الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهلها، فخرج النّاس في الأخبية، وكتبوا إلى المهدي يسألونه الانتقال إلى المهديّة، فأجابهم إلى ذلك، فانتقلوا إليها وتمّت عمارتها.
وابتنى لعامّة النّاس مدينة أخرى سمّاها زويلة، وبينهما غلوّة سهم، وجعل بها الأسواق والفنادق وأدار بها خنادق متّسعة تجتمع بها مياه الأمطار، فكانت كالرّبض لمدينة المهديّة، ولمّا جاء المعز (118) بن باديس جعل عليها سورا لما دخل العرب افريقية (119) سنة أربع وأربعين وأربعمائة (120)، وقد خرّبت هذه المدينة فلا أثر لها الآن، (فهي اسم بلا رسم)(121) وكان بخارجها الحمى المعروف بحمى زويلة كله جنّات وبساتين بسائر الثمار / وأنواع الفواكه فأفسدته العرب.
وأقام المهدي ساكنا بالمهديّة بقية عمره حتى مات بها (وقيل برقادة)(122) سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة (123).
القائم وثورة أبي يزيد:
فولي بعده ولده محمّد أبو القاسم ولقّب «القائم» فأخفى موت أبيه سنة (124) حتى أحكم أمره، وكان شهما ذا بطش، غزا جنوة فافتتحها عنوة (125)، فكان فتحا جليلا، وفي آخر أيامه ابتلي بأبي يزيد مخلد بن كيداد النّكّاري، كان رجلا من الإباضية يظهر الزّهد والقيام غضبا لله تعالى، ولا يركب غير حمار ولا يلبس غير الصّوف تصنّعا واظهارا للتّنسّك والصّلاح مع تمسّكه بأقبح البدع، وشاع جميع أمره من بلاد افريقية، ولمّا سمع القائم بتوجهه إلى باجة وجّه خادمه بشرى الصقلبي (126) ليبادره «بدخول (127) باجة
(118) في الأصول: «العزيز» والمثبت من الرحلة ص: 324.
(119)
في رحلة التجاني: «أرضه» .
(120)
1052 - 1053 م.
(121)
اضافة من المؤلف.
(122)
اضافة من المؤلف.
(123)
933 - 934 م ينتهي النقل من الرحلة 320 - 324.
(124)
الحلل السندسية 2/ 26.
(125)
نفس المرجع.
(126)
في الأصول: «بشريا الصقلي» والمثبت من الرحلة ص: 24.
(127)
يرجع إلى النقل من الرحلة ص: 24.
فيضبطها ويعسكر بها، فما وصل أبو يزيد إلاّ وقد وجد بشرى (*) فاقتتلا فانهزم أبو يزيد هزيمة فاحشة، فلمّا رأى أبو يزيد ما حلّ به نزل عن فرسه وركب حماره الأشهب وقال لمن بقي معه: هذه ليست حال من يريد الهروب بل حال من يطلب الموت [ثم] خالف بشرى (*) إلى أخبيته فجازها، فعلم بشرى بذلك، فأدركه رعب فولى منهزما وتبعه أصحاب أبي يزيد يأسّرون ويقتلون، ووصل بشرى إلى تونس منهزما ودخل أبو يزيد باجة بالسّيف، ثم خرج بشرى من تونس بعد أن ولى عليهم واليا من قبله، وسار حتى وصل سوسة، فلمّا علم القائم بالهزيمة أمدّه بالجيوش والأموال وأمره / أن يستعد (128) للقاء أبي يزيد ثانية، فكتب أهل تونس لأبي يزيد يلتمسون تأمينه فأمنهم، وخرج بشرى من سوسة فوصل إلى المرصد (129)[وهي] قرية كانت قرب المنارة، فلمّا علم أبو يزيد وجّه للقائه أيوب (130) بن خيران، فوصل إلى المرصد فتقهقر بشرى إلى اهريقلية فتحيّز بسور القلعة، ولحقه أيوب فالتقيا فانهزم أيّوب وقتل من أصحابه ألوف وأسّر منهم مئون فوجههم بشرى إلى المهديّة فقتلهم العامة بالعصي والحجارة، وانقلب أيّوب إلى أبي يزيد منهزما فساءه ذلك ورحل بنفسه قاصدا بشرى فوجده انصرف إلى المهديّة، فوقف على المعترك وترحم (131) على قتلاه وأمر بمواراتهم (132).
