الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقالة السّادسة
في ذكر خلفاء بني أميّة بالأندلس وذكر الطوائف بعدهم
بنو أميّة:
ولمّا انقرضت دولة بني أميّة من المشرق، وانتقل بعض من أفلت منهم إلى المغرب كان / منهم عبد الرّحمان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ويسمّى صقر (1) بني أميّة، وكانت أمّه بربرية اسمها راح نفزية (2)، فلحق بأخواله من نفزة (3) وكتب إلى من بالأندلس من صنائعهم، ثم لحق بهم وملك الأندلس في السّنة الثّامنة أو التّاسعة والثلاثين ومائة (4)، وأقام بالأندلس ملكا كبيرا له ولعقبه، وتوفي لخمس بقين من ربيع الآخرة في سنة اثنتين وسبعين ومائة (5).
وولي بعده ولده هشام، فكان ملكا جليلا صالحا متقشّفا، وغزا وفتح الكثير، ولم تطل أيامه فهلك في صفر سنة ثمانين ومائة (6).
وولي بعده ولده الحكم ولقب «بالرضي» ، وقام عليه أهل الرّبض (7)، فأظفره
(1) فسرها المؤلف في طرة كتابه «بالبازي» .
(2)
من برابرة طرابلس، كتاب العبر 4/ 262.
(3)
في كتاب العبر: «نفرة» .
(4)
بالنسبة لابن خلدون في خلافة أبي جعفر المنصور 138/ 755 - 756.
(5)
2 اكتوبر 788 م.
(6)
افريل 796 م.
(7)
بعدها في ط: «الربض القبلي من قرطبة لأمور أنكروها عليه وكاثروه وكادوا يأتون عليه» ، انظر عنها كتاب العبر 4/ 274.
الله بهم، ووضع السيف فيهم ثلاثة أيام، وتوفي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ست ومائتين (8).
وولي الأمر بعده عبد الرحمان ولده (9)، وهو أول من فخم الملك بالأندلس، ونوّه الألقاب، واستكثر الوزراء، ثم توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين (10).
وولي بعده محمّد، فكان ملكا كبيرا شبيها بعبد الملك بن مروان، وكان آية في تحقيق الحساب، آخذا بحظ من الشعر والكتابة، وتوفي في ربيع الأول (11) سنة ثلاث وسبعين ومائتين (12).
وولي بعده ولده المنذر، وكان شهما حازما، ومات محاصرا ابن حفصون (13).
وولي بعده أخوه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان، وكان عفّا فاضلا، وفي أيامه تناهت الفتنة (14)، وضاقت عليه الحضرة / واشتدّ عليه كلب ابن حفصون (15)، فشمّر وبرز بمن معه ففتح الله عليه، واستوسقت له الطاعة، وابن حفصون هذا هو عمر بن حفصون كان أبوه من مسلمة أهل الذمة، وكان شجاعا ثائرا، اشتهر وضمّ إليه الأشرار، وملك مدينة يشتر (16)، وانقادت إليه الجهات، وتمادى الأمر فيه وفي عقبه أزيد من تسعين سنة شقيت بهم المروانية ما شاء الله.
ولمّا توفي عبد الله (17) تولى الأمر بعده حفيده عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله، النّاصر لدين الله، وكانت الأرض تضطرم نارا وشقاقا، فأخمد نيرانها، وسكّن زلزالها، وتسمّى «بأمير المؤمنين» ، وكان كثير الغزو، فأوقع الرّوم عليه هزيمة تسمّى وقعة الخندق، ثم (18) أغزى قوّاده، ففتح الله عليه فتوحات كثيرة، وطال عمره، فبنى
(8) في الأصول: «ست وثمانين ومائة» والمثبت من كتاب العبر 4/ 277 وغيره 12 ماي 823 م.
(9)
ويعرف بعبد الرحمان الأوسط.
(10)
سبتمبر - أكتوبر 852 م.
(11)
بالنسبة لابن خلدون في «صفر» كتاب العبر 4/ 287.
(12)
أوت - سبتمبر 886 م.
(13)
بجبل يشتر سنة خمس وسبعين ومائتين لسنتين من امارته.
(14)
ينعتهم ابن خلدون بالثّوار، وأولهم ابن مروان ببطليوس وأشبونة، انظر كتاب العبر 4/ 288.
(15)
انظر عن نسبه وثورته كتاب العبر 4/ 292.
(16)
في الأصول: «مدينة بيشتر» والمثبت من كتاب العبر، وجبل يشتر من ناحية رية ومالقة 4/ 292.
