المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي: - نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار - جـ ١

[محمود مقديش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌المقدمة:

- ‌المقالة الأولى[في تحديد المغرب برا وبحرا وأسماء البلدان]

- ‌الباب الأولفي تحديد المغرب برا وبحرا

- ‌البحر المظلم:

- ‌الحدود البرية للمغرب:

- ‌حفر الزقاق:

- ‌المدّ والجزر:

- ‌حدود البحر الشامي:

- ‌الباب الثانيفي الكلام على ضبط بر المغرب الأقصى وما يليه من الغرب الأوسط وذكر ما فيه من البلاد والعباد

- ‌البربر وأصولهم وافريقية وتسميتها:

- ‌نول لمطة:

- ‌آزكّي:

- ‌سجلماسة:

- ‌درعة:

- ‌السّوس:

- ‌جبل درن:

- ‌أغمات وريكة:

- ‌مراكش:

- ‌نهر تانسيفت:

- ‌ أغمات أيلان

- ‌عود إلى ذكر مرّاكش:

- ‌الطريق من مرّاكش إلى أم ربيع:

- ‌آنقال:

- ‌مكول:

- ‌ايكسيس:

- ‌سلا:

- ‌فضالة:

- ‌الطريق من فضالة إلى آسفي:

- ‌آسفي:

- ‌مرسى ماست:

- ‌داي وتادلة:

- ‌الطريق من تادلة إلى‌‌ فاس:

- ‌ فاس:

- ‌ صفروي

- ‌قلعة مهدي:

- ‌مغيلة:

- ‌ مكناسة

- ‌بني تاورة:

- ‌السوق القديمة:

- ‌قصر عبد الكريم:

- ‌عود إلى ذكر فاس:

- ‌الطريق من فاس إلى تلمسان:

- ‌ تلمسان

- ‌الطريق من تلمسان إلى تنس:

- ‌تنس:

- ‌وهران:

- ‌المسيلة:

- ‌الطريق من وازلفن إلى مليانة:

- ‌مليانة:

- ‌الطريق من كزناية إلى المسيلة:

- ‌قلعة بني حمّاد وما جاورها:

- ‌قسنطينة وما جاورها:

- ‌جبل سحاو:

- ‌سوق بني زندوي:

- ‌جيجل:

- ‌مدن أخرى:

- ‌الجزائر:

- ‌تامدفوس:

- ‌مرسى الدّجاج:

- ‌تدلس:

- ‌بجاية:

- ‌الطريق من بجاية إلى القلعة:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌بلزمة:

- ‌حصن بشر:

- ‌سبتة:

- ‌الجزر والمدن والمراسي والمواقع الساحلية من سبتة إلى بونة:

- ‌ باغاية

- ‌توزر:

- ‌قفصة:

- ‌الطرقات من قفصة إلى ما جاورها:

- ‌ جبل نفّوسة

- ‌قابس:

- ‌صفاقس:

- ‌ قصر الجم

- ‌جمال:

- ‌المهدية:

- ‌نفزاوة:

- ‌ القيروان

- ‌تونس:

- ‌قرطاجنة:

- ‌بنزرت:

- ‌طبرقة:

- ‌باجة:

- ‌مرسى الخرز:

- ‌ بونة

- ‌الأربس:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌جزيرة باشو:

- ‌جبل زغوان:

- ‌جبل وسلات:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌طرابلس:

- ‌الطرقات من طرابلس إلى ما جاورها:

- ‌جبل دمر:

- ‌برقة

- ‌الطريق من برقة إلى العين:

- ‌الطريق من برقة إلى الإسكندرية:

- ‌الطريق الساحلي من بونة إلى نابل:

- ‌نابل:

- ‌الطريق الساحلي من نابل إلى سوسة:

- ‌سوسة:

- ‌الطريق الساحلي من سوسة إلى صفاقس:

- ‌جزيرة قرقنة:

- ‌الطريق الساحلي من صفاقس إلى جربة:

- ‌جربة:

- ‌الطريق الساحلي من جربة إلى لبدة:

- ‌لبدة:

- ‌الطريق الساحلي من لبدة إلى الإسكندرية:

- ‌ الإسكندرية

- ‌جغرافية الأندلس:

- ‌اليونان ودورهم بالأندلس:

- ‌طليطلة وما جاورها:

- ‌قرطبة:

- ‌المرية:

- ‌أقاليم الأندلس:

- ‌مدن ساحلية:

- ‌جزر البحر الشامي:

- ‌صقلية:

- ‌المقالة الثّانيةفي ذكر الخلافة وخلفاء الصّحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من خلفاء بني أميّة بالمشرق وفتوحات المغرب في أيّامهم

- ‌الباب الأولفي الخلافة وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌مفهوم الخلافة:

- ‌آدم عليه السلام أول الخلفاء:

- ‌كيومرث:

- ‌مهلائيل:

- ‌شيث وذريته:

- ‌ ادريس

- ‌إبراهيم وإبنيه:

- ‌العرب: طرف من أصلهم وبعض من أخبارهم:

- ‌ولاية الكعبة:

- ‌الخليفة الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان رضي الله عنه

- ‌خلافة علي رضي الله عنه

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌يزيد:

- ‌بقية خلفاء بني أمية:

- ‌غزوات عمرو بن العاص:

- ‌غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح:

- ‌ولاية معاوية بن خديج:

- ‌ولاية أبي المهاجر:

- ‌ولاية عقبة بن نافع وغزواته:

- ‌غزوة عقبة بن عامر الجهنّي:

- ‌غزوة رويفع بن ثابت:

- ‌غزوة زهير بن قيس البلوي:

- ‌ولاية حسان بن النعمان وغزواته:

- ‌فتح الأندلس:

- ‌بيت الحكمة بالأندلس:

- ‌تتمة الحديث عن فتح الأندلس:

- ‌ولاية عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌ولاية علي بن رباح:

- ‌المقالة الثّالثةفي ذكر خلفاء بني العبّاس وبعض أمرائهم بالعراق وأمرائهم بالمغرب

- ‌الباب الأولفي ذكر خلفاء بني العباس

- ‌قيام الدولة وخلافة أبي العباس السفّاح:

- ‌أبو جعفر المنصور:

- ‌محمد المهدي:

- ‌محمد موسى الهادي:

- ‌ هارون الرّشيد

- ‌محمد الأمين:

- ‌المأمون وقضية خلق القرآن:

- ‌المعتصم:

- ‌الواثق بالله:

- ‌المتوكل على الله:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌المعتز بالله:

- ‌المهتدي بالله:

- ‌المعتمد وحركة الزنج:

- ‌ المعتضد بالله

- ‌المكتفي بالله وظهور القرامطة:

- ‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

- ‌القاهر بالله والراضي بالله:

- ‌المتقي بالله:

- ‌المستكفي بالله:

- ‌المطيع لله:

- ‌الطائع لله:

- ‌القادر بالله:

- ‌القائم بأمر الله:

- ‌المستظهر بالله:

- ‌المسترشد بالله:

- ‌الراشد بالله:

- ‌المقتفي لأمر الله:

- ‌المستنجد بالله:

- ‌المستضيء بالله:

- ‌الناصر لدين الله:

- ‌المستنصر بالله:

- ‌المستعصم بالله:

- ‌التتار:

- ‌هولاكو وسقوط بغداد وانقراض الدولة العباسية:

- ‌العباسيون بمصر:

- ‌تيمورلنك:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بعض أمراء بني العباس بالمشرق

- ‌ الصفارية

- ‌السامانيون:

- ‌الغزنويون:

- ‌السلاجقة:

- ‌الديلمية:

- ‌السلقدية:

- ‌الخوارزمية:

- ‌الباب الثالثفي مشاهير أمراء بني العبّاس بالمغرب

- ‌يزيد بن حاتم:

- ‌هرثمة بن أعين:

- ‌بداية بني الأغلب:

- ‌أبو العباس عبد الله:

- ‌زيادة الله:

- ‌أبو العباس محمد:

- ‌زيادة الله الأصغر:

- ‌أبو الغرانيق:

- ‌ابراهيم:

- ‌عبد الله بن ابراهيم:

- ‌المقالة الرّابعةفي ذكر ملوك الشّيعة بالمغرب وكيفيّة انتقالهم لمصر وما يتبع ذلك

- ‌عبيد الله المهدي وقيام الدّولة الفاطمية:

- ‌حركة القيروانيين المضادة للفاطميين:

- ‌أقوال بعضهم في الفاطميين والمجادلة حول رميهم بالكفر والزندقة وتبرئتهم منهما:

- ‌تأسيس المهديّة:

- ‌القائم وثورة أبي يزيد:

- ‌المنصور وفشل ثورة أبي يزيد:

- ‌المعز لدين الله وانتقال الفاطميين إلى مصر

- ‌الفاطميون بمصر:

- ‌المقالة الخامسةفي ذكر ملوك ضهاجة بالمغرب وصلاح الدّين بمصر

- ‌الباب الأولفي ذكر ملوك صنهاجة

- ‌زيري بن مناد:

- ‌بلكين بن زيري:

- ‌باديس:

- ‌المعزّ بن باديس: قطعه الدعوة للفاطميين واجتياح العرب افريقية

- ‌تميم بن المعز:

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌علي بن يحيى وابنه الحسن:

- ‌الباب الثانيفي ذكر دولة‌‌ نور الدين

- ‌ نور الدين

- ‌عماد الدّين اسماعيل:

- ‌عود إلى ذكر نور الدين:

- ‌الحملات الصليبية الأولى واستقرار الافرنج بالشام:

- ‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

- ‌الملك الكامل والحروب الصليبية الخامسة:

- ‌الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب والحروب الصليبية السادسة

- ‌نهاية الأيوبيين:

- ‌المماليك بمصر:

- ‌المقالة السّادسةفي ذكر خلفاء بني أميّة بالأندلس وذكر الطوائف بعدهم

- ‌بنو أميّة:

- ‌ملوك الطوائف:

- ‌المقالة السّابعةفي ذكر ملوك لمتونة وهم الملثمون بالعدوة والأندلس

- ‌بداية المرابطين:

- ‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفّقة في الأندلس:

- ‌نهاية المرابطين:

- ‌المقالة الثّامنةفي ذكر دولة الموحّدين وأمرائهم بالعدوة والأندلس وافريقية

- ‌الباب الأولفي أول ملوكها ومن بعده من الملوك

- ‌المهدي بن تومرت:

- ‌ عبد المؤمن

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌العادل:

- ‌المعتصم:

- ‌المأمون ومن ولي بعده إلى نهاية الدولة الموحدية:

- ‌الباب الثانيفي فتح عبد المؤمن للمهدية والبلاد الساحلية بعد استيلاء الافرنج عليها حسبما ذكره ابن الأثير وغيره من أئمة التاريخ

- ‌أسباب احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌هروب الحسن الصنهاجي والتقائه بعبد المؤمن:

- ‌احتلال النرمان لصفاقس والسّاحل:

- ‌انتفاض صفاقس وغيرها من المدن على النرمان:

- ‌عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته:

- ‌الباب الثالثفي ذكر ثوار افريقية على الموحدين

- ‌ثورة بني غانية:

- ‌ثورة محمد بن عبد الكريم الرجراجي:

- ‌يحيى الميورقي يستولي على المهديّة وتونس وغيرهما:

- ‌يحيى الميورقي يستمر في ثورته ويصده عنها النّاصر الموحدي ويفتكّ منه افريقية:

- ‌نهاية قراقوش ويحيى الميورقي بن غانية:

- ‌المقالة التّاسعةفي ذكر دولة بني مرين وبني زيان وبني نصر

- ‌الباب الأولفي ذكر دولة بني مرين بالعدوة

- ‌عبد الحق بن محيو ومن ولي بعده:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو ثابت عامر:

- ‌أبو الربيع سليمان:

- ‌أبو سعيد عثمان:

- ‌أبو الحسن المريني ودخوله إلى تونس:

- ‌أبو عنان وأعماله بافريقية:

- ‌نهاية المرينيين:

- ‌السلطة بالمغرب الأقصى في عصر المؤلف:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بني زيّان ملوك تلمسان

- ‌يغمراسن:

- ‌عثمان ومن ولي بعده:

- ‌أبو تاشفين عبد الرحمان ودخوله تونس:

- ‌نهاية بني زيّان:

- ‌الباب الثالثفي ذكر دولة بني نصر بالأندلس

- ‌المقالة العاشرةفي ذكر دولة بني حفص بأفريقية

- ‌أبو محمد عبد الواحد

- ‌أبو العلا ادريس

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌المستنصر ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌الواثق:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم ابن أبي زكرياء:

- ‌الدّعي ابن أبي عمارة:

- ‌أبو حفص عمر ابن أبي زكرياء:

- ‌أبو عصيدة ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌أبو بكر الشهيد:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو يحيى زكرياء ابن اللحياني:

- ‌ محمّد أبو ضربة

- ‌أبو يحيى أبو بكر:

- ‌وفاة القاضي ابن قدّاح:

- ‌وفاة الفقيه محمد بن عبد الله بن راشد القفصي:

- ‌وفاة الفقيه عبد الله ابن البراء التنوخي:

- ‌وفاة الشّيخ علي بن منتصر الصدفي:

- ‌وفاة الشّيخ أبي حيان:

- ‌أبو حفص عمر بن أبي بكر والتنافس بين الحفصيين:

- ‌عود إلى ذكر تملك أبي الحسن المريني تونس وأعمالها وما وقع له بها:

- ‌الفضل بن أبي بكر:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم بن أبي بكر وابن تافراجين:

- ‌حركة أبي عنان المريني في اتجاه تونس:

- ‌عود إلى ذكر أبي اسحاق ابراهيم وابن تافراجين:

- ‌وفاة ابن تافراجين:

- ‌وفاة القاضي أبي القاسم بن سلمون البياسي:

- ‌وفاة أبي اسحاق ابراهيم:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو العباس أحمد ونزول النصارى بالمهدية:

- ‌أبو فارس عبد العزيز:

- ‌ترجمة الشّيخ ابن عرفة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز داخل افريقية والمغرب:

- ‌نزول النصارى بقرقنة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز بمالطة والمغرب الأوسط:

- ‌نزول النصارى بجربة ومواجهة أبي فارس لهم:

- ‌حركة أخرى بالمغرب الأوسط لأبي فارس ووفاته:

- ‌مزايا أبي فارس:

- ‌أبو عبد الله محمد المنتصر:

- ‌أبو عمرو عثمان ومن توفي في أيامه من المشايخ:

- ‌أبو زكرياء يحيى بن مسعود وعبد المؤمن بن ابراهيم:

- ‌محمد بن الحسن وتغلب النصارى على مواقع من افريقية:

- ‌الحسن بن محمد والتصارع العثماني الاسباني بافريقية:

- ‌درغوث باشا:

- ‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

- ‌محمد الحفصي: نهاية الدولة الحفصية والاستقرار العثماني بتونس:

- ‌تتمة من الناسخ:

الفصل: ‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

فينتسبون إليه بالباطل، وينسبون إليه أقاويل لا أصل لها، ويكفّرون من عاداهم {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ} (161)، طغاة بغاة فجرة، ولمّا أظهر يحيى القرمطي الخروج، جهّز المكتفي له جيشا واستمرّ القتال بين الفريقين إلى أن قتل القرمطي، فقام بعده أخوه / الحسين القرمطي، وأظهر شامة في وجهه، وزعم أنها آيته، وظهر ابن عمّه عيسى بن مهرويه وتلقّب بالمدّثر، وزعم أنه المراد في السورة الشريفة القرآنية (162) ولقّب غلاما له «بالمطوّق بالنّور» ، وتسمّى بأمير المؤمنين، وزعم أنه المهدي، ودعا لنفسه على المنابر، وأفسد بالشّام وعاث، فحوربوا وقتل الثلاثة وطيف برؤوسهم في البلاد سنة إحدى وتسعين ومائتين (163)، وخلف من بعدهم خلف ظهرت منهم مفاسد يأتي تفصيلها إن شاء الله.

وكانت مدّة خلافة (164) المكتفي تسعة أعوام ونصفا (165)، فلمّا أيقن بالموت سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر بن المعتضد فقيل له: قد احتلم، فجعله وليّ عهده ولقّبه «المقتدر» وبويع له على أن يكون الخليفة بعده (166)، قال الصّولي:«سمعت المكتفي يقول في علّته التي مات فيها: والله ما أسفي إلاّ على سبعمائة ألف دينار صرفتها من بيت مال المسلمين في أبنية وعمارات لا أحتاج إليها» (167). ومن جملة مخلّفاته مائة ألف ألف دينار عينا، وأمتعة وعقارات وأوان، فمن جملة الأمتعة سبعون ألف ثوب ديباج، وكانت وفاته ليلة الأحد لاثنتي (168) عشرة ليلة خلت من ذي القعدة الحرام سنة خمس وتسعين ومائتين (169).

‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

وولّي بعده أخوه أبو الفضل جعفر المقتدر بالله ابن المعتضد باستخلاف أخيه، بايعه الناس وعمره ثلاثة عشر عاما.

(161) سورة آل عمران: 167.

(162)

المدثر.

(163)

أنظر الطبري 10/ 108.903 - 904 م.

(164)

في الأصول «ملك» .

(165)

في مروج الذهب: «ست سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوما وقيل ست سنين وستة أشهر وستة عشر يوما على تباين الناس في تواريخهم» 4/ 186، وفي الكامل:«ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما» .

(166)

الكامل 8/ 8 - 9.

(167)

هنا ينتهي كلام الصولي، أنظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص:377.

(168)

في مروج الذهب: «لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة» .

(169)

13 أوت 908 م.

ص: 264

وولّي الخلافة ثلاث مرات: هذه الأولى / فتغلّب عليه الجند لصغر سنّه فخلعوه وعقدوا البيعة لأبي العباس عبد الله بن المعتزّ بن المتوكّل بن المعتصم، ولقّبوه «الراضي بالله» (170) وبايعوه لعشر بقيت من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين (171)، وخلع من يومه فكانت الأولى إسقاطه من الخلفاء ولكن ذكر لفضله، قال المعافى بن زكرياء: لما بويع ابن المعتز دخلت على شيخنا محمد بن جرير الطّبري المحدّث المشهور فقال لي: ما الخبر؟ فقلت له: بويع بالخلافة لعبد الله بن المعتز، قال: فمن رشّح لوزارته؟ قلت:

محمد بن داود قال: فمن قاضيه؟ قلت: أبو المثنى، فأطرق قليلا ثم قال: هذا أمر لا يتمّ، قلت ولم؟ قال: كلّ أحد ممّن ذكرت ذو شأن عظيم متقدّم في علمه وفضله، وإن الدّنيا مولّية والزّمان مدبر، ولا مناسبة لأحد ممن ذكرت برئاسة في مثل هذا الزّمان، وما أرى هذا العقد إلاّ إلى الإنحلال، فقدّر الله أنهم خلعوه في ذلك اليوم (172).

فإن عبد الله بن المعتز لمّا عقدت له الخلافة أرسل إلى المقتدر يأمره بإخلاء دار الخلافة (173)، وأن يذهب إلى دار محمد بن طاهر لينظر في أمره، فلمّا جاء الرسول إلى المقتدر وبلّغه الرّسالة قال: ليس له عندي جواب إلاّ السّيف، ولبس السلاح وركب معه جماعة قليلة من خدمه وهم مستسلمون للقتال في غاية الخوف والرّعب، وهجموا على عبد الله بن المعتز فهاله ذلك وألقى الله في قلبه / الرعب فانهزم هو ووزيره (174) وقاضيه، وكلّ من في ديوانه ظنا أن خلف هؤلاء أعوانا وأنصارا، وقبض المقتدر على عبد الله بن المعتز (175) وعلى بعض الأمراء والفقهاء، فقتل منهم من أراد وحبس عبد الله بن المعتزّ ثم أخرج من الحبس ميّتا واستقام الأمر للمقتدر.

وهذه ثاني ولايته: فسار أحسن سيرة واستقام أمره بعد الإضمحلال، واستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات (176) فسار أحسن سيرة، واستقرّ في الخلافة إلى سنة سبع عشرة وثلاثمائة (177).

(170) في الأصول: «الغالب بالله» والمثبت من الطبري الذي عاش هذه الأحداث.

(171)

908 م.

(172)

أنظر الكامل: 8/ 14.

(173)

«التي كان يقيم فيها المعتز» الكامل 8/ 15.

(174)

محمد بن داود بن الجراح.

(175)

قبل ذلك هرب ابن المعتز إلى الصحراء.

(176)

في سنة تسع وتسعين ومائتين. مروج الذهب 4/ 213.

(177)

929 م.

ص: 265

فخرج مؤنس الخادم (178) على المقتدر، فركب ومعه الجيش والأمراء وجاءوا إلى دار الخلافة فهرب خواص المقتدر من داره ونهبوا دار الخلافة، فكان مما نهبوا ستمائة ألف دينار لأم المقتدر فأشهد المقتدر على نفسه بالخلع لأربع عشرة ليلة خلت من المحرّم سنة سبعة عشر وثلاثمائة (179) وأحضر أخوه أبو منصور محمد بن المعتضد بن الموفّق بن المتوكّل ابن المعتصم، وبايعه مؤنس والأمراء ولقّبوه «القاهر بالله» وفوّضت الوزارة إلى أبي علي بن مقلة الكاتب المشهور، وجلس القاهر يوم السبت فكتب ابن مقلة (180) إلى سائر البلاد، وعمل يوم الإثنين الديوان، فجاء الجند يطلبون منه انعام الجلوس، فارتفعت الأصوات، فمنعهم الحاجب من الدخول إلى الخليفة، فقتلوه ومالوا إلى دار مؤنس وأخرجوا المقتدر من الحبس، وحملوه على أعناقهم إلى دار الخلافة، وجلس على السّرير / وأتوا بأخيه محمّد القاهر إليه وهو مقهور يبكي، ويقول: الله الله يا أخي في روحي (181)، فاستدناه المقتدر وقبّله بين عينيه وقال له: يا أخي لا ذنب لك، وأنت مغلوب على أمرك والله لا ينالك مني ما تكره فطب نفسا وقرّ عينا. ولمّا زال روعه آوى إليه أخاه وقال:{إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} (182) وبذل المقتدر الأموال للجند واسترضاهم وثبتت له الخلافة.

وهذه المرّة الثالثة: وهي الثابتة لآخر عمره، وكان كثير الجود والعطاء في الحجّ وغيره بشيء خارج عن المعتاد، وله أبهة عظيمة، فمن ذلك أنه قدمت عليه رسل ملك الرّوم بهدايا يطلب الهدنة، فعمل المقتدر موكبا عظيما لإرهاب العدو (183) فأقام مائة وستين ألف مقاتل بالسّلاح الكامل سماطين من باب الشّماسية إلى دار الخلافة بتعداد يمرّ الرسل بينهما في هذه المسافة، وأقام بعدهم الخدّام وهم سبعة آلاف خادم، ثم الحجّاب وهم سبعمائة حاجب، وكانت الستور التي نصبت على حيطان دار الخلافة ثمانمائة وثمانين ألف ستر من الدّيباج، وكانت البسط التي فرشت على الأرض اثنين وعشرين ألف بساط، وفي الحضرة مائة سبع بسلاسل الذّهب والفضّة ومن ذلك برد فيه شجرة

(178) ابن الأثير 8/ 200 - 201.

(179)

27 فيفري 929 م.

(180)

الكامل 8/ 202، مروج الذهب 4/ 221.

(181)

في الكامل: «نفسي، أذكر الرحم التي بيني وبينك» 8/ 206.

(182)

سورة يوسف: 69.

(183)

عن حرب المقتدر مع الروم أنظر الكامل: 8/ 233 - 235.

ص: 266

صيغت من الذهب والفضّة والجواهر، تشتمل على ثمانية عشر غصنا أوراقها من الذّهب والفضّة وأغصانها تتمايل بحركات مصنوعة، وعلى الأغصان طيور من ذهب وفضة تنفخ فيها الريح، فيسمع لكلّ طير / تغريد وصفير خاص.