ثم توجّه إلى القيروان فملكها ووجّه مستوية (133) النكّارى إلى تونس لما بلغه من مخالفتهم عليه بعدما كانوا دخلوا في طاعته فعلم بذلك القائم فوجّه عمار بن علي بن الحسين ليسبقه إليها فما قرب إليها الاّ وقد علم أن مستوية (133) قد دخلها وقتل كثيرا من أهلها وأخرب كثيرا من مساجدها فعزم على الرجوع فخرج إليه مستوية (133) فيمن معه من النكارية فالتقوا بصلتان (134) قرب سليمان «فانهزم عمار بن علي والكتاميون هزيمة شنيعة، وقتل منهم جماعة، وحال الليل بينهما، فلجأ عمّار إلى جبل الرّصاص،
(*) في الأصول: «بشريا الصقلي» والمثبت من الرحلة ص: 24.
(128)
في الأصول كما في بعض أصول الرحلة: «يعتد» والمثبت من محقق الرحلة ص: 25.
(129)
هو مرصد شريك من طرف الجزيرة وطرف الجزيرة المذكور في النص هو بدون شك الطرف الغربي أي في جهة بئر بورقية، (المصدر السالف، تعليق 77) المحقق.
(130)
في الأصول: «أبا أيوب» والمثبت من الرحلة ص: 25 وكتاب العبر 4/ 89، وهو أيوب بن خيران الزويلي أبو سليمان، وهو رجل كثير الشر من مزاتة.
(131)
في الأصول «متأسفا» والمثبت من الرحلة ص: 25.
(132)
الرحلة: ص: 24 - 25.
(133)
في الأصول: «مستاوية» والمثبت من الحلل 2/ 27 والرحلة ص: 22.
(134)
عن واقعة صلتان انظر الحلل السندسية 2/ 27.
وامتنع ليلته تلك وأصبح مرتحلا فأتبعه مستوية (*) بجنوده، فالتقوا ثانية فانهزم النكارة / وقتل بشر (135) كثير منهم وجرح مستوية (133)».
وبلغ ذلك أهل تونس فأخرجوا من كان عندهم من النكارّة، وقتلوا كثيرا منهم، ولم تزل الحرب بين عساكر القائم وأبي يزيد سجالا مرة لهذا وأخرى للاخر (136)، وآخر الأمر استعلى أبو يزيد على القائم واحتوى على كثير من البلاد، واجتمع عليه أكثر العباد، وقام معه جماعة القيروان فزحف بجنوده نحو المهديّة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (137) فعلم (138) القائم بذلك فأمر بحفر خندق حول المهديّة وزويلة، ووصل أبو يزيد في جيوشه فأحاط بالمهديّة وعسكر بخربة جميل (139) على أميال قريبة من المهديّة، فكانت خيله تصل إلى أرباضها، فتقتل وتنهب، فلجأ جميع الناس إلى المهديّة، وأخلوا أرباضها. قال الشّيخ أبو الحسن القابسي: «وأبصر القائم ذات يوم غرة من أبي يزيد لتفرق أكثر جيشه للنهب فأخرج طائفة من جيشه الكتاميين وغيرهم فقصدوا أبا يزيد، وسبق الخبر إلى أبي يزيد بذلك، فوافق ذلك وصول ابنه الفضل بجمع عظيم من ضريسة، فأمرهم بلقائهم وأن يكفّ عن قتالهم ما كفوا عنه، فان أبوا الا قتاله وجه إليه من يعلمه بذلك، فالتقوا بسوق الأحد وهو موضع بين سور المهديّة ومعسكر أبي يزيد وسطا، فأبى الكتاميون الا قتال فضل، فوجّه إلى أبيه يعلمه بذلك، فركب أبو يزيد من حينه يجمع من معه فوافاهم وهم يقتتلون وقد هزم ابنه فضل وقتل من أصحابه جماعة، فلمّا / رآه الكتاميون انهزموا من غير قتال وبحأوا إلى المهديّة فدخلوا إليها.
