المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفقة في الأندلس: - نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار - جـ ١

[محمود مقديش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌المقدمة:

- ‌المقالة الأولى[في تحديد المغرب برا وبحرا وأسماء البلدان]

- ‌الباب الأولفي تحديد المغرب برا وبحرا

- ‌البحر المظلم:

- ‌الحدود البرية للمغرب:

- ‌حفر الزقاق:

- ‌المدّ والجزر:

- ‌حدود البحر الشامي:

- ‌الباب الثانيفي الكلام على ضبط بر المغرب الأقصى وما يليه من الغرب الأوسط وذكر ما فيه من البلاد والعباد

- ‌البربر وأصولهم وافريقية وتسميتها:

- ‌نول لمطة:

- ‌آزكّي:

- ‌سجلماسة:

- ‌درعة:

- ‌السّوس:

- ‌جبل درن:

- ‌أغمات وريكة:

- ‌مراكش:

- ‌نهر تانسيفت:

- ‌ أغمات أيلان

- ‌عود إلى ذكر مرّاكش:

- ‌الطريق من مرّاكش إلى أم ربيع:

- ‌آنقال:

- ‌مكول:

- ‌ايكسيس:

- ‌سلا:

- ‌فضالة:

- ‌الطريق من فضالة إلى آسفي:

- ‌آسفي:

- ‌مرسى ماست:

- ‌داي وتادلة:

- ‌الطريق من تادلة إلى‌‌ فاس:

- ‌ فاس:

- ‌ صفروي

- ‌قلعة مهدي:

- ‌مغيلة:

- ‌ مكناسة

- ‌بني تاورة:

- ‌السوق القديمة:

- ‌قصر عبد الكريم:

- ‌عود إلى ذكر فاس:

- ‌الطريق من فاس إلى تلمسان:

- ‌ تلمسان

- ‌الطريق من تلمسان إلى تنس:

- ‌تنس:

- ‌وهران:

- ‌المسيلة:

- ‌الطريق من وازلفن إلى مليانة:

- ‌مليانة:

- ‌الطريق من كزناية إلى المسيلة:

- ‌قلعة بني حمّاد وما جاورها:

- ‌قسنطينة وما جاورها:

- ‌جبل سحاو:

- ‌سوق بني زندوي:

- ‌جيجل:

- ‌مدن أخرى:

- ‌الجزائر:

- ‌تامدفوس:

- ‌مرسى الدّجاج:

- ‌تدلس:

- ‌بجاية:

- ‌الطريق من بجاية إلى القلعة:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌بلزمة:

- ‌حصن بشر:

- ‌سبتة:

- ‌الجزر والمدن والمراسي والمواقع الساحلية من سبتة إلى بونة:

- ‌ باغاية

- ‌توزر:

- ‌قفصة:

- ‌الطرقات من قفصة إلى ما جاورها:

- ‌ جبل نفّوسة

- ‌قابس:

- ‌صفاقس:

- ‌ قصر الجم

- ‌جمال:

- ‌المهدية:

- ‌نفزاوة:

- ‌ القيروان

- ‌تونس:

- ‌قرطاجنة:

- ‌بنزرت:

- ‌طبرقة:

- ‌باجة:

- ‌مرسى الخرز:

- ‌ بونة

- ‌الأربس:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌جزيرة باشو:

- ‌جبل زغوان:

- ‌جبل وسلات:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌طرابلس:

- ‌الطرقات من طرابلس إلى ما جاورها:

- ‌جبل دمر:

- ‌برقة

- ‌الطريق من برقة إلى العين:

- ‌الطريق من برقة إلى الإسكندرية:

- ‌الطريق الساحلي من بونة إلى نابل:

- ‌نابل:

- ‌الطريق الساحلي من نابل إلى سوسة:

- ‌سوسة:

- ‌الطريق الساحلي من سوسة إلى صفاقس:

- ‌جزيرة قرقنة:

- ‌الطريق الساحلي من صفاقس إلى جربة:

- ‌جربة:

- ‌الطريق الساحلي من جربة إلى لبدة:

- ‌لبدة:

- ‌الطريق الساحلي من لبدة إلى الإسكندرية:

- ‌ الإسكندرية

- ‌جغرافية الأندلس:

- ‌اليونان ودورهم بالأندلس:

- ‌طليطلة وما جاورها:

- ‌قرطبة:

- ‌المرية:

- ‌أقاليم الأندلس:

- ‌مدن ساحلية:

- ‌جزر البحر الشامي:

- ‌صقلية:

- ‌المقالة الثّانيةفي ذكر الخلافة وخلفاء الصّحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من خلفاء بني أميّة بالمشرق وفتوحات المغرب في أيّامهم

- ‌الباب الأولفي الخلافة وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌مفهوم الخلافة:

- ‌آدم عليه السلام أول الخلفاء:

- ‌كيومرث:

- ‌مهلائيل:

- ‌شيث وذريته:

- ‌ ادريس

- ‌إبراهيم وإبنيه:

- ‌العرب: طرف من أصلهم وبعض من أخبارهم:

- ‌ولاية الكعبة:

- ‌الخليفة الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان رضي الله عنه

- ‌خلافة علي رضي الله عنه

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌يزيد:

- ‌بقية خلفاء بني أمية:

- ‌غزوات عمرو بن العاص:

- ‌غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح:

- ‌ولاية معاوية بن خديج:

- ‌ولاية أبي المهاجر:

- ‌ولاية عقبة بن نافع وغزواته:

- ‌غزوة عقبة بن عامر الجهنّي:

- ‌غزوة رويفع بن ثابت:

- ‌غزوة زهير بن قيس البلوي:

- ‌ولاية حسان بن النعمان وغزواته:

- ‌فتح الأندلس:

- ‌بيت الحكمة بالأندلس:

- ‌تتمة الحديث عن فتح الأندلس:

- ‌ولاية عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌ولاية علي بن رباح:

- ‌المقالة الثّالثةفي ذكر خلفاء بني العبّاس وبعض أمرائهم بالعراق وأمرائهم بالمغرب

- ‌الباب الأولفي ذكر خلفاء بني العباس

- ‌قيام الدولة وخلافة أبي العباس السفّاح:

- ‌أبو جعفر المنصور:

- ‌محمد المهدي:

- ‌محمد موسى الهادي:

- ‌ هارون الرّشيد

- ‌محمد الأمين:

- ‌المأمون وقضية خلق القرآن:

- ‌المعتصم:

- ‌الواثق بالله:

- ‌المتوكل على الله:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌المعتز بالله:

- ‌المهتدي بالله:

- ‌المعتمد وحركة الزنج:

- ‌ المعتضد بالله

- ‌المكتفي بالله وظهور القرامطة:

- ‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

- ‌القاهر بالله والراضي بالله:

- ‌المتقي بالله:

- ‌المستكفي بالله:

- ‌المطيع لله:

- ‌الطائع لله:

- ‌القادر بالله:

- ‌القائم بأمر الله:

- ‌المستظهر بالله:

- ‌المسترشد بالله:

- ‌الراشد بالله:

- ‌المقتفي لأمر الله:

- ‌المستنجد بالله:

- ‌المستضيء بالله:

- ‌الناصر لدين الله:

- ‌المستنصر بالله:

- ‌المستعصم بالله:

- ‌التتار:

- ‌هولاكو وسقوط بغداد وانقراض الدولة العباسية:

- ‌العباسيون بمصر:

- ‌تيمورلنك:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بعض أمراء بني العباس بالمشرق

- ‌ الصفارية

- ‌السامانيون:

- ‌الغزنويون:

- ‌السلاجقة:

- ‌الديلمية:

- ‌السلقدية:

- ‌الخوارزمية:

- ‌الباب الثالثفي مشاهير أمراء بني العبّاس بالمغرب

- ‌يزيد بن حاتم:

- ‌هرثمة بن أعين:

- ‌بداية بني الأغلب:

- ‌أبو العباس عبد الله:

- ‌زيادة الله:

- ‌أبو العباس محمد:

- ‌زيادة الله الأصغر:

- ‌أبو الغرانيق:

- ‌ابراهيم:

- ‌عبد الله بن ابراهيم:

- ‌المقالة الرّابعةفي ذكر ملوك الشّيعة بالمغرب وكيفيّة انتقالهم لمصر وما يتبع ذلك

- ‌عبيد الله المهدي وقيام الدّولة الفاطمية:

- ‌حركة القيروانيين المضادة للفاطميين:

- ‌أقوال بعضهم في الفاطميين والمجادلة حول رميهم بالكفر والزندقة وتبرئتهم منهما:

- ‌تأسيس المهديّة:

- ‌القائم وثورة أبي يزيد:

- ‌المنصور وفشل ثورة أبي يزيد:

- ‌المعز لدين الله وانتقال الفاطميين إلى مصر

- ‌الفاطميون بمصر:

- ‌المقالة الخامسةفي ذكر ملوك ضهاجة بالمغرب وصلاح الدّين بمصر

- ‌الباب الأولفي ذكر ملوك صنهاجة

- ‌زيري بن مناد:

- ‌بلكين بن زيري:

- ‌باديس:

- ‌المعزّ بن باديس: قطعه الدعوة للفاطميين واجتياح العرب افريقية

- ‌تميم بن المعز:

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌علي بن يحيى وابنه الحسن:

- ‌الباب الثانيفي ذكر دولة‌‌ نور الدين

- ‌ نور الدين

- ‌عماد الدّين اسماعيل:

- ‌عود إلى ذكر نور الدين:

- ‌الحملات الصليبية الأولى واستقرار الافرنج بالشام:

- ‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

- ‌الملك الكامل والحروب الصليبية الخامسة:

- ‌الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب والحروب الصليبية السادسة

- ‌نهاية الأيوبيين:

- ‌المماليك بمصر:

- ‌المقالة السّادسةفي ذكر خلفاء بني أميّة بالأندلس وذكر الطوائف بعدهم

- ‌بنو أميّة:

- ‌ملوك الطوائف:

- ‌المقالة السّابعةفي ذكر ملوك لمتونة وهم الملثمون بالعدوة والأندلس

- ‌بداية المرابطين:

- ‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفّقة في الأندلس:

- ‌نهاية المرابطين:

- ‌المقالة الثّامنةفي ذكر دولة الموحّدين وأمرائهم بالعدوة والأندلس وافريقية

- ‌الباب الأولفي أول ملوكها ومن بعده من الملوك

- ‌المهدي بن تومرت:

- ‌ عبد المؤمن

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌العادل:

- ‌المعتصم:

- ‌المأمون ومن ولي بعده إلى نهاية الدولة الموحدية:

- ‌الباب الثانيفي فتح عبد المؤمن للمهدية والبلاد الساحلية بعد استيلاء الافرنج عليها حسبما ذكره ابن الأثير وغيره من أئمة التاريخ

- ‌أسباب احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌هروب الحسن الصنهاجي والتقائه بعبد المؤمن:

- ‌احتلال النرمان لصفاقس والسّاحل:

- ‌انتفاض صفاقس وغيرها من المدن على النرمان:

- ‌عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته:

- ‌الباب الثالثفي ذكر ثوار افريقية على الموحدين

- ‌ثورة بني غانية:

- ‌ثورة محمد بن عبد الكريم الرجراجي:

- ‌يحيى الميورقي يستولي على المهديّة وتونس وغيرهما:

- ‌يحيى الميورقي يستمر في ثورته ويصده عنها النّاصر الموحدي ويفتكّ منه افريقية:

- ‌نهاية قراقوش ويحيى الميورقي بن غانية:

- ‌المقالة التّاسعةفي ذكر دولة بني مرين وبني زيان وبني نصر

- ‌الباب الأولفي ذكر دولة بني مرين بالعدوة

- ‌عبد الحق بن محيو ومن ولي بعده:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو ثابت عامر:

- ‌أبو الربيع سليمان:

- ‌أبو سعيد عثمان:

- ‌أبو الحسن المريني ودخوله إلى تونس:

- ‌أبو عنان وأعماله بافريقية:

- ‌نهاية المرينيين:

- ‌السلطة بالمغرب الأقصى في عصر المؤلف:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بني زيّان ملوك تلمسان

- ‌يغمراسن:

- ‌عثمان ومن ولي بعده:

- ‌أبو تاشفين عبد الرحمان ودخوله تونس:

- ‌نهاية بني زيّان:

- ‌الباب الثالثفي ذكر دولة بني نصر بالأندلس

- ‌المقالة العاشرةفي ذكر دولة بني حفص بأفريقية

- ‌أبو محمد عبد الواحد

- ‌أبو العلا ادريس

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌المستنصر ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌الواثق:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم ابن أبي زكرياء:

- ‌الدّعي ابن أبي عمارة:

- ‌أبو حفص عمر ابن أبي زكرياء:

- ‌أبو عصيدة ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌أبو بكر الشهيد:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو يحيى زكرياء ابن اللحياني:

- ‌ محمّد أبو ضربة

- ‌أبو يحيى أبو بكر:

- ‌وفاة القاضي ابن قدّاح:

- ‌وفاة الفقيه محمد بن عبد الله بن راشد القفصي:

- ‌وفاة الفقيه عبد الله ابن البراء التنوخي:

- ‌وفاة الشّيخ علي بن منتصر الصدفي:

- ‌وفاة الشّيخ أبي حيان:

- ‌أبو حفص عمر بن أبي بكر والتنافس بين الحفصيين:

- ‌عود إلى ذكر تملك أبي الحسن المريني تونس وأعمالها وما وقع له بها:

- ‌الفضل بن أبي بكر:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم بن أبي بكر وابن تافراجين:

- ‌حركة أبي عنان المريني في اتجاه تونس:

- ‌عود إلى ذكر أبي اسحاق ابراهيم وابن تافراجين:

- ‌وفاة ابن تافراجين:

- ‌وفاة القاضي أبي القاسم بن سلمون البياسي:

- ‌وفاة أبي اسحاق ابراهيم:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو العباس أحمد ونزول النصارى بالمهدية:

- ‌أبو فارس عبد العزيز:

- ‌ترجمة الشّيخ ابن عرفة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز داخل افريقية والمغرب:

- ‌نزول النصارى بقرقنة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز بمالطة والمغرب الأوسط:

- ‌نزول النصارى بجربة ومواجهة أبي فارس لهم:

- ‌حركة أخرى بالمغرب الأوسط لأبي فارس ووفاته:

- ‌مزايا أبي فارس:

- ‌أبو عبد الله محمد المنتصر:

- ‌أبو عمرو عثمان ومن توفي في أيامه من المشايخ:

- ‌أبو زكرياء يحيى بن مسعود وعبد المؤمن بن ابراهيم:

- ‌محمد بن الحسن وتغلب النصارى على مواقع من افريقية:

- ‌الحسن بن محمد والتصارع العثماني الاسباني بافريقية:

- ‌درغوث باشا:

- ‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

- ‌محمد الحفصي: نهاية الدولة الحفصية والاستقرار العثماني بتونس:

- ‌تتمة من الناسخ:

الفصل: ‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفقة في الأندلس:

ابن تاشفين مقدّم جيش أبي بكر وكان خروجهم سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة (13)، ففتحوا سجلماسة بعد حصار ومقاتلة شديدة وحروب أجلت عن ظهورهم على زناتة.

‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفّقة في الأندلس:

ثم خرج أبو بكر سنة أربع وخمسين وأربعمائة (14)«لأنه سمع أن عجوزا في بلاده ذهبت لها ناقة، فبكت وقالت: ضيّعنا أبو بكر بدخوله إلى بلاد المغرب، فحمله على ذلك أن استخلف على بلاد المغرب يوسف بن تاشفين ورجع هو إلى بلاده الجنوبية» (15) ومات في حرب السّودان.

«وكان يوسف رجلا شجاعا عادلا مقداما [اختط بالمغرب مدينة مراكش](16).

فلمّا تمهّدت له البلاد تاقت نفسه إلى العبور إلى بلاد الأندلس، وكانت محصّنة بالبحر، فأنشأ شواني ومراكب وأراد العبور إليها، فلمّا علم ملوك الأندلس بما يرومه أعدّوا له عدّة من المراكب والمقاتلة وكرهوا إلمامه بجزيرتهم، إلاّ أنهم استهولوا جمعه واستفظعوا مدافعته وكرهوا أن يصبحوا بين عدوّين: الافرنج من شمالهم، والملثّمون من جنوبهم، وكانت الافرنج تشدّ وطأتها عليهم، إلاّ أن ملوك الأندلس كانت ترهب الافرنج باظهار موالاتهم لملك المغرب يوسف بن تاشفين، وكان له اسم كبير لنقله دولة زناتة وملك الغرب / إليه في أسرع وقت، وكان قد ظهر لأبطال الملثّمين في المعارك ضربات بالسّيوف تقدّ الفارس وطعنات تنظّم الكلى، فكان لهم بذلك ناموس ورعب في قلوب المنتدبين لقتالهم.

وكان ملوك الأندلس يفيئون إلى ظلّ يوسف بن تاشفين ويحذّرونه على ملكهم مهما عبر إليهم وعاين بلادهم، فلمّا رأوا عزيمته متقدّمة على العبور أرسل بعضهم إلى بعض، وتكاتبوا ليستنجدوا آراءهم في أمره، وكان مفزعهم في ذلك إلى المعتمد بن عباد لكونه أشجع القوم وأكبرهم مملكة، فوقع اتّفاقهم على مكاتبته [وقد تحققوا أنه يقصدهم](17)

(13) 1061 م.

(14)

1062 م.

(15)

الوفيات 7/ 113.

(16)

اضافة من الوفيات لأهمية الموضوع وتم ذلك في سنة 450 هـ - 1058 م، والمؤلف ينقل من وفيات الأعيان من ترجمة يوسف بن تاشفين بتصرف.

(17)

اضافة من الوفيات 7/ 114.

ص: 433

يسألونه الاعراض عنهم وأنهم تحت طاعته، فكتب عنهم كاتب من أهل الأندلس كتابا وهو:«أما بعد، فانك إن أعرضت عنّا نسبت إلى كرم ولم تنسب إلى عجز، وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهن، وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبتينا (18)، فاختر لنفسك أكرم نسبتيك (19)، فانك بالمحلّ الذي لا يجب (20) أن تسبق فيه إلى مكرمة، وان في استبقائك ذوي البيوتات ما شئت من دوام أمرك وثبوته والسلام» .

فلمّا جاء ذلك الكتاب مع تحف وهدايا - وكان يوسف لا يعرف اللّسان العربي، لكنّه كان يجيد فهم المقاصد، وكان له كاتب يعرف اللغة العربية والمرابطية - فقال له:

أيها الملك، هذا كتاب من ملوك الأندلس يعظّمونك فيه ويعرفونك أنهم أهل دعوتك [وتحت] طاعتك، ويلتمسون منك / أن لا تجعلهم في منزلة الأعادي، فانهم مسلمون ومن ذوي البيوتات، فلا تغير لهم، وكفاهم ما وراءهم من الأعداء الكفّار، وبلدهم ضيّق لا يحتمل العساكر، فاعرض عنهم إعراضك عمّن أطاعك من أهل المغرب، فقال يوسف بن تاشفين لكاتبه: فما ترى أنت؟ فقال: أيّها الملك، اعلم أن تاج الملك وبهجته وشاهده الذي لا يردّ بابه خليق بما حصل في يده من الملك أن يعفو اذا استعفي وأن يهب اذا استوهب، وكلّما وهب جزيلا كان أعظم لقدره، [فاذا عظم قدره](21) تأصل ملكه، واذا تأصّل ملكه تشرّف النّاس بطاعته، وإذا كانت طاعته شرفا جاءه النّاس ولم يقتحم (22) المشقّة إليهم، وكان وارث الملك من غير إهلاك آخرته، واعلم أن بعض الملوك الأكابر والحكماء البصراء بطريق تحصيل الملك، قال: من جاد ساد ومن ساد قاد ومن قاد ملك البلاد، فلمّا ألقى الكاتب هذا الكلام على يوسف بن تاشفين بلغته فهمه وعلم أنّه صحيح، فقال للكاتب: أجب القوم، واكتب بما يجب (23) في ذلك، واقرأ عليّ كتابك، فكتب الكاتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من يوسف بن تاشفين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحيّة من سالمكم (24)، وسلم إليكم، وحكّمه التأييد

(18) في الأصول: «نسبتنا» والمثبت من الوفيات.

(19)

في الأصول: «نسبتك» والمثبت من الوفيات.

(20)

في الأصول: «لا تحب» .

(21)

اضافة من الوفيات.

(22)

في الوفيات: «يتجشم» .

(23)

في الأصول: «تحب» والمثبت من الوفيات.

(24)

في الأصول: «من سالم» .

ص: 434

والنّصر فيما حكم عليكم، وانكم بما في أيديكم من الملك في أوسع اباحة، مخصصون منّا بأكرم إيثار وسماحة فاستديموا وفاءنا / بوفائكم، واستصلحوا إخاءنا باصلاح إخائكم، والله تعالى ولي (25) التوفيق لنا ولكم، والسلام». فلمّا فرغ من كتابه قرأه على يوسف بن تاشفين بلسانه فاستحسنه، وقرن به يوسف درقا لمطيّة ممّا لا يكون إلاّ في بلاده - واللّمطية بفتح اللام وسكون الميم بعدها طاء مهملة ثم ياء مشددة مثناة من تحت بعدها هاء ساكنة، نسبة إلى لمطة، وهي بليدة بالسوس الأقصى - (26)، وأنفذ ذلك إليهم. فلمّا وصل كتابه أحبوه وعظموه وفرحوا بولايته، وتقوت أنفسهم على دفع الافرنج، وأزمعوا إن رأوا من ملك الافرنج ما يريبهم أن يجيزوا إليه يوسف بن تاشفين، ويكونوا من أعوانه على ملك الافرنج، فتحصّل ليوسف برأي وزيره ما أراد من محبّة أهل الأندلس له، وكفاه الحرب لهم.

