الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأهل هذه المدينة هوّارة المتبربرون بالمجاورة وهم أملياء تجّار مياسير، يدخلون بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من أنواع النحاس [الأحمر](97) والأكسية والثّياب والعمائم والمآزر وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار والعطر وآلات الحديد المصنوع، وما منهم رجل يسفر (98) عبيده ورجاله إلا وله في قوافلهم المائة جمل والسبعون [والثمانون](99) جملا كلها موقرة (100). ولم يكن في دولة الملثّمين أحد أكثر منهم أموالا، ولا أوسع أحوالا، وعلى أبوابهم علامات تدلّ على مقادير أموالهم وذلك أنّ الواحد منهم إذا ملك أربعة آلاف دينار يمسكها مع نفسه، وأربعة آلاف دينار يصرفها في تجارته، أقام عن يمين بابه ويساره عرصتين مبنيتين بالآجر والطوب والطّين، من الأرض إلى أعلى السقف، وكلما ازداد أربعة آلاف دينار زاد عرصة، فإذا مر أحد بدار ونظر إلى تلك العرص مع الأبواب قائمة عدّها (101) فيعلم من عددها (102) كم مبلغ مال صاحب تلك الدّار، وبعد انقراض دولة الملثمين وتولّي المصامدة تغيّرت أحوالهم ومع هذا فهم لم يزالوا مياسير أملياء، لهم نخوة واعتزاز لا يتحوّلون عنه (103).
مراكش:
وعلى اثنى عشر ميلا من أغمات مدينة استجدّها يوسف بن تاشفين في صدر سنة سبعين وأربعمائة (104) بعد أن اشترى أرضها من أهل أغمات بجملة أموال، وهي مرّاكش اختطّها له ولبني عمّه وهي في وطئ من الأرض، ليس حولها شيء من الجبال إلاّ جبل صغير يسمّى ايجليز (105)، ومنه قطع الحجر الذي بني منه قصر أمير المسلمين علي ابن يوسف بن تاشفين وهو المعروف بدار الحجر. وليس في مدينة مرّاكش حجر البتّة إلاّ ما
(97) اضافة من نزهة المشتاق للتدقيق ص: 66.
(98)
في الأصول: «يسافر» والمثبت من نزهة المشتاق كما يقتضيه المعنى.
(99)
اضافة من نزهة المشتاق ص: 66.
(100)
في الأصول: «مافورة» والمثبت من ن. م. ص: 66.
(101)
في الأصول: «عددها» والمثبت من ن. م. ص: 67.
(102)
في الأصول: «عدتها» والمثبت من ن. م. ص: 67.
(103)
ولتتمة الحديث عن أغمات أنظر النص الكامل للادريسي ص: 67.
(104)
470 هـ - 1077 م. وتاريخ تأسيسها هذا لا يوافق ما ذكره فيما بعد نقلا عن ابن خلكان.
(105)
في ش وت: «الجليز» ، في ط:«الجيلز» ، والمثبت من ن. م. ص:67.
كان من هذا الجبل، وإنما بناؤها من الطّوب والطّين والطّوابي المقامة من التّراب، وماؤها الذي تسقى به البساتين مستخرج بصنعة هندسية حسنة من استخراج عبيد الله بن يونس المهندس، وذلك أن ماؤهم ليس ببعيد الغور، يوجد إذا احتفر قريبا من وجه الأرض، فجاء عبيد الله المذكور إلى مرّاكش في أول بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي الفضل مولى أمير المسلمين المقدم الذكر، فقصد إلى أعلى الأرض ممّا يلي البستان فاحتفر فيه بئرا مربّعة كبيرة التربيع، ثم احتفر منها ساقية متّصلة الحفر على وجه الأرض وهو يحفر بتدريج من أرفع إلى أخفض متدرّجا إلى أسفله بميزان إلى أن وصل الماء إلى البستان وهو ينسكب مع (106) وجه الأرض يصبّ فيه، فهو دائم مع الأيام لا يفتر. وإذا نظر النّاظر إلى سطح الأرض لم ير بها كبير ارتفاع يوجب خروج الماء من قعرها إلى وجهها، وإنما يدرك ذلك من علم وزن الأرض، فاستحسن ذلك أمير المسلمين من فعل المهندس المذكور وأحسن إليه بأموال وأثواب، وأكرم مثواه مدة مقامه عنده، فلما نظر الناس ذلك استخرجوا مياها، وأنشؤوا البساتين الكثيرة والجنّات، واتّصلت بذلك عمارات مراكش وحسن منظرها.
ومدينة مرّاكش في وقت بنائها من أكبر مدن المغرب الأقصى، وكانت دار ملك لمتونة ومدار ملكهم، وبها عدة قصور لكثير من الأمراء والقوّاد وخدّام الدّولة، وأزقّتها واسعة ورحابها فسيحة، ومبانيها سامية، وأسواقها مختلفة (107) جدا، وسلعها نافقة، وبنى جامعها يوسف بانيها وأميرها، فلما تغلبت عليها المصاميد وتملّكوها - حسبما يأتي إن شاء الله تعالى - تركوا ذلك المسجد (108) عطلا مغلق الأبواب، ولا يقيمون فيه صلاة، وبنوا لأنفسهم مسجدا جامعا يصلّون فيه (109). وشرب أهل مراكش من الآبار ومياهها كلها عذبة وآبارها قريبة معينة. وكان علي بن يوسف قد جلب إليها عينا بينها وبين المدينة عدة أميال، ولم يستتم ذلك فأتمّه المصامدة فأدخلوا الماء إلى المدينة وجعلوا منه سقايات بقرب دار الحجر وهي الحضيرة التي فيها القصر منفردا متحيّزا بذاته خارج عن المدينة (110).
(106) في الأصول: «ينسكب على» والمثبت من ن. م. ص: 68.
(107)
في ط: «محتفلة» .
(108)
في نزهة المشتاق: «الجامع» .
(109)
بعدها: أسقط المؤلف ما يتعلق بسلوك المصامدة في هذا الجامع، راجع نزهة المشتاق ص:68.
(110)
عن مدينة مراكش راجع النص الكامل للادريسي ص: 68 - 69.