ووصل أبو يزيد في أثرهم إلى أن أشرف على المهدية، فأحب نقل مآربه (140) إلى موضعه ذلك فأشار عليه أصحابه بالرجوع إلى معسكره وأن تكون اقامته به إلى أن
(*) في الأصول: «مستاوية» والمثبت من الحلل 2/ 27 والرحلة ص: 22.
(135)
في الأصول: «بشرى» وفي الحلل: «خلق» ، والمثبت من الرحلة ص:23.
(136)
انظر كتاب العبر 4/ 89.
(137)
944 - 945 م.
(138)
النقل الموالي من رحلة التجاني ص: 325.
(139)
كذا في رحلة التجاني ص: 325، وهي على خمسة عشر ميلا من المهدية، وفي تاريخ الخلفاء من كتاب عيون الأخبار:«خربة جميلة» ص: 304، وهي غير مذكورة في المصادر الأخرى وقال محمد اليعلاوي:«ويبدو أن التجاني والداعي ادريس يستقيان من منبع واحد، وربما استخدم ابن الأثير أيضا هذا المصدر المفقود» أنظر هامش 136 ص: 304 من تاريخ الخلفاء.
(140)
في الرحلة: «فازاته» .
يستقصي الأمور فرجع إليه وأقام هنالك أياما، ثم انتقل منه وزحف إلى المهديّة فوصل إلى خندقها واقتحم (141) الماء بمن معه، فوصل الماء إلى صدور خيلهم وجيوش القائم في ذلك كلّه متقهقرة عنه، ووصل أبو يزيد بنفسه في تلك الخطرة (142) إلى مصلّى المهديّة فلم يبق بينه وبين المهديّة إلاّ رمية سهم حسبما أنذر به المهدي عند بناء سورها، فلمّا رأى الناس ذلك لم يشكّوا في تغلّبه على المهديّة فاجتمعوا على القائم وعظموا له (143) الأمر وسألوه الخروج إلى أبي يزيد فقال لهم: انه قد بلغ إلى أقصى غايته ولن يتجاوزه ولينجزن الله وعده، ثم قال [لبعض] من بين يديه: اصعد إلى السّور فاذا رأيت أبا يزيد انتقل عن مكانه من المصلّى فأشر إلينا باشارة نعرف ذلك بها ففعل الرجل ما أمر به، فقال لهم القائم:
أبشروا فلن يعود أبو يزيد إلى مكانه ذلك أبدا، وانتقل أبو يزيد إلى الموضع المعروف «بترنوط» وهو على خمسة أميال من المهديّة، فعسكر هنالك، واتّصل حصاره لها فقتل بين الفريقين في ذلك على توالي الأيام أمم لا تحصى أكثرها من جيوش القائم. وذكر البكري [أن] (144) في كتاب الحدثان: ويل لأهل السواد (145)، / من محلة ابن كيداد» ويقال من مخلد بن كيداد (146).
ولمّا طال على جيش (147) أبي يزيد المقام وسئموا التغرب على بلادهم وتحققوا حصانة المهديّة [وامتناعها] وذلك في شهر صفر سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة (148) انفصلوا عن أبي يزيد بأجمعهم فلم يبق معه إلاّ طوائف من هوارة وزناتة، فأقلع عن المهديّة، ومات القائم في آخر هذه السنة وأبو يزيد محاصر لسوسة» (149).
وسبب محاصرته لها أنها امتنعت منه سنة (150) اثنين وثلاثين وثلاثمائة (151) فلم يزل
(141) كذا في ط والرحلة، وفي ت وش:«لجمعهم» .
(142)
في ش: «حضرة» والمثبت من الرحلة ص: 326.
(143)
في ش: «عليه» والمثبت من الرحلة.
(144)
النقل من الرحلة وفي الأصول: «وذكر البكري في كتاب الحدثان» مما يوهم أن للبكري كتاب الحدثان، والاضافة من الرحلة لأن الصحيح أن البكري نقل عن كتب الحدثان.
(145)
أهل السواد: «أهل الساحل» الرحلة نقلا عن البكري ص: 326.
(146)
انظر الكتاب المغرب من المسالك والممالك المرجع السابق ص: 30.
(147)
في الرحلة: «جند» .
(148)
سبتمبر 945 م.
(149)
الرحلة 325 - 327.
(150)
ينتقل إلى صفحة 27 من الرحلة.
(151)
943 - 944 م.