الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفص فكانت خلافته أحد عشر عاما وثمانية أشهر إلاّ يومين، وكان عهد لولده عبد الله فتحدّث الموحّدون في صغره وأنه لم يبلغ الحلم، فبعث السّلطان / إلى الشّيخ الصّالح أبي محمد المرجاني وتحدّث معه في ذلك، وكان الواثق بن المستنصر (130) لما قتل هو وأولاده - حسبما مرّ - فرّت إحدى جواريه حاملا منه إلى زاوية الشّيخ الولي أبي محمد المرجاني، فوضعت الولد في بيته وسمّاه الشّيخ «محمّدا» ، وعقّ (131) عليه وأطعم الفقراء يومئذ عصيدة الحنطة، فلقّب بأبي عصيدة، ثم صار بعد اختفائه إلى قصورهم، ونشأ في ظلّ الخلفاء حتى شبّ، وبقيت له مه مع الشّيخ المرجاني ذمّة، فلما فوضّه السّلطان في شأن العهد، وأخبره بنكير الموحدين لولده أشار عليه الشّيخ بصرف العهد إلى محمّد بن الواثق، فقبل إشارته ووقع الإتفاق على ذلك فأخرجه الشّيخ أبو محمّد المرجاني، وبارك عليه ودعا له، وبويع البيعة الخاصة يوم الأربعاء الثاني والعشرين لذي الحجة.
أبو عصيدة ومن توفي من العلماء في أيامه:
ثم لما توفي السّلطان أبو حفص في التاريخ المذكور بويع الأمير أبو عبد الله محمد ابن المولى السّلطان محمد الواثق الملقب «بأبي عصيدة» وافتتح أمره بقتل عبد الله ابن السّلطان أبي حفص لأجل ترشحه للولاية.
ثم خرج السّلطان أبو عصيدة من حضرة تونس بمحلّته حتى تجاوز تخوم عمله إلى أعمال قسنطينة، وجفلت قدامه الرّعايا، ثم رجع إلى حضرته.
وفي شهر جمادى الأولى سنة تسع وتسعين (132)، توفي الشّيخ الصّالح المرجاني، ودفن بجبل الزّلاج (133) وكان صديقا لقاضي الجماعة / بتونس الفقيه أبي يحيى بن أبي بكر الغوري الصفاقسي وكان القاضي مريضا، فكتم أقاربه موت صديقه، فلم يخبروه به، وجعلوا يوصون من يعوده ألاّ يخبره بموته، فأتى الفقيه أبو اسحاق بن عبد الرّفيع لعيادة
(130) في الأصول: «المنتصر» .
(131)
في الأصول: «عن» والتصويب من تاريخ الدولتين ص: 53. «عقّ يعقّ عن المولود حلق عقيقته أو ذبح عنه شاة وفي التهذيب والصحاح يوم أسبوعه» تاج العروس 7/ 16.
(132)
جانفي - فيفري 1300 م.
(133)
في الأصول: «جلاز» .
القاضي فأوصوه فنسي وأخبره، فازداد مرضه، وتوفي يوم الأحد رابع عشر جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وستمائة (134).
ونقل عن الشّيخ أبي محمد عبد الواحد الغرياني أنه أخبره من يثق به أن عادة الموحدين (135) قديما بتونس أنهم لا يولّون القضاء أكثر من عامين عملا بما أوصى به عمر ابن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - حين كتب عهده أنه لا يلي عامل أكثر من عامين وأيضا فإنهم يرون أن القاضي اذا طالت مدة قضائه اتخذ الأصحاب والإخوان، واذا تيقّن العزل فلا يغتر، وأيضا فإن الحال اذا كانت هكذا ظهرت مخايل المعرفة بين الأقران، وكثر فيهم القضاة بتدربهم على الوقائع، فيبقى الحال معروفا محفوظا، بخلاف ما اذا استبد الواحد بالعمل لم يقع تناصف ولم يحصل لمن بعده النفوذ لا ياسهم من الولاية إلاّ بعد مشقة.
وفي ثاني صفر من سنة سبعمائة (136) توفي الشّيخ الفقيه النّحوي أبو زكرياء اليفزني (137) كان تلميذ ابن عصفور وخليفته في فنّه.
وفي شهر جمادى الأولى من سنة ست وسبعمائة (138) سافر شيخ الموحدين أبو يحيى / زكرياء بن أحمد اللحياني بالعساكر إلى جربة برسم خلاصها من أيدي النّصارى، فقاتل القشتيل (139) شهرين (140)، ولما عجز عنه رحل إلى قابس (141) وانتهى إلى توزر، وأعانه على الخدمة أحمد بن محمد بن يملول مخدوم التجاني صاحب الرّحلة،
(134) 6 فيفري 1300 م.
(135)
هم الحفصيون لأنهم فرع من الدولة الموحدية.
(136)
17 أكتوبر 1300 م.
(137)
في الأصول: «اليفري» والتّصويب من تاريخ الدولتين ص: 56.
(138)
نوفمبر - ديسمبر 1306 م.
(139)
هو حصن حربي بناه الأميرال الأرقوني (Aragonais) روجي دي لوريا (Roger de Lauria) في جزيرة جربة اثر احتلاله لها في ما بين سبتمبر واكتوبر من سنة 683/ 1284 م. عن هذه الأحداث أنظر بلاد البربر تحت إمارة الحفصيين (La Berberie)، المصدر السابق 1/ 93. وعن القشتيل أنظر رحلة التجاني 126 - 128 ورشيد غريب: برج غازي مصطفى بجربة. المجلة التاريخية المغربية عدد 4 السنة 1975 ص: 85 - 91.
(140)
لما توفي روجي دي لوريا خلفه ابنه روجر الذي لم يكن يتمتع بحظوظ والده، وثار عليه أهل جربة، ولما علم ابن اللحياني ذلك خف لنصرتهم كما أتى في النص وحاصر القشتيل الذي استقرت به حامية عسكرية نصرانية في شهر جمادى الآخرة 706/ 31 ديسمبر 1306، بلاد البربر 1/ 123.
(141)
كذا في ط وتاريخ الدولتين، وفي ش وت:«صفاقس» .