الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: تارة يزخرف لنا الجنان، وتارة [تشرف علينا الحور والولدان](60)، وتارة تبسط (61) لنا الحجب، فقلت له: من أعلى درجة أنت أو الممسي؟ فقال جمعنا في حديقة واحدة. قال أبو بكر المالكي (62): وكان يكثر من الاشارة بأنه يستشهد، فكان ذلك في قتال بني عبيد، وكان يقول: والله ليدارنّ بهذا الرأس، فقدّر الله أن أدير برأسه بطرابلس» وهذا كله مبني على القول بكفر بني عبيد (63).
أقوال بعضهم في الفاطميين والمجادلة حول رميهم بالكفر والزندقة وتبرئتهم منهما:
قال الجلال السّيوطي (64): إن أكثر الخلفاء العبيديين زنادقة خارجون عن الاسلام منهم من أظهر سب (الصّحابة)(65) والأنبياء، ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسّجود له، والخيّر منهم رافضي خبيث لئيم بسبّ الصّحابة، ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة، ولا تصحّ لهم امامة.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني (66): كان المهدي عبيد الله باطنيا (67) خبيثا حريصا على إزالة ملّة الاسلام، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه أباحوا الخمر والفروج / وأشاعوا الرّفض.
وقال الذّهبي: كان القائم بن المهدي أشرّ (68) من أبيه زنديقا ملهونا، أظهر سبّ الأنبياء، وقال: وكان العبيديون على ملّة الاسلام أشرّ (69) من التتر، وقال أبو الحسن
(60) في الأصول: «وتارة يشرق علينا» والاضافة من المعالم 3/ 36.
(61)
في الأصول: «تصطك» والمثبت من نفس المرجع.
(62)
يستمر في النقل من المعالم 3/ 36.
(63)
انتهى النقل من المعالم 3/ 36 وعن ربيع القطان انظر النص الكامل في المعالم 3/ 30 - 36 (ط.2) وترجمته في الأعلام للزركلي 3/ 15 (ط.5) وترتيب المدارك 3/ 323 وشجرة النور الزكية ص: 83، ورياض النفوس ومحمد محفوظ، معجم المؤلفين التونسيين 4/ 92 - 93.
(64)
تاريخ الخلفاء ص: 5.
(65)
زائدة عن نص السيوطي.
(66)
النقل من تاريخ الخلفاء.
(67)
في الأصول: «إباضيا» والمثبت من تاريخ الخلفاء.
(68)
في تاريخ الخلفاء: «شرا» .
(69)
في تاريخ الخلفاء: «شرا» .
القابسي: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعبّاد أربعة آلاف رجل ليردّوهم عن الترضي عن الصّحابة، فاختاروا الموت، فيا حبّذا لو كان رافضيا فقط، ولكنه زنديق.
وقال القاضي عياض: سئل أبو محمد القيرواني والكثير من علماء المالكية عمن أكرهه بنو عبيد - يعني خلفاء مصر - على الدّخول في دعوتهم أو يقتل؟ قال يختار القتل، ولا يعذر أحد في هذا الأمر، كان [أول دخولهم](70) قبل أن يعرف أمرهم (71) وأما بعد فقد وجب الفرار، فلا يعذر أحد بالخوف بعد إقامته، لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز، وانما أقام من الفقهاء مع المباينة لهم (لئلا يخلو بالمسلمين عدوهم فيفتنهم عن دينهم)(72).
وقال يوسف الرعيني: أجمع العلماء بالقيروان [على] أن حال بني عبيد حال المرتدّين والزّنادقة، لما أظهروا من خلاف الشّريعة.
وقال ابن خلكان (73): قد كانوا يدعون علم المغيبات وأخبارهم في ذلك مشهورة، حتى أن العزيز صعد يوما على المنبر فرأى ورقة فيها مكتوب:
[مخلع البسيط]
بالظّلم والجور قد رضينا
…
وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أعطيت علم غيب (74)
…
بيّن لنا كاتب البطاقة
وكتبت إليه امرأة رقعة فيها مكتوب بالذي أعز اليهود بمنشأ (75) / والنّصارى بابن نسطور (76) وأذلّ المسلمين بك، الا نظرت في أمري، وكان قد ولي منشأ اليهودي عاملا على الشّام وابن نسطور النّصراني على مصر اهـ (77).
