الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسالمة واليهم بن تافراجين، وان يتوجّه بماله وأهله في البحر، فاشترط لهم ذلك، ووفّى به، وأغرمهم ستين ألف دينار عقوبة / لهم» (76) وكان ذلك سنة احدى وتسعين وخمسمائة (77).
ثورة محمد بن عبد الكريم الرجراجي:
«وفي سنة خمس وتسعين (78) ثار بالمهديّة محمد بن عبد الكريم الرجراجي (79) على المنصور فلمّا توفي المنصور ليلة الجمعة ثاني ربيع الأولى من السنة المذكورة وولي ابنه بعده النّاصر واستوزر أبا محمد عبد الواحد بن أبي حفص صاحب عبد المؤمن استبدّ ابن عبد الكريم بنفسه، وقبض على والي المهديّة الشّيخ أبي علي يونس بن الشّيخ أبي حفص ابن عبد المؤمن، وكان محمّد بن عبد الكريم هذا ممن نشأ بالمهديّة وكان أبوه من جندها السّاكنين بها المنظور (80) اليهم فيها، وهو مضاف إلى قبيلة كومية (81)، وكانت (82) لمحمد هذا شجاعة وبسالة ظهرت له في مواطن كثيرة مع الأعراب وغيرهم، وكان قد جمع لنفسه خيلا ورجالا من الرّعايا (83) يغزو بهم على الأعراب المفسدين، فيكّف ضررهم واعتداءهم، وقد علم إقدامه وغناؤه فقدّمه الوالي على ذلك وأطلق يده فيمن (84) اعتدى منهم، فكان يقبض عليهم فيقتل (85) منهم من يقتل ولا يطلق من حبسه (86) منهم إلاّ بعد دفع أموال كثيرة واعطاء العهود والمواثيق على الكفّ عن العناد والفساد، فكانت العرب تهابه ولا تنتجع أرضا إلاّ باذنه، فارتفع صيته بذلك وسما ذكره وحصل الأمن به في تلك
(76) رحلة التجاني ص: 105 - 106 أثناء الكلام عن قابس، والمؤلف نقل عباراته حرفيا الا في القليل.
(77)
1195 م وانتقل المؤلف إلى صفحة 350 من رحلة التجاني.
(78)
1198 م.
(79)
كذا في الأصول ورحلة التجاني، أو الركراكي بالكاف الفارسية التي تلفظ كالجيم المصرية.
(80)
في رحلة التجاني: «المترتبين» .
(81)
في الأصول: «كريمة» والتصويب من رحلة التجاني ص: 350.
(82)
في الأصول: «وكان» .
(83)
في ش: «الرعاية» .
(84)
ساقطة من ش وفي ط: «في من» .
(85)
في ش: «فقتل» .
(86)
في الأصول: «حيي» والتصويب من رحلة التجاني.
الجهات، فكان يدعى له في المساجد وعقب الصلوات.
فاتفق أن قدم الشيخ أبو سعيد ابن الشّيخ أبي حفص على افريقية / من قبل المنصور فولى أبو سعيد على المهديّة أخاه أبا علي يونس بن أبي حفص، فلمّا وصل إليها واطلع على حال ابن عبد الكريم بها طالبه باسهامه فيما يناله من أموال الأعراب المفسدين، فامتنع ابن عبد الكريم من ذلك وطلب من الشّيخ أبي علي أن يجريه على ما أجراه عليه الولاة من قبله، فقبض الشّيخ أبو علي عليه وأهانه وامتحنه، فبعث ابن عبد الكريم إلى أخيه الشّيخ أبي سعيد يستشفع به فأعرض الشّيخ أبو سعيد عنه، واتّفق باثر ذلك أن عظم فساد العرب في الساحل وكثر التشكّي منهم، فألح النّاس على الشّيخ أبي علي في اطلاق ابن عبد الكريم وكادت (87) تقوم بسبب ذلك فتنة فاضطر إلى اطلاقه ورد إليه جنده الذين كانوا متميزين بصحبته، وأمره بالخروج لكف أولائك العربان عن الفساد، فاغتنم ابن عبد الكريم ذلك وخرج عن المهديّة مبادرا وضرب أخبيته بظاهرها، وأقام هنالك يومين إلى أن اجتمع إليه النّاس، فشكا إليهم ما فعل الشيخ أبو علي به وعرفهم أنه عازم على الغدر به إن وقعت منهم موافقة له، فأجابوه إلى ذلك وصوّبوا له رأيه، فنهض بهم في ثلث الليل الأخير إلى المهديّة، فلما فتح بابها دخل إليها بمن أحبّ من جنده وأمر باغلاق الباب، ثم بادر إلى قصر الشّيخ أبي علي وكان ابن عبد الكريم متلثما فأنكره البواب وأغلق باب القصر / فحسر عن وجهه فعرفه ففتح له وهرب فدخل ابن عبد الكريم وجماعته إلى القصر، وسمع الشّيخ أبو علي أصواتهم فخرج إلى رحبة القصر عزلا (88) من السلاح، فقبض ابن عبد الكريم عليه وأحب قتله فشفع فيه بعض أصحابه فاستحياه (89) وثقفه في موضع من القصر، وذلك في شهر شعبان من سنة خمس وتسعين (90) المذكورة آنفا، فلم يزل هنالك إلى أن وصل فداؤه من قبل أخيه أبي سعيد ابن أبي حفص على يدي محمد بن عبد السلام الكومي [وذلك] خمسمائة دينار ذهبا، فأطلقه ابن عبد السلام المذكور وكان صهرا لابن عبد الكريم.
