الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والألواح فصنعوا جسرا عبرت عليه العساكر، فالتقى معهم ثانيا فهزم، ثم ثالثا فهزم، وتلاشت جموعه، فدخل تونس وجمع مهمّاته وذخائره وخرج خفية ليلا، فتبعه الأعراب ونهبوا ما قدروا عليه من ورائه وسار على طريق رادس، وقطع إلى حلق الوادي، فدقّ باب الحصار ليلا فلما عرفه النّصارى قبلوه وفتح أهل تونس لعلي باشا والمنادي ينادي بالأمان، ودخل القصبة، وفرح النّاس، وقبل البيعة للسّلطان سليمان خان - رحمه الله تعالى - ليلة النّصف من شعبان سنة سبع وسبعين أو ثمان وسبعين وتسعمائة (521)، وخطب بتونس وبجميع بلاد افريقية باسم السّلطان سليمان خان الثاني - رحم الله جميعهم - ثم إن علي باشا أقام رجلا مكانه باشا، وسار حتى لحق بعمارة السّلطان في البحر، وكانوا عازمين على ملاقاة الكفار، ثم إن الأمير أحمد أخذ يسعى في استجلاب عمارة من برّ النّصارى حتى وصلت لحلق الوادي فأخرج كبير النّصارى مكتوبا لأحمد فاذا فيه مقاسمة البلاد مالا وحكما بينهم وبين الأمير أحمد، فقال أحمد: إنما شارطتكم على المال لا على مشاركة الحكم، فقال النصراني: إن قبلت وإلاّ فعندي تحت يدي من يقبل المشروط وهو أخوك محمد، فرفع الأمير أحمد يده عن ذلك وذهب إلى بليرمو / من بلاد صقلية، فأقام بها إلى أن مات، وأتي به ليدفن في الزلاج، فبعد ثلاثة أيام دفن بسيدي قاسم الجليزي (522).
محمد الحفصي: نهاية الدولة الحفصية والاستقرار العثماني بتونس:
وأما محمد الحفصي فانه تقدم، وتحمل الشروط، ولما تحقق أهل تونس تولية محمد تذكروا وقعة الأربعاء التي كانت في أيام أبيه الحسن، ففروا إلى ناحية جبل الرّصاص وجعلوا لهم دواميس يستقرّون بها، فصدم النّصارى تونس وعجز عن مدافعتهم وصار في أهل تونس {إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ} (523) ما تقشعرّ منه الجلود، حتى إن الذين فرّوا صنعوا نوالات (524) في الغابة، وتسولوا على بيوت الأعراب، ونالهم من الخوف والجوع
(521) 1570 - 1571 م.
(522)
عن احتلال علي باشا التركي لتونس، وانهزام السّلطان أحمد الحفصي واستنجاده باسبان حلق الوادي وخاتمة أمره انظر المؤنس 172 - 175 والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
(523)
سورة البقرة: 156.
(524)
الأفصح أن يقال «نواويل» جمع نوال لأن نوالات جمع قلة والنوال بيت من القصب.
ما يدهش الألباب، وبعد مدّة أظهر النّصارى الأمان واسترجعوا المسلمين لديارهم على شرط أن من وجد داره غير معمورة بالنّصارى سكنها، ومن وجد بها كافرا فوّض أمره إلى الله.
وقسّمت المدينة بين المسلمين والنّصارى، فاختلط النّصارى بالمسلمين، وأهين المسجد الأعظم، ونهبت خزائن الكتب التي كانت به، وداستها الكفرة بالأرجل، وألقيت تصانيف الدّين بالأزقّة تدوسها حوافر خيل الكفّار، حتى قيل إن أزقة الطيبيين بجانب جامع الزيتونة كانت كلها مجلدات ملقاة تحت الأرجل، وضربت النواقيس، وربطوا الخيل بالجامع الأعظم ونبش قبر سيدي محرز بن خلف، فلم يجدوا به إلاّ الرمل وفعلوا بالمسلمين ما يفعل العدو بعدوه / وكل دار مسلم مجاورة لدار نصراني، وكبير النّصارى ساكن بالقصبة مع محمّد الحفصي يجلسان معا بالقصبة للحكم، واستعمل النّصراني سياسة الرّفق بالنّاس ورفع الجور في الحكم، هذا كله وقع لأهل المدينة والربض القبلي (525)، لانهم تحت رمية المدفع، فلم يجدوا بدّا من المساعدة، وأما ربض باب السويقة فإنهم (526) انحازوا إلى ناحية، ومنعوا أنفسهم من الإهانة.
وفي هذه المدّة كان شروعهم في مدينة البستيون (527) - المقدمة الذكر - فلاقى أهل تونس من الكفار سوء العذاب.
وأما الباشا الذي بتونس وجنوده فانهم لما دهمتهم النّصارى ورأوا أمرا لا طاقة لهم به خرجوا لناحية الحمّامات، فامتنعوا (528) من فتح الأبواب، فذهبوا للقيروان، وكان بها حيدر باشا الذي ضرب الحيدري (529)، وقيل إن الباشا الذي كان بتونس هو حيدر المذكور وإنه لما أحس بغلبة الكفّار خرج هو وأهل البلد جميعا إلى جهة القيروان، فجاء عسكر الكفّار واستولى على تونس.
فلما خرج حيدر بمن معه أتبعهم في ذهابهم النّصارى فاقتتلوا فانهزم النّصارى، وبعث من رؤوسهم أحمالا للقيروان، ورجعوا للحمّامات محاصرين لهم ففتحوها عنوة، فقتلوا الرّجال وسبوا النّساء والأطفال، ونهبوا / الأموال وافتكّ الشّيخ الجديدي [منهم]
(525) هي ربض باب الجزيرة.
(526)
أي أهله.
(527)
في الأصول: «البستيور» .
(528)
أي أهل الحمامات.
(529)
بعدها في المؤنس «المشهور بالقيروان» ص: 177.