(70) ساقطة في الأصول.
(71)
في الأصول: «الأمر منهم» والمثبت من الخافاء ص: 6.
(72)
في تاريخ الخلفاء: «لئلا تخلو للمسلمين حدودهم فيفتنوهم عن دينهم» .
(73)
النقل من تاريخ الخلفاء على لسان ابن خلكان ص: 6، أنظر في ذلك: الوفيات 5/ 373 - 374.
(74)
في الأصول: «الغيب» والمثبت من تاريخ الخلفاء ص: 6.
(75)
في تاريخ الخلفاء: «ميشا» والأصوب كما في النص اذ هو اسم معروف عند اليهود.
(76)
في الأصول: «نسطول» والمثبت من تاريخ الخلفاء.
(77)
تاريخ الخلفاء ص: 5 - 6.
وقيل الأبيات للحاكم بن العزيز المذكور، ففي تاريخ الذّهبي: أن الحاكم ادّعى علم الغيب في وقت، فكان يقول فلان قال في بيته كذا وكذا، وفعل كذا وكذا، وأكل كذا وكذا، وكان ذلك باتفاق اعتمده مع العجائز اللاّتي تدخلن بيوت الأمراء وغيرهم، ويعرّفونه بذلك، فرفعت إليه رقعة فيها بالجور والظّلم قد رضينا (78) إلى آخر البيتين، فحين رآها سكت عن الكلام في المغيبات، وكان هو وأسلافه بمصر يدّعون الشّرف ويقولون: نحن أولاد فاطمة وأبونا علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - وكان الحاكم في كل سبعة أيام يقول ذلك على المنبر، وكانت الرّقاع ترفع إليه وهو على المنبر، فرفعت إليه رقعة مكتوب فيها:
[رجز] انا سمعنا نسبا منكرا
…
يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما قلته (79) صادقا
…
فانسب لنا نفسك كالطائع (80)
أو كان حقّا كلّما تدعي
…
فاذكر أبا بعد الأب السابع (81)
أو لا فدع الأنساب مستورة
…
وادخل بنا في النسب الواسع
فانّ أنساب بني هاشم
…
يقصر عنها طمع الطامع
فرماها من يده ولم ينتسب فيما بعد، وكان الحاكم الخبيث يعمل الحسبة بنفسه فيدور في الأسواق على حمار له فمن وجده غشّ في معيشته أمر عبدا أسواد معه يفعل به الفاحشة العظمى، وهذا أمر منكر لم يسبق إليه اهـ (82).
وقال في معالم / الايمان (83): «فان قلت وهل يعذر أحد بالاكراه على الدّخول في
(78) ساقطة في ط.
(79)
تدعي.
(80)
هو الطائع الخليفة العباسي، ووردت رواية أخرى. وإن ترد تحقيق ما قلته فانسب لنا نفسك كالطائع
(81)
رواية أخرى للبيت: إن كنت فيما تدعي صادقا فاذكر أبا بعد الأب الرابع والأبيات وردت في وفيات الأعيان 5/ 9 - 10 في ترجمة العزيز بالله. وذكرها السيوطي في تاريخ الخلفاء ص: 4 - 5 نقلا عن ابن خلكان.
(82)
تاريخ الخلفاء ص: 6.
(83)
ما نقله عن معالم الايمان موجود في 2/ 265 في أواخر ترجمة أبي اسحاق بن البرذون.
مذهبهم؟ قلت: قال يوسف بن عبد الله الرّعيني في كتابه: قال الشيوخ أبو محمد بن أبي زيد، وأبو القاسم بن شبلون، وأبو الحسن القابسي، وأبو علي بن خلدون، وأبو محمد الضبي (84)، وأبو بكر بن عذرة: لا يعذر أحد في ذلك، لأنه قام بعد علمه بكفرهم - وكفرهم ارتداد وزندقة - بخلاف غيرهم».
وقال الشّيخ أبو القاسم بن الدّهّان: لأن كفرهم خالطه سحر، فمن اتصف بهم (85) وخالطهم خالطه السحر، والسحر كفر.
ولما حمل اهل طرابلس لبني عبيد أظهروا أن يدخلوا في دينهم عند الاكراه ثم ردّوا من الطريق سالمين، فقال ابن أبي زيد: هم كفّار لاعتقادهم ذلك.
