المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قلت لا منافاة بين كلامي الشيخ ابن الدباغ رحمه الله - نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار - جـ ١

[محمود مقديش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة الكتاب

- ‌تمهيد:

- ‌المقدمة:

- ‌المقالة الأولى[في تحديد المغرب برا وبحرا وأسماء البلدان]

- ‌الباب الأولفي تحديد المغرب برا وبحرا

- ‌البحر المظلم:

- ‌الحدود البرية للمغرب:

- ‌حفر الزقاق:

- ‌المدّ والجزر:

- ‌حدود البحر الشامي:

- ‌الباب الثانيفي الكلام على ضبط بر المغرب الأقصى وما يليه من الغرب الأوسط وذكر ما فيه من البلاد والعباد

- ‌البربر وأصولهم وافريقية وتسميتها:

- ‌نول لمطة:

- ‌آزكّي:

- ‌سجلماسة:

- ‌درعة:

- ‌السّوس:

- ‌جبل درن:

- ‌أغمات وريكة:

- ‌مراكش:

- ‌نهر تانسيفت:

- ‌ أغمات أيلان

- ‌عود إلى ذكر مرّاكش:

- ‌الطريق من مرّاكش إلى أم ربيع:

- ‌آنقال:

- ‌مكول:

- ‌ايكسيس:

- ‌سلا:

- ‌فضالة:

- ‌الطريق من فضالة إلى آسفي:

- ‌آسفي:

- ‌مرسى ماست:

- ‌داي وتادلة:

- ‌الطريق من تادلة إلى‌‌ فاس:

- ‌ فاس:

- ‌ صفروي

- ‌قلعة مهدي:

- ‌مغيلة:

- ‌ مكناسة

- ‌بني تاورة:

- ‌السوق القديمة:

- ‌قصر عبد الكريم:

- ‌عود إلى ذكر فاس:

- ‌الطريق من فاس إلى تلمسان:

- ‌ تلمسان

- ‌الطريق من تلمسان إلى تنس:

- ‌تنس:

- ‌وهران:

- ‌المسيلة:

- ‌الطريق من وازلفن إلى مليانة:

- ‌مليانة:

- ‌الطريق من كزناية إلى المسيلة:

- ‌قلعة بني حمّاد وما جاورها:

- ‌قسنطينة وما جاورها:

- ‌جبل سحاو:

- ‌سوق بني زندوي:

- ‌جيجل:

- ‌مدن أخرى:

- ‌الجزائر:

- ‌تامدفوس:

- ‌مرسى الدّجاج:

- ‌تدلس:

- ‌بجاية:

- ‌الطريق من بجاية إلى القلعة:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌بلزمة:

- ‌حصن بشر:

- ‌سبتة:

- ‌الجزر والمدن والمراسي والمواقع الساحلية من سبتة إلى بونة:

- ‌ باغاية

- ‌توزر:

- ‌قفصة:

- ‌الطرقات من قفصة إلى ما جاورها:

- ‌ جبل نفّوسة

- ‌قابس:

- ‌صفاقس:

- ‌ قصر الجم

- ‌جمال:

- ‌المهدية:

- ‌نفزاوة:

- ‌ القيروان

- ‌تونس:

- ‌قرطاجنة:

- ‌بنزرت:

- ‌طبرقة:

- ‌باجة:

- ‌مرسى الخرز:

- ‌ بونة

- ‌الأربس:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌جزيرة باشو:

- ‌جبل زغوان:

- ‌جبل وسلات:

- ‌ومدن أخرى:

- ‌طرابلس:

- ‌الطرقات من طرابلس إلى ما جاورها:

- ‌جبل دمر:

- ‌برقة

- ‌الطريق من برقة إلى العين:

- ‌الطريق من برقة إلى الإسكندرية:

- ‌الطريق الساحلي من بونة إلى نابل:

- ‌نابل:

- ‌الطريق الساحلي من نابل إلى سوسة:

- ‌سوسة:

- ‌الطريق الساحلي من سوسة إلى صفاقس:

- ‌جزيرة قرقنة:

- ‌الطريق الساحلي من صفاقس إلى جربة:

- ‌جربة:

- ‌الطريق الساحلي من جربة إلى لبدة:

- ‌لبدة:

- ‌الطريق الساحلي من لبدة إلى الإسكندرية:

- ‌ الإسكندرية

- ‌جغرافية الأندلس:

- ‌اليونان ودورهم بالأندلس:

- ‌طليطلة وما جاورها:

- ‌قرطبة:

- ‌المرية:

- ‌أقاليم الأندلس:

- ‌مدن ساحلية:

- ‌جزر البحر الشامي:

- ‌صقلية:

- ‌المقالة الثّانيةفي ذكر الخلافة وخلفاء الصّحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من خلفاء بني أميّة بالمشرق وفتوحات المغرب في أيّامهم

- ‌الباب الأولفي الخلافة وخلافة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌مفهوم الخلافة:

- ‌آدم عليه السلام أول الخلفاء:

- ‌كيومرث:

- ‌مهلائيل:

- ‌شيث وذريته:

- ‌ ادريس

- ‌إبراهيم وإبنيه:

- ‌العرب: طرف من أصلهم وبعض من أخبارهم:

- ‌ولاية الكعبة:

- ‌الخليفة الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم:

- ‌خلافة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌خلافة عمر رضي الله عنه

- ‌خلافة عثمان رضي الله عنه

- ‌خلافة علي رضي الله عنه

- ‌خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌يزيد:

- ‌بقية خلفاء بني أمية:

- ‌غزوات عمرو بن العاص:

- ‌غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح:

- ‌ولاية معاوية بن خديج:

- ‌ولاية أبي المهاجر:

- ‌ولاية عقبة بن نافع وغزواته:

- ‌غزوة عقبة بن عامر الجهنّي:

- ‌غزوة رويفع بن ثابت:

- ‌غزوة زهير بن قيس البلوي:

- ‌ولاية حسان بن النعمان وغزواته:

- ‌فتح الأندلس:

- ‌بيت الحكمة بالأندلس:

- ‌تتمة الحديث عن فتح الأندلس:

- ‌ولاية عبد الله بن موسى بن نصير:

- ‌ولاية علي بن رباح:

- ‌المقالة الثّالثةفي ذكر خلفاء بني العبّاس وبعض أمرائهم بالعراق وأمرائهم بالمغرب

- ‌الباب الأولفي ذكر خلفاء بني العباس

- ‌قيام الدولة وخلافة أبي العباس السفّاح:

- ‌أبو جعفر المنصور:

- ‌محمد المهدي:

- ‌محمد موسى الهادي:

- ‌ هارون الرّشيد

- ‌محمد الأمين:

- ‌المأمون وقضية خلق القرآن:

- ‌المعتصم:

- ‌الواثق بالله:

- ‌المتوكل على الله:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌المعتز بالله:

- ‌المهتدي بالله:

- ‌المعتمد وحركة الزنج:

- ‌ المعتضد بالله

- ‌المكتفي بالله وظهور القرامطة:

- ‌المقتدر بالله وقيام أبي طاهر القرمطي:

- ‌القاهر بالله والراضي بالله:

- ‌المتقي بالله:

- ‌المستكفي بالله:

- ‌المطيع لله:

- ‌الطائع لله:

- ‌القادر بالله:

- ‌القائم بأمر الله:

- ‌المستظهر بالله:

- ‌المسترشد بالله:

- ‌الراشد بالله:

- ‌المقتفي لأمر الله:

- ‌المستنجد بالله:

- ‌المستضيء بالله:

- ‌الناصر لدين الله:

- ‌المستنصر بالله:

- ‌المستعصم بالله:

- ‌التتار:

- ‌هولاكو وسقوط بغداد وانقراض الدولة العباسية:

- ‌العباسيون بمصر:

- ‌تيمورلنك:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بعض أمراء بني العباس بالمشرق

- ‌ الصفارية

- ‌السامانيون:

- ‌الغزنويون:

- ‌السلاجقة:

- ‌الديلمية:

- ‌السلقدية:

- ‌الخوارزمية:

- ‌الباب الثالثفي مشاهير أمراء بني العبّاس بالمغرب

- ‌يزيد بن حاتم:

- ‌هرثمة بن أعين:

- ‌بداية بني الأغلب:

- ‌أبو العباس عبد الله:

- ‌زيادة الله:

- ‌أبو العباس محمد:

- ‌زيادة الله الأصغر:

- ‌أبو الغرانيق:

- ‌ابراهيم:

- ‌عبد الله بن ابراهيم:

- ‌المقالة الرّابعةفي ذكر ملوك الشّيعة بالمغرب وكيفيّة انتقالهم لمصر وما يتبع ذلك