(17)
في آخر المائة الثالثة من شهر ربيع الأول، العبر 4/ 298.
(18)
«ولم يغز الناصر بعدها بنفسه» انظر كتاب العبر 4/ 309.
مدينة الزّهراء، وله الأثر في مسجد قرطبة وجسرها وغير ذلك (19)، وكانت وفاته سنة خمسين وثلاثمائة (20).
وولي الأمر بعده ولده الحكم بن عبد الرحمان الملقب «بالمستنصر بالله» أبو العاص، ولي الملك [وهو] ابن خمسين سنة، وبلغ من تناهي الجلالة وحسن السّيرة وبراعة العلم وتخليد الآثار ما لم يبلغه أحد من قومه، ثم توفي سنة ست وستين وثلاثمائة (21).
وبويع بعده لولده هشام المؤيد وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وعليه انشقت عصا الأمّة، عقد له البيعة أبو عامر محمّد بن أبي عامر المعافري، وجرت عليه / حجابته وحجابة ولديه من بعده إلى أن مضى لسبيله، ولم تتحقق وفاته (22).
وهذا محمّد ابن أبي عامر تلقب «بالمنصور» (23)، وكان صاحب السّياسة المشهورة، والغزوات العظيمة التي دوّخ بها البلاد، وروّع الأقطار، وسبى المدن، ذكر أنه انصرف من غزوة سمورة بتسعة آلاف فارس من السبي.
ولمّا توفي تولى الحجابة بعده ولده المظفر عبد الملك، فاقتفى سيرة أبيه في الجهاد والفتوحات العظيمة، وتوفي منصرفا من غزوته لشانجة بن غرسية ملك جليقية في صفر سنة تسع وتسعين وثلاثمائة (24).
وتولّى الأمر بعده أخوه عبد الرحمان بن أبي عامر الملقّب «بشنجوال» ثم قتل لما وثب ابن عبد الجبار بالخلافة، وانقضت الدّولة العامرية، وانقضت بقضائها دولة الجماعة.
وابن عبد الجبار هذا هو المهدي محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمان النّاصر لدين الله (25)، وكان مقداما جسورا.
فلمّا توفي عبد الملك بن أبي عامر - المتقدّم الذكر -، وخرج أخوه عبد الرحمان
(19) عن مباني الناصر انظر كتاب العبر 4/ 311 - 312.
(20)
في الأصول: «خمس وأربعين» والمثبت من كتاب العبر 4/ 312 والمختصر لأبي الفداء 2/ 102.961 - 922 م.
(21)
976 - 977 م.
(22)
في ط: «ولما تحقق وفاته» . قتل هشام حوالي سنة 403 هـ اثر الحرب التي تواجه فيها المهدي والمستعين، انظر كتاب العبر 4/ 327.
(23)
عنه وعن أعماله انظر كتاب العبر 4/ 318 - 321.
(24)
اكتوبر 1008 م. بمدينة سالم منصرفا من بعض غزواته، كتاب العبر 4/ 321.
(25)
انظر ثورة المهدي، كتاب العبر 4/ 323 - 324.
إلى غزواته وخلى البلد من الجند، وثب هو (26)، فملك القصر وأخذ بيعة النّاس لنفسه، وبلغ الخبر ابن أبي عامر فقفل ظانّا أن الريح تنشاله، فقتل لمّا خذله النّاس.
فلمّا استوسق الأمر للمهدي أظهر جنازة ادّعى أنها جنازة هشام، وخالف أمراء عسكره البربر، فنافروه، وبايعوا سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمان النّاصر [ولقّبوه بالمستعين بالله](27) واستعان بالجلالقة (28)، / وقصد قرطبة فنالها، ولم يطق المهدي مدافعته فاتّقاه بالانخلاع، وأخفى نفسه إلى أن لحق بطليطلة، فاستجاش أيضا بجمع الرّوم (28) وزحف إلى قرطبة فكان له الظّهور على سليمان، وجمع البربر وأزعجهم، فانتدبوا إلى حوز الخضراء، وخيّموا بوادي جازوت (29) يرومون الجواز إلى بلادهم، وتبعهم عقب الظّهور عليهم المهدي، وناجزهم الحرب فاستماتوا واستبصروا في حربه، فنصرهم الله عليه، وهزموه أقبح هزيمة (30)، وتبعوه إلى قرطبة وحاصروه واختلّت أحواله، وأعملت عليه الحيلة، فقتل.
