المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين: - نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار - جـ ١

[محمود مقديش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌المقدمة:

- ‌المقالة الأولى[في تحديد المغرب برا وبحرا وأسماء البلدان]

- ‌الباب الأولفي تحديد المغرب برا وبحرا

- ‌البحر المظلم:

- ‌الحدود البرية للمغرب:

- ‌حفر الزقاق:

- ‌المدّ والجزر:

- ‌حدود البحر الشامي:

- ‌الباب الثانيفي الكلام على ضبط بر المغرب الأقصى وما يليه من الغرب الأوسط وذكر ما فيه من البلاد والعباد

- ‌البربر وأصولهم وافريقية وتسميتها:

- ‌نول لمطة:

- ‌آزكّي:

- ‌سجلماسة:

- ‌درعة:

- ‌السّوس:

- ‌جبل درن:

- ‌أغمات وريكة:

- ‌مراكش:

- ‌نهر تانسيفت:

- ‌ أغمات أيلان

- ‌عود إلى ذكر مرّاكش:

- ‌الطريق من مرّاكش إلى أم ربيع:

- ‌آنقال:

- ‌مكول:

- ‌ايكسيس:

- ‌سلا:

- ‌فضالة:

- ‌الطريق من فضالة إلى آسفي:

- ‌آسفي:

- ‌مرسى ماست:

- ‌داي وتادلة:

- ‌الطريق من تادلة إلى‌‌ فاس:

- ‌ فاس:

- ‌ صفروي

- ‌قلعة مهدي:

- ‌مغيلة:

- ‌ مكناسة

- ‌بني تاورة:

- ‌السوق القديمة:

- ‌قصر عبد الكريم:

- ‌عود إلى ذكر فاس:

- ‌الطريق من فاس إلى تلمسان:

- ‌ تلمسان

- ‌الطريق من تلمسان إلى تنس:

- ‌تنس:

- ‌وهران:

- ‌المسيلة:

- ‌الطريق من وازلفن إلى مليانة:

- ‌مليانة:

- ‌الطريق من كزناية إلى المسيلة:

- ‌قلعة بني حمّاد وما جاورها:

- ‌قسنطينة وما جاورها:

- ‌جبل سحاو:

- ‌سوق بني زندوي:

- ‌جيجل:

- ‌مدن أخرى:

- ‌الجزائر:

- ‌تامدفوس:

- ‌مرسى الدّجاج:

- ‌تدلس:

- ‌بجاية:

- ‌الطريق من بجاية إلى القلعة:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌بلزمة:

- ‌حصن بشر:

- ‌سبتة:

- ‌الجزر والمدن والمراسي والمواقع الساحلية من سبتة إلى بونة:

- ‌ باغاية

- ‌توزر:

- ‌قفصة:

- ‌الطرقات من قفصة إلى ما جاورها:

- ‌ جبل نفّوسة

- ‌قابس:

- ‌صفاقس:

- ‌ قصر الجم

- ‌جمال:

- ‌المهدية:

- ‌نفزاوة:

- ‌ القيروان

- ‌تونس:

- ‌قرطاجنة:

- ‌بنزرت:

- ‌طبرقة:

- ‌باجة:

- ‌مرسى الخرز:

- ‌ بونة

- ‌الأربس:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌جزيرة باشو:

- ‌جبل زغوان:

- ‌جبل وسلات:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌طرابلس:

- ‌الطرقات من طرابلس إلى ما جاورها:

- ‌جبل دمر:

- ‌برقة

- ‌الطريق من برقة إلى العين:

- ‌الطريق من برقة إلى الإسكندرية:

- ‌الطريق الساحلي من بونة إلى نابل:

- ‌نابل:

- ‌الطريق الساحلي من نابل إلى سوسة:

- ‌سوسة:

- ‌الطريق الساحلي من سوسة إلى صفاقس:

- ‌جزيرة قرقنة:

- ‌الطريق الساحلي من صفاقس إلى جربة:

- ‌جربة:

- ‌الطريق الساحلي من جربة إلى لبدة:

- ‌لبدة:

- ‌الطريق الساحلي من لبدة إلى الإسكندرية:

- ‌ الإسكندرية

- ‌جغرافية الأندلس:

- ‌اليونان ودورهم بالأندلس:

- ‌طليطلة وما جاورها:

- ‌قرطبة:

- ‌المرية:

- ‌أقاليم الأندلس:

- ‌مدن ساحلية:

- ‌جزر البحر الشامي:

- ‌صقلية:

- ‌المقالة الثّانيةفي ذكر الخلافة وخلفاء الصّحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من خلفاء بني أميّة بالمشرق وفتوحات المغرب في أيّامهم

- ‌الباب الأولفي الخلافة وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌مفهوم الخلافة:

- ‌آدم عليه السلام أول الخلفاء:

- ‌كيومرث:

- ‌مهلائيل:

- ‌شيث وذريته:

- ‌ ادريس

- ‌إبراهيم وإبنيه:

- ‌العرب: طرف من أصلهم وبعض من أخبارهم:

- ‌ولاية الكعبة:

- ‌الخليفة الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان رضي الله عنه

- ‌خلافة علي رضي الله عنه

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌يزيد:

- ‌بقية خلفاء بني أمية:

- ‌غزوات عمرو بن العاص:

- ‌غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح:

- ‌ولاية معاوية بن خديج:

- ‌ولاية أبي المهاجر:

- ‌ولاية عقبة بن نافع وغزواته:

- ‌غزوة عقبة بن عامر الجهنّي:

- ‌غزوة رويفع بن ثابت:

- ‌غزوة زهير بن قيس البلوي:

- ‌ولاية حسان بن النعمان وغزواته:

- ‌فتح الأندلس:

- ‌بيت الحكمة بالأندلس:

- ‌تتمة الحديث عن فتح الأندلس:

- ‌ولاية عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌ولاية علي بن رباح:

- ‌المقالة الثّالثةفي ذكر خلفاء بني العبّاس وبعض أمرائهم بالعراق وأمرائهم بالمغرب

- ‌الباب الأولفي ذكر خلفاء بني العباس

- ‌قيام الدولة وخلافة أبي العباس السفّاح:

- ‌أبو جعفر المنصور:

- ‌محمد المهدي:

- ‌محمد موسى الهادي:

- ‌ هارون الرّشيد

- ‌محمد الأمين:

- ‌المأمون وقضية خلق القرآن:

- ‌المعتصم:

- ‌الواثق بالله:

- ‌المتوكل على الله:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌المعتز بالله:

- ‌المهتدي بالله:

- ‌المعتمد وحركة الزنج:

- ‌ المعتضد بالله

- ‌المكتفي بالله وظهور القرامطة:

- ‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

- ‌القاهر بالله والراضي بالله:

- ‌المتقي بالله:

- ‌المستكفي بالله:

- ‌المطيع لله:

- ‌الطائع لله:

- ‌القادر بالله:

- ‌القائم بأمر الله:

- ‌المستظهر بالله:

- ‌المسترشد بالله:

- ‌الراشد بالله:

- ‌المقتفي لأمر الله:

- ‌المستنجد بالله:

- ‌المستضيء بالله:

- ‌الناصر لدين الله:

- ‌المستنصر بالله:

- ‌المستعصم بالله:

- ‌التتار:

- ‌هولاكو وسقوط بغداد وانقراض الدولة العباسية:

- ‌العباسيون بمصر:

- ‌تيمورلنك:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بعض أمراء بني العباس بالمشرق

- ‌ الصفارية

- ‌السامانيون:

- ‌الغزنويون:

- ‌السلاجقة:

- ‌الديلمية:

- ‌السلقدية:

- ‌الخوارزمية:

- ‌الباب الثالثفي مشاهير أمراء بني العبّاس بالمغرب

- ‌يزيد بن حاتم:

- ‌هرثمة بن أعين:

- ‌بداية بني الأغلب:

- ‌أبو العباس عبد الله:

- ‌زيادة الله:

- ‌أبو العباس محمد:

- ‌زيادة الله الأصغر:

- ‌أبو الغرانيق:

- ‌ابراهيم:

- ‌عبد الله بن ابراهيم:

- ‌المقالة الرّابعةفي ذكر ملوك الشّيعة بالمغرب وكيفيّة انتقالهم لمصر وما يتبع ذلك

- ‌عبيد الله المهدي وقيام الدّولة الفاطمية:

- ‌حركة القيروانيين المضادة للفاطميين:

- ‌أقوال بعضهم في الفاطميين والمجادلة حول رميهم بالكفر والزندقة وتبرئتهم منهما:

- ‌تأسيس المهديّة:

- ‌القائم وثورة أبي يزيد:

- ‌المنصور وفشل ثورة أبي يزيد:

- ‌المعز لدين الله وانتقال الفاطميين إلى مصر

- ‌الفاطميون بمصر:

- ‌المقالة الخامسةفي ذكر ملوك ضهاجة بالمغرب وصلاح الدّين بمصر

- ‌الباب الأولفي ذكر ملوك صنهاجة

- ‌زيري بن مناد:

- ‌بلكين بن زيري:

- ‌باديس:

- ‌المعزّ بن باديس: قطعه الدعوة للفاطميين واجتياح العرب افريقية

- ‌تميم بن المعز:

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌علي بن يحيى وابنه الحسن:

- ‌الباب الثانيفي ذكر دولة‌‌ نور الدين

- ‌ نور الدين

- ‌عماد الدّين اسماعيل:

- ‌عود إلى ذكر نور الدين:

- ‌الحملات الصليبية الأولى واستقرار الافرنج بالشام:

- ‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

- ‌الملك الكامل والحروب الصليبية الخامسة:

- ‌الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب والحروب الصليبية السادسة

- ‌نهاية الأيوبيين:

- ‌المماليك بمصر:

- ‌المقالة السّادسةفي ذكر خلفاء بني أميّة بالأندلس وذكر الطوائف بعدهم

- ‌بنو أميّة:

- ‌ملوك الطوائف:

- ‌المقالة السّابعةفي ذكر ملوك لمتونة وهم الملثمون بالعدوة والأندلس

- ‌بداية المرابطين:

- ‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفّقة في الأندلس:

- ‌نهاية المرابطين:

- ‌المقالة الثّامنةفي ذكر دولة الموحّدين وأمرائهم بالعدوة والأندلس وافريقية

- ‌الباب الأولفي أول ملوكها ومن بعده من الملوك

- ‌المهدي بن تومرت:

- ‌ عبد المؤمن

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌العادل:

- ‌المعتصم:

- ‌المأمون ومن ولي بعده إلى نهاية الدولة الموحدية:

- ‌الباب الثانيفي فتح عبد المؤمن للمهدية والبلاد الساحلية بعد استيلاء الافرنج عليها حسبما ذكره ابن الأثير وغيره من أئمة التاريخ

- ‌أسباب احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌هروب الحسن الصنهاجي والتقائه بعبد المؤمن:

- ‌احتلال النرمان لصفاقس والسّاحل:

- ‌انتفاض صفاقس وغيرها من المدن على النرمان:

- ‌عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته:

- ‌الباب الثالثفي ذكر ثوار افريقية على الموحدين

- ‌ثورة بني غانية:

- ‌ثورة محمد بن عبد الكريم الرجراجي:

- ‌يحيى الميورقي يستولي على المهديّة وتونس وغيرهما:

- ‌يحيى الميورقي يستمر في ثورته ويصده عنها النّاصر الموحدي ويفتكّ منه افريقية:

- ‌نهاية قراقوش ويحيى الميورقي بن غانية:

- ‌المقالة التّاسعةفي ذكر دولة بني مرين وبني زيان وبني نصر

- ‌الباب الأولفي ذكر دولة بني مرين بالعدوة

- ‌عبد الحق بن محيو ومن ولي بعده:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو ثابت عامر:

- ‌أبو الربيع سليمان:

- ‌أبو سعيد عثمان:

- ‌أبو الحسن المريني ودخوله إلى تونس:

- ‌أبو عنان وأعماله بافريقية:

- ‌نهاية المرينيين:

- ‌السلطة بالمغرب الأقصى في عصر المؤلف:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بني زيّان ملوك تلمسان

- ‌يغمراسن:

- ‌عثمان ومن ولي بعده:

- ‌أبو تاشفين عبد الرحمان ودخوله تونس:

- ‌نهاية بني زيّان:

- ‌الباب الثالثفي ذكر دولة بني نصر بالأندلس

- ‌المقالة العاشرةفي ذكر دولة بني حفص بأفريقية

- ‌أبو محمد عبد الواحد

- ‌أبو العلا ادريس

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌المستنصر ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌الواثق:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم ابن أبي زكرياء:

- ‌الدّعي ابن أبي عمارة:

- ‌أبو حفص عمر ابن أبي زكرياء:

- ‌أبو عصيدة ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌أبو بكر الشهيد:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو يحيى زكرياء ابن اللحياني:

- ‌ محمّد أبو ضربة

- ‌أبو يحيى أبو بكر:

- ‌وفاة القاضي ابن قدّاح:

- ‌وفاة الفقيه محمد بن عبد الله بن راشد القفصي:

- ‌وفاة الفقيه عبد الله ابن البراء التنوخي:

- ‌وفاة الشّيخ علي بن منتصر الصدفي:

- ‌وفاة الشّيخ أبي حيان:

- ‌أبو حفص عمر بن أبي بكر والتنافس بين الحفصيين:

- ‌عود إلى ذكر تملك أبي الحسن المريني تونس وأعمالها وما وقع له بها:

- ‌الفضل بن أبي بكر:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم بن أبي بكر وابن تافراجين:

- ‌حركة أبي عنان المريني في اتجاه تونس:

- ‌عود إلى ذكر أبي اسحاق ابراهيم وابن تافراجين:

- ‌وفاة ابن تافراجين:

- ‌وفاة القاضي أبي القاسم بن سلمون البياسي:

- ‌وفاة أبي اسحاق ابراهيم:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو العباس أحمد ونزول النصارى بالمهدية:

- ‌أبو فارس عبد العزيز:

- ‌ترجمة الشّيخ ابن عرفة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز داخل افريقية والمغرب:

- ‌نزول النصارى بقرقنة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز بمالطة والمغرب الأوسط:

- ‌نزول النصارى بجربة ومواجهة أبي فارس لهم:

- ‌حركة أخرى بالمغرب الأوسط لأبي فارس ووفاته:

- ‌مزايا أبي فارس:

- ‌أبو عبد الله محمد المنتصر:

- ‌أبو عمرو عثمان ومن توفي في أيامه من المشايخ:

- ‌أبو زكرياء يحيى بن مسعود وعبد المؤمن بن ابراهيم:

- ‌محمد بن الحسن وتغلب النصارى على مواقع من افريقية:

- ‌الحسن بن محمد والتصارع العثماني الاسباني بافريقية:

- ‌درغوث باشا:

- ‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

- ‌محمد الحفصي: نهاية الدولة الحفصية والاستقرار العثماني بتونس:

- ‌تتمة من الناسخ:

الفصل: ‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

وعدّة بلاد من ساحل الشّام لأنه الذي أخذها من المسلمين» (60) حتى قيض الله لنصرة هذا الدين وإعزازه وتطهير هذه الأرض المقدّسة من هذا الرجس على يد الرجلين الصالحين نور الدين المذكور (61) وصلاح الدّين، فانهما استنقذا هذه البلاد من أيدي الكفرة اللئام وطهّر بهما أرض مصر والشّام من بدعة الشّيعة وردّاها للاسلام على طريق السّنة فكانا نورا على نور، وصلاحا على صلاح لإذهابهما فساد ظلمة الكفر وظلمة البدعة، ونشرا نور الدين والسّنة والحق، فهما نور الدين وصلاحه، فطابق اسماهما مسماهما.

‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

ولما بيّنا نور الدين وجب علينا / أن نذكر صلاح الدين وكيفية إماتته البدعة، وفتح بلاد الشّام من أيدي الكفرة اللئام، فنقول (62): «إن صلاح الدّين هو السّلطان الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن أيّوب بن شادي، عزّ الدولة الأيوبية الكردية، وصاحب الدّيار المصرية والبلاد الشّامية والعراقية (63) واليمنية، وهو من بيت كلهم ملوك، أولاده وأخوه الملك العادل، وعمّه أسد الدين شيركوه، ووالده.

واتفق أهل التّاريخ على أن أباه وأهله من دوين بضم الدّال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة تحت وبعدها نون، وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان من جهة أران وبلاد الكرج وأنهم من روّاد (64) بطن من الأكراد، فولد شادي أسد الدين شيركوه ونجم الدّين أيوب، وخرج بهما إلى بغداد» (65).

قال ابن الأثير (66) «كان أسد الدّين شيركوه ونجم الدّين أيّوب، وهو الأكبر، ابنا

(60) من ترجمة الآمر بأحكام الله، الوفيات بتصرف 5/ 300 - 301.

(61)

تألق في الحروب الصّليبية الثانية كما أشرنا.

(62)

بل ينقل عن الوفيات من ترجمة صلاح الدّين 7/ 139.

(63)

في الوفيات: «الفراتية» .

(64)

في الوفيات: «وأنهم أكراد روادية» .

(65)

الوفيات 7/ 139.

(66)

الوفيات 7/ 139 وانظر أيضا الكامل لابن الأثير 11/ 141 في تاريخه الصغير في الدولة الاتابكية، والمؤلف ينقل عنه بواسطة ابن خلكان الوفيات 7/ 141.

ص: 392

شادي من بلد دوين وأصلهما من الأكراد الرّوادية، فقدما العراق، وخدما مجاهد الدّين، فتولى شحنة بالعراق من جهة السّلطان مسعود غياث الدّين محمّد بن ملكشاه السلجوقي.

فرأى مجاهد الدّين في نجم الدّين عقلا ورأيا حسنا فجعله حافظا على قلعة تكريت، وتبعه أخوه أسد الدّين، ثم أخرجهما مجاهد الدّين من تكريت، فقصدا عماد الدّين زنكي فقبلهما وأحسن إليهما، فلمّا فتح عماد الدّين زنكي بعلبك جعل نجم الدّين حافظا عليها فلمّا قتل زنكي حضر نجم الدّين عسكر دمشق / في بعلبك، فلما خاف طلب الصلح وسلّم القلعة، وخرج بالأمان على اقطاع يأخذها من صاحب دمشق مجير الدّين محمد بن بوري بن الأتابك ظهير الدّين طغتكين (67)، وصار عنده من أكبر الأمراء» (68).

«واتصل أخوه أسد الدّين شيركوه بخدمة نور الدّين بعد قتل أبيه زنكي، فقرّبه نور الدّين وأقطعه، وكان يرى منه في الحرب آثارا يعجز عنها غيره لشجاعته وجرأته، فصارت له حمص والرحبة وغيرهما، وجعله مقدم عسكره.

ولمّا ملك نور الدّين محمود بن عماد الدين زنكي دمشق لازم نجم الدّين خدمته ومعه ولده صلاح الدّين، وكانت مخايل السّيادة (69) عليه لائحة، ونور الدّين يرى له ذلك ويؤثره، ومنه تعلّم صلاح الدّين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.

ثم ان شاورا، وزير المعتضد العبيدي صاحب مصر، غلبه على وزارته أبو الأشبال ضرغام (70)، وقتل له ولده علي (71) بن شاور، فتوجه إلى نور الدّين بالشّام، مستغيثا به في رمضان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة (72)، فوجّه معه الأمير أسد الدين شيركوه بن شادي في جماعة من عسكره ومعه ابن أخيه صلاح الدّين في خدمته، وهو كاره للسفر معهم، وكان لنور الدّين في إرسال هذا الجيش غرضان: أحدهما قضاء حق (73) شاور

(67) في الأصول: «طفتكين» والمثبت من الوفيات 7/ 143.

(68)

ينتهي نقل ابن خلكان من ابن الأثير، وبعده يبدأ تأليفه الخاص به، والمؤلف يلخّص ما قاله ابن خلكان.

(69)

في الوفيات: «السعادة» .

(70)

هو ابن عامر اللخمي الملقب فارس المسلمين.

(71)

ولده الأكبر «طيّ بن شاور» الوفيات: 7/ 145.

(72)

أوت 1163 م.

(73)

ساقطة من ت وش.

ص: 393

لكونه استغاث به، والثاني كشف أحوال مصر فانه كان بلغه أنها ضعيفة من جهة الجند، فجعل شيركوه صلاح الدّين مقدم / عسكره، وخرج معهم شاور، فخرجوا من دمشق في جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وخمسمائة (74)، فدخلوا مصر، واستولوا على الأمر في رجب من تلك السنة وقتلوا ضرغاما، وحصل لشاور مقصوده من عدوه لمنصبه، فلمّا تمهّدت قواعده غدر بأسد الدّين شيركوه، واستنجد بالافرنج عليه، وحصروه في بلبيس، وكان أسد الدّين قد شاهد البلاد وعرف أحوالها، وأنها مملكة بغير رجال، تمشي الأمور فيها بمجرد الإيهام (75) والمحال، فطمع فيها، وعاد إلى الشّام في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وخمسين (76)، فأقام بها مدّة مفكّرا في تدبير عوده إلى مصر، محدثا نفسه بالملك لها، مقررا قواعد ذلك مع نور الدّين، إلى سنة اثنتين وستين وخمسمائة (77)، وبلغ شاور حديثه وطمعه في البلاد، فخاف عوده إليها، وعلم أن أسد الدّين لا بدّ له من قصدها، فكاتب الافرنج وقرر معهم أنهم يجيئون إلى البلاد ويمكنهم منها تمكينا كلّيا (78) ليعينوه على استئصال أعدائه.

وبلغ نور الدّين وأسد الدّين مكاتبة شاور للافرنج وما تقرر بينهم، فخافا على الدّيار المصرية أن يملكوها ويملكوا بطريقها جميع البلاد (79)، فتجهز صلاح الدّين في خدمة عمّه أسد الدّين، وكان توجههم من الشّام في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة (80)، فكان وصول أسد الدّين إلى البلاد مقارنا لوصول الافرنج / إليها، واتّفق شاور والمصريّون جميعهم والافرنج على أسد الدّين، فجرت بينهم حروب كثيرة ووقائع شديدة، فانفصل الافرنج عن البلاد وانفصل أسد الدّين أيضا راجعا إلى الشّام، وسبب انفصال الافرنج عن البلاد أن نور الدّين جرّد العساكر إلى بلادهم، وأخذ المنيطرة (81)

(74) مارس - أفريل 1164 م.

(75)

في الأصول: «الأوهام» والمثبت من الوفيات 7/ 147.

(76)

في الأصول: «ثمان وخمسين» والمثبت من ابن خلكان. وعلى ما سبق من نص المؤلف إذ أن دخولهم إلى مصر كان في سنة تسع وخمسين 12 نوفمبر 1164 م.

(77)

1166 - 1167 م.

(78)

في الأصول: «تمليكا» والمثبت من الوفيات.

(79)

يدخل في باب الحرب الصليبية الثانية.

(80)

ديسمبر جانفي 1166 - 1167 م.

(81)

في الأصول: «المعرّة» والمثبت من الوفيات 7/ 147 قال الحموي: «مصغر، بالطاء مهملة حصن بالشام قريب من طرابلس» .

ص: 394

منهم في رجب من هذه السنة، ولمّا علم الافرنج ذلك خافوا على بلادهم فانصرفوا، وسبب انفصال أسد الدّين ضعف عسكره لتعصّب الافرنج والمصريين، فعاين شدائد وأهوالا لكن ما انفصل حتى صالح الافرنج على أن ينفصلوا كلّهم عن مصر، فعاد إلى الشّام في بقية السنة، وقد انضاف إلى قوة الطمع في الديار المصرية شدّة الخوف عليها من الافرنج لعلمه بأنهم قد كشفوها كشفا وعرفوها كما عرفها هو، فأقام بالشّام على مضض وقلبه قلق، والقضاء يسوقه إلى شيء قدّر لغيره، وهو لا يشعر بذلك، وكان عوده في ذي القعدة من هذه السنة إلى الشّام، وقيل في ثامن عشر (82) شوال.

ثم إن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم (83) وخرجوا يريدون الدّيار المصرية ناكثين جميع ما استقرّ مع المصريين وأسد الدّين طمعا في البلاد، فلمّا بلغ ذلك أسد الدّين ونور الدّين لم يسعهما الصّبر دون أن يسارعا إلى قصد البلاد، أما نور الدّين فبالمال والرجال، ولم يمكنه المسير بنفسه خوفا على البلاد من الافرنج، وأما أسد الدّين فسار بنفسه / وماله وإخوته ورجاله، قال السّلطان صلاح الدّين: كنت أكره النّاس للخروج في هذه الوقعة، وما خرجت مع عمّي باختياري، وهذا معنى قوله تعالى {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (84).

ثم إن شاور لمّا أحسّ بخروج الافرنج [إلى مصر] على تلك القاعدة أرسل إلى أسد الدّين شيركوه يستصرخه ويستنجده، فخرج مسرعا، وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وخمسمائة (85)، ولمّا علم الافرنج بوصول أسد الدّين إلى مصر باتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين وعلى أعقابهم ناكصين، وأقام أسد الدّين بها يتردد إليه شاور في الأحيان، وكان وعدهم بمال في مقابلة ما خسروه من النّفقة، فلم يوصل إليهم شيئا، وعلقت مخالب أسد الدّين في البلاد، وعلم أنه متى وجد الافرنج رخصة أخذوا البلاد، وأن شاور يلعب به تارة وبالافرنج أخرى، وكان ملوكها على البدعة المشهورة، وتحقّق أسد الدّين أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور، فأجمع رأيه على القبض عليه اذا خرج إليه، وكان الأمراء الواصلون مع أسد الدّين

(82) في الأصول: «ثاني» والمثبت من الوفيات 7/ 148.

(83)

في ت: «أرجلهم» .

(84)

سورة البقرة: 214.

(85)

ديسمبر - جانفي 1168 - 1169 م.

ص: 395

يترددون إلى خدمة شاور، وهو يخرج في الأحيان إلى أسد الدّين فيجتمع به، وكان يركب على عادة وزرائهم بالطّبل والبوق والعلم، ولم يتجاسر على قبضه أحد من الجماعة إلاّ السّلطان بنفسه، وذلك أنه / لمّا سار إليهم تلقّاه راكبا وسار إلى جانبه وأخذ يحادثه، وأمر العساكر أن يقصدوا أصحابه، ففروا ونهبهم (86) العسكر وأنزل شاور في خيمة منفردة، وفي الحال ورد توقيع على يد خادم خاص من جهة المصريين يقولون:«لا بدّ من رأسه» ، جريا على عادتهم في وزرائهم، فجزّ رأسه وأرسله اليهم، وأرسلوا إلى أسد الدّين خلع الوزارة فلبسها، وسار ودخل القصر وترتب وزيرا، وذلك بسابع عشر ربيع الأول سنة أربع وستين وخمسمائة (87) وراح آمرا ناهيا، والسّلطان صلاح الدّين رحمه الله يباشر الأمور مقررا لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة (88). فمات أسد الدّين بعلة الخوانيق، ودفن بدار الوزارة ثم نقل إلى المدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - وكانت مدة وزارته شهرين وخمسة أيام، وقيل إنه سمّ في صكّ الوزارة.

فلما مات استقرت الأمور للسّلطان صلاح الدّين، وتمهّدت القواعد، ومشى الحال على أحسن الأوضاع وبذل الأموال، وملك قلوب الرّجال، وهانت عنده الدّنيا فملكها، وكان سنّي المذهب، ممارسا لأهل السّنة مجانبا للبدعة التي عليها ملوك مصر الشّيعة، وقصده النّاس من كلّ صوب فلا يخيّب قاصدا إلى سنة خمس وستين وخمسمائة (89).

فلمّا عرف السلطان / نور الدّين استقرار صلاح الدّين بمصر أخذ حمص من نوّاب أسد الدّين شيركوه في رجب سنة أربع وستين (90).

ولمّا علم الافرنج ما جرى من المسلمين وعساكرهم وما تمّ للسلطان من استقامة الأمر بالديار المصرية، علموا أنه يملك بلادهم ويقلع (91) آثارهم، لما حدث له من القوة والملك فاجتمع الافرنج والرّوم جميعا وقصدوا الدّيار المصرية، وقصدوا دمياط

(86) في الأصول: «وتبعهم» والمثبت من الوفيات 7/ 149.

(87)

19 ديسمبر 1168 م.

(88)

الوفيات: 7/ 151.

(89)

1169 - 1170 م.

(90)

أفريل 1169 م.

(91)

في ش: «يقطع» .

ص: 396

ومعهم آلات الحصار وما يحتاجون إليه من العدد، ولمّا سمع افرنج الشّام ذلك اشتدّ أمرهم، فأخذوا حصن عكا من المسلمين وأسروا صاحبها، وهو مملوك لنور الدين يقال له خطلخ العلم دار، وذلك في شهر ربيع الآخر من سنة خمس وستين (92) ولمّا رأى نور الدّين ظهور الافرنج ونزولهم على دمياط قصد شغل قلوبهم، فنزل على الكرك محاصرا لها في شعبان من السّنة المذكورة، فقصده افرنج السّاحل فرحل عنها وقصدهم، فلم يقفوا له

ولمّا بلغ صلاح الدّين قصد الافرنج دمياط استعد لهم بتجهيز الرّجال وجمع الآلات إليها، ووعدهم بالإمداد بالرجال ان نزلوا عليها، وبالغ في العطايا والهبات وكان وزيرا متحكّما لا يرد أمره في شيء، ثم نزل الافرنج عليها، واشتدّ زحفهم وقتالهم عليها، وهو رحمه الله يشنّ الغارات من خارج، والعساكر تقاتلهم من داخل، ونصر الله المسلمين به وبحسن تدبيره، / فرحلوا عنها خائبين خائفين (93)، فأحرقت مجانيقهم، ونهبت آلاتهم، وقتل من رجالهم خلق كثير، واستقرّت قواعد صلاح الدّين، وأرسل يطلب والده نجم الدّين أيّوب ليتمّ له السرور وتكون قصته مشاكلة لقصة يوسف عليه السلام فوصل إليه والده في جمادى الآخرة من سنة خمس وستين (94)، وسلك معه من الأدب ما جرت به عادته، وألبسه الأمر كلّه، فأبى أن يلبسه، وقال:«يا ولدي ما اختارك الله تعالى لهذا الأمر الا وأنت كفء له، ولا ينبغي أن يغير موضع السعادة» فحكّمه في الخزائن كلها (95).

وثبت قدم صلاح الدّين ورسخ ملكه، وهو نائب عن نور الدّين، والخطبة لنور الدّين في البلاد كلّها، لا يتصرّفون الا عن أمره، وكان نور الدّين يكاتب صلاح الدّين ولا يفرده (96)، بل يكتب للأمير صلاح الدّين وكافة الأمراء بالدّيار المصرية يفعلون كذا وكذا، واستمال صلاح الدّين قلوب النّاس، وبذل الأموال ممّا كان قد جمعه عمّه أسد الدّين، فمال النّاس إليه وأحبوه، وقويت نفسه على القيام بهذا الأمر والثّبات فيه، وضعف أمر العاضد العبيدي صاحب مصر ذلك الوقت.

(92) ديسمبر جانفي 1169 - 1170 م.

(93)

عن نزول الإفرنج دمياط ومحاربة صلاح الدّين لهم أنظر ابن الأثير 11/ 351.

(94)

فيفري - مارس 1170 م.

(95)

الوفيات 7/ 153.

(96)

ينعته بالاصفهسلار أو الاسفهسلار أي مقدم العسكر. الوفيات 7/ 155.

ص: 397

قال ابن الاثير (97)«قد اعتبرت التواريخ فرأيت كثيرا من التّواريخ الاسلامية، فرأيت كثيرا ممّن يبتدئ الملك تنتقل الدولة عن صلبه إلى بعض أهله وأقاربه، منهم بنو مروان انتقلت إليهم الدولة من بني عمّهم، ثم بعده السّفاح أول من ملك من بني / العبّاس، انتقل الملك من أعقابه إلى أخيه المنصور، ثم يعقوب الصّفار هو أول من ملك من أهل بيته، فانتقل الملك عنه [إلى أخيه عمرو وأعقابه ثم عماد الدولة بن بويه أول من ملك من أهل بيته ثم انتقل الملك عنه] (98) إلى أخويه ركن الدّولة ومعزّ الدّولة، ثم السّلجوقية أول من ملك منهم طغرل بك، ثم انتقل الملك إلى أولاد أخيه داود، ثم شيركوه هذا - كما ذكرنا - انتقل الملك عنه إلى ولد أخيه نجم الدّين أيّوب، ولولا خوف الاطالة لذكرنا أكثر من هذا، والذي أظنّه السبب في ذلك أن الذي يكوّن أول دولته يكثر القتل فيأخذ الملك وقلب الذي كان فيه متعلق به، فلهذا يحرم الله تعالى أعقابه ويفعل ذلك عقوبة له لأجلهم» .

ثم أرسل صلاح الدّين يطلب من نور الدّين إخوته فلم يجبه إلى (99) ذلك، وقال:

أخاف أن يخالف أحد منهم عليك فتفسد البلاد.

ثم ان الافرنج اجتمعوا ليسيروا إلى مصر (100)، فأرسل نور الدّين العساكر وفيهم أخوة صلاح الدّين، منهم شمس الدّولة توران شاه بن أيوب - وهو أكبر من صلاح الدّين - فلمّا أراد المسير قال له نور الدّين: إن كنت تسير إلى مصر وتنظر إلى أخيك أنه يوسف الذي كان يقوم في خدمتك وأنت قاعد، فلا تسر فإنك تفسد البلاد، وأحضرك حينئذ وأعاقبك بما تستحقه وإن كنت تنظر إليه أنه صاحب مصر وقائم مقامي وتخدمه بنفسك كما تخدمني فسر إليه، واشدد أزره / وساعده على ما هو بصدده، قال:

أفعل معه من الطاعة والخدمة ما يتصل بك - إن شاء الله تعالى -، فكان معه كما قال.

(97) لم ينقل عنه مباشرة وانما بواسطة ابن خلكان 7/ 155 - 156، وأنظر ابن الأثير، الكامل 11/ 129 تحت عنوان: ذكر ملك صلاح الدّين مصر.

(98)

ساقطة من الأصول والاضافة من الوفيات 7/ 156.

(99)

وقال ابن الأثير في الكامل 11/ 129: «فأرسلهم إليه وشرط عليهم طاعته والقيام بأمره ومساعدته وكلهم فعل ذلك» .

(100)

يدخل في باب الحروب الصّليبية الثانية.

ص: 398

وفي المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة (101) قطعت خطبة العاضد صاحب مصر، وخطب فيها للامام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين، وسبب ذلك أن صلاح الدّين لما ثبّت قدمه في مصر وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه نور الدّين يأمره بقطع خطبة العاضد واقامة الخطبة العبّاسية، فاعتذر صلاح الدّين بالخوف من وثوب أهل مصر، وامتناعهم عن الاجابة إلى ذلك لميلهم إلى دولة المصريين، فلم يصغ نور الدّين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاما لا فسحة فيه، واتّفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدّين قد عزم على قطع الخطبة، فاستشار أمراءه كيف الابتداء بالخطبة [العباسية] فمنهم من أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك الا أنه لا يمكنه الا الامتثال لأمر نور الدّين، وكان قد دخل إلى مصر رجل أعجمي (102)، فلمّا رآى ما هم فيه من الإحجام قال: أنا أبتدئ بها، فلمّا كان أول جمعة من المحرّم صعد المنبر قبل الخطبة، ودعا للامام المستضيء بأمر الله [فلم ينكر أحد ذلك، فلمّا كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدّين الخطباء بمصر والقاهرة بقطع خطبة العاضد واقامة الخطبة للمستضيء بأمر الله](103) ففعلوا ذلك، فلم ينتطح فيها عنزان، وكتب بذلك إلى سائر البلاد المصرية. وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أهله وأصحابه بذلك، / وقالوا: إن سلم فهو يعلم وان توفي فلا ينبغي أن ننغص عليه هذه الأيام التي بقيت من أجله، فتوفي يوم عاشوراء [ولم يعلم].

ولمّا توفي جلس صلاح الدّين للعزاء، واستولى على قصره وجميع ما فيه، وكان قد رتّب فيه قبل وفاة العاضد بهاء الدين قراقوش وهو خصي يحفظه، وحفظ ما فيه حتى تسلّمه السّلطان صلاح الدّين، ونقل أهل العاضد إلى مكان منفرد، ووكل بحفظهم وجعل أولاده وعمومته وأبناءهم في ايوان القصر، وجعل عندهم من يحفظهم وأخرج من كان فيه من العبيد، فأعتق البعض، ووهب البعض، وأخلى القصر من ساكنه وأهله، فسبحان من لا يزول ملكه، ولا يغيره الأعصار وممر الليل والنهار، وتقلّبات الفلك الدوّار، واختار من ذخائر القصر ما أراد، ووهب أهله وأمراءه، وباع منه كثيرا، وكان فيه من الجواهر والأعلاق النّفسية ما لم يكن عند ملك من الملوك، قد جمع على طول

(101) سبتمبر - أكتوبر 1171 م.

(102)

يعرف بالأمير العالم، قال ابن الأثير:«قد رأيناه كثيرا بالموصل» الوفيات 7/ 157.

(103)

ساقطة في الأصول وهي اضافة يقتضيها السياق من نفس المرجع.

ص: 399

السّنين وممرّ الدّهور، فمن ذلك قضيب الزّمرد، طوله نحو قصبة ونصف، والحبل الياقوت وغيرهما، ومن الكتب المنتخبة بالخطوط المنسوبة والخطوط الجيدة نحو مائة ألف مجلد.

ولمّا خطب للمستضيء بأمر الله بمصر أرسل إليه نور الدّين وعرّفه بذلك، فحل عند المستضيء أعظم محل، وسيّر إليه الخلع الكاملة مع عماد الدّين صندل إكراما له، لأن عماد الدّين كان كبير المحل في الدولة / العبّاسية، وكذلك أيضا سيّر خلعا لصلاح الدّين، الا أنها أقل من خلع نور الدّين، وسيّرت الأعلام [السود](104) لتنصب على المنابر، وكانت هذه أعظم أبهة (105) عباسية دخلت مصر بعد استيلاء العبيديين عليها (106).

وفي سنة ثمان وستين وخمسمائة (107) أخرج العساكر يريد بلاد الكرك والشّوبك وبدأ بها لأنها كانت أقرب إليه، وكانت في الطريق تمنع من يقصد الدّيار المصرية، وكان لا يمكن أن تسير قافلة حتى يخرج هو بنفسه يعبّرها (108)، فأراد توسيع الطريق وتسهيلها، فحاصرها في هذه السّنة، وجرى بينه وبين الافرنج وقعات، وعاد ولم يظفر منها بشيء، ولمّا عاد بلغه وفاة والده نجم الدّين أيّوب قبل وصوله إليه، ولمّا كانت سنة تسع وستين (109)، رأى قوة عسكره وكثرة عدده، وكان بلغه باليمن انسان استولى عليها وملك حصونها، يسمى عبد النّبي بن مهدي (110)، فأرسل أخاه توران شاه فقتله، وأخذ البلاد منه، ثم توفي نور الدّين سنة تسع وستين وخمسمائة (111) - كما تقدّم -.

وبلغ صلاح الدّين أن انسانا يقال له «الكنز» جمع بأسوان خلقا كثيرا من السّودان وزعم أنه يعيد الدّولة المصرية، وكان أهل مصر يؤثرون عودها، فانضافوا إلى «الكنز» المذكور فجهّز إليه صلاح الدّين جيشا كثيفا وجعل مقدمه أخاه الملك العادل، وساروا

(104) اضافة من الوفيات 7/ 159، والسّواد هو اللون الذي اختاره العباسيون لهم.

(105)

في الوفيات: «أول أهبة» 7/ 159.

(106)

المؤلف تابع لابن خلكان عن قطع الخطبة للعاضد واقامتها للمستضيء العباسي، وهو ينقل بتصرف عن شيخه ابن الأثير، وانظر ابن الأثير: الكامل 11/ 368 - 369.

(107)

1172 - 1173 م.

(108)

في ش: «يغفر» وفي ت وط: «يغفرها» والمثبت من الوفيات 7/ 164.

(109)

1173 - 1174 م.

(110)

في الأصول: «مهري» والمثبت من الوفيات 7/ 165.

(111)

1173 م - 1174 م.