- ‌عبيد الله المهدي وقيام الدّولة الفاطمية:

- ‌حركة القيروانيين المضادة للفاطميين:

- ‌أقوال بعضهم في الفاطميين والمجادلة حول رميهم بالكفر والزندقة وتبرئتهم منهما:

- ‌تأسيس المهديّة:

- ‌القائم وثورة أبي يزيد:

- ‌المنصور وفشل ثورة أبي يزيد:

- ‌المعز لدين الله وانتقال الفاطميين إلى مصر

- ‌الفاطميون بمصر:

- ‌المقالة الخامسةفي ذكر ملوك ضهاجة بالمغرب وصلاح الدّين بمصر

- ‌الباب الأولفي ذكر ملوك صنهاجة

- ‌زيري بن مناد:

- ‌بلكين بن زيري:

- ‌باديس:

- ‌المعزّ بن باديس: قطعه الدعوة للفاطميين واجتياح العرب افريقية

- ‌تميم بن المعز:

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌علي بن يحيى وابنه الحسن:

- ‌الباب الثانيفي ذكر دولة‌‌ نور الدين

- ‌ نور الدين

- ‌عماد الدّين اسماعيل:

- ‌عود إلى ذكر نور الدين:

- ‌الحملات الصليبية الأولى واستقرار الافرنج بالشام:

- ‌صلاح الدين وحروبه مع الصليبيين:

- ‌الملك الكامل والحروب الصليبية الخامسة:

- ‌الملك الصّالح نجم الدّين أيّوب والحروب الصليبية السادسة

- ‌نهاية الأيوبيين:

- ‌المماليك بمصر:

- ‌المقالة السّادسةفي ذكر خلفاء بني أميّة بالأندلس وذكر الطوائف بعدهم

- ‌بنو أميّة:

- ‌ملوك الطوائف:

- ‌المقالة السّابعةفي ذكر ملوك لمتونة وهم الملثمون بالعدوة والأندلس

- ‌بداية المرابطين:

- ‌يوسف ابن تاشفين وحروبه الموفّقة في الأندلس:

- ‌نهاية المرابطين:

- ‌المقالة الثّامنةفي ذكر دولة الموحّدين وأمرائهم بالعدوة والأندلس وافريقية

- ‌الباب الأولفي أول ملوكها ومن بعده من الملوك

- ‌المهدي بن تومرت:

- ‌ عبد المؤمن

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌المنتصر بالله:

- ‌العادل:

- ‌المعتصم:

- ‌المأمون ومن ولي بعده إلى نهاية الدولة الموحدية:

- ‌الباب الثانيفي فتح عبد المؤمن للمهدية والبلاد الساحلية بعد استيلاء الافرنج عليها حسبما ذكره ابن الأثير وغيره من أئمة التاريخ

- ‌أسباب احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌احتلال النرمان للمهديّة:

- ‌هروب الحسن الصنهاجي والتقائه بعبد المؤمن:

- ‌احتلال النرمان لصفاقس والسّاحل:

- ‌انتفاض صفاقس وغيرها من المدن على النرمان:

- ‌عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته:

- ‌الباب الثالثفي ذكر ثوار افريقية على الموحدين

- ‌ثورة بني غانية:

- ‌ثورة محمد بن عبد الكريم الرجراجي:

- ‌يحيى الميورقي يستولي على المهديّة وتونس وغيرهما:

- ‌يحيى الميورقي يستمر في ثورته ويصده عنها النّاصر الموحدي ويفتكّ منه افريقية:

- ‌نهاية قراقوش ويحيى الميورقي بن غانية:

- ‌المقالة التّاسعةفي ذكر دولة بني مرين وبني زيان وبني نصر

- ‌الباب الأولفي ذكر دولة بني مرين بالعدوة

- ‌عبد الحق بن محيو ومن ولي بعده:

- ‌أبو يوسف يعقوب:

- ‌أبو يعقوب يوسف:

- ‌أبو ثابت عامر:

- ‌أبو الربيع سليمان:

- ‌أبو سعيد عثمان:

- ‌أبو الحسن المريني ودخوله إلى تونس:

- ‌أبو عنان وأعماله بافريقية:

- ‌نهاية المرينيين:

- ‌السلطة بالمغرب الأقصى في عصر المؤلف:

- ‌الباب الثانيفي ذكر بني زيّان ملوك تلمسان

- ‌يغمراسن:

- ‌عثمان ومن ولي بعده:

- ‌أبو تاشفين عبد الرحمان ودخوله تونس:

- ‌نهاية بني زيّان:

- ‌الباب الثالثفي ذكر دولة بني نصر بالأندلس

- ‌المقالة العاشرةفي ذكر دولة بني حفص بأفريقية

- ‌أبو محمد عبد الواحد

- ‌أبو العلا ادريس

- ‌أبو زكرياء يحيى:

- ‌المستنصر ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌الواثق:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم ابن أبي زكرياء:

- ‌الدّعي ابن أبي عمارة:

- ‌أبو حفص عمر ابن أبي زكرياء:

- ‌أبو عصيدة ومن توفي من العلماء في أيامه:

- ‌أبو بكر الشهيد:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو يحيى زكرياء ابن اللحياني:

- ‌ محمّد أبو ضربة

- ‌أبو يحيى أبو بكر:

- ‌وفاة القاضي ابن قدّاح:

- ‌وفاة الفقيه محمد بن عبد الله بن راشد القفصي:

- ‌وفاة الفقيه عبد الله ابن البراء التنوخي:

- ‌وفاة الشّيخ علي بن منتصر الصدفي:

- ‌وفاة الشّيخ أبي حيان:

- ‌أبو حفص عمر بن أبي بكر والتنافس بين الحفصيين:

- ‌عود إلى ذكر تملك أبي الحسن المريني تونس وأعمالها وما وقع له بها:

- ‌الفضل بن أبي بكر:

- ‌أبو اسحاق ابراهيم بن أبي بكر وابن تافراجين:

- ‌حركة أبي عنان المريني في اتجاه تونس:

- ‌عود إلى ذكر أبي اسحاق ابراهيم وابن تافراجين:

- ‌وفاة ابن تافراجين:

- ‌وفاة القاضي أبي القاسم بن سلمون البياسي:

- ‌وفاة أبي اسحاق ابراهيم:

- ‌أبو البقاء خالد:

- ‌أبو العباس أحمد ونزول النصارى بالمهدية:

- ‌أبو فارس عبد العزيز:

- ‌ترجمة الشّيخ ابن عرفة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز داخل افريقية والمغرب:

- ‌نزول النصارى بقرقنة:

- ‌حركة أبي فارس عبد العزيز بمالطة والمغرب الأوسط:

- ‌نزول النصارى بجربة ومواجهة أبي فارس لهم:

- ‌حركة أخرى بالمغرب الأوسط لأبي فارس ووفاته:

- ‌مزايا أبي فارس:

- ‌أبو عبد الله محمد المنتصر:

- ‌أبو عمرو عثمان ومن توفي في أيامه من المشايخ:

- ‌أبو زكرياء يحيى بن مسعود وعبد المؤمن بن ابراهيم:

- ‌محمد بن الحسن وتغلب النصارى على مواقع من افريقية:

- ‌الحسن بن محمد والتصارع العثماني الاسباني بافريقية:

- ‌درغوث باشا:

- ‌أحمد الحفصي واستمرار التصارع العثماني الإسباني:

- ‌محمد الحفصي: نهاية الدولة الحفصية والاستقرار العثماني بتونس:

- ‌تتمة من الناسخ:

الفصل: قلت لا منافاة بين كلامي الشيخ ابن الدباغ رحمه الله

قلت لا منافاة بين كلامي الشيخ ابن الدباغ رحمه الله فان العبيديين كثيرون منهم صريح الفسق، ومنهم صريح الكفر، ومنهم المستور، فان من ثبت عنه سبّ الصّحابة ولم يتب فاسق، ومن ثبت عنه سبّ الأنبياء ولم يتب كافر، ومن سلم من ذلك فهو مستور، صالح في سياسته، فاسق في اعتقاده الا من سلم ظاهرا وباطنا من الكفر والابتداع، وقليل ما هم، وقد تقدّم قول السّيوطي أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الاسلام منهم من أظهر سبّ الصّحابة والأنبياء ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسّجود له، والخيّر منهم رافضي خبيث لئيم يأمر بسبّ / الصّحابة، وأما اظهار العدل والانصاف من بعضهم وتولية قضاة الحق وفصاحة الخطبة فلا يدل على شيء، فان أكثر الكفرة اذا استولوا على الخلق غلبة وأدخلوهم تحت حكمهم أمرا ونهيا فانقادوا لهم يظهرون العدل فيهم والانصاف سياسة لا ديانة وطاعة لله، فكم ظهر من عدل في بعض أحكام فرعون، وبعض الأكاسرة مع انكار الصّانع أو دعوى الرّبوبيّة وقد يكون تمدينا من بعض النصارى مع صريح كفرهم الذي لا شك فيه.

‌تأسيس المهديّة:

«وفي سنة ثلاث وثلاثمائة لخمس خلت من ذي القعدة (99) ابتدأ المهدي بناء المهديّة المدينة المشهورة فلذا نسبت إليه، وعندما كمل بناؤها قال: الآن آمنت على الفاطميات» (100) «قال أبو اسحاق ابراهيم بن القاسم بن الرّقيق في كتابه (101): خرج عبيد الله المهدي بنفسه في سنة ثلاثمائة إلى مدينة تونس فاجتاز على قرطاجنة وغيرها، ومرّ على جميع السّواحل يرتاد موضعا على ساحل البحر يتخذ فيه مدينة تحصّنه، وتحصّن بنيه من بعده، وقد كان عنده علم (حدثاني بقيام قائم)(102) على ذرّيته، فأقام يلتمس ذلك مدّة، فلم يجد موضعا أحسن ولا أحصن من موضع المهديّة فبناها هنالك، وجعلها دار مملكته. قال: وكان أول ما ابتنى منها سورها الغربي الذي في أبوابها، وعندما وضع

(99) 11 ماي 916 م، انظر رحلة التجاني ص: 320، وانتقل إليها في شهر شوال من سنة ثماني وثلاثمائة فسكنها، تاريخ الخلفاء الفاطميين، المرجع السابق ص:209.

(100)

نقلا عن التجاني بتصرف يسير.

(101)

النقل من رحلة التجاني ص: 320.

(102)

في الأصول: «حدثان بقائم» والمثبت من رحلة التجاني ص: 321.

ص: 344

أوّل حجر منه وهو حاضر أمر ناشبا كان بين / يديه أن يوتر قوسه ويقف على ذلك الحجر ويرمي بسهمه، ففعل الرّامي ذلك، فانتهى السّهم إلى المصلّى، ووقع قائما على نصله (103)، فقال المهدي: إلى ذلك الموضع ينتهى صاحب الحمار - يعني أبا يزيد - فقد كان وصول أبي يزيد إلى ذلك الموضع ولم يتجاوزه.

قال معلم الفتيان (104) في تاريخه: وأمر المهدي بقياس مسافة هذه الرّمية فكانت مائتي ذراع وثلاثا وثلاثين ذراعا، فقال المهدي: هذا منتهى ما تقيم المهديّة في أيدينا من السنين، قال: ولمّا تم بناء السّور هنّأه أولياؤه (105) بذلك، فقال لهم: ان جميع ما ترون انما عمل لساعة واحدة يعني ساعة وصول أبي يزيد إلى المهديّة - قال: وكان يقف على فرسه فيأمر الصّناع بما يصنعون، [قال] وأمر بعمل باب الحديد للمدينة فجعل صفائح مصمّتة من غير خشب ثم أثبتت فيها المسامير، فبقيت تتقلقل، فقال للصّناع:

ما عندكم في هذا، فقالوا: لا ندري، فأمرهم بتسميرها كذلك، ثم أمر بايقاد النّار تحت الباب كلّه حتى التهبت واتّصلت المسامير بالصفائح فعادت كلها قطعة واحدة.

ولمّا تمّ الباب على هذه الصفة أحب اختبار وزنه فكلهم أخبره أن لا سبيل إلى ذلك لفرط ثقله، فأمرهم أن يضعوا أحد مصراعيه على ظهر سفينة ففعلوا ذلك، ونظر إلى منتهى غوص السفينة في الماء، ثم أنزل وشحنت السّفينة بالرّمل والحجارة إلى أن / وصل منها ما وصل أولا، واستخرج الرّمل والحجارة منها فوزنا على كرّات، فكان وزن كل مصراع منهما مائة قنطار، وفي كثير من نسخ المؤرخين ألف قنطار، وكذا حكى أبو عبيد (106) في «المسالك» (107) ولمّا علموا قدره وحاولوا تحريكه (108) صعب عليهم فتحه واغلاقه، فلم تكن المائة من الرجال تستطيع ذلك، فأمر المهدي بأن يكون مداره على الزّجاج، فهان أمره وصار الرجل الواحد يتولّى منه ما كانت المائة تعجز عنه، فعجