الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحسن بن سهل، فقال: يا أمير المؤمنين، إن قتلته عملت بما عمله الملوك قبلك وإن عفوت عنه عملت ما لم يعمله الملوك قبلك، فعفا عنه ونادمه بعد ذلك، وكان كثير الجهاد، افتتح عدة حصون، وكان كثير العبادة، قيل إنه ختم في شهر رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة، ولمّا جبر العلماء على القول بخلق القرآن دعوا عليه، فأهلكه الله / وهمّ أوّلا بخلع نفسه من الخلافة ليولّيها لذريّة الإمام علي لكونهم أولى بذلك، فلم يتمّ له ذلك، فجعل وليّ عهده علي بن موسى الكاظم (86) عين أعيان العلويين في ذلك الوقت، فمات ولم يتيسّر له إقامة علوي بعده، فتوفي المأمون لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين (87) بأرض الرّوم غازيا فدفن بطرسوس.
المعتصم:
فولّي الخلافة أخوه أبو إسحاق محمّد المعتصم، وكان يقال له المثمّن لأنه ثامن الخلفاء، وثامن أولاد الرّشيد، والثامن من ولد العبّاس، واستخلف سنة ثمان عشرة ومائتين، وملك ثمانية أعوام وثمانية أشهر وثمانية أيّام (88)، وكان أمّيّا. وروى الصولي:
كان مع المعتصم غلام في المكتب يتعلّم معه القرآن، فمات الغلام، فقال له الرّشيد: يا محمد مات غلامك، قال: نعم يا سيدي، وقد استراح من المكتب، فقال: يا ولدي، إن المكتب يبلغ بك هذا المبلغ!؟ وقال لمعلّمه اتركه لا تعلّمه شيئا، فنشأ عاميّا يكتب كتابة مشوّشة، ويقرأ قراءة ضعيفة.
وهو أول من أدخل الأتراك الدّواوين وكان يتشبّه بملوك الأعاجم، وبلغت غلمانه الأتراك ثمانية عشر ألفا، وبعث إلى سمرقند وفرغانة أموالا كثيرة لشراء الأتراك وألبسهم أطواق الذّهب والفضّة والدّيباج (89)، فكانوا يركضون الخيل في بغداد ويؤذون النّاس وضاقت بهم البلاد، فشكاهم أهل بغداد إلى المعتصم واجتمعوا / على بابه وقالوا: لئن لم تخرج جنودك الأتراك عنّا حاربناك، قال: وكيف تحاربوني وأنتم عاجزون عن محاربتي؟
(86) الطبري 8/ 554.
(87)
10 أوت 833 م. وذكر الطبري هذا التاريخ كرواية من الروايات، وعن اختلاف الأقوال فيه أنظر الطبري 8/ 650.
(88)
أنظر مروج الذهب 3/ 459.
(89)
أنظر مروج الذهب 3/ 465.
قالوا: نحاربك بسهام الأسحار ونسلّ عليك سيوف الدعاء، فقال: والله لا أطيق ذلك ولكن أنظروني حتى أنظر بلدا أنتقل بهم إليها ولا تتضرّرون بي وكفّوا عني سهام دعائكم، فبنى مدينة سمّاها (سرّ من رآى)(90) بقرب بغداد وانتقل إليها سنة عشر ومائتين (91).
وللمعتصم عدة غزوات مع الكفّار من أشهرها غزوة عمّورية (92)، ظهرت له فيها اليد البيضاء ونصر فيها الملّة المحمّدية، وملخّصها أن ملك الرّوم إذ ذاك من أكبر ملوك النّصارى أرسل كتابا إلى المعتصم يهدّده، فاستشاط المعتصم غضبا، وأمر بجوابه فكتب له الجواب، فلم ترضه عدّة كتب كتبوها فمزّق الكتاب الذي ورد عليه، وأمر أن يكتب في ظهر قطعة منه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الجواب ما تراه لا ما تقرؤه، {وَسَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ} (93)، وتجهّز من ساعته فمنعه المنجمّون وقالوا له: إنّ الطالع نحس، فقال لهم: هو نحس عليهم لا علينا، وسار يومه وتلاحقته العساكر (94)، ووقع حرب عظيم قتل فيه سبعين ألفا وأسر منهم ستين ألفا، وهرب ملكهم، وتحصّن بحصن عمّورية، فحاصره المعتصم، ونزل به إلى أن فتحها، وأسّر ذلك الملك الكافر وقتله وكان ذلك من أعظم فتوح الإسلام.
ولكن شان ملكه بالتعصّب لأخيه في القول بخلق القرآن ولولا سابق القضاء والقدر لما دخل في هذه المضائق / وهو أمّي، ووصلت هذه البدعة حتى لبلاد المغرب، ودافعها رجال السّنة كمحمّد بن سحنون - رضي الله تعالى عنه - وأضرابه، حتى أخمد الله نارها وانقطع شرارها بموت أشرارها، وانطمست آثارها بهلاك فجّارها.
ولمّا احتضر قال: اللهم [إنك تعلم] أني أخافك من قبلي، ولا أخافك من قبلك، وأرجوك من قبلك، ولا أرجوك من قبلي، فيا من لا يزول ملكه، إرحم من زال ملكه، وتوفي رحمه الله يوم الخميس لإحدى عشر ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين (95).
(90) أي سامرا. مروج الذهب 3/ 466.
(91)
835 م. أنظر الحديث الكامل لابن الأثير 8/ 451.
(92)
مروج الذهب 3/ 472 - 473.
(93)
سورة الرعد: 42. وفي قراءة: «وسيعلم الكفار. . .».
(94)
والسبب الذي ذكرته المراجع التراثية يختلف عما قدّمه مقديش، ففي مروج الذهب 3/ 472 - 473، وفي تاريخ الطبري 9/ 57 - 71، يرجع سبب هذا الفتح إلى خروج «توفيل ميخائيل ملك الروم إلى بلاد الإسلام واضراره بأهل زبطرة وغيرها» .
(95)
7 جانفي 842 م أنظر الكامل لابن الأثير 6/ 524 ومروج الذهب 3/ 459.