الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما بقي من الأرض فغامر (10) في الماء. وكان مقتضى الاستدارة التي هي طبع الماء أن يحيط بجميع الأرض فلا يظهر منها شيء، لأنه أخفّ من الأرض طبعا فلا ينكشف منها شيء، وتكون إحاطته بها من جميع الجهات على حدّ سواء، لكن اقتضت الحكمة والمشيئة الأزليّة انكشاف بعض الأرض ليكون مسكنا للحيوانات البرية ومنبتا لمعاشها وسمّي مظلما لأن جهة الشّمال منه ممّا يلي القطب الشمالي مظلمة ليلا ونهارا في بعض الفصول، لأن القطب الشمالي يكون فيه محاذيا لسمت الرأس، فإذا بلغت الشّمس البروج الجنوبية اختلطت حصة الليل بحصة النهار وصار الدور كله ليلا فاستولت الظلمة وبطل قوس النهار، ومحل تفصيل ذلك علوم الهيئة.
الحدود البرية للمغرب:
ونهاية بر المغرب من جهة مشرق الشمس اسكندريّة وما يليها من البحر الثاني (11)، ولذا يقال: إن إسكندريّة مصريّة مغربيّة. ونهايته من جهة الجنوب الصّحراء المتاخمة لبلاد السّودان، ونهايته من جهة الشّمال آخر بلاد الأندلس وما يليها من البحر المظلم.
حفر الزقاق:
وأما بحر المغرب ويسمّى البحر الشامي، والبحر الرّومي فهو فيما يحكى كان بركة منحازة، لا يتّصل بشيء من البحور، وكان أهل العدوة (12) من الأمم السالفة يغيرون على أهل الأندلس فيضرون بهم كل الضّرر (13)، ويكابدون منهم الأهوال الشّديدة فيحاربونهم جهد الطّاقة إلى زمن الاسكندر، فلما وصل إلى أهل الأندلس، أعلموه بحالهم وما هم عليه من التناكر (14) مع أهل السوس ببر العدوة، فقبل شكواهم، فأحضر
(10) في ط وش: «فغامر» .
(11)
في ط: «الشامي» .
(12)
يقصد أهل المغرب الأقصى.
(13)
كذا في الأصول، وفي نزهة المشتاق:«الاضرار» ص: 165.
(14)
في الأصول: «التناكد» والمثبت من ن. م. ص: 165.
المهندسين، وقصد مكان الزقاق، وكان أرضا جافّة فأمرهم بوزن سطح ماء البحر المظلم، وسطح ماء البحر الشامي، فوجدوا سطح ماء البحر المظلم يشف علوه على سطح ماء البحر الشامي بشيء يسير، فأمر برفع البلاد التي على ساحل البحر الشّامي من جميع جهاته ونقلها من أخفض إلى أرفع، ثم أمر أن تحفر الأرض التي بين بلاد طنجة وبلاد الأندلس. فحضرت الفعلة وحفرت حتى وصل الحفر إلى الجبال التي في أسفل الأرض، وبنى عليها (15) رصيفا بالحجر والجيار أفراغا من ناحية الأندلس وكان طول البناء إثني عشر ميلا وهو بعد ما بين البحرين من المسافة. وبنى رصيفا آخر يقابله من ناحية أرض طنجة، وكان بعد ما بين الرصيفين ستة أميال فقط. فلما أكمل الرصيفين حفر من جهة البحر المظلم مدخلا للماء، فدخل ومرّ ماؤه بقوّة سيله بين الرّصيفين حتى دخل للبحر الشّامي، فارتفع ماؤه كثيرا لأن ارتفاع سطح المظلم وإن كان قليلا لكنه لعظمه بالنسبة للشّامي يعلو سطح الشّامي كثيرا لصغره بالنسبة للمظلم، وغرقت مدن كثيرة كانت على سواحل الشّامي فهلك من كان بها وارتفع الماء فوق الرصيفين نحو إحدى عشرة قامة.
فأما الرّصيف الذي يلي بلاد الأندلس فإنه يظهر في أوقات صفاء البحر في جهة الموضع المسمّى بالصّفيحة ظهورا بيّنا طوله على خط مستقيم، وأهل الجزيرتين (16) يسمّونه القنطرة.
وأما الرصيف الآخر الذي كان في بلاد طنجة فإن الماء حمله في صدره واحتفر ما خلفه من الأرض (قدر اثني عشر ميلا)(17) وما استقرّ حتى وصل الجبال من كلتا الجهتين. وطول هذا المجاز المسمّى بالزّقاق اثنا عشر ميلا وعلى طرفه (ببر الأندلس)(18) من جهة المشرق الجزيرة الخضراء، وعلى طرفه في (19) جهة المغرب جزيرة طريف ويقابل جزيرة طريف (في الجهة الثانية من برّ العدوة مرسى قصر مصمودة)(20) ويقابل الجزيرة الخضراء من بر العدوة مدينة سبتة [وعرض البحر](21) بين سبتة والجزيرة الخضراء ثمانية
(15) في الأصول: «وبنى فيها» والمثبت من ن. م. ص: 166.
(16)
في الأصول: «الجزيرة» والمثبت من ن. م. ص: 166.
(17)
زيادة من المؤلف عما في ن. م.، أنظر ص:166.
(18)
توضيح من المؤلف، أنظر نفس الصّفحة من ن. م.
(19)
في ت: «من» .
(20)
ما بين حاصرتين قاله الادريسي هكذا: «ويقابل جزيرة طريف في الضفة الثانية من البحر مرسى القصر المنسوب لمصمودة» . ولم يخل المؤلف بالمعنى وان اختصره.
(21)
اضافة من نزهة المشتاق للتدقيق، ص:167.