الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلع والألوية من المقتدر إلى ابن قهرب فاستقل، وانقطعت طاعة المهدي من صقليّة (38) واختلف الأئمة في جواز مقاتلة العبيديين.
حركة القيروانيين المضادة للفاطميين:
قال في المعالم (39): «كان أبو الفضل عبّاس الممسي ممن خرج لقتال بني عبيد مع أهل القيروان لما كان يعتقد من كفرهم، قال أبو بكر المالكي: رأى أن الخروج مع أبي يزيد الخارجي - الآتي خبره - وقطع دولة بني عبيد فرضا لأن الخوارج من أهل القبلة لا يزول عنهم الاسلام ويرثون ويورثون وبنو عبيد ليسوا كذلك لأنهم مجوس زال عنهم اسم المسلمين فلا يتوارثون معهم ولا ينسبون إليهم» (40) وقال (41): «عوتب ربيع بن القطان في خروجه مع أبي يزيد إلى حرب بني عبيد فقال: وكيف لا أفعل وقد سمعت الكفر بأذني؟ فمن ذلك أني حضرت اشهادا وكان فيه جمع كثير - أهل سنّة ومشارقة - وكان بالقرب مني أبو قضاعة الدّاعي فأتى رجل مشرقي [من أهل الشرق ومن أعظم المشارقة فقام إليه رجل مشرقي](42) وقال: إلى هاهنا يا سيدي إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أبا قضاعة الدّاعي ويشير بيد، إليه، فما أنكر أحد شيئا من ذلك! فكيف ينبغي أن أترك القيام عليهم؟ ووجد بخطه قال: لمّا كان في رجب سنة احدى وثلاثين، قام الصّبي المكوكب يقذف الصّحابة / ويطعن على النّبي صلى الله عليه وسلم وعلقت عظام رؤوس أكباش وحمير وغيرها على أبواب الحوانيت والدّروب عليها قراطيس معلّقة فيها أسماء يعنون بها رؤوس الصّحابة - رضوان الله عليهم - فلمّا رأى ربيع ذلك لم يسعه التأخر عن الخروج عليهم - وكذلك كان جميع الشيوخ يتأوّلون أبا اسحاق السبائي وغيره ولما اجتمعوا للخروج عليهم قال ربيع القطّان: أنا أول من يشرع في هذا الأمر ويخرج فيه ويندب المسلمين ويحضهم عليه، وتسارع جميع الفقهاء والعباد لذلك، فلمّا كان بالغد خرج
(38) عن هذه الأخبار أنظر كتاب العبر 4/ 442 - 443.
(39)
معالم الايمان 3/ 29 (ط.2).
(40)
معالم الايمان: 3/ 29.
(41)
معالم الايمان: 3/ 31 - 32 (ط 2).
(42)
اضافة من المعالم ليستقيم المعنى.
الربيع وجماعة الفقهاء ووجوه التجّار إلى المصلّى بالسلاح الشاك (43) والعدّة العجيبة التي لم ير مثلها، وضاق بهم الفضاء وتواعد النّاس أن ينظروا في الزّاد وآلة السّفر إلى يوم السبت - وذلك يوم الاثنين - وركب بعض الشيوخ من الموضع إلى الجامع بالسّلاح، وشقّوا السّماط بالقيروان، وزادوا في استنهاض (44) الناس، فلمّا كان يوم الجمعة اجتمعوا في الجامع وركبوا بالسّلاح الكامل وعملوا البنود والطبول» (45).
