الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقالة الثّانية
في ذكر الخلافة وخلفاء الصّحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من خلفاء بني أميّة بالمشرق وفتوحات المغرب في أيّامهم
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الأول
في الخلافة وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين
-
مفهوم الخلافة:
فنقول إن الخلافة التي جعلها الله لآدم - على نبيّنا وعليه (1) أفضل الصلاة والسلام - في الأرض، ولذريته الصالحين من بعده، هي إقامة الله تعالى بشرا من خلقه لاقامة أحكام الله وتنفيذ قضاياه بين خلقه تعالى، وعمارة أرضه وسياسة عباده، وتكميل نفوسهم، رحمة منه تعالى لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه، بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه، تعالى، وتلقّي أمره بلا / واسطة، ولذلك لم يكن النبيء ملكا، وفي ذلك لطف ورفق بالعباد. هذه هي الخلافة الحقيقية، وعليها تقع المبايعة، وهي المعاقدة على القيام على موجب الكتاب والسنة، حسبما يرشد إليه قوله علت كلمته:
(1) في ت: «عليه أفضل الصّلاة» .
{يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} الآية (2) وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (3). فالكتاب والسّنّة طريق الخلافة الحقيقية، فمن قام بهذه الخلافة على حقها سمي خليفة راشدا، كالخلفاء الراشدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هو الإمام العادل، وإليه الإشارة بقوله علت كلمته:{وَإِذِ اِبْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ} (4) الآية. ومن كان مخالفا لما بويع عليه من الكتاب والسنة فهو غير راشد، وإن أخذها بغير حقها، بل جبروتا وغصبا فهو مستخلف لا خليفة، وهو باسم الملك أحق من اسم الخليفة، واطلاق الخليفة عليه من حيث اظهار صورة البيعة التي عقدت له غصبا.
واعلم أن منصب الخلافة عظيم، وخطب جسيم، إلاّ على من وفقه الله وعصمه وحفظه، فروى البغوي (5) في تفسير قوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ} (6): أن لقمان كان نائما نصف النهار / فنودي يا لقمان: هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق، فأجاب الصّوت وقال: إن خيّرني ربّي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعا وطاعة، فإني أعلم إن فعل ذلك بي أعانني وعصمني (7). فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشقى المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان إن يعن فبالحري (8) أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة، ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا، ومن تخيّر الدّنيا على الآخرة تفتنه (9) الدنيا ولا يصيب الآخرة، فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة، فأعطي الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها اهـ (10).
ولا بد في خلافة الاسلام من شرط (11) كون الخليفة قريشيّا، لقوله - عليه
(2) سورة الممتحنة: 12.
(3)
سورة الفتح: 18.
(4)
سورة البقرة: 124.
(5)
هو الحسين بن مسعود الفراء الملقب بمحيي السنة (ت.516 هـ - 1122 م) وتفسيره يسمى «معالم التنزيل» وهو مطبوع.
(6)
سورة لقمان: 12.
(7)
في ت: «أعانني عليه وعصمني» وفي ط: «ربي أعانني عليه وعصمني» .
(8)
في الأصول: «أن يعدل فالاحرى أن ينجو» . معالم التنزيل 5/ 178 بهامش لباب التأويل للخازن (مصر بدون تاريخ).
(9)
في ت وط: «أتته» .
(10)
البغوي: «معالم التنزيل» .
(11)
في ت: «شروط» .
الصلاة والسلام - الخلافة في قريش، والفرق بين الخليفة الحقيقي، والملك والسّلطان، أن الخليفة يأخذ بالحق ويعطي بالحق، والملك من لا يبالي من أين أخذ ولا فيما أعطى، حسبما ترشد له قصّة عمر - رضي الله تعالى عنه - حين قال لبعض أصحابه: أملك أنا أم خليفة؟ فقيل له إذا وضعت شيئا من بيت المال في غير حقه، وأخذته من غير حقه، مصادرة أو غصبا قصد الأخطاء فأنت ملك لا خليفة، وذلك لأن الملك يعسف الناس ولا يبالي بما فعل، وأما السّلطان فهو من يأخذ ويعطي مطلقا / وفي ولايته أمراء يكون ملكهم تحته، ويكون عسكره عشرة آلاف فأكثر ويملك ممالك متعددة، كالشام ومصر، فإن زاد مملكة أو جيشا كان أعظم في السلطنة، وجاز أن يطلق عليه سلطان السلاطين، والسّلطان الأعظم. ويشترط أن يخطب له في ممالك متعددة أقلها ثلاثة أيام، وأكثرها ثلاثة أشهر، فما فوق اهـ من حسن المحاضرة (12) بالمعنى.
وقد أرشدنا لمدة الدّنيا ولحكمة الخلافة ما روي عن ابن عباس (13) - رضي الله تعالى عنهما - دنياكم هذه أسبوع من أسابيع الآخرة، وانكم في آخر يوم منه، فإن الله يبعث في كل ألف سنة نبيئا بمعجزات واضحة، وبراهين قاطعة، لرفع أعلام دينه القويم، وظهور سراطه المستقيم، فكان في الألف الأولى آدم عليه السلام وفي الثانية، ادريس عليه السلام، وفي الثالثة نوح عليه السلام وفي الرابعة ابراهيم عليه السلام، وفي الخامسة موسى عليه السلام وفي السّادسة عيسى عليه السلام وفي السّابعة محمّد عليه الصلاة والسلام وبه ختمت النبوءة وتمّت به آلاف الدّنيا، كذا قال في «أصول التواريخ» ، ولم يبق بعد النبوءة الاّ الخلافة من الأمة المحمدية، وفي هذه اشارة إلى أن ما بعد الألف السابعة (لا يبلغ ألفا بل كسور ألف)(14) وإلاّ لم يكن أسبوعا، ولا يشترط في الرسول صاحب الألف / أن يكون على رأس الألف، ولا أن يكون بينه وبين غيره ألف.
(12) حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة لجلال الدين السيوطي تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1387/ 1968، 2/ 125 - 126.
(13)
عبد الله بن العباس، اختصار ابن عباس المعروف بالحبر وبالبحر أيضا لسعة اطلاعه، يعتبر أكبر علماء الطبقة الأولى، أول المفسرين للقرآن الكريم. ولد قبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات، أنظر عنه دائرة المعارف الإسلامية، (L' encyclopedie de l' Islam) باريس 1975، 1/ 41 - 42.
(14)
في ت وط: «طور ألف» .