ثم ان الادفونش (27) بن فرذلند (28) صاحب طليطلة قاعدة ملك الافرنج، أخذ يجوس خلال الدّيار ويفتتح الأندلس ويشترط على ملوكهم ويطلب البلاد منهم، خصوصا المعتمد بن عبّاد، فانه كان مقصودا، فنظر المعتمد في أمره فرأى أن الادفونش قد داخله طمع فيما يلي بلاده، فأجمع أمره على استدعاء يوسف بن تاشفين إلى العبور، على ما فيه من الخطر، وعلم أن مجاورة (29) يوسف عين الخسر مؤذنة بالبوار، وكان الافرنج والملثّمون ضدّين له، إلاّ أنه قال: إن دهينا من مداخلة الأضداد فأهون الأمرين أمر الملثّمين، ولئن يرعى أولادنا / جمالهم أحب إليهم من أن يرعوا خنازير الافرنج، ولم يزل هذا الرّأي نصب عينيه مهما اضطر إليه.

وان الادفونش خرج في بعض السّنين يتخلل بعض بلاد الأندلس في جمع كثير من الافرنج فخافه ملوك الأندلس على البلاد، وأجفل أهل القرى والرساتيق من بين يديه ولجأوا إلى المعاقل، فكتب المعتمد بن عباد إلى يوسف بن تاشفين يقول له: إن كنت

(25) في الأصول: «متولي» .

(26)

بعدها في الوفيات: «بينهما وبين سجلماسة عشرون يوما، قاله ابن حوقل في كتاب «المسالك والممالك» : «وهي معدن الدرق اللمطية، ولا يوجد مثلها في الدنيا على ما يقال» 7/ 115.

(27)

الفونسو السادس بن فرديناند ملك قشتالة أكبر ممالك اسبانيا النصرانية في ذلك العهد.

(28)

في الأصول: «فرند» والمثبت من الوفيات وهو فرديناند الأول كما أشرنا.

(29)

في الوفيات: «وعلم أن مجاورة غير الجنس مؤذنة بالبوار» 7/ 115.

ص: 435

مؤثرا للجهاد فهذا أوانه، فقد خرج الأذفونش إلى البلاد، فاسرع في العبور إليه، ونحن معاشر أهل الجزيرة بين يديك، وكان يوسف بن تاشفين على أتمّ أهبة.

وقيل أن الأدفونش كاتب أيضا يوسف (30) يتهدده، وصورة كتابه (31): باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، وصلى الله على السيّد المسيح روح الله وكلمته الرسول الفصيح، أما بعد فانه لا يخفى على ذي ذهن ثاقب، ولا على ذي عقل لازب، أنك أمير الملّة الحنيفية، كما أني أمير الملّة النّصرانية، وقد علمت ما عليه أمراء الأندلس من التّخاذل والتّواكل واهمال الرّعية، وإخلادهم إلى الرّاحة والامنية (32)، وأنا أسومهم بحكم القهر وجلاء (33) الدّيار، وأسبي الذراري وأمثّل بالرجال، ولا عذر لك في التّخلّف عن نصرهم اذا أمكنتك يد القدرة، وأنتم تزعمون أن الله تعالى فرض عليكم (34) قتال عشرة منّا بواحد منكم، «فالآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا» (35)، ونحن الآن نقاتل عشرة منكم بواحد منّا، لا تستطيعون / دفاعا ولا تملكون امتناعا، وقد حكي [لي] عنك أنك أخذت في الاحتفال، وأشرفت على ربوة القتال، وتماطل نفسك عاما بعد عام، ثم تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى، فلا أدري أكان الجبن أبطأ بك أم التّكذيب بما وعدك ربّك، ثم قيل لي انك لا تجد إلى جواز البحر سبيلا لعلّة لا تسوغ لك التّقحم معها (36)، فأنا أقول لك ما فيه الرّاحة لك، وأعتذر لك وعنك [على] أن تفي (37) بالعهود والمواثيق والاستكثار من الرّهان (38)، وترسل إليّ جملة من عبيدك

(30) في الوفيات 5/ 6، الرسالة موجهة إلى الأمير يعقوب بن عبد المؤمن الموحّدي الملقب «بالمنصور» ونقلها ابن خلكان عن البياسي وعلق عليها بقوله:«وذكر البيّاسي بعد هذا ما يدل على أنه نقلها من خط ابن الصّيرفي الكاتب المصري فان كان كذلك فما يمكن أن تكون هذه الرسالة إلى يعقوب بن يوسف، لان ابن الصّيرفي متقدم التاريخ على زمان يعقوب بكثير، والله أعلم» الوفيات 7/ 7، وقد يكون المؤلف اعتمد على تعليق ابن خلكان، واجتهد فيما ذهب إليه.

(31)

«من انشاء وزير له يعرف بابن الفخار» الوفيات 7/ 6.

(32)

زائدة عن الوفيات.

(33)

في الأصول: «خلال» والمثبت من الوفيات 7/ 6.

(34)

كذا في الوفيات وبعدها في ط: «في كتابكم» .

(35)

اقتباس من سورة الأنفال: 66.

(36)

في الأصول: «التهجم» والمثبت من الوفيات.

(37)

في الأصول: «ان نفسي» .

(38)

في الأصول: «الرهائن» .

ص: 436

بالمراكب والشواني والطرائد والمسطّحات، وأجوز بجملتي إليك، وأقاتلك في أعزّ الأمكنة لديك (39) فان كانت لك فغنيمة كبيرة جلبت إليك، وهديّة عظيمة مثلت بين يديك، وان كانت لي كانت يدي العليا عليك، واستحقيت امارة الملّتين والحكم على البرّين، والله يوفق للسعادة ويسهّل (40) الارادة، لا ربّ غيره ولا خير إلاّ خيره.

فلمّا وصل كتابه إلى الأمير يوسف (41) مزّقه وكتب على ظهر قطعة منه {اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ} (42) الجواب ما ترى لا ما تسمع (43).

[طويل]

ولا كتب الا المشرفية عنده

ولا رسل الا الخميس العرمرم (44)

فلمّا وقف (45) عليه الأذفونش ارتاع لذلك وقال هذا رجل حازم. «فشرع (46) يوسف في إجازة عساكره، فلمّا أبصر ملوك الأندلس عبور أهل المغرب يطلبون الجهاد، وكانوا قد وعدوا من أنفسهم بالمساعدة، اعتدوا أيضا للخروج، فلمّا رأى الأذفونش / اجتماع العزائم على مناجزته علم أنه عام نطاح، فاستنفر الافرنجة للخروج فخرجوا في عدد لا يحصيه إلاّ الله تعالى. ولم تزل الجموع تتألف وتتدارك إلى أن امتلأت جزيرة الأندلس خيلا ورجالا من الفريقين، كلّ أناس قد التفّوا على ملكهم. فلمّا عبرت جيوش يوسف بن تاشفين عبر في آخرها وأمر بعبور الجمال، فعبر منها ما أغصّ الجزيرة وارتفع رغاؤها إلى عنان السماء، ولم يكن أهل الجزيرة رأوا جملا (47) قط، ولا كانت خيلهم رأت صورها ولا سمعت أصواتها، فكانت تذعر منها وتقلق، وكان ليوسف بن تاشفين في عبورها رأي مصيب، فكان يحدق بها معسكره، وكان يحضرها الحرب، وكانت خيل الافرنج تحجم عنها.