«قال أبو الحسن علي بن سعيد الخرّاط الفقيه: لما بلغني أن الفقهاء قد تجمّعوا في الجامع في تدبير الخروج إلى المهديّة في أيام أبي يزيد بكّرت إلى الجامع فأصبت أبا العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمّام التّميمي، وأبا الفضل عبّاس الممسي، وربيع القطّان، وأبا اسحاق السّبائي، ومروان بن نصر وغيرهم جلوسا عند المنبر فتكلموا / في الخروج على بني عبيد فاختلفوا وتناظروا حتى قال أبو العرب: اسكتوا، فسكت النّاس فقال:
حدّثني عيسى بن مسكين عن محمّد بن عبد الله الجرجاني باسناده إلى النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يكون في آخر الزمان قوم يقال لهم الرّافضة فاذا أدركتموهم فاقتلوهم فانهم كفّار» (46) فلمّا أتمّ الحديث كبّر النّاس وعلت أصواتهم في الجامع حتى ارتجّ، ثم خرجوا لقتال بني عبيد، وهذا يدلّك على كمال عدالته وصحّة نقله، ولولا ذلك لما اتفقوا بعد الاختلاف على الخروج على من ذكره» (47). ولم يتخلّف من العلماء والفقهاء أحد «وكانت عدة بنودهم سبعة ركّزوها قبالة مسجد الجامع المعروف بالحدّادين، بندا أصفر لربيع القطّان مكتوب عليه البسملة ومعها لا إلآه إلاّ الله محمد رسول الله، وفي الثاني - وهو لربيع أصفر أيضا - نصر من الله وفتح قريب على يد أبي يزيد اللهم انصره على من سبّ نبيك، وفي الثالث - وهو أصفر أيضا لأبي الربيع - بعد البسملة - {فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (48) وفي الرّابع - وهو أحمر لأبي الفضل عبّاس الممسي - لا إلآه إلاّ الله محمد رسول الله، وفي الخامس - وهو
(43) في الأصول: «شائك» والمثبت من معالم الايمان 3/ 32.
(44)
في الأصول: «أشخاص» والمثبت من المعالم 3/ 32.
(45)
النقل من المعالم 3/ 32.
(46)
روى أحمد بن حنبل في سننه أن عليا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يظهر في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام» . مسند أحمد ج 1 ص: 103.
(47)
النقل من نفس المرجع ص: 35.
(48)
سورة التوبة: 12 وأولها وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ. . . .
أخضر لمروان العابد - بعد البسملة - {قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (49) وفي السادس - وهو أبيض بعد البسملة - لا إلآه إلاّ الله محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق / عمر الفاروق، وفي السابع - وهو لابراهيم ابن الحبشا (50) - وكان أكبر البنود لونه أبيض، لا إلآه إلاّ الله محمد رسول الله {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اِثْنَيْنِ} (51) الآية، فلمّا اجتمع النّاس وحضرت الجمعة، طلع الامام على المنبر - وهو أحمد بن محمد بن أبي الوليد، وكان أبو الفضل الممسي هو الذي أشار به - وخطب خطبة أبلغ فيها وحرّض النّاس على الجهاد، وأعلمهم بما لهم فيه من الثّواب وتلا {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ} (52) الآية، وقال: يا أيها النّاس، جاهدوا من كفر بالله، وزعم أنه ربّ من دون الله، وغيّر أحكام الله، وسبّ نبيّه وأصحاب نبيّه وأزواج نبيّه، فبكى النّاس بكاء شديدا، وقال في خطبته: اللهم ان هذا القرمطي الكافر الصنعاني المعروف بأبي عبيد الله المدّعي الرّبوبية من دون الله جاحد لنعمك، كافر بربوبيتك، طاعن على أنبيائك ورسلك، مكذّب لمحمّد نبيّك وخيرتك من خلقك، سابّ لأصحاب نبيّك وأزواج أمّهات المؤمنين، سافك لدماء أمّته، هاتك لمحارم أهل ملّته افتراء عليك واغترارا بحلمك، اللهم فالعنه لعنا وبيلا، واخزه خزيا طويلا، واغضب عليه بكرة وأصيلا، واصله في جهنم وساءت مصيرا، بعد أن تجعله في الدّنيا عبرة للسائلين وأحاديث الغابرين، وأهلك اللهم متّبعه وشتّت كلمته وفرّق جماعته واكسر شوكته واشف صدور قوم مؤمنين منه، ونزل، فجمع الجمعة ركعتين وسلّم وقال: إن الخروج غدا يوم السبت / إن شاء الله تعالى، وركب ربيع القطان فرسه وعليه آلة الحرب وفي عنقه المصحف وحوله جماعة من النّاس من أهل القيروان متأهّبون مستعدّون لجهاد أعداء الله عليهم آلة الحرب، فنظر إليهم ربيع القطّان فسرّ بهم، وقال: الحمد لله الذي أحياني حتى أدركت عصابة من المؤمنين (53) اجتمعوا لجهاد أعدائك وأعداء نبيّك، يا ربّ بأي
(49) سورة التوبة 14.
