الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتسلّم البلاد، وخرجت العمّال وجباة الأموال باسمه، وأوصاه المعزّ بأمور كثيرة، وأكّد عليه في فعلها، ثم قال: إن نسيت ما أوصيتك به فلا تنس ثلاثة أشياء: إيّاك أن ترفع الجباية عن أهل البادية، والسّيف (21) عن البربر، ولا تولّ (22) أحدا من أخوتك وبني عمّك، فانهم يرون أنّهم أحقّ بهذا الأمر منك، وافعل مع أهل الحاضرة خيرا، وفارقه على ذلك، وعاد من وداعه، وتصرّف في الولاية.
ولم يزل حسن السيرة، تام النّظر في مصالح دولته ورعيّته إلى أن توفي يوم الأحد لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة (23)، بموضع يقال له: واركلان مجاور افريقية، وهو بفتح الواو وبعد الألف راء مفتوحة أيضا ثم كاف ساكنة وبعد الألف نون كلاهما بعد لام مفتوحة» (24).
فولي بعده ولده المنصور.
باديس:
ثمّ بعد المنصور ولده باديس، وممّا وجد في مناقب العارف بالله تعالى سيدي محرز بن خلف المتوفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة (25) المدفون بباب السويقة من تونس - نفعنا الله به - أنّه أتاه رجل (26) مستجير من مظلمة نالته من قبل باديس بن المنصور فكتب له المؤدب سيدي محرز بعد البسملة والصلاة على النبيء صلى الله عليه وسلم: من محرز بن خلف / إلى باديس، أما بعد، فانّ الله حقق الحق في قلوب المؤمنين من عباده، ونقل المذنبين إلى ما افترض عليهم من طاعته، أنا رجل عرف كثير من الناس اسمي، وهذا من البلاء (27)، وأنا أسأل الله أن يتغمّدني برحمته، وربّما أتاني المضطر يسأل الحاجة، فان رددتها خفت، وإن التزمت ذلك كثر عليّ، وقد ورد عليّ رجل يزعم أنه طلب في دراهم
(21) النقل من ترجمة بلكين بن زيري في الوفيات 1/ 286.
(22)
في الأصول: «ولا توال» والمثبت من الوفيات.
(23)
27 ماي 984.
(24)
الوفيات 1/ 286 وانظر البيان المغرب لابن عذاري (ت في القرن 7 هـ ) دار الثقافة بيروت 1/ 339.
(25)
كذا في المناقب ص: 174، وبالسّنة الميلادية 1022 م.
(26)
النقل من مناقب أبي اسحاق الجبنياني، مناقب سيدي محرز بن خلف، تحقيق هادي روجي ادريس، باريس 1959 ص:140.
(27)
في الأصول: «البلاد» والمثبت من المناقب.
وخاف، وليس عنده شيء، فاعمل على رضى من لا بدّ لك من لقائه، واستحي ممّن بنعمته وجدت لذائذ العيش، ولا يغرّنك حلم الله تعالى عليك، ولا تعاد من أنت محتاج إليه، وحاذر بطانة السّوء فانهم يأكلون مالك ويقرّبون من النار لحمك، وشاور في أمرك من يتّقي الله {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (28) الآية، وخف ممّن لا يحتاج عونا عليك بل لو شاء اتلافك لأخرجك عن نفسك، حتى يكون هلاكك عن يديك، سالم تسلم، فأنت على رحيل، فخذ في الزاد، والسلام» (29).
(28) سورة الطلاق آخر الآية 2.
(29)
المناقب 140.
(30)
ينتقل إلى ص: 144 من المناقب.
(31)
وبعث الرجل الكتاب مع الحمام إلى القيروان، فلمّا وصل أخذه وقرأه ومضى به إلى القاضي، فقرئ على من حضر المجلس، فاتّفق أهل المجلس على أنهم يكتبون كتابا يمجّدون فيه السّلطان، فلما استوى رأيهم قام رجل من أهل المجلس وقال: يا قوم، لا تغيروا كتاب الرّجل، فالذي كتبه عرف لمن كتب، والذي يصل إليه الكتاب يعلم من كتبه، فحمل الكتاب ولم يغيّر فيه شيء حتى وصل إلى باديس، فلما قرئ عليه الكتاب قال وزيره: لم يزل أبو كسية في بغضه / ونفاقه، فقال له باديس: وبلغ من قدري وقدرك عند الشيخ محرز بن خلف حتى يكتب إلينا، إنّما هي هديّة من الله سبحانه أهداها لنا، ونكّل بالوزير وأمر بقلع أسنانه ثم دعا بعض خدّامه وقال: خذ هذا الكتاب واحمله إلى السّيدة وقل لها: هذا كتاب سيدي محرز بن خلف فاحتفظي به، ولعلّ بركته تعود علينا وعليك، فلمّا وصل الكتاب إلى السيدة طيّبته وخرزت عليه وعلّقته عليها وكانت حاملا، فقالت: لعلّ بركته تعود عليّ، فعادت بركته عليها وولدت المعزّ بن باديس بالمنصوريّة يوم الخميس لخمس مضت من جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة (32)، ثم قال باديس: سبحان الله، (والذي بعثنا إلى تونس ما وصل إليها)(33)(ثم كتب من ساعته إلى العامل بتونس وأرسل إليه أن لا ينتقم من المسلمين وناول الكتاب للذي ناوله كتاب الشيخ فأخذه وعلّقه على الحمام وبعثه به فوصل الكتاب)(34) إلى تونس قبل وصول الرسول، كل ذلك في يوم واحد، فلما قدم الرسول بعث العامل إلى أهل المدينة ليعلمهم بما أمر به السلطان، فأتوه والكتاب معهم، فلمّا نظر العامل للكتاب سقط في يده وسرح أمورهم ولم يعاقب أحدا (35)، «وتوفي باديس سلخ ذي القعدة سنة ستّ وأربعمائة (36).
(32) 17 جانفي 1008 م. وانظر الوفيات 5/ 234.
(33)
في الأصول: «ومن كتب إلى تونس» والمثبت من المناقب ص: 146.
(34)
(35)
المناقب: ص: 144 - 147.
(36)
الوفيات: 1/ 266.10 ماي 1016 م.