الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشر ميلا هي عرض المجاز. وبين جزيرة طريف وقصر مصمودة اثنا عشر ميلا هذا ما ذكره في «النزهة» (22) و «خريدة العجائب» (23).
المدّ والجزر:
ونقل (24) الشيخ محمد بن محمود القزويني (25) في «عجائب المخلوقات» عن كتاب «أخبار مصر» أنه بعد هلاك الفراعنة، كان بمصر ملوك بني دلوكة، وكانوا أصحاب رأي وكيد، فطمع ملوك الرّوم في ملك مصر، فاحتال بنو دلوكة في شق البحر المحيط من المغرب وهو بحر الظلمات فغلب على كثير من البلدان العامرة والممالك (26) العظيمة، وامتدّ إلى الشّام وبلاد الروم، وصار حاجزا بين بلاد مصر والرّوم وهو الخليج الذي في زماننا هذا على أحد ساحليه المسلمون، وعلى الآخر النصارى من الإفرنج. وهناك مجمع البحرين وهما بحر الرّوم والمغرب عرضه (ستة فراسخ وطوله خمسة)(27) فراسخ، وفيه يظهر مد ماء البحر، وهو (زيادته وجزره وهو)(28) نقصانه في كل يوم وليلة كل واحد مرتين. وذلك أن البحر الأسود وهو بحر المغرب عند طلوع الشمس يعلو فينصبّ في مجمع البحرين حتى يدخل في بحر الرّوم وهو البحر الأخضر إلى وقت الزوال. فإذا زالت الشّمس غاض البحر الأسود وانصبّ فيه البحر الأخضر إلى غروب الشّمس ثم يعود المدّ إلى نصف الليل ثم الجزر إلى طلوع الشّمس (29) وهكذا، وقال قبل ذلك (30): تعرض للبحار أحوال عجيبة من ارتفاع مياهها ومدّها وهيجانها في أوقات مختلفة من الفصول الأربعة، وأوائل الشهور وأواخرها، وساعات الليل والنهار. وأما ارتفاعها فزعموا أن الشّمس إذا أثرت في
(22) نزهة المشتاق للادريسي.
(23)
خريدة العجائب لابن الوردي، ص: 16 - 17.
(24)
ما سيأتي نقل من عجائب المخلوقات للقزويني بتصرف، 1/ 218 - 219.
(25)
الصواب أنه زكرياء بن محمد بن محمود كما صرح به في ديباجة كتابه «عجائب المخلوقات» .
(26)
في ت وش: «المماليك» .
(27)
في عجائب المخلوقات: «وعرضه ثلاثة فراسخ وطوله خمسة وعشرون فرسخا» .
(28)
تفسير من المؤلف وهو غير موجود في عجائب المخلوقات.
(29)
في عجائب المخلوقات: «ثم يغيض البحر الأسود، وانصباب الماء من البحر الأخضر إلى طلوع الشّمس 1/ 218 - 219.
(30)
نقل من عجائب المخلوقات 1/ 185 - 186.
مياهها لطفت وتحلّلت وملأت مكانا أوسع ممّا كان فيه قبل فدافعت بعض أجزائها بعضا (31) إلى الجهات الخمس: المشرق والمغرب والشمال والجنوب والفوق، فيكون على سواحلها في وقت واحد رياح مختلفة. هذا ما ذكره (32) في سبب ارتفاع مياهها.
وأما مدّ بعض البحار في وقت طلوع القمر فزعموا أن في قعر تلك البحار صخورا صلدة وأحجارا صلبة فإذا أشرق (33) القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعّته إلى تلك الصّخور والأحجار التي في قرارها (34) ثم انعكست من هناك متراجعة فسخنت تلك المياه ولطفت فطلبت مكانا أوسع وتموّجت [إلى ساحلها](35)، ودفع بعضها بعضا وفاضت على شطوطها (36) ورجعت المياه التي كانت تنصبّ إليها إلى خلف، فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعا إلى وسط سمائه، فإذا أخذ ينحطّ سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي ثم يبتدئ المدّ على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض فينتهي المدّ ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ المدّ راجعا إلى أن يرجع القمر إلى الأفق الشّرقي. هذا قولهم في مدّ البحار وجزرها (37).