وأخرج هشام المؤيّد للناس فلم يستقم الأمر [وقتل](31).
واستولى سليمان بن الحكم أمير البربر على الخضراء فظهر عليه علي بن حمّود بن ميمون بن علي بن عبيد الله بن عمر بن أدريس بن أدريس بن حسن بن حسن بن علي ابن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - يقال إن هشاما المحجوب لمّا شعر بالهلاك خاطب ابن حمّود بسبتة يستنصر به ويقلّده دمه والطّلب بثأره، ويفضي إليه بعهده، فتحرّك سنة خمس وأربعمائة (32) وبرز إليه سليمان بن الحكم فانهزم سليمان وقبض عليه وعلى أخيه وأبيه وسيقوا إلى علي بن حمّود فضرب أعناقهم بيده وفاء لهشام.
وتمّت البيعة لعلي بن حمّود، وكان فظّا شديدا، اغتاله صبيته من مماليكه الصقالبة في الحمّام، فقتلوه غرة ذي القعدة من سنة ثمان وأربعمائة (33).
(26) أي المهدي.
(27)
اضافة من كتاب العبر 4/ 325.
(28)
النصرانيون أصحاب جليقية (Galice) وهي مقاطعة في الشمال الغربي من اسبانيا.
(29)
في ش: «يارود» .
(30)
عن الخلاف والحروب بين المهدي والمستعين، انظر مثلا كتاب العبر 7/ 324 - 328.
(31)
اضافة للايضاح.
(32)
1014 - 1015 م.
(33)
مارس - أفريل 1018 م.
وتولّى أمره من بعده أخوه القاسم، ثم نازعه يحيى بن علي بن حمّود / وفرّ من قرطبة وتملّكها منهم طائفة كثيرة، فاجتمع الموالي العامريون بشرق الأندلس على مبايعة عبد الرّحمان بن محمد الملقّب «بالمرتضي» وتحركوا به فنزلوا غرناطة وبها أمير صنهاجة فناجزهم الحرب فهزمهم، وقتل الخليفة المرتضي، ولمّا أعيى الناس نزاع بني حمّود بقرطبة بايعوا من بقايا المروانيّة أبا البقاء عبد الرحمان بن هشام بن عبد الجبّار، وكان ذكيّا أديبا بارعا، ولم يكن له عيب إلاّ أن نقم العامّة عليه لايواء طائفة من البربر، فوثبوا عليه ولم يشعر إلاّ وقد تسوّروا عليه من فوق حيطان القصر، فقتل وبويع لابن عمّه «المستكفي» وهو محمّد بن عبد الرحمان [بن عبيد الله بن] النّاصر، فلم يضطلع بالأمر، وأخلد إلى الرّاحة فضعف أمره، واتّفق الملأ على خلعه فخرج على وجهه مستترا، فهلك بحصن أقليش (34)، وكانت دولته سبعة عشر شهرا (35).
فقام [وصار أهل قرطبة إلى طاعة المعتلي، ثم نقضوها وبايعوا](36) هشام بن محمد من ولد النّاصر أخو المرتضي (37) وكان مقيما بحصن البنت لجأ إلى أميره (38) عند هلاك أخيه المرتضي وبويع (39) له بقرطبة سنة عشرين وأربعمائة (40)، واستدعي من حيث ذكر، وتقلّد الأمر في سنّ الشّيخوخة وقعد على سرير الملك، ثم اجتمع الملأ على خلعه، وهو آخر الأمويين (41).
(34) في كتاب العبر: «هلك بمدينة سالم» 4/ 332.
(35)
انظر كتاب العبر 4/ 332.
(36)
اضافة للإيضاح، العبر 4/ 332.
(37)
هو المعتمد.
(38)
هو عبد الله بن قاسم الفهري.
(39)
بايعه أهل قرطبة بمكانه من الثغر المذكور (أي حصن البنت) يوم الأحد لخمس بقين من ربيع الآخر سنة 418، وأقام كذلك سنتين وسبعة أشهر وثمانية أيام، فخطب له بقرطبة غائبا عنها، ثم أتى قرطبة في سنة 420. ولم تطل مدته فخلع. . . لسان الدّين بن الخطيب، أعمال الاعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام، تحقيق وتعليق أ. ليفي بروفنسال، دار المكشوف، بيروت، ط.2 آذار 1956، ص:138.
(40)
1029 م.
(41)
المعتز هو آخر خلفاء بني أمية بالأندلس، العبر 4/ 343.