وفي أيام المقتدر كان ظهور أبي طاهر القرمطي (184) في عسكر جرّار، فدخلوا بخيلهم وسلاحهم إلى المسجد الحرام، ووضعوا السّيف في الطّائفين والمصلّين والناس مجرّدون محرمون في إحراماتهم، إلى أن قتلوا في المسجد الحرام ومكّة وشعابها ثلاثين ألف إنسان، وركض أبو طاهر بسيفه مشهورا في يده وهو سكران يصفّر بفرسه عند البيت الحرام، فبال وراث والحجّاج يطوفون حول البيت العتيق والسّيوف تنوشهم، فقتل في المطاف الشريف ألف وسبعمائة طائف وطمي بأشلاء الشهداء بئر زمزم (185) وما بمكة من آبار وحفر قد ملئت بهم، وطلع أبو طاهر إلى الكعبة وقلع بابها وهو يقول:

[رمل]

أنا بالله وبالله أنا

نخلق الخلق وأفنيهم أنا

وصاح في الحجّاج «يا حمير أنتم تقولون {وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} (186) فأين الأمن؟ وقد فعلنا ما فعلنا» فأخذ شخص بلجام فرسه فقال وقد استسلم للقتل: معنى الآية الشريفة ليس ما ذكرت، وإنما معناها من دخله فأمّنوه، فلوى أبو طاهر عنان فرسه عنه ولم يلتفت إليه وصانه الله تعالى ببركة بذل نفسه في سبيل الله وتوكّله عليه، وأراد قلع الميزاب وكان من ذهب فأطلع قرمطيا ليقلعه (187) فأصيب بسهم من أبي قبيس فما أخطأ نحره وخرّ ميتا وأمر آخر مكانه فسقط من فوق إلى أسفل على رأسه ميتا، فهاب الثالث الإقدام على القلع / فمضى أبو طاهر وتركه على رغم أنفه، وقال: أتركه حتى يأتي صاحبه، أعني المهدي الذي يزعمون أنه يخرج فيهم، وقتل من فقهاء المذاهب وعلماء الأمة وأعيان الصّوفية ومن الحجّاج الأفاقية: مغاربة وخرسانيين وما بين ذلك، ما لا يحصى ولا يعدّ ولا يستقصى، وسبيت نساؤهم وذراريهم، ونهبت دور أهل مكّة حتى افترقوا بعدها، ولم يقف بالجبل هذه السنة إلاّ نفر يسير فوقفوا بدون إمام، سمحوا بأنفسهم ابتغاء مرضاة الله

(184) أنظر الكامل 8/ 207 - 208.

(185)

الكامل 8/ 208.

(186)

سورة آل عمران: 97.

(187)

في الأصول: «ليقسه» والمثبت من الكامل 8/ 208.

ص: 267

فسلّمهم الله حتى أكملوا حجّهم، وأخذ أبو طاهر خزائن الكعبة وما فيها من الذّهب والفضّة وكسوة الكعبة وحليتها مع ما نهبوه من الحجّاج فقسّمه في أصحابه، وأراد أخذ مقام إبراهيم فغيّبه السّدنة في بعض شعاب مكّة فتألّم ودعا جعفر بن أبي سلاح البنّاء وأمره بقلع الحجر الأسود من محلّه فقلعه بعد العصر يوم الإثنين لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجّة وصار يتردّد فيه بقوله - قاتله الله -:

[طويل]

فلو كان هذا البيت لله ربّنا

لصبّ علينا النار من فوقنا صبّا

لأنا حججنا حجّة جاهلية

محلّلة لم تبق شرقا ولا غربا

وإنا تركنا بين زمزم والصفا

جنائز لا تبغي سوى ربّها ربّا

وقلع ذلك الكافر قبّة زمزم وباب الكعبة وأقام بمكّة أحد عشر يوما وقيل ستة أيام، ثم انصرف إلى بلد هجر وحمل / معه الحجر الأسود (188) يريد أن يحوّل الحجّ إلى مسجد ضرار الذي سمّاه دار الهجرة وعلّقه في الأسطوانة السّابعة مما يلي حجرة الجامع الغربيّة من المسجد، وبقي موضح الحجر الأسود من البيت الحرام خاليا يضع الناس أيديهم فيه ويلثمونه تبرّكا بمحلّه، وأمر هذا الفاجر أن يكتب لعبيد الله المهدي أول الخلفاء المهديين الفاطميين القائم بالمغرب، - حسبما يأتي إن شاء الله شرح حاله - وكان أول ظهوره، فبلغ ذلك عبيد الله المذكور فكتب إليه:«إن أعجب العجب إرسالك بكتابك إلينا ممتنا بما ارتكبت في بلد الله الأمين من انتهاك حرمة بيت الله الحرام الذي لم يزل محترما جاهلية وإسلاما، وسفكت فيه دماء المسلمين، وفتكت بالحجّاج والمعتمرين، وتجرّأت وتعدّيت على بيت الله الحرام، وقلعت الحجر الأسود الذي هو يمين الله في الأرض يصافح بها عباده وحملته إلى أرضك، ورجوت أن أشكرك، فلعنك الله ثم أبعدك الله، والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده، وقدم في يومه ما ينجو به في غده» ، فلمّا وصل كتاب عبيد الله المهدي إلى أبي طاهر القرمطي، وعرف ما فيه انحرف عن طاعته واستمرّ الحجر عندهم أكثر من عشرين سنة (189)، يستجلبون به الناس طمعا أن يحوّل الحجّ إلى بلدهم، ويأبى الله ذلك، وهذه من أعظم مصائب الإسلام، / واستمرّت حسرتها في