(39) في الأصول: «عليك» .

(40)

في الأصول: «ويسعد» .

(41)

الوفيات: «يعقوب» ، اذ أن الرسالة في الوفيات موجهة إلى يعقوب لا إلى يوسف بن تاشفين.

(42)

سورة النمل: 37.

(43)

كذا في ط والوفيات وبعدها في ش: «وسيعلم لمن عقبى الدار» .

(44)

البيت للمتنبي.

(45)

الوفيات 7/ 7.

(46)

يرجع للنقل من ترجمة يوسف بن تاشفين بالوفيات حيث تركها قبل تقديم رسالة الأذفونش 7/ 116.

(47)

في الأصول: «جمالا» والمثبت من نفس المرجع.

ص: 437

فلمّا تكاملت العساكر بالجزيرة قصدت الأذفونش وكان نازلا بمكان أفيح من الأرض يسمّى الزلاّقة بالقرب من بطليوس، بين المكانين أربع فراسخ، وقدم يوسف بين يدي حربه للأذفونش كتابا على مقتضى السّنّة يعرض عليه الدّخول في الاسلام أو الحرب أو الجزية، ومن فصول كتابه: وبلغنا يا أذفونش أنّك دعوت إلى الاجتماع بك، وتمنّيت أن يكون لك فلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك {وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ} (48) فلمّا سمع الأذفونش ما كتب إليه جاش [بحر] غيظه وزاد طغيانه وأقسم أنه لا يبرح من موضعه حتى يلقاه.

ثم أن يوسف / ومن معه قصدوا الزلاّقة، فلمّا وافاها المسلمون نزلوا تجاه الافرنج بها، فاختار المعتمد بن عباد أن يكون هو المصادم لهم أوّلا، وأن يكون يوسف بن تاشفين اذا انهزم المعتمد بعسكره بين أيديهم وتبعوه، يميل عليهم بعساكره، وتتألّف معه عساكر الأندلس، فلمّا عزموا على ذلك وفعلوه خذل الله الافرنج وخالطتهم عساكر المسلمين واستمرّ القتل فيهم، فلم يفلت منهم غير الأذفونش في دون الثلاثين من أصحابه، فلحق ببلده على أسوء حال، فغنم المسلمون من خيله وأسلحته وأثاثه ما ملأ أيديهم خيرا.

وكانت هذه الوقعة يوم الجمعة الخامس عشر من رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة (49)، وقيل في شهر رمضان في العشر الأواخر (50) منه من تلك السّنة، ونقل ابن خلكان (51) عن البيّاسي أنه قال: كان حلول العساكر الاسلاميّة بالجزيرة الخضراء في المحرم سنة تسع وسبعين وأربعمائة (52) فحكى أن موضع المعترك على اتّساعه ما كان فيه موضع قدم الا على جسد أو دم، وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام حتى جمعت الغنائم، فلمّا حصلت عفّ يوسف بن تاشفين عنها وآثر بها ملوك الاندلس، وعرّفهم أنه ما كان مقصده الاّ الغزو، لا النّهب، فلمّا رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف بن تاشفين لهم بالغنائم استكرموه وأحبّوه وشكروا له.

(48) سورة غافر: آخر الآية 50.

(49)

26 أكتوبر 1086 م.

(50)

في الأصول: «الأول» والمثبت من الوفيات 7/ 117.

(51)

الوفيات 7/ 117.

(52)

افريل 1086 م.

ص: 438

ثمّ أن يوسف أزمع على الرجوع إلى بلاده، وكان عند قصده ملاقاة الأذفونش تحرّى المسير / بالعراء (53)، من غير أن يمرّ بمدينة أو رستاق حتى نزل الزلاّقة تجاه الأذفونش، وهناك اجتمع بعساكر الأندلس. وذكر أبو الحجاج يوسف بن محمّد البيّاسي في «كتاب تذكير العاقل وتنبيه الغافل» أن إبن تاشفين نزل على أقلّ من فرسخ من عسكر العدو في يوم الأربعاء وكان الموعد في المناجزة يوم السبت الآتي فغدر الأذفونش ومكر، فلمّا كان سحر يوم الجمعة منتصف رجب من العام، أقبلت طلائع ابن عباد والرّوم في آثارها والنّاس على طمأنينة، فبادر ابن عباد للركوب، وانبث الخبر في العساكر فماجت بأهلها، ووقع البهت (54) ورجفت الأرض، وصارت النّاس فوضى (55) على غير تعبئة ولا أهبة، ودهمتهم خيول العدو، فغمرت ابن عباد وحطّمت ما تعرض لها، وتركت الأرض حصيدا خلفها، وصرع ابن عباد وأصابه جرح أسوأه وفرّ (56) رؤساء الأندلس وأسلموا محلاتهم، وظنّوا أنها وهنة لا ترقع ونازلة لا تدفع، وظنّ الأذفونش أن أمير المسلمين في المنهزمين ولم يعلم أن العاقبة للمتّقين، فركب أمير المسلمين وأحدق به أنجاد (57) خيله ورجاله من صنهاجة ورؤساء القبائل، وقصدوا إلى محلّة الأذفونش ودخلوها وقتلوا حاميتها، فضربت الطّبول واهتزّت الأرض وتجاوبت الآفاق وتراجع الرّوم إلى محلاّتهم بعد أن علموا أن أمير المسلمين سالم فقصدوا أمير المسلمين فأفرج لهم عنها، ثم كرّ فأفرجهم منها ثمّ كرّوا عليه / فأفرج لهم عنها، ولم تزل الكرات تتوالى بينهم إلى أن أمر أمير المسلمين حشمه السّودان فترجل منهم زهاء أربعة آلاف، ودخلوا المعترك بدرق اللّمط وسيوف الهند ومزاريق الزان فطعنوا الخيل فرمحت بفرسانها وأجمحت عن أقرانها (58)، وتلاحق الأذفونش بأسود (59) يقذف مزاريقه، فأهوى ليضربه بالسيف، فلصق به الأسود وقبض على أعنته وانتضى خنجرا كان متمنطقا به، فأثبته في فخذه فهتك حلق درعه وشكّ فخذه مع بداد سرجه، وكان وقت الزّوال من ذلك اليوم، فهبّت ريح النّصر وأنزل الله

(53) في الأصول: «الغدات» والمثبت من الوفيات 7/ 117.

(54)

في الأصول: «النهب» والمثبت من الوفيات 7/ 117.

(55)

في الأصول: «ترمي» .

(56)

في الأصول: «وبعضا» .

(57)

في ش: «أجناد» .

(58)

كذا في ط والوفيات وفي ش: «أقواتها» .

(59)

كذا في ط والوفيات 7/ 118، وفي ش:«السود» .

ص: 439

سكينته على المسلمين ونصر دينه، وصدقوا الحملة على الأذفونش وأصحابه، وأخرجوهم عن محلّتهم فولوا ظهورهم، وأعطوا أعناقهم، والسيوف تصفعهم إلى أن لحقوا بربوة فلجأوا إليها واعتصموا بها، وأحدقت بهم الخيل، فلمّا أظلم اللّيل انساب الاذفونش وأصحابه من الرّبوة، وأفلتوا بعدما نشبت فيهم أظفار المنيّة، واستولى المسلمون على ما كان في محلّتهم من الأثاث والآنية والمضارب والأسلحة، وأمر ابن عباد بضمّ رؤوس القتلى من الرّوم فنشر منها كالتلّ العظيم» (60).

قال ابن أبي الهيجاء: «جمعت رؤوس القتلى فكانت عشرين ألف رأس، فبنوها أربع منائر وأذن المسلمون عليها» ، ثم كتب (61) ابن عباد إلى ولده الرّشيد كتابا وأطار الحمام به في يوم السبت سادس عشر المحرم يخبره بالنّصر.

وقد روي أيضا / أن أمير المسلمين طلب من أهل البلاد المعونة على ما هو بصدده، فوصل إلى المريّة كتابه في هذا المعنى، وذكر فيه أن جماعة أفتوه بجواز طلب ذلك اقتداء بعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فقال أهل المريّة لقاضي بلدهم وهو أبو عبد الله بن الفراء (62) أن يكتب جوابه، وكان القاضي من أهل الدّين والورع على ما ينبغي، فكتب إليه: أما بعد ما ذكره أمير المسلمين من اقتضاء المعونة [وتأخري عن ذلك](63) وأن أبا الوليد الباجي وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوا بأن عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - اقتضاها، وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعه في قبره ولا يشكّ في عدله، فليس أمير المسلمين [بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بضجيعه في قبره ولا](64) ممّن لا يشكّ في عدله، فان كان الفقهاء والقضاة أنزلوك هذه المنزلة في العدل فالله سائلهم عن تقلّدهم فيك، وما اقتضاها عمر حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلف أن ليس عنده درهم واحد في بيت المال ينفقه عليهم، فلتدخل أنت المسجد الجامع هناك بحضرة أهل العلم (65) وتحلف أن ليس عندك درهم واحد في بيت مال المسلمين، وحينئذ تستوجب ذلك، والسلام» (66).

(60) ابن خلكان، وفيات الأعيان 7/ 116 - 118.

(61)

يرجع إلى النقل من الوفيات 7/ 118.

(62)

في الأصول: «البراء» والمثبت من الوفيات 7/ 119.

(63)

اضافة من الوفيات.

(64)

اضافة من الوفيات.

(65)

في الأصول: «المسلمين» .

(66)

الوفيات 7/ 119.

ص: 440

ولمّا قضى أمير المسلمين من هذه الوقعة ما قضى أمر أن تشنّ الغارات على بلاد الافرنج، وأمّر عليهم سير (67) بن أبي بكر، وطلب الرجوع في طريقه، فتقدم (68) له ابن عباد / فعرج به إلى بلاده وسأله أن ينزل عنده، فأجابه يوسف إلى ذلك. فلمّا انتهى إلى اشبيلية مدينة المعتمد، وكانت من أجمل المدن منظرا، ونظر إلى موضعها والى نهر عظيم [مستبحر](69) تجرى فيه السفن بالبضائع جالبة من برّ المغرب وحاملة إليه، في غربيه رستاق عظيم مسيرة عشرين فرسخا يشتمل على آلاف من الضّياع كلّها تين وعنب وزيتون، وهذا الموضع هو المسمّى شرف اشبيلية وتمير بلاد المغرب كلّها من هذه الأصناف، وفي جانب المدينة قصور المعتمد وأبيه المعتضد في غاية الحسن والبهاء، وفيها أنواع ما يحتاج إليه من المطعوم والمشروب والملبوس والمفروش وغير ذلك، فأنزل المعتمد يوسف بن تاشفين [في أحدها](70) ولم يزل أصحابه (71) ينبهونه على تأمّل تلك الحال وما هو عليه من النّعمة، ويغرونه (72) باتّخاذ مثلها لنفسه ويقولون [له]: إن فائدة الملك قطع العيش فيه بالتّنعّم واللّذة كما هو عليه المعتمد وأصحابه، وكان يوسف بن تاشفين مقتصدا في أموره غير متطاول ولا مبذّر، ولا متنوّق في صنوف (73) الملاذ بالأطعمة وغيرها، وكان قد ذهب صدر عمره في بلاده في شظف العيش، فأنكر على مغريه بذلك الاسراف، وقال: الذي يلوح من أمر هذا الرجل - يعني المعتمد - أنه مضيّع لما في يديه من الملك، لأن هذه الأموال التي تعينه في هذه الأحوال لا بدّ أن يكون لها أرباب لا يمكن أخذ هذا القدر منهم على وجه العدل / أبدا فأخذه بالظّلم وأخرجه من هذه النزهات وهذا من أفحش الاستهتار، ومن كانت همّته في هذا الحدّ (من الاسراف فيما لا يغرو إلاّ جوفه)(74) فمتى يستجدّ همة في حفظ بلاده وضبطها وحفظ رعيّته والتوفير على مصالحها.

(67) في الأصول: «سيرن» والمثبت من الوفيات 7/ 119 وكتاب العبر 6/ 385.

(68)

في الوفيات «وتكرم» .

(69)

اضافة من الوفيات.

(70)

اضافة من الوفيات.

(71)

أي أصحاب يوسف بن تاشفين.

(72)

كذا في ط والوفيات، وفي ش «مغيرونه» .

(73)

في الأصول: «أصناف» والمثبت من الوفيات، و «صنوف» أدل على المقصود من أصناف الذي هو جمع قلة.

(74)

في الوفيات: «من التصرف فيما لا يعدو إلاّ جوفين» .

ص: 441

ثمّ أن يوسف بن تاشفين سأل عن أحوال المعتمد في لذّاته هل تختلف عمّا هي عليه في بعض الأوقات؟ فقيل له: بل كلّ زمانه هكذا، فقال: أفكلّ (75) أصحابه وأنصاره على أعدائه ومنجديه على الملك ينال حظا من ذلك؟ فقالوا: لا، فقال: فكيف ترون رضاهم عنه؟ قالوا: لا رضا لهم عنه، فأطرق يوسف [وسكت](76). وأقام على تلك الحال عند المعتمد أيّاما.