(87) في الأصول: «وكاد أن» وكادت تقوم بحذف «أن» قبل تقوم كما في رحلة التجاني، وهو الصحيح الفصيح قال تعالى:«اذا أخرج يده لم يكد يراها» .
(88)
جاء في تاج العروس: «ومنه حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية عزلا فأعطاني جحفة، الحديث أي ليس معي سلاح» 8/ 15. والأكثر استعمالا: «أعزل». في الرحلة «عاريا» .
(89)
في الأصول: «فاستحيى» والمعنى أنه أبقى على حياته.
(90)
جوان 1199 م.
ووصل الشّيخ أبو علي لأخيه الشّيخ أبي سعيد بتونس فزجره وهجره ولم يزل غاضبا (91) عليه مدّة من الدّهر، واستبدّ ابن عبد الكريم بحصن المهديّة وتسمى من الأسماء السلطانية «بالمتوكل على الله» وكانت الكتب تنفذ عنه بذلك وقوي أمره، ووصل إلى تونس والسيد أبو زيد بن أبي حفص بن عبد المؤمن واليا عليها، فعزم ابن عبد الكريم على محاصرته فحشد جموعه ووصل إلى تونس في شهر المحرم سنة ست وتسعين (92)، وكان الشّيخ أبو سعيد اذ ذاك معزولا فدار ابن عبد الكريم بعسكره إلى قرطاجنة فضرب أخبيته وخيامه عند مدخل البحر (93) وهو حلق الوادي، فأمر السيّد أبو زيد عند ذلك بتسيير (94) القطع في البحر وخروج العسكر في البر، وكان ابن عبد الكريم قد أكمن للجيش كمينا في بعض المواضع، فلمّا وصل عسكر تونس / ووقع القتل بينه وبين ابن عبد الكريم خرج ذلك الكمين فولى العسكر منهزما وقتل منه مقتلة عظيمة، ولم ينج منه إلاّ القليل، وترامى منه جماعة في البحر فقتلوا هنالك، وانبسطت جموع ابن عبد الكريم في تلك الجهات فأخذوا من المرسى المعروفة بمرسى البرج أموالا كانت للنّاس هنالك وأمتعة، وانتهبوا من تلك القرى ما قدروا عليه.
وبعث السيّد أبو زيد والشّيخ أبو سعيد إلى ابن عبد الكريم أشياخا من الموحدين يعيبون عليه فعله ويذكرون انتماءه للموحدين ويسألونه الرّجوع عنهم، فأجاب إلى ذلك، ورجع إلى المهديّة فأقام بها أشهرا، ثم حدثته نفسه بحصار يحيى بن اسحاق الميورقي وهو اذ ذاك بقابس، وقد حدثت بينهما وحشة ومنافرة، فخلف على المهديّة ابنه عبد الله، وتوجّه إلى قابس، فلمّا أشرف عليها هاله أمرها وعلم أن لا طاقة له بها فارتحل عنها إلى قفصة وحكم عليها، وعند استقراره بها وصل إليه الخبر أن الميورقي خرج إليه من قابس في اتباعه فخرج ابن عبد الكريم بجيوشه من قفصة ونزل بقصور لالة، ووصل إليه الميورقي فالتقيا هنالك فكانت (95) الهزيمة على ابن عبد الكريم وولى هاربا لا يلوي على شيء إلى أن حصل بالمهديّة، وتسرب إليه من سلم من جنده فحصلوا بها واحتوى
(91) في الأصول «مغضبا» .
(92)
أكتوبر - نوفمبر 1199 م.
(93)
عند مدخل البحر إلى البحيرة وهو المكان المعروف بحلق الوادي: رحلة التجاني ص: 352.
(94)
في الأصول: «تعمير» .
(95)
في ش: «فكان» .