ص: 400

فالتقوا بهم وكسروهم، وذلك سابع صفر سنة سبعين وخمسمائة (112)، واستقرّت له قواعد الملك / واحتوى على الشّام بأسره، وعلى حلب، وعبر الفرات، وملك ما هناك وقهر الملوك، وافتك البلاد من أمرائها ممّن ناوءه وحاربه. ثم بعد تمهيد البلاد، وتطويع العباد رجع إلى مصر لتفقّد أحوالها، وكان مسيره إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة (113) وكان أخوه شمس الدّولة توران قد وصل إليه من اليمن فاستخلفه بدمشق ثم تأهب للغزو (114) وخرج يطلب السّاحل حتى وافى الافرنج على الرّملة (115) وذلك في أول (116) جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين (117)، فكانت الوقعة عليه، ولم يحصل له فتح، فرجع إلى مصر، وأقام بها حتى لمّ شعثه وشعث أصحابه (118)، فلمّا كانت سنة ثلاث وثمانين (119) وسط يوم الجمعة كانت وقعة حطّين المباركة على المسلمين، وكان كثيرا ما يقصد لقاء العدو في يوم الجمعة عند الصّلاة تبركا بدعاء المسلمين، في الخطب على المنابر، فسار في ذلك الوقت بمن اجتمع له من العساكر الاسلامية، وكانت تفوت العدّ والحصر على تعبئة حسنة وهيئة جميلة، وكان قد بلغه عن العدو أنه اجتمع في عدد كثير بمرج صفّوريّة بأرض عكّا عندما بلغهم اجتماع العساكر الاسلامية، فسار ونزل على بحيرة طبريّة على سطح الجبل ينتظر قصد الافرنج له، اذ بلغهم نزوله بذلك الموضع يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر ربيع الآخر، فلمّا رآهم / لا يتحركون تحرك جريدة

(112) 7 سبتمبر 1174 م.

(113)

سبتمبر - أكتوبر 1176 م.

(114)

في الوفيات: «للغزاة» .

(115)

«لم يكن صلاح الدّين أثناء توسّع مملكته وتوطيد أركانها متجها كليا إلى محاربة الصّليبيين بل كانت تقع بينه وبينهم مناوشات وكان مع البعض هدنة ومسالمة، وفي سنة 58/ 1186 م اعتدى أرناط Renaude de Chatillon) صاحب الكرك على قافلة تجارية تابعة لصلاح الدّين فكان هذا الإعتداء الشرارة الأولى لاندلاع الحروب التي شنّها صلاح الدّين ضدّ الصليبيين والتي أذاقهم فيها الأمرين وذاع اسمه في أوروبا على ممر الأجيال ويعرف عندهم بصلادين (Saladin) .

وحروب صلاح الدّين مع الافرنج تدخل في باب الحروب الصّليبية الثالثة. أنظر على سبيل المثال الحروب الصّليبية في الشرق والغرب، ص: 83 - 84.

(116)

في الوفيات: «أوائل» .

(117)

في الأصول: «ثمان وسبعين» والمثبت من الوفيات 7/ 168. 26 أكتوبر 1177 م وانظر الكامل لابن الأثير 11/ 442 - 443.

(118)

انظر الوفيات 7/ 168.

(119)

1187 - 1188 م.

ص: 401

على طبريّة، وترك الأطلاب (120) على حالها قبالة العدو، ونازل طبريّة وهجمها فأخذها في ساعة واحدة، وانتهب النّاس ما بها، وأخذوا في القتل والسبي، وبقيت القلعة محتمية بمن فيها.

ولمّا بلغ العدو ما وقع بطبريّة قلقوا ورحلوا نحوها ولحقوا بالعسكر، والتقى بالعدو على سطح جبل طبريّة الغربي منها، وذلك في يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر، وحال الليل بين العسكرين فناما على مصاف، إلى بكرة يوم الجمعة الثالث (121) والعشرين منه، وركب العسكران وتصادما، والتحم القتال، واشتدّ الأمر، وذلك بأرض قرية ب «لوبين» (122) وضاق الخناق بالعدو وهم سائرون {كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} (123)، وقد أيقنوا بالويل والثبور، وأحست نفوسهم أنهم في غد يومهم من زوار القبور، ولم تزل الحرب تضطرم، والفارس مع قرينه يصطدم، ولم يبق الا الظفر ووقوع الويل والوبال على من كفر، فحال بينهما الليل بظلامه، وبات كل واحد من الفريقين بمقامه، وتحقّق المسلمون أن من ورائهم الأردن ومن بين أيديهم بلاد العدو، وأنهم لا ينجيهم الا الجهاد بالحزم والاجتهاد فحملت أطلاب المسلمين من جميع الجوانب، وحمل القلب، وصاحوا صيحة رجل واحد (124) فألقى الله الرّعب في قلوب الكافرين، وكان حقا عليه نصر المؤمنين، ولمّا أحس القومص (125) بالخذلان هرب منهم في أوائل الأمر / وقصد جهة صور، فتبعه جماعة من المسلمين، فنجا منهم، وكفى الله شرّه، وأحاط المسلمون بالكافرين من كل جانب، وأطلقوا عليهم السّهام، وحكّموا فيهم السّيوف، وسقوهم كأس الحتوف، وانهزمت طائفة منهم بتلّ يقال له تلّ حطين (126)، وهي قرية عندها قبر النّبي شعيب عليه السلام فضايقهم المسلمون وأشعلوا حولهم النّيران، واشتدّ بهم العطش وضاق بهم الأمر، حتى كانوا يستسلمون

(120) في الأصول: «أطناب» والمثبت من الوفيات 7/ 174 وممّا يوجد في نص المؤلف فيما بعد.

(121)

كذا في ط وفي الوفيات 7/ 175، وفي ش وت:«الثاني» .

(122)

في الأصول والوفيات: «لوبيا» والصواب ما أثبتناه.

(123)

سورة الأنفال: 6.

(124)

«الله أكبر» .

(125)

في الكامل: «قمص» 11/ 535 وهو تحريف للكلمة اللاتينية «Comes» ومعناه في مصطلح العصور الوسطى الأروبية حاكم القلعة وحارسها، وقومص طرابلس إذ ذاك هو الكونت (Comte) ريموند (Raymond) الثالث آخر حكام طرابلس من الأسرة التولوزية، انظر تاريخ طرابلس 1/ 508.

(126)

عن هذه الواقعة، انظر الكامل 11/ 535 - 536.

ص: 402

للأمر خوفا من القتل، فأسّر مقدّموهم، وقتل الباقون، وكان ممّن أسّر من مقدّميهم الملك جفري (127) وأخوه البرنس (128) أرناط (129) صاحب الكرك والشّوبك، وابن الهيفري (130) وابن صاحب طبريّة ومقدم الدّاوية (131)، وصاحب جبيل ومقدّم الاسبتارية (132) قال ابن شدّاد (133)«ولقد حكى لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيّف وثلاثون أسيرا قد ربطهم بطنب خيمة لما وقع عليهم من الخذلان» .

ثم ان القومص الذي هرب في أول الأمر وصل إلى طرابلس (134) وأصابه ذات الجنب فهلك منها، وأما مقدم الاسبتارية (135) والدّاوية فان السّلطان قتلهما، وقتل من بقي من صنفهما حيّا (136)، وأما البرنس (137) أرناط فان السّلطان كان قد نذر أنه إن ظفر به قتله، وذلك لأنه كان قد / عبر به بالشّوبك قوم من الدّيار المصريّة في حال الصّلح فغدر بهم وقتلهم، فناشدوه الصّلح الذي بينه وبين المسلمين، فقال ما يتضمّن الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم وبلغ ذلك السّلطان فحملته حميّة دينيّة على أن نذر دمه.

ولما فتح الله عليه بنصره جلس في دهليز الخيمة لأنها لم تكن نصبت بعد، وعرضت عليه الأسارى، ونصبت له الخيمة فجلس بها شاكرا الله تعالى على ما أنعم عليه، فاستحضر الملك جفري وأخاه والبرنس (137) أرناط، وناول الملك جفري شربة من

(127) Geoffri de Lusignan ، الوفيات 7/ 176.

(128)

في الأصول: «برقش» والمثبت من الوفيات 7/ 176 وهي تحريف لكلمة «Prince» ومعناها الأمير.

(129)

هو «Renaud de Chatillon» .

(130)

«Humphray» .

(131)

ومن يكتبها الديوية وتشير إلى فرسان المعبد (Les Templiers) وقد أنشأت ونظم قانونها منذ استقرار الصليبية الأولى.

(132)

في الأصول: «الاستبار» وفي بعض المراجع كتبت «استبارية» والمثبت من تاريخ طرابلس 1/ 516 وغيره والاسبتارية تعني (Les Hospitaliers) ويرجع تأسيسها إلى ما قبل الحروب الصليبية الأولى عندما طلب جماعة من تجار مدينة أمالفي الايطالية من الخليفة الفاطمي المستنصر معد سنة 440 - 1048 أن يسمح لهم بإقامة دير وبيمرستان (Hopital) ببيت المقدس على أن يكون مأوى وملجأ للحجاج النصارى للإقامة والعلاج أثناء زيارتهم لبيت المقدس «الحروب الصّليبية» المرجع السابق، ص: 96 - 97.

(133)

ينقل عنه بواسطة ابن خلكان.

(134)

أنظر تاريخ طرابلس 1/ 532 - 533.

(135)

في الأصول «الاستبار» .

(136)

في الأصول: «صفهما طبرا» والمثبت من الوفيات 7/ 176.

(137)

في ش وط: «برقش» وفي ت: «برتقش» والمثبت من الوفيات.

ص: 403

حلاب بثلج فشرب منها، وكان على أشد ما يكون من العطش، ثم ناولها البرنس (137) وقال السلطان للترجمان: قل للملك أنت الذي سقيته أو أنا الذي سقيته، وكان من عادة العرب وكريم أخلاقهم أن الأسير اذا أكل وشرب من مال الذي أسّره أمن، فقصد السّلطان بقوله ذلك، ثم أمر بمسيرهم إلى موضع عيّنه لهم، فأكلوا شيئا ثم عادوا بهم، ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم، وأقعد الملك في دهليز الخيمة، واستحضر البرنس أرناط وأوقفه بين يديه وقال له: ها أنا أنتصر لمحمّد منك ثم عرض عليه الاسلام فلم يفعل، فسل عليه المنشا (138) وضربه بها فحلّ كتفه وتمم قتله من حضر، وأخرجت جثّته ورميت على باب الخيمة /. فلما رآه الملك جفري على تلك الحال لم يشكّ أنه يلحقه به، فاستحضره وطيّب قلبه، وقال له: لم تجر عادة الملوك أن يقتلوا الملوك، وأما هذا فانه تجاوز الحدّ على الأنبياء - عليهم صلوات الله وسلامه - وبات النّاس في تلك الليلة على أتم سرور ترتفع أصواتهم بحمد الله تعالى وشكره وتهليله وتكبيره، حتى طلع الفجر، ثم نزل السلطان على طبريّة يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر، وتسلم قلعتها في ذلك النهار، وأقام عليها إلى يوم الثلاثاء.

ثم رحل عنها طالبا عكّا فكان نزوله عليها يوم الأربعاء سلخ شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين (139) فأخذها واستنقذ من فيها من المسلمين الأسارى، وكانوا أكثر من أربعة آلاف أسير، واستولى على ما فيها من الأموال والذّخائر والبضائع لأنها كانت مظنّة التجّار، وتفرّقت العساكر في بلاد السّاحل يأخذون الحصون والقلاع والأماكن المنيعة، فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفّورية (140) والنّاصرة (141)، وكان ذلك لخلوّها من الرجال لأن القتل والأسر أفنى كثيرا منهم. ولمّا استقرت قواعد عكّا وقسّم أموالها وأساراها سار يطلب تبنين (142) فنزل عليها يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى، وهي قلعة منيعة، فنصب عليها المجانيق وضيّق بالزحف خناق / من بها، وكان فيها أبطال معدودون، وفي دينهم متشددون، فقاتلوا قتالا شديدا، ونصر الله سبحانه وتعالى

(137) في ش وط: «برقش» وفي ت: «برتقش» والمثبت من الوفيات.

(138)

في الأصول: «النهجاة» .

(139)

8 جويلية 1187، وفي الأصول:«مستهل جمادى الأولى» وهو اليوم الذي قاتلها فيه، انظر الوفيات 7/ 177 وتاريخ طرابلس 1/ 533.

(140)

في الأصول: «سفوريا» .

(141)

في الأصول: «الناصرية» .

(142)

في الأصول: «سنا» والمثبت من الوفيات 7/ 177 ومعجم البلدان 2/ 14.

ص: 404

المسلمين عليهم، فتسلّمها منهم يوم الأحد ثامن عشر [جمادى أولى] عنوة (143)، وأسر من بقي فيها بعد القتل، ثم رحل عنها إلى صيدا (144) في يوم الأربعاء، وأقام عليها ريثما قرّر قواعدها، وسار حتى أتى بيروت فنازلها ليلة الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى وركّب عليها المجانيق، وداوم الزحف والقتال حتى أخذها في (يوم الخميس وهو التاسع)(145) والعشرين من الشهر المذكور وتسلم أصحابه جبيل (146) وهو على بيروت.

ولمّا فرغ؟؟؟ اله من هذا قصد عسقلان، ولم ير (147) الاشتغال بصور بعد أن نزل عليها، ثم رأى أن العسكر تفرّق بالساحل، وذهب كلّ واحد منهم يحصل لنفسه (محلا)(148) وكانوا قد ضجروا من القتال، وملازمة الحرب والنّزال، وكان قد اجتمع في صور من بقي في السّاحل من الافرنج فرأى أن قصده عسقلان أولى لأنها أيسر من صور، فنزل عسقلان يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة من السنة (149)، وأقام عليها إلى أن تسلّم أصحابه غزة وبيت جبريل والنطرون بغير قتال. وكان بين فتح عسقلان وأخذ الافرنج لها من المسلمين خمس وثلاثين سنة، فإنهم كانوا أخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الآخرة / سنة ثمان وأربعين وخمسمائة (150).

ولمّا تم تسلّم عسقلان والأماكن المحيطة بالقدس شمّر عن ساق الجدّ والاجتهاد في قصد القدس المبارك، واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرّقة في السّاحل فسار (151) نحوه معتمدا على الله تعالى مفوضا أمره إليه تعالى [منتهزا الفرصة] في فتح باب الخير الذي حث عليه صلى الله عليه وسلم بقوله «من فتح له باب خير فلينتهزه فانه لا يعلم متى يغلق دونه» (152) وكان نزوله عليه يوم الأحد الخامس عشر من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة (153).

(143) في الأصول: «قعدة» والمثبت من الوفيات 7/ 177.

(144)

ومثل صيدا أخذ الناصرة، وقيسارية، وحيفا، ومعليا، والسقيف، والتولع، والطور، وسبسطية، ونابلس، ويافا، وصرخد، أنظر تاريخ طرابلس 1/ 533.

(145)

في الأصول: «في اليوم الخامس وهو السابع» .

(146)

في الأصول: «جنبلا» قال ياقوت: «بلد مشهور شرقي بيروت» 2/ 109.

(147)

في الأصول «يزل» والمثبت من الوفيات 7/ 178.

(148)

زائدة عن الوفيات.

(149)

في يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور.

(150)

19 سبتمبر 1153 م.

(151)

في الأصول: «فساروا نحوه معتمدين» .

(152)

لم نجد لهذا الحديث ذكرا في كتب السّير.

(153)

20 سبتمبر 1187 م.

ص: 405

وكان نزوله بالجانب الغربي، وكان مشحونا بالمقاتلة من الخيّالة والرّجالة، وحزر (154) أهل الخبرة من كان به من المقاتلة فكانوا يزيدون على ستين ألفا غير النّساء والصّبيان، ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشّمالي يوم الجمعة العشرين من رجب، ونصب عليه المجانيق، وضايق البلد بالزّحف والقتال حتى أخذ في نقب السور ممّا يلي وادي جهنم، ولمّا رأى أعداء الله ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع له عنهم، وظهرت لهم امارات فتح المدينة وظهور المسلمين عليهم، وكانوا قد اشتدّ روعهم على أبطالهم وحماتهم من القتل والأسر وعلى حصونهم من التّخريب والهدم، وتحققوا أنهم صائرون إلى ما صار أولائك إليه، فاستكانوا وأخلدوا (155) إلى طلب الأمان، واستقرت القاعدة بالمراسلة / من الطائفتين فكان تسليمه (156) يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب، وكانت ليلة المعراج المنصوص عليها في القرآن الكريم، فانظر إلى هذا الاتّفاق العجيب كيف يسّر الله تعالى عوده إلى المسلمين في مثل زمان الاسراء بنبيهم صلى الله عليه وسلم وهذه علامة قبول الله تعالى لهذه الطّاعة، وكان فتحا عظيما شهده من أهل العلم [خلق](157)، وأرباب الخرق والزهد عالم كبير، وذلك أن الخلق (158) لمّا بلغهم ما يسّر الله على يد هذا الرجل الصالح من فتوح الساحل وقصده القدس، قصده العلماء من مصر والشّام، بحيث لم يتخلّف أحد منهم، وارتفعت الأصوات بالضّجيج والدّعاء والتّهليل والتكبير، وصليت (159) فيه الجمعة يوم فتحه - وخطب الخطيب [وقيل إن الخطبة أقيمت يوم الجمعة](160) في رابع شعبان، ونكّس الصّليب الذي كان على قبّة الصّخرة، وكان شكلا عظيما، ونصر الله الاسلام، وكان استيلاء الافرنج عليه يوم الجمعة الثالث والعشرين من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة (161) وقيل في ثاني شعبان وقيل يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر

(154) في الأصول: «حذر» .

(155)

في بعض نسخ الوفيات: «أخذوا» .

(156)

أي القدس الشريف.

(157)

اضافة من الوفيات.

(158)

في الوفيات: «الناس» .

(159)

عن ابن شداد عزّ الدّين أبو عبد الله محمد بن علي (توفي 684/ 1285 م) الذي ينقل عنه ابن خلكان.

(160)

ابن خلكان عن القاضي الفاضل انظر الوفيات 7/ 179.

(161)

14 جويلية 1099 م، وفي ضبط استيلاء الافرنج عليها في 22 شعبان انظر تاريخ طرابلس 1/ 395، وفي التوفيقات الالهامية 21 شعبان 1/ 524.

ص: 406

رمضان من تلك السنة، ولم يزل بأيديهم حتى استنقذه السّلطان صلاح الدّين في التاريخ المذكور، فتكون مدة بقائه في أيديهم احدى وتسعين سنة.

وكانت قاعدة (162) الصّلح بينهم أنهم قطعوا على أنفسهم عن كلّ رجل عشرين دينار، وعن كل امرأة خمس دنانير صورية / وعلى كلّ صغير ذكرا كان أو أنثى دينارا واحدا، فمن أحضر قطيعته نجا والا أخذ أسيرا، وأفرج عمّن كان بالقدس من أسارى المسلمين، وكانوا خلقا كثيرا، وأقام به يجمع الأموال ويفرّقها على الأمراء والرّجال، ويحبو بها الفقهاء والعلماء والزّهّاد والوافدين عليه، ويقوم بايصال من قام بقطيعته (163) إلى مأمنه، وهي مدينة صور، ولم يرحل عنه ومعه من المال الذي جبي له شيء، وكان يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألفا، وكان رحيله عنه يوم الجمعة الخامس والعشرين من شعبان من تلك السنة.

ولمّا فتح القدس حسن عنده فتح صور وعلم ان أخّرها ربما عسر عليه فتحها، فسار نحوها حتى أتى عكا (164) فنزلها ونظر في أمورها، ثم رحل عنها متوجها إلى صور يوم الجمعة خامس شهر رمضان، فنزل قريبا منها، وأرسل لاحضار آلات القتال وضايقها، واستدعى أسطول مصر، فكان يقاتلها في البر والبحر، ثم خرج أسطول صور ليلا فكبس على أسطول المسلمين، فأخذوا المقدم والريّس وخمس قطع للمسلمين، وقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين في السابع والعشرين من الشهر، فعظم ذلك على السّلطان، وكان الشّتاء قد هجم وتراكمت الأمطار، فجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بالرّحيل ليستريح الرّجال، ويجتمعوا للقتال / فرحل عنها، وحمل من الآلات المعدّة للحصار ما أمكن حمله، وحرق ما عجز عن حمله لكثرة الوحل والمطر، فرحل يوم الأحد ثاني ذي القعدة من تلك السنة، وتفرّقت العساكر، وأعطى كل طائفة منهم دستورا، وسار كل قوم إلى بلادهم، وأقام هو مع جماعة من خواصّه بمدينة عكّا إلى أن دخلت سنة أربع وثمانين وخمسمائة (165). ونزل على كوكب (166) في أوائل محرم من هذه السنة، ولم يبق معه من العساكر إلاّ القليل، وكان حصنا حصينا وفيه من الرّجال والأقوات كثير، فعلم

(162) نقل عن ابن شداد بواسطة ابن خلكان الوفيات 7/ 188.

(163)

أي: دفع دينه.

(164)

في الأصول: «عكة» .

(165)

1188 - 1189 م.

(166)

في الأصول: «نول» والمثبت من الوفيات 7/ 189.

ص: 407

أنه لا يؤخذ إلاّ بقتال شديد، فرجع إلى دمشق ودخلها سادس [عشر] ربيع الأول من السنة.

وبعد خمسة أيام من قدومه بلغه أن الافرنج قصدوا جبيل (167) واغتالوها، فخرج مسرعا وقد سير من يستدعي العساكر من جميع البلاد، (فلمّا وصل جبيل وعلم الإفرنج بوصوله كفوا عن ذلك)(168).

ثم قدم عليه عماد الدّين صاحب سنجار ومظفر الدّين بن زين الدّين وعسكر الموصل [إلى حلب] طالبين الجهاد، فسار نحو حصن الأكراد.

ولمّا كان يوم الجمعة رابع جمادى الأول دخل السلطان بلاد العدو على هيئة صالحة (169)، ورتّب الأطلاب، وسارت الميمنة أولا ومقدمها عماد الدّين زنكي والقلب في الوسط، والميسرة في الأخير، ومقدّمها مظفر الدّين بن زين الدّين، فوصل إلى أنطرسوس (170)[ضحى] نهار الأحد سادس جمادى الأولى، فوقف قبالتها (171) ينظر إليها لأن قصده كان أخذ بلد جبلة / فاستهان بأمرها وعزم على قتالها، فسيّر من رد الميمنة، وأمرها بالنزول على جانب البحر، والميسرة على الجانب الآخر، ونزل هو موضعه، والعساكر محدّقة بها من البحر إلى البحر، وهي مدينة راكبة على البحر ولها برجان كالقلعتين، فركبوا وقاربوا البلد وزحفوا واشتدّ القتال، وباغتوها، فما استتم نصف النّهار (172) حتى صعد المسلمون سورها، وأخذوها بالسّيف، وغنم المسلمون جميع ما فيها ومن بها، وأحرقوا البلد، وأقام عليها إلى رابع عشر جمادى الأولى، وسلّم أخذ البرجين إلى مظفر الدّين، فما زال يحارب حتى أخذهما، وقدم عليه ولده الملك الظّاهر في عسكر عظيم.

ثم سار يريد جبلة فوصلها ثاني عشر جمادي الأولى، فما استتم نزول العسكر عليها حتى أخذ البلد، وكان فيه مسلمون مقيمون وقاض يحكم بينهم، وقوتلت القلعة قتالا شديدا، ثم سلمت بالأمان يوم السبت تاسع عشر جمادى الأولى من السنة، وأقام عليها إلى الثالث والعشرين منه.

(167) في الأصول: «حنبل» والمثبت من الوفيات.

(168)

في الوفيات: «وسار يطلب جبيل، فلمّا عرف الفرنج بخروجه كفوا عن ذلك» .

(169)

في الوفيات: «على تعبئة حسنة» .

(170)

في ش: «طرطوش» وفي ط: «طرطوس» والمثبت من الوفيات.

(171)

في ش: «قبلها» .

(172)

في الوفيات: «نصب الخيام» 7/ 190.

ص: 408

ثم سار عنها إلى اللاذقيّة فنزلها يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادى الأولى، وهو بلد مليح (173) غير مسور، وله ميناء (174) مشهور وقلعتان متّصلتان على تلّ مشرف على البلد، فاشتدّ القتال إلى آخر النّهار، فأخذ البلد دون القلعتين، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة لأنه كان / بلد التّجار، وجدّوا في أمر القلعتين بالقتال والنقوب حتى بلغ طول النقب ستين ذراعا وعرضه أربعة أذرع، فلمّا رأى أهل القلعتين الغلبة طلبوا الصّلح عشيّة يوم الجمعة الخامس والعشرين من الشهر على سلامة أنفسهم وذراريهم وأموالهم ما خلا العين والدّنانير والسّلاح وآلات حرب فأجابهم إلى ذلك، ووقع الصّلح يوم السبت، وأقام عليها إلى يوم الأحد السابع والعشرين من الشهر.

ثم رحل عنها إلى صهيون (175)، وقاتلهم فأخذ البلد يوم الجمعة ثاني جمادى الآخرة، ثم تقدّموا إلى القلعة، وصدقوا القتال، فلمّا عاينوا الهلاك طلبوا الأمان، فأجابهم إلى ذلك ووقع الصّلح، بحيث يؤخذ من الرّجل عشرة دنانير ومن المرأة خمسة دنانير ومن كلّ صغير ديناران، الذكر والأنثى سواء، وأقام بهذه الجهة حتى أخذ عدة قلاع منها بلاطنس (176) وغيرها من الحصون المتّصلة بصهيون (175).

ثم رحل عنها وأتى بكاس (177)، وهي قلعة حصينة، ولها نهر يخرج من تحتها، وذلك يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخرة، وقاتلوها قتالا شديدا إلى يوم الجمعة تاسع الشهر، ثم يسّر الله فتحها عنوة، فقتل من قتل وأسّر الباقون، وغنم المسلمون جميع ما كان فيها، ولها قليعة (178) تسمّى الشغر (179)، وهي في غاية المنعة يعبر إليها منها بجسر وليس عليها طريق فسلطت عليها المجانيق من جميع الجوانب، ورأوا أنهم لا ناصر لهم فطلبوا

(173) في الوفيات: «خفيف على القلب» .

(174)

في الأصول: «عين» والمثبت من الوفيات 7/ 190.

(175)

في ش: «صيدون» ، وفي ط:«صيحون» والمثبت من الوفيات، أنظر عنها معجم البلدان 3/ 436 ملخصة:«حصن حصين من أعمال سواحل بحر الشام من أعمال حمص» .

(176)

في الأصول: «بلاطس» والمثبت من الوفيات 7/ 191، ومعجم البلدان 1/ 478 قال عنها الحموى:«بضم الطاء والنون والسّين مهملة، حصن منيع ببلاد الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب» .

(177)

قلعة من نواحي حلب على شاطئ العاصي انظر معجم البلدان 1/ 474.

(178)

في الأصول: «قلعة» والمثبت من الوفيات.

(179)

في الأصول: «الشعراء» والمثبت من الوفيات 7/ 191 ومعجم البلدان 3/ 352 قال الحموي: «قلعة حصينة مقابلة أخرى يقال لها بكاس على رأس جبلين بينهما واد كالخندق. . . وهما قرب أنطاكية» .

ص: 409

الأمان يوم الثلاثاء / ثالث عشر الشهر، ثم سار إلى برزية (180)، وهي من الحصون المنيعة في غاية القوة، يضرب بها المثل في بلاد الافرنج، يحيط بها أودية من جميع جوانبها، وعلوّها خمسمائة ونيف وسبعون ذراعا على ما ذكره ابن خلكان (181)، ولعلّها كانت على شاهق جبل، وكان نزوله عليها يوم السبت الرابع والعشرين من الشهر، ثم أخذها عنوة يوم الثلاثاء السابع والعشرين منه.

ثم سار إلى دربساك (182) فنزل عليها يوم الجمعة ثامن رجب، وهي قلعة منيعة فقاتلها قتالا شديدا وصعد العلم الاسلامي عليها يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب، وأعطاها الأمير علم الدّين سليمان بن جندر.

وسار عنها بكرة يوم السبت الثالث والعشرين من الشهر، ونزل على بغراس، وهي قلعة حصينة تقرب من انطاكية، فقاتلها قتالا شديدا، وصعد العلم الاسلامي عليها ثاني شعبان وراسله أهل انطاكية في طلب الصّلح، فصالحهم لشدّ ضجر العسكر (183)، وكان الصّلح معهم على أن يطلقوا كل أسير عندهم، ومدة الصّلح سبعة أشهر، فان جاءهم من نصرهم، والا سلموا البلد.

ثم رحل السلطان فسار إلى دمشق (184) قبل شهر رمضان بأيام يسيرة.

ثم سار في أول شهر رمضان يريد صفد فنزل عليها، ووالى عليها القتال حتى تسلمها بالأمان في رابع عشر شوال.

وفي رمضان سلمت الكرك عن نوّاب صاحبها.

ثم سار إلى كوكب / وضايقها بالقتال الشديد، مع شدّة الوحل والمطر وعصف الأرياح، فلمّا تيقنوا أنهم مأخوذون طلبوا الأمان فأجابهم، وتسلّمها منهم منتصف ذي القعدة من السنة.

ثم نزل إلى الغور، وأقام بالمخيم بقية الشهر، وأعطى الجماعة دستورا، وسار مع

(180) في الأصول: «برزنة» والمثبت من الوفيات ومعجم البلدان 1/ 383. قال الحموي: «برزويه» بالفتح وضم الزاي وسكون الواو وفتح الياء، والعامة تقول «برزيه» حصن على السواحل الشامية على سن جبل شاهق».

(181)

الوفيات: 7/ 192 والحموي أيضا بنفس العبارات، نفس المرجع.

(182)

في الأصول: «درسباك» والمثبت من الوفيات 7/ 192.

(183)

في الأصول: «السلطان» والمثبت من الوفيات.

(184)

بعد أن مر بحلب، وحماة، وسار على طريق بعلبك، انظر الوفيات 7/ 192.

ص: 410

أخيه [الملك] العادل يريد زيارة القدس ووداع أخيه لأنه كان متوجها إلى مصر، فدخل القدس ثامن (185) ذي الحجة وصلّى به العيد.

وتوجه في حادي عشر ذي الحجة إلى عسقلان لينظر في أمورها، ثم مرّ على بلاد الساحل متفقدا أحوالها ثم دخل عكّا، وأقام بها معظم المحرم من سنة خمس وثمانين (186) يصلح أحوالها، ورتب فيها الأمير بهاء الدّين قراقوش واليا بعمارة سورها.

وسار إلى دمشق، ودخلها في مستهلّ صفر من السنة، وأقام بها إلى شهر ربيع الأول من السنة.

وخرج إلى شقيف أرنون (187)، وهو موضع حصين فخيم به في مرج عيون بالقرب من الشقيف (188) في سابع عشر ربيع الأول، وأقام أيّاما يباشر قتاله كل يوم، والعساكر تتواصل إليه، فلمّا تحقق صاحب شقيف (188) أن لا طاقة له به نزل إليه بنفسه، فلم يشعر به إلاّ وهو قائم على باب خيمته، فأذن له في دخوله إليه وأكرمه واحترمه، وكان من أكبر الافرنج [وعقلائهم] وكان يعرف بالعربية وعنده اطلاع على شيء من التواريخ والأحاديث، وكان حسن التأتي لما حضر بين يدي / السّلطان وأكل معه الطّعام، ثم خلا به وذكر أنه مملوكه وتحت طاعته، وأنه يسلم إليه المكان من غير تعب، واشترط أن يعطي موضعا يسكنه بدمشق لأنه بعد ذلك لا يقدر على مساكنة الافرنج، واقطاعا بدمشق يقوم به وبأهله، وشروطا غير ذلك فأجابه إلى ذلك.

وفي أثناء شهر ربيع الأول وصله الخبر بتسليم الشوبك، وكان السّلطان قد أقام عليه جمعا يحاصرونه مدة سنة كاملة إلى أن نفذ زاد من كان به، فسلموه بالأمان.

ثم ظهر للسلطان بعد ذلك أن جميع ما قاله صاحب الشقيف كان خديعة فرسم عليه.

ثم بلغه أن الافرنج قصدوا عكّا، ونزلوا عليها يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة خمس وثمانين وفي ذلك اليوم سيّر صاحب شقيف إلى دمشق بعد الاهانة الشديدة.

(185) في الأصول: «ثاني» .

(186)

1189 م.

(187)

في الأصول: «ثقيف أريون» والمثبت من الوفيات 7/ 193 ومعجم البلدان 3/ 356. قال الحموي: «قلعة حصينة قرب بانياس من أرض دمشق بينها وبين الساحل».

(188)

في الأصول: «ثقيف» والمثبت من الوفيات 7/ 194.

ص: 411

وأتى عكّا (189) ودخلها بغتة لتقوى قلوب من بها، وسيّر لاستدعاء العساكر من كل ناحية [فجاءته] وكان مقدار العدو ألفي (190) فارس وثلاثين ألف راجل، ثم تكاثر الافرنج واستفحل أمرهم وأحاطوا بعكّا، ومنعوا الدّخول إليها والخروج، وذلك يوم الخميس سلخ رجب، فضاق صدر السّلطان لذلك [ثم اجتهد في فتح الطريق](191) إليها لأجل الميرة والنجدة، ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدّة أيام.

ثم جاءت أمداد الافرنج من البحر فضايقوا من بها من المسلمين إلى أن غلبوا / عن حفظ البلد، ففي يوم الجمعة السّابع عشر من جمادى الآخرة من سنة سبع وثمانين وخمسمائة (192) خرج من عكّا رجل من المسلمين بالعوم، ومعه كتب من المسلمين يذكرون ما هم فيه وتيقّنهم الهلاك، وان أخذوا البلاد عنوة ضربوا أعناقهم، وأنهم صالحوا على تسليم البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدّة والسّلاح والمراكب ومائتي ألف دينار، وخمسمائة أسير مجاهيل ومائة أسير معيّنين من جهتهم، وصليب الصّلبوت على أن يخرجوا بأنفسهم سالمين، وما معهم من الأموال والأقمشة المختصّة بهم وذراريهم ونسائهم، وضمنوا للمركيس (193) لأنه كان الواسطة في هذا الأمر أربعة آلاف دينار، فلمّا وقف السّلطان على الكتاب أنكر ذلك إنكارا عظيما وعظم عليه هذا الأمر، فجمع أهل الرّأي من أكابر الدّولة وشاورهم فيما يصنع، واضطربت الآراء (194) وعزم على أن يكتب مع العوام وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه، فبينما هو يتردد [لم يشعر] الا وأعلام العدوّ وصلبانه [قد ارتفعت] على السّور وذلك ظهيرة يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة من السنّة.

ثم خرج الافرنج من عكّا لقصد عسقلان إلى أن وصلوا إلى أرسوف، فكان بينهم وبين المسلمين قتال شديد، ثم ساروا على تلك الهيئة تتمّة عشر منازل من مسيرهم من عكّا، فأتى السّلطان الرّملة، وأتاه من أخبره بالقوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرّجال والعدد، فأحضر السّلطان أرباب / مشورته وشاورهم في أمر عسقلان وهل الصّواب

(189) في الأصول: «عكة» .

(190)

في الأصول: «بمائتي ألف» والمنبت من الوفيات 7/ 194.

(191)

اضافة من الوفيات يقتضيها السياق.

(192)

12 جويلية 1191 م.

(193)

في الأصول: «المراكيش» والمثبت من الوفيات 7/ 197، ولعلها تحريف لكلمة Marquis الفرنسية.

(194)

في الوفيات: «واضطربت آراؤه وتقسم فكره وتشوش حاله» .

ص: 412

خرابها أو بقاؤها؟ فاتفقت آراؤهم على أن يبقى الملك العادل قبالة العدو، ويتوجّه السّلطان بنفسه ليخربها خوفا من أن يصل العدو إليها ويستولي عليها وهي عامرة، ويأخذ بها القدس، وتنقطع بها طريق مصر، وامتنع (195) العساكر من الدّخول، ورأوا أن حفظ القدس أولى، فتعيّن خرابها من عدّة أمور، وكان الاجتماع سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة (196)، فسار إليها يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر فأخربها وأخرب الرملة وكذلك أخرب النطرون لما في ذلك من إصلاح الحال.

ثم ان النصارى طلبوا الصّلح فصالحهم بعد جهد جهيد، وإباء شديد من السّلطان، وكان (197) يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة (198) ونادى المنادي بانتظام الصّلح، وأن البلاد الاسلامية والنصرانية [واحدة في](199) الأمن والمسالمة (200) فمن شاء من كل طائفة أن يتردد إلى بلاد غيره فعل من غير خوف عليه ولا محذور، وكان فيه صلاح للمسلمين لأنه اتفقت وفاة السّلطان مع الصّلح، فلولا انعقاد الصّلح ومات السّلطان أثناء المقاتلة لكان الناس على خطر.

ثم أعطى العساكر الواردة عليه من البلاد البعيدة برسم النجدة دستورا فساروا عنه، وتردد المسلمون إلى بلاد النّصارى وجاؤوا هم (201) إلى بلاد المسلمين، وحملت البضائع / والمتاجر إلى البلاد، وحضر منهم خلق كثير لزيارة القدس لاشتراطهم ذلك في عقد الصّلح.

وتوجّه السّلطان إلى القدس ليتفقد أحوالها، وأخوه الملك العادل إلى الكرك، وابنه الملك الظّاهر إلى حلب، وابنه الملك الأفضل إلى دمشق، وأقام السّلطان بالقدس يقطع النّاس الإقطاعات ويعطيهم دستورا، ولمّا صحّ عنده أن الانكتار - أكبر ملوك الافرنج الذي وقع الصّلح على يديه - سافر إلى بلاده، قوي عزمه على أن يدخل السّاحل جريدة يتفقد القلاع البحرية، فلمّا فرغ من تفقّد (202) أحوال القلاع واصلاح خللها دخل

(195) في الأصول: «ويمتنع» .

(196)

9 سبتمبر 1191 م.

(197)

أي الصلح، وفي الوفيات نقلا عن ابن شداد:«وكانت الأيمان» 7/ 199.

(198)

2 سبتمبر 1192 م.

(199)

اضافة من الوفيات يقتضيها السياق.

(200)

في الأصول: «السلامة» .

(201)

كذا في ط والوفيات، وفي ش:«أجلوهم» .

(202)

في الأصول والوفيات: «افتقاد» وما وضعناه أخف.

ص: 413

دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال، وفيها أولاده: الملك الأفضل، والملك الظاهر، والملك الظافر مظفر الدّين الخضر المعروف بالمشمر، سمي بذلك لأن السلطان لمّا قسّم البلاد بين أولاده الكبار دون المشمر، قال: أنا مشمر، فغلب الاسم عليه، وبها أيضا غيره من أولاده الصّغار. وكان يحب البلد ويؤثره بالاقامة فيه على سائر البلاد، وجلس للناس بكرة يوم الخميس السابع والعشرين من شوال، وحضروا عنده وبلوا شوقهم [منه]، وقصده عامّة النّاس وخاصّتهم، فنشر عليهم جناح العدل والفضل، وكشف سحاب الجور والظلم.

ولمّا أصلح الملك العادل أحوال الكرك سار قاصدا (إلى البلاد الفراتية)(203) - لأن السّلطان أعطاه إياها، كما أعطى أولاده الكبار البلاد المتقدمة، وأعطاه / أيضا البلاد الساحلية - (204) فوصل إلى دمشق يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة (205) وخرج السّلطان إلى لقائه، ثم أقام معه أياما يتصيدان مع أولاده، فحصلت له راحة ممّا كان فيه من ملازمة التّعب والسهر.

فلمّا كانت ليلة السبت ابتدأه مرض حمى صفراوية، فلمّا كان اليوم العاشر من مرضه يئس الأطبّاء منه فتوفي بعد صلاة الصّبح يوم الأربعاء السابع والعشرين من [صفر] سنة تسع وثمانين وخمسمائة (206) ولم يخلّف في خزائنه الا سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما (207) واحدا ذهبا صوريا، ولم يخلف على ملكه دارا ولا غقارا، ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة الا الثناء الجميل، ودفن بدمشق في قبّة شمالي جامع دمشق، وكان - رحمه الله تعالى - من محاسن الدّنيا وأصاب المسلمين من موته كآبة وحزن لم يصب المسلمين مثلهما منذ فقد الخلفاء الراشدون - رضي الله تعالى عنهم وعنه - ورثاه الشعراء بمراثي كثيرة يطول تتبعها» (208).

(203) في الأصول: «للديار المصرية» والمثبت من الوفيات 7/ 201.

(204)

بعدها في الأصول: «فلما قدم من الكرك فعند وصوله» أسقطناها لأنها تدخل اضطرابا على الانشاء.

(205)

في الأصول: «ذي الحجة» .

(206)

4 مارس 1193 م.

(207)

في الأصول: «دينارا» والمثبت من الوفيات 7/ 204.

(208)

وفيات الأعيان من ترجمة السّلطان صلاح الدّين الذي اعتمد فيها ابن خلكان خاصة على ابن الأثير وابن شداد، وقد نقل المؤلف عن ابن خلكان بتصرف بالحذف والاختصار، 7/ 139 - 205.

ص: 414