الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إلى ابنه مهلائيل (29) ثم إلى ابنه يرد (30)، ثم إلى ابنه أخنوخ (31)، وهو
ادريس
عليه السلام ثم إلى متّوشلخ، ثم إلى ابنه لامك (32)، ثم إلى ابنه نوح النبيء عليه السلام فكانت الوصيّة تارة تجتمع مع النبوءة وتارة مع الولاية والحكمة، وتملّك فيهم عشرة آباء من أكابر أولاد آدم، فكانوا على شرع آدم ووصيته وعهده، وكان فيهم النبوءة والولاية، والحكمة والملك، وكان لهم سلاطين وملوك على شرائعهم إلى آخر أيّام نوح عليه السلام وكان ملك زمانه فرعان الذي قام عليه الطوفان.
ادريس:
وادريس عليه السلام هو أول من دبّر الأرض ووزن الماء وأجرى النّيل للزراعات، ونصب الجر عليه لمعاملات القرى، وصعد إلى أول مسيل / النّيل، لأنه ولد بمصر، فخرج منها وطاف الأرض، ودعا الخلق إلى الله، ثم رحل إلى المشرق وأطاعه جميع الملوك، وابتنى مائة وأربعين مدينة، ثم عاد إلى مصر، ودبّر أمر النيل من أول مجراه إلى موضع انصبابه في البحر الرّومي بقرب دمياط (33) وكان جمع أهل مصر، وأمرهم باصلاح الأرض من خفض المرتفع ورفع المنخفض بما رآه في علم النجوم والهيئات، وهو أوّل من تكلّم في هذه العلوم، وأخرجها من القوّة إلى الفعل ووضع فيها الكتب، ورسم فيها التّعاليم، ثم سار إلى أرض الحبشة والنّوبة، وجمع أهلها وزاد في مسافة جري النيل، ونقّص بحسب بطئه وسرعته في طريقه، حتى كمل حساب جريه ووصوله إلى أرض مصر في أول زمان الزّراعة على ما هو عليه الآن، فهو أول من دبّر جري النيل إلى أرض مصر، وهو الهرمس الأول، النبوي الحكمي السّلطاني، الفلكي
(29) في الأصول: «مهيائيل» والمثبت من الكامل 1/ 54، واليعقوبي.
(30)
في الأصول: «يزد» والمثبت من الكامل 1/ 54.
(31)
كذا في الأصول، وفي مروج الذّهب، وتاريخ اليعقوبي، وفي الكامل:«حنوخ» 1/ 55. وفي غير الكامل حنوخ هو غير أخنوح الذي ورد ذكره.
(32)
كذا في الأصول وفي الكامل، وفي الكامل أيضا وفي مروج الذهب:«لمك» عن أخبار هذه السلسلة انظر الكامل 1/ 54 - 55.
(33)
في الأصول: «ذمياط» والمثبت من معجم البلدان 2/ 472 - 473 قال الحموي: مدينة قديمة بين تنيس ومصر على زاوية بين بحر الروم الملح والنيل، والوفيات 6/ 258 قال ابن خلكان «ولفظة دمياط سريانية وأصلها بالذال المعجمة، ويقولون: «ذمط» .
الملكي، الرّوحاني العقلي الإنساني، ويسمّى هرمس الهرامسة، أي حكيم الحكماء المشهورة، فله ثلاث مناصب: نبوءة آدمية، وحكمة إلاهيّة، وسلطنة أرضية، وله تجرد ملكي وسياحة فلكية (34)، عرج إلى الأفلاك، وشاهد أطوارها وأدوارها، غلبت روحانيته بشريته، فصار كثير الإنسلاخ عن البدن، وهو صاحب المعراج الملكي، خالط الملائكة الكرام، والأرواح المجرّدة، ولم يأكل، قيل لم يتم ستة عشر عاما حتى بقي عقلا / مجردا وروحانية في فلك الشمس، وهو وسط الأفلاك حسبما يرشد إليه علت كلمته بقوله:{وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا} (35) تحته ثلاثة أفلاك، وفوقه مثلها، حسبما ذكره الشيخ الأكبر في الفصل الادريسي.
وادريس هو أوّل من كتب الكتب في أسرار الهياكل، وأدوار الأفلاك، وأطوار الأرواح المجرّدة، وأول من صنف كتاب «كنز الأسرار في علم الحروف» ولما صنّف الكتب الكثيرة، حرصا على تخليد علومه، أخذ جبريل أكثرها، فألقاه في البحر لحكمة الاهية، لما فيها من اظهار أسرار الرّبوبيّة التي اقتضت الحكمة اخفاءها عن العامة، فمن أراد أخذ تلك العلوم أخذها بالقوة العاقلة القليلة القدسيّة، مما بقي من كتبه، فإنها اقتبس (36) منها أساطين الحكماء أحكام علوم الأفلاك، وأسرار الحروف، والخواص الفلكية والأرضية، ثم خلطت طوائف أرذال الحكماء من الدهريّة والطبيعيّة، زخارف الفلسفة بتلك العلوم، فيجب الاحتراز عن علومهم المزخرفة، فإنها لا تخفى على العقلاء، وإلاّ وقع الإنسان في سوء الاعتقاد كما وقع لابن سيناء والفارابي ومن تبعهم.
وهو عليه السلام أول من خاط بالإبرة، واشتهر بالحرفة. ولما ظهر في زمنه عبادة أولاد قابيل لغير الله تعالى أرسله الله تعالى نبيئا بعد شيث، فزجر وأمر ونهى، وجاهد وسبى وهو أول من أرسل بالدعوة / القهريّة، فسن الجهاد والقتل والسّبي لمن كفر، واستخرج آلات القتال من السيف والسرج، وما يتوقف عليه الجهاد، واستنبط علوم الكتابة من الأوضاع الحرفية والأقلام. وهو أول من أسّس الهياكل، ومجّد الله فيها، وبنى الأهرام والمناير، وصور فيها جميع الصنائع والآلات، ورسم فيها العلوم، حرصا على تخليدها لمن بعده، لما تحقق وقوع الطوفان. ولما مضى من عمره ثلاثمائة سنة وستون
(34) في ت: «وسياسة ملكية» .
(35)
سورة مريم: 57.
(36)
في ت: «استبين» .