قلت: الأقرب أنهم ليسوا بكفار، وانما صرح أبو محمد بما ذكر، مبالغة لتنفير العامة لأن المطلوب سدّ هذا الباب، وأما فيما بينهم وبين الله فما قلنا والله أعلم (86).
وقال أيضا: ولم يزل أهل القيروان في جهاد مع الفرق الضالة والفئة المارقة، ولم يزل الشّيخ الأوحد أبو عثمان سعيد بن الحداد، وأبو محمّد عبد الله بن اسحاق التّبان، يناظران على مذهب أهل السّنة ويرون ذلك من أعظم الجهاد حتى أخمد الله نارهم، وقلّ عددهم، وظهر حزب الحقّ وأعلى الله كلمته والحمد لله رب العالمين.
قال (87): وكان أبو اسحاق ابراهيم بن حسن بن يحيى المعافري التونسي امتحن بسبب أنه «ورد عليه سؤال من مدينة / باغاية (88) استفتى فيه، وكانت المسألة مسألة طلاق ومراجعة، وذكر السائل أن ولي النّكاح كان من الفرقة المعروفة بافريقية بالمشارقة وهم دعاة بني عبيد - فأجاب الشّيخ أبو اسحاق - رحمه الله تعالى - أن هذه الفرقة على قسمين أحدهما كافر مباح الدّم، والقسم الآخر وهم الذين يقولون بتفضيل علي بن أبي طالب على سائر الصّحابة، لا يلزمهم القتل ولا يبطل نكاحهم، وأنكر عليه جميع فقهاء افريقية بالقيروان وغيرها ذلك، واحتجوا عليه بجماعة من أهل الزّهد والعلم والعبادة بالقيروان كانوا أشدّ النّاس مباينة بالعداوة والتكفير لبني عبيد وأتباعهم، منهم أبو اسحاق
(84) في الأصول: «بن الطيبي» والمثبت من المعالم 2/ 265.
(85)
في الأصول: «انضاف لهم» والمثبت من المعالم 2/ 265.
(86)
معالم الايمان: 2/ 265.
(87)
معالم الايمان 3/ 177
(88)
في الأصول: «باغية» والمثبت من معالم الايمان 3/ 177 وكتاب العبر، وقد سبقت الاشارة إلى ذلك.
السبائي، ومروان العابد، وربيع القطّان وأضرابهم، وأرسلوا إليه أن يعاود النّظر، وأن يرجع عن هذا القول فأبى ذلك، وانتهت القضيّة إلى المعزّ بن باديس (الذي كان سببا في قطع مذهب الشّيعة)(89) فجمع بعض الجمع عنده في المقصورة وناظروه فأظهر الانابة إلى قولهم والرّجوع، ثم خلا بأصحابه فأنكروا عليه رجوعه إلى قولهم وأنه على الحق الذي لا يجب سواه، وكان رأي الفقهاء سدّ هذا الباب للعامّة على هؤلاء الكفرة بني عبيد الزّنادقة، وأن الدّاخل في دعوتهم - وان لم يقل بقولهم - كافر لتوليه الكفر، فأظهر أبو اسحاق التّمادي على قوله وانكار الرجوع عنه، فأطلق الفقهاء الفتيا بسبب مقالته / هذه بالتّضليل والتّبديع، وقال فيها الشّعراء قصائد كثيرة تضمنت التبرّي من أبي اسحاق، وأنشدها الشعراء والطلبة عند الفقهاء في دورهم (وجمعهم)(90)، وأمر السّلطان بسجل في القضيّة من التبري من قوله، وقيل فيه ما يعظم به أجره، وأمر بقراءته يوم الجمعة على المنبر قبل الصّلاة مستهل صفر عام ثمان وثمانين وأربعمائة (91)، ثم أمر السّلطان باحضاره بالمقصورة في ذلك اليوم اثر الصّلاة، وأحضر معه الفقهاء: أبا القاسم اللبيدي فقيه مشيخة الفقهاء وكبيرهم، والفقيه أبا الحسن، والقاضي أبا بكر بن أبي محمد بن أبي زيد خاصّة من بين سائر الفقهاء، وكان هذان الفقيهان من أشدّ الناس في ذلك إلى مذهب الجماعة، وحكم في المسألة اللّبيدي، فحكم أن يقرّ بالتّوبة على المنبر بمشهد جميع النّاس وأن يقول: كنت ضالاّ فيما رأيته ورجعت عن ذلك إلى مذهب الجماعة، فاستعظم الأمر على المنبر وقال: ها أنا أقول هذا بينكم، فساعدوه وقنعوا منه بقول ذلك بمحضر السّلطان والجماعة، وأن يقوله بمجلسه ويشيعه عنه، وافترقوا على ذلك، وحصلت على الشّيخ منه غضاضة فخرج في صبيحة يومه متوجّها إلى منستير الرّباط، وهو المراد بقول من قال: خرج إلى قصر الرّباط، ولا يحمل على ظاهره، وهو قصر الرّباط بسوسة (92). [وكان] ذلك يوم السبت الثاني من صفر من السنة المذكورة، / وانما خرج على الفور مسكّنا للقضية ومنسيا لها فتغيب بشخصه ثم عاد إلى القيروان.
قال عياض: ولا امتراء عند كلّ منصف أن الحق فيما قاله أبو اسحاق، ولا امتراء أن مخالفته أوّلا لرأي أصحابه في حسم الباب لمصلحة العامة لجاج وأن رأي الجماعة كان
(89) زيادة عن معالم الايمان.
(90)
زيادة عن معالم الايمان.
(91)
كذا في المعالم وفي ط: «وثلاثين» 10 فيفري 1095.
(92)
ما يتعلق بفتوى أبي اسحاق التونسي ورد في ترجمته من معالم الايمان 3/ 177 - 179 (ط / 2).
أسدّ للحال وأولى، وفتواه هذه جرى على العلم وطريق الحكم، ومع هذا فما نقصه هذا عند أهل التّحقيق ولا حط منصبه عند أهل التوفيق.
ولما دخل عبيد (93) الله القيروان، وخطب أول جمعة وجبلة بن حمود جالس عند المنبر فلمّا سمع (94) كفرهم قام قائما وكشف عن رأسه حتى رآه النّاس، وخرج يمشي إلى آخر الجامع وهو يقول: قطعوها قطعهم الله، فما حضرها أحد من أهل العلم بعد ذلك.
وهو أول من نبّه على هذا (95).
ولمّا لعن الشّيخ ابن الدّباغ من ذكر من الشّيعة، ونقل كفرهم ورضيه ولم ينكره حسبما نقل في معالم الايمان، قال الشّيخ ابن ناجي: ما ذكره من لعنه لمن ذكر، ونسبتهم بهذا إلى الكفر والزندقة، قال العواني: أفرط في ذمّهم في هذا الكتاب، ثم أنه في كتابه المسمّى «واسطة النظام في تواريخ ملوك الاسلام» ذكر ضدّ ذلك، ووصفهم بأوصاف من تغيير المنكر والنهي عن شرب الخمر، وبرّأهم من المذام (96) كلّها التي نسبت إليهم ونسبها لبعض دعاتهم، وانهم لما اتصل بهم ما اتصل من بعض دعاتهم عاقبوهم أشد العقوبة / على ذلك وتبرّءوا منهم، وأن المنصور بالله اسماعيل بن القائم بن محمّد بن عبيد الله المهدي كان محسنا لرعيته فصيح اللّسان خطيبا منصفا، ولم يزل على الحالة الحسنة من العدل والعفو والحلم، وأسقط الخراج عن الرّعية حتى صحّت أحوالهم، وكان قاضيه محمد بن أبي المنظور (97) في غاية الدّين والورع والصّلابة في الحق إلى أن مات.
فولي بعده عبد الله بن هشام القاضي فكان من أفضل النّاس.
ولم يزل المنصور هذا شأنه من حفظ المسلمين وتوليه أهل الورع والدّين ومحبّة (98) الفقهاء والصّالحين. ولمّا سار إلى الساحل مرّ بقرية عيسى بن مسكين القاضي فصلّى في مجلسه ركعتين تبركا به وأوصى العامل بحفظ القرية. هكذا ذكر ابن الدباغ في تأليفه» اهـ.
(93) النقل الموالي من ترجمة جبلة بن حمود في معالم الايمان 2/ 273.
(94)
في الأصول: «فسمع» .
(95)
معالم الايمان 2/ 273.
(96)
في ت: «الذمام» .
(97)
في الأصول: «بن أبي المنصور» .
(98)
كذا في ت وط، وفي ش:«صحبة» .