكأني أسمع صرير المحامل من مشارق الأرض ومغاربها إلى ساحل قمونية» (161)، وبسنده عن عبّاد بن كثير، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بساحل قمونية باب من أبواب الجنّة يقال له المنستير من دخله فيرحمه الله، ومن خرج عنه فيعفو الله عنه» (162).
وعبّاد (163) بن كثير الواقع في هذا السند متروك الحديث عندهم، وليث بن سليم (164)
(156) في الأصول: «من أهلها» وما أثبتناه موجود بالرحلة وهو أحسن لتنسيق الضمائر لأن المؤلف أعاد عليه ضمير التذكير بعد قليل.
(157)
في الأصول: «به» .
(158)
المصدر السالف ص: 45 - 46.
(159)
كذا في الرحلة التي ينقل عنها المؤلف ولم نجد لهذا الحديث ذكرا في كتب الحديث.
(160)
في رحلة التجاني التي ينقل عنها المؤلف «بمدينة قمونية باب من أبواب الجنة يقال له المنستير» .
(161)
الحديث بهذا السند غير موجود في طبقات أبي العرب.
(162)
في الرحلة: «. . . من دخله فبرحمة الله ومن خرج منه فبعفو الله» .
(163)
من كلام التجاني: أبي العرب وعباد بن كثير الثقفي البصري. قال الامام أحمد: روى أحاديث كذب: تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني 1/ 393، دار المعرفة بيروت ط 2، 1975، وفي طبقات أبي العرب، هامش 2 لمحققي الكتاب ذكر للمصادر التي ترجمت له وهناك عباد بن كثير آخر هو رملي فلسطيني ويقال له التميمي، وهو ضعيف الحديث. قال ابن عدي هو خير من عباد الثقفي، مات في حدود 170: ابن حجر، المصدر السالف، نفس الجزء والصفحة.
(164)
ليث بن أبي سليم بن زنيم (مصغر الأب والجد)، صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك، مات سنة 148، ابن حجر المصدر السالف 2/ 38، وانظر هامش 13 ص: 14 من طبقات أبي العرب، ومن الشذرات 1/ 207، (وفيات 138) 1/ 212، (وفيات 143)، العبر للذهبي 1/ 188 - 189، طبقات، خليفة ابن خياط، 196 - 197.
ضعيف لا يحتج به اهـ (165) من كتاب أبي العرب.
وبسند أبي العرب (166) إلى عبد الرحمان بن زياد بن أنعم عن مطرّف بن عبد الله قال: المنستير باب من أبواب الجنّة، فبينما هم في الصّلاة اذ سمعوا هاتفا (167) فبعثوا رسولهم ليأتيهم (168) بالخبر، فما لبثوا أن انصرف (169)، فقالوا له ما طرفك (170) قال (171): سيرت الجبال، فيخرّون سجّدا لله، فيقول الله تبارك وتعالى «يا أهل المنستير لولا أن كتبت الموت على خلقي لأدخلتكم الجنة (172) يعني قبل الموت، فتخرج عليهم ريح صفراء ما بين القبلة والمشرق فتخرج أرواحهم (173) فتتلقاهم أزواجهم من حور العين وخدمهم» . وعبد الرحمان (174) بن زياد متروك الحديث أيضا ضعفه ابن معين والبهلول ابن راشد. سمعت سفيان بن عيينة يقول: جاءنا عبد الرحمان بن زياد الافريقي بستة أحاديث رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمع أحدا من العلماء ذكرها ورفعها.
وبسند أبي العرب (175) إلى سفيان بن عيينة موقوفا عليه قال: الفضل في ثلاثة مواضع / المصّيصة باب من أبواب الجنّة ليحشرن (176) منها يوم القيامة سبعون ألف شهيد، وعسقلان باب من أبواب الجنّة، وموضع هناك بالمغرب يقال له الياقوتة بالمنستير
(165) يعني الأحاديث التي أوردها، لا الكلام عن عباد بك كثير وليث بن أبي سليم.
(166)
في ش: «أبي العربي» وهو تحريف.
(167)
الذي في رحلة التجاني التي ينقل عنها المؤلف ص: 31 وطبقات أبي العرب ص: 51 «هدة» وأشار محقق الرحلة في هامش 4 «في بعض الروايات «هاتفا» بدل «هدة» .
(168)
في الأصول: «رسلهم ليأتوهم» .
(169)
في الأصول: «انصرفوا» .
(170)
في الأصول: «فقالوا لهم ما طرفكم» والاصلاح من رحلة التجاني ص: 31.
(171)
في الأصول: «قالوا» .
(172)
في طبقات أبي العرب ص: 51 بعد «الجنة» : «بأوساخ ثيابكم» .
(173)
زيادة وفي رحلة التجاني التي ينقل عنها المؤلف: «فتخرج أزواجهم من الحور العين» وفي طبقات أبي العرب: «فتخرج أرواحهم فما ينزع عنهم أخلاقهم الا أزواجهم» .
(174)
من كلام التجاني وعبد الرحمان بن زياد بن انعم المعافري السفياني الشعباني تولى قضاء القيروان مرتين (ت. سنة 156 أو 161) انظر طبقات أبي العرب، ص: 95 - 105 هامش 5 ص: 95، ويزاد شذرات الذهب 1/ 140، العبر للذهبي 1/ 225 - 226، وفيات 156.
(175)
في ش: «أبي العربي» وهو تحريف.
(176)
في الأصول: «يحشر» .
داخل في البحر إلى جانب سبخة على جانب (177) تلك السبخة قنطرة من قناطر (178) الأولين يحشر منها يوم القيامة سبعون ألف شهيد (179)، وفي كتاب «الرقيق» قال: يقال إن (180) بافريقية ساحلا يقال له المنستير هو باب من أبواب الجنّة، وبها جبل يقال له ممطور هو باب من أبواب جهنّم (181)، اهـ كلام الرحلة» (182) وذكرته لأنه لا يخلو من فائدة وان ضعفت هذه الأحاديث ليعلم الواقف عليها حالها، والله تعالى أعلم (183).
(177) كلمة زائدة عن الرحلة.
(178)
في ش: «قناطير» .
(179)
هذا الأثر نقله التيجاني عن أبي العرب ولا وجود له في كتاب الطبقات المطبوعة.
(180)
ساقطة من ش.
(181)
قال التجاني: وهذا الجبل وهو المعروف في وقتنا هذا بجبل وسلات يسكنه أخلاط من البربر.
(182)
الكلام عن المنستير في رحلة التجاني ص: 30 - 32 والملاحظ أن أحاديث خصائص البلدان موضوعة فالأحاديث الواردة في بلدان المشرق وضعت في زمن الحروب الصليبية، والأحاديث الواردة في خصوص بلدان افريقية وضعت في أزمان مختلفة من بداية الفتح أو بعد غارات الروم البيزنطيين على الشواطئ. والمنستير رباط يرابط فيها العباد ويحرسون الشواطئ من غارات الأعداء.
(183)
بعدها في ط: «بغيبه وأحكم» .