(50)
في الأصول: «ابن المثنى» والمثبت من المعالم 3/ 33.
(51)
سورة التّوبة: 40.
(52)
سورة النساء: 95.
(53)
كذا في ط ومعالم الايمان 3/ 33 وفي ت وش: «المسلمين» .
عمل وبأي شيء وصلت إلى هذا، ثم أخذ في البكاء حتى جرت دموعه على لحيته ثم قال: والله لو رآكم محمّد صلى الله عليه وسلم لسرّ بكم.
قال الشّيخ أبو الحسن القابسي: فلمّا تلاقوا للقتال، أقبل ربيع وهو يطعن فيهم ويضرب وهم يتوقفون عن طعنه طمعا أن يأخذوه حيّا، فلمّا أثخنهم بالضّرب والطّعن عمد إليه جماعة منهم فقتلوه، واستشهد معه أئمّة وعبّاد وصلحاء، عدّتهم خمسة وثمانون رجلا.
وقال أبو الحسن أيضا عن شيوخه الذين أدركهم: إن الذين ماتوا في دار البحر بالمهديّة من حين دخل عبيد الله إلى الآن أربعة آلاف رجل في العذاب ما بين عالم وعابد ورجل صالح» اهـ.
وكان القرويّون (54) غلبوا من كان بالمهديّة، وطمعوا في أخذها فمكر بهم أبو يزيد فقال لجيشه: القرويون اذا حكموا على بني عمّنا واستأصلوهم رجعوا علينا فلا نقدر عليهم، فاذا كان من الغد والتحم النّاس في القتال انهزموا (55) عنهم حتى تقع الكسرة (56) عليهم فترتاحوا من شوكتهم، أو نحو هذا الكلام، ففعلوا ذلك، فوقعت الهزيمة عليهم / لما سبق في سابق علم الله فاستشهد من استشهد كأبي الفضل الممسي (57)، وربيع القطان. قيل إن ربيع القطان قتل قرب المهديّة بالوادي المالح، وقطع رأسه وأتي به إلى أبي القاسم بن عبيد في طشت (58)، فلمّا كشفوا عنه فتح الرأس عينيه وفمه، فقال أبو القاسم: أبعدوه عني، وكانت وفاته في رجب سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة (59).
قال أبو محمد التبّان: رأيت ربيعا القطان في المنام بعد أن قتل، فسألته عن حاله،
(54) يستمر في النقل من المعالم 3/ 34.
(55)
في المعالم: «انعزلوا» .
(56)
في المعالم: «الكرّة» .
(57)
هو عباس بن عيسى الممسي نسبة إلى ممس وقيل بتشديد الميم الثانية وهي Mamma البيزنطية، وتقع غربي القيروان على بعد 50 كلم منها، و 33 كلم من سبيطلة، وهي التي تحصن بها كسيلة عند زحف زهير بن قيس البلوي نحو القيروان، توفي الممسي سنة 333 هـ وترجمته في الأعلام 3/ 363 - 4 (ط / 5) وترتيب المدارك 3/ 313 - 323 والديباج 317 وشجرة النور الزكية 33 وطبقات علماء افريقية للخشني 34 ومعالم الايمان 3/ 27 - 30 (ط / 2) وغير ذلك، وانظر تراجم المؤلفين التونسيين لمحمد محفوظ 4/ 381 - 383.
(58)
في المعالم: «طست» ، والطشت لغة في معنى الطست (فارسية).
(59)
فيفري 945 م.