ص: 268

قلوب أهل الإيمان إلى أن دمّر الله تلك الطائفة، وابتلى الله أبا طاهر هذا بأكلة فصار يتناثر لحمه بالدّود ومات أسوا ميتة بعد أن عذّب بأنواع العذاب {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى} (190). ولمّا يئست القرامطة من تحويل الحجّاج حجّهم ردّوا الحجر الأسود إلى محلّه، وورد سنبر بن الحسن القرمطي إلى مكّة يوم النّحر يوم الثلاثاء عاشر ذي الحجّة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة (191) ومعه الحجر الأسود (192)، فلمّا بلغ الكعبة حضر معه أمير مكة أبو جعفر محمد بن الحسن بن عبد العزيز العبّاسي، فأظهر سفطا أخرج منه الحجر الأسود وعليه ضباط من فضّة في طوله وعرضه لضبط شقوق فيه، وأحضر معه جصّا يشدّه به، فوضع حسن بن المزوق البنّاء الحجر في مكانه الذي قلع منه، وقيل وضعه سنبر بيده، وقال: أخذناه بقدرة الله تعالى وأعدناه بمشيئته، وقد أخذناه بأمر ورددناه بأمر، ولمّا أعيد الحجر الأسود إلى مكة حمل على قعود هزيل فسمن، وكان لمّا ذهبوا به مات تحته أربعون جملا، وكانت مدّة استمراره عند القرامطة اثنين وعشرين سنة إلاّ أربعة أيام، وكان المنصور بن القائم بن المهدي العبيدي، أرسل أحمد بن أبي سعيد القرمطي - أخا طاهر - بخمسين ألف دينار ذهبا في الحجر الأسود لردّه فلم يفعل، وكذا بذل بجكم التّركي مدبّر الخلافة خمسين ألف دينار للقرامطة على ردّ الحجر فأبوا، وقالوا: أخذناه بأمر ولا نردّه إلاّ بأمر / حتى أراد الله ردّه فردّ، ثم إن الحجبة خافوا على الحجر الأسود من استطالة يد خائن إليه لعدم استحكام بنائه فقلعوه وجعلوه في البيت العتيق حفظا له، ثم أمروا صانعين فصنعا له طوقا من فضّة وزنه ثلاثة آلاف وسبعة وثلاثون درهما، فطوّقوا به الحجر وشدّوا عليه به وأحكموا بناءه في محلّه كما كان كذلك قديما وكما هو الآن.

ثم إن المقتدر وقع بينه وبين مؤنس حرب (193) فتوغل في المعركة فضربه واحد من البربر من خلفه فسقط إلى الأرض، فقال لضاربه: ويلك أنا الخليفة، فقال: أنت المطلوب، فذبحه بالسّيف سنة عشرين وثلاثمائة (194) ورفع رأسه على الرمح وسلب ما عليه

(190) سورة طه: 127.

(191)

20 ماي 951 وفي التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنكية والقبطية لمحمد مختار باشا: «رجع الحجر الأسود إلى مكانه في محرّم من نفس السنة» .1/ 371.

(192)

عن رجوع الحجر الأسود أنظر الكامل 8/ 486.

(193)

سمّاها الكامل: «وحشة» وتعدّدت، أنظر 8/ 224 و 232 و 237.

(194)

932 م.

ص: 269