وفي بعض تلك الأيام استأذن رجل على المعتمد، فدخل وهو ذو هيئة رثة، وكان من أهل البصائر، فلمّا دخل عليه قال [له]: أصلحك الله أيها الملك، إن من أوجب الواجبات شكر النّعمة، وإن من شكر النّعمة اهداء النّصائح، واني رجل من رعيّتك، حالي في دولتك إلى الاختلال أقرب منها إلى الاعتدال، لكنني ملتزم لك من النّصيحة ما يستوجبه الملك على رعيّته، فمن ذلك خبر (77) وقع في أذني من أصحاب ضيفك هذا يوسف بن تاشفين ما يدلّ على أنهم يرون أنفسهم وملكهم أحق بهذه النّعمة منك، وقد رأيت رأيا فان آثرت الاصغاء إليه قلته، قال المعتمد: قله، قال: رأيت أن هذا الرّجل الذي أطلعته على ملكك رجل مستأسد على الملوك، قد حطّم ببر العدوة زناتة /، وأخذ الملك من أيديهم ولم يبق على أحد منهم، ولا يؤمن أن يطمح إلى الطّماعية في ملك جزيرة الأندلس كلّها لما قد عاينه من لذّات عيشك، وانه لمتخيّل في مثل حالك سائر ملوك الأندلس، وأن له من الولد والأقارب ممّن يؤثر مسرّاتهم ويود له الحلول فيما أنت فيه من خصب الجنات، وقد أودى الأذفونش وجيشه واستأصل شأفتهم، فقد كان لك منه أقوى عضد وأوقى مجن (78) وبعد فان فات الأمر في الأذفونش فلا بدّ أن تقبل الحزم فيما هو ممكن اليوم، قال المعتمد: وما هو الحزم اليوم؟ قال: أن تجمع أمرك على قبض ضيفك هذا واعتقاله (79) في قصرك، وتجزم أنك لا تطلقه (80) حتى يأمر كلّ من هو في جزيرة الأندلس من عسكره أن يرجع من حيث جاء حتى لا يبقى منهم في الجزيرة ظفر واحد، ثم تتفق أنت وملوك الجزيرة على حراسة هذا البحر من سفينة تجري فيه بغير

(75) في الأصول: «وكل» .

(76)

اضافة من الوفيات 7/ 120.

(77)

في الأصول: «حين» .

(78)

كذا في ط والوفيات، في ش:«محن» .

(79)

في الأصول: «واعقالك له» والمثبت من الوفيات.

(80)

كذا في ط والوفيات، وفي ش:«يطلقه» .

ص: 442

إذن (81)، ثمّ بعد ذلك تستحلفه بأغلظ الأيمان أن لا يضمر في نفسه عودا إلى هذه الجزيرة الاّ باتفاق منكم ومنه، وتأخذ على ذلك رهائن، فانه يعطيك من ذلك ما تشاء، فنفسه أعزّ عليه من جميع ما تلتمس (82)[منه] فعند ذلك يقنع هذا الرجل ببلاده التي لا تصلح إلاّ له، وتكون قد استرحت منه بعد ما استرحت من الأذفونش، وتقيم في موضعك على خير حال، ويرتفع ذكرك عند ملوك الجزيرة، ويتّسع ملكك وتنسب بهذا الاتفاق لسعادة وحزم، / ثم اعمل بعد هذا ما يقتضيه حزمك في مجاورة (83) من عاملته هذه المعاملة، واعلم أنه قد تهيأ لك من هذا أمر سماوي تتفانى الأمم وتجري بحور الدّم دون حصول مثله.

فلمّا سمع المعتمد كلام الرّجل استصوبه وجعل يفكر في انتهاز الفرصة. وكان للمعتمد ندماء قد انهمكوا معه في اللّذات، فقال أحدهم لهذا الرّجل النّاصح: ما كان المعتمد على الله، وهو إمام [أهل] المكرمات ممّن يعامل بالحيف ويغدر بالضيف، فقال الرّجل: الغدر أخذ الحق من يد صاحبه لا دفع الرجل عن نفسه المحذور اذا ضاق به، فقال ذلك النّديم: لضيم مع وفاء خير من حزم مع جفاء، ثمّ أن ذلك النّاصح استدرك الأمر فتلافاه، فشكر [له] المعتمد ووصله بصلة حسنة، وانصرف. واتّصل الخبر بيوسف فأصبح غاديا، فقدم له المعتمد الهدايا السّنيّة والتحف الفاخرة فقبلها، ثم رحل فعبر من الجزيرة الخضراء إلى سبتة.

وأقام عسكره بجزيرة الأندلس ريثما يستريح ثم تتبّع آثار الأذفونش فتوغّل في بلاده، ولمّا رجع الأذفونش إلى موضعه سأل عن أصحابه وشجعانه وأبطال عسكره فوجد أكثرهم قد قتلوا، ولم يسمع إلاّ نوح الثكالى (84) عليهم، فلم يأكل ولم يشرب حتى مات همّا وغمّا، ولم يخلّف إلاّ بنتا جعل الأمر إليها، فتحصّنت بمدينة طليطلة.

وأما عسكر ابن تاشفين فانهم في غاراتهم هذه كسبوا من الغنائم / ما لا يحد ولا يحصى ولا يوصف وأنفذوا ذلك إلى برّ العدوة، واستأذن سير (85) بن أبي بكر الأمير

(81) في الوفيات: «بغزاة له» .

(82)

في الأصول: «يلتمس» والمثبت من الوفيات 7/ 121.

(83)

في الوفيات: «محاورة» .

(84)

في الأصول: «الثكلى» والمثبت من الوفيات 7/ 122.

(85)

في الأصول: «سيرن» والمثبت من الوفيات 7/ 119 وكتاب العبر 7/ 385 وكتبها المؤلف «سيرين» في بقية نصه وأصلحناها على اساس ما ذكرنا.

ص: 443

يوسف بن تاشفين في المقام بجزيرة الأندلس وأعلمه أنه قد افتتح معاقل في الثّغور ورتّب فيها مستحفظين ورجالا يسكنون فيها، وأنّه لا يستقيم لهذه الجيوش أن تقيم بهذه الثّغور في ضنك من العيش تصابح العدو وتماسيه، وتحضى ملوك الأندلس من الأرياف برغد العيش فكتب إليه ابن تاشفين [يأمره] باخراج ملوك الأندلس من بلادهم والحاقهم بالعدوة، فمن استعصى عليه منهم قاتله ولم ينفس عليه حتى يخرجه، وليبدأ منهم بمجاوري الثغور، ولا يتعرّض للمعتمد بن عباد ما لم يستول على البلاد، ثم يولي تلك البلاد أمراء عسكره وأكابرهم، فابتدأ سير بن أبي بكر بملوك بني هود من ملوك الأندلس يستنزلهم من معاقلهم وهي روطة بضمّ الراء وسكون الواو ثم طاء مهملة بعدها تأنيث قلعة منيعة من عاصمات الذرى، فلم يقدر عليها فرحل عنها ثم جنّد أجنادا على صور الافرنج وأمرهم أن يقصدوا هذه القلعة مغيرين عليها، ويكمن (86) هو وأصحابه بالقرب منها، ففعلوا ذلك فرآهم صاحب القلعة فاستضعفهم ونزل في طلبهم، فخرج سير بن أبي بكر فقبض عليه وسلّم القلعة، ثم نازل بني صمادح بالمريّة (87)، وكانت قلعتهم حصينة إلاّ أنهم لم يكن عندهم أجناد / من الرجال فزحفوا عليهم (88) وغلبوهم، فلما رأى المعتصم ابن صمادح أنه مغلوب دخل قصره فأدركه أسف فقضي عليه، ومات من ليلته، فاشتغل أهله به، وسلّموا المدينة، ثم نازلوا المتوكّل عمر بن الأفطس ببطليوس، وكان رجلا شجاعا عظيم القدر، كبير البيت، كان أبوه المظفّر بالله أبو بكر محمد بن عبد الله بن مسلمة التّجيبي من فحول العلماء، وكان ملكا له تصانيف من أعظمها وأشهرها الكتاب المنسوب إليه وهو «المظفري» في علم التاريخ، [وكانت] مدينة بطليوس من أجمل البلاد فلم يذعن ولا أقبل على غير المدافعة والقتال إلى أن خامر (89) عليه أصحابه فقبض عليه باليد وعلى ولدين له، فقتلوهم صبرا، وحمل أولاده الأصاغر إلى مراكش، وسائر ملوك الجزيرة سلموا وتحولوا إلى برّ العدوة إلاّ ما كان من المعتمد بن عباد، فان سير بن أبي بكر لمّا فرغ من ملوك الجزيرة، كتب إلى يوسف بن تاشفين أنه لم يبق بالجزيرة من ملوكها غير المعتمد بن عباد، فارسم في أمره بما تراه، فأمره بقصده وأن يعرض عليه

(86) في الأصول: «وكمن» .

(87)

كذا في ط والوفيات وأعمال الأعلام ص: 191، وفي ش:«المرسية» .

(88)

في الأصول: «لهم» .

(89)

كذا في ط والوفيات، وفي ش:«خلص» .

ص: 444

التّحول إلى برّ العدوة بأهله وماله، فان فعل ونعمت، وان (90) أبى فنازله فلمّا عرض عليه سير (91) بن أبي بكر لم يعطه جوابه، فنازله وحاصره أشهرا ثم دخل عليه البلد قهرا واستخرجه من قصره قسرا، فحمل إلى العدوة مقيّدا، فأنزل / بأغمات وأقام بها على أسوإ حال إلى أن مات، ولم يعتقل من ملوك الأندلس سواه، وتسلم سير (91) بن أبي بكر الجزيرة كلّها واستحوذ عليها» (92).

(وقيل ان الأمير يوسف بن تاشفين عاد إلى الأندلس بعد غزوة الزلاّقة مرة أو مرتين (93)، وأنه أخذ البلدان بنفسه وأن سير (91) بن أبي بكر هو الذي استخرج ابن عباد آخر الأمر) (94).

وفي سنة [أربع] وستين وأربعمائة (95) نزل يوسف على مدينة فاس، وكانت اذ ذاك من قواعد بلاد المغرب العظام، فضيّق على أهلها ثم أخذها فأقر العامة بها ونفى (96) البربر والجند، بعد أن حبس بعضهم وقتل بعضهم، فعند ذلك قوي شأنه، وتمكّن بالمغرب الأقصى والأدنى سلطانه، مع ما صار بيده من بلاد جزيرة الأندلس.

وكان حازما سائسا للأمور ضابطا لمصالح مملكته، مؤثرا لأهل العلم والدّين كثير المشورة لهم، ويحكمهم في بلاده ويصدر عن آرائهم. قيل إن الامام حجّة الاسلام أبا حامد الغزالي - تغمّده الله برحمته - لمّا سمع ما هو عليه من الصّفات الجليلة وميله إلى [أهل] العلم عزم على التّوجه إليه، فوصل الاسكندرية وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، فوصله خبر وفاته، فرجع عن ذلك العزم.

وكان يحب العفو والصّفح عن الذّنوب العظام، فمن ذلك أن ثلاثة أنفار اجتمعوا، فتمنّى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنّى الثّاني عملا يعمل فيه لأمير المسلمين، وتمنّى الثالث زوجة أمير المسلمين / يوسف وكان لها الحكم في بلاده،

(90) ساقطة من «ش» .

(91)

في الأصول: «سيرين» وأثبتناها كما سبق.

(92)

ابن خلكان: وفيات الأعيان، بتصرف 7/ 118 - 123.

(93)

دخل ابن تاشفين الأندلس أربع مرات والمرة الرابعة كانت سنة 497/ 1103 م راجع كتاب العبر لابن خلدون 7/ 386.

(94)

اضافة من المؤلف عما هو موجود بالوفيات.

(95)

1071 - 1072 م وفي أعمال الاعلام «سنة أربع وثمانين وأربعمائة» / 1091 - 1092 م. وفي تاريخ شمال افريقيا (A. Julien،Histoire) ، أخذها سنة 1069 م.2/ 82.

(96)

في الأصول: «وبقى» والمثبت من الوفيات 7/ 124.

ص: 445

فأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الثاني، وقال للذي تمنّى زوجته: يا جاهل، ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه؟ ثم أرسله إلى زوجته فتركته في خيمة ثلاثة أيام تحمل إليه كلّ يوم طعاما واحدا من جنس واحد، ثم أحضرته وقالت له: ما أكلت في هذه الثلاثة أيام؟ قال: طعاما واحدا، قالت: كلّ النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته» (97).

«وبنى مدينة مراكش في سنة خمس وستين وأربعمائة (98)، وكان موضعها مزرعة لأهل نفّيس - بفتح النّون وتشديد الفاء وسكون الياء المثناة - تحت جبل مطل على مرّاكش، وكانت تلك الأرض مأوى اللّصوص فكان المارّون فيها يقولون لرفقائهم مرّاكش، ومعنى هذه الكلمة بلغة المصامدة أمش مسرعا، فعرف الموضع بها.

وسميّت المدينة باسم ذلك الموضع، وذلك لأنه لمّا توطنت نفسه على الملك وأطاعته قبائل البربر وذهب من يخالفه من زناتة ولمتونة سمت همّته إلى بناء هذه المدينة، وكان في موضعها قرية صغيرة في غابة من الشّجر، وبها قوم من البربر» (99).

«ويقال إن الأرض كانت لعجوز من المصامدة فاختط يوسف هذه المدينة» (100)«وبنى بها القصور والمساكن الأنيقة، وهي في مرج فسيح» (101)، وقيل إن شراءها عليه كان بسبعين / ألف درهم، وجعل دورها سبعة أميال، وأن ابنه عليّا هو الذي بنى سورها وسقايتها وجامعها وقصر إمارتها، وأن يوسف كان بنى مسجدها بالطوب.

«ويوسف هو أول من تسمّى بأمير المسلمين، ولم يزل على حاله وعزّة سلطانه إلى أن توفي يوم الاثنين لثلاث خلون من المحرم سنة خمسمائة (102) وعاش تسعين سنة (103)، ملك منها مدّة خمسين سنة - رحمه الله تعالى - (104).

(97) راجع ابن خلكان، وفيات الأعيان 7/ 125 نقلا عن تاريخ شيخه ابن الأثير، وانظر الكامل 10/ 156.

(98)

1073 - 1074 م.

(99)

الوفيات: 7/ 124، وعندما نقل عن الادريسي أحداث تأسيس مراكش ذكر:«. . . استجدها يوسف بن تاشفين في صدر سنة سبعين وأربعمائة بعد أن اشترى أرضها من أهل أغمات» .

(100)

الوفيات: 7/ 123.

(101)

الوفيات: 7/ 124.

(102)

في الأصول: «خمس وتسعين وأربعمائة» والمثبت من الوفيات 7/ 125 والكامل لابن الأثير.4 سبتمبر 1106 م.

(103)

كذا في ط والوفيات، وفي ش:«سبعين» وفي بعض الروايات: «عاش مائة سنة» انظر جوليان (Ch. A. Julien) تاريخ شمال افريقيا 2/ 86 (Histoire de l' Afrique du nord).

(104)

الوفيات 7/ 125.

ص: 446