قلت: المناسب لكلامه الأول أن يسند المدّ والجزر للشّمس لا للقمر وخصوصا لما أخذ في تعليل المدّ بقوله: سخنت تلك المياه ولطفت الخ. فإن السّخانة واللّطافة تناسب الشمس لا القمر. كيف وقد قال في خواص القمر: زعموا أن تأثيراته بواسطة الرّطوبة كما أن تأثيرات الشّمس بواسطة الحرارة. لكن قال بعده: من خواصّ القمر أنه إذا صار في أفق من آفاق البحر أخذ ماؤه في المدّ مقبلا مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع، فإذا صار هنالك انتهى المدّ منتهاه. فإذا انحطّ القمر من وسط سمائه جزر الماء ولا يزال كذلك راجعا إلى أن يبلغ القمر مغربه فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه. فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتدأ المدّ مرّة ثانية إلا أنه أضعف
(31) في عجائب المخلوقات: «فدافعت أجزاؤها بعضها بعضا» ، 1/ 185.
(32)
أي القزويني وفي عجائب المخلوقات «ذكروه» .
(33)
في الأصول: «أشرقت» .
(34)
في الأصول: «قراره» .
(35)
زيادة من عجائب المخلوقات للتوضيح.
(36)
في الأصول: «سطوحها» ، والمثبت من عجائب المخلوقات.
(37)
أنظر فيما سبق عجائب المخلوقات، 1/ 185 - 186.
من الأولى ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض فحينئذ ينتهي المدّ منتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع ثم يبتدئ بالجزر والرّجوع ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع فيعود المدّ إلى مثل ما كان عليه أولا فيكون في كل يوم وليلة بمقدار سير القمر فيهما في ذلك البحر مدّان وجزران (38) انتهى، والله أعلم.
ثم قال: وأمّا هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان فإنك ترى صاحب الدم (والصفراء وغيرها)(39)(عند نزول حمى أو غيرها)(40) يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلا قليلا، (فللبحر موادّ تمدّه حالا فحالا فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليلا قليلا) (41) وقد عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: إن الملك الموكل بالبحر يضع رجله في البحر (42) فيكون منه المدّ ثم يرفع فيكون منه الجزر. انتهى (43). قلت: ولا مانع من إرادة الحقيقة إذ العقل يجيزه، وما أخبر به الصادق ولم يكن لحمله على حقيقته وظاهره مانع فالحمل عليه أولى، أما مع وجود المانع الصارف فالعمل على مقتضاه واجب، ثم أن في الخمس الأول (44) من الشهر والعشر الوسطى والخمس الأخيرة يقوى المدّ والجزر، وتسمّى تلك الأيّام أيّام حياة البحر وفيما عدا (45) ذلك يقلّ ذلك فتسمّى تلك الأيّام أيام موته، وهذا الجزر والمدّ لا يظهر غاية الظّهور إلا في أقاصير البحار، ولصيّادي السّمك خبرة زائدة بذلك، لأن اصطيادهم يتيسّر في مدّة الحياة، لأن السّمك يدخل مع قوّة دخول الماء فيحصل فيما نصبوا (46) له من الأعمال المعدّة لاصطياده، فإذا جزر الماء نزلوا فأخذوا ما حصل (47) في مصائدهم (48)، والظّاهر أن
(38) أنظر عجائب المخلوقات، 1/ 31 - 32.
(39)
في الأصول: «صاحب الدّم الأصفر أو غيره» والمثبت من عجائب المخلوقات.
(40)
اضافة من المؤلف بالنسبة لعجائب المخلوقات.
(41)
اضافة من المؤلف بالنسبة لعجائب المخلوقات.
(42)
هكذا في ت وش، وفي ط وعجائب المخلوقات:«بالبحر» .
(43)
النقل من عجائب المخلوقات 1/ 186.
(44)
هكذا في ش وط، وفي ت:«الأولى» .
(45)
هكذا في ط، وفي ت وش:«وفي عدى» .
(46)
في ت وط: «نصبوه» .
(47)
في ت: «ما حصل لهم» .
(48)
تلك هي أهم طريقة لصيد السّمك على سواحل صفاقس في الماضي، وكذلك في جزر قرقنة وجربة والسواحل القصيرة الأخرى من خليج قابس حيث المدّ والجزر قويّان، وهي طرق يعلمها المؤلف ونرى أنه عممها على كل المناطق الساحلية كما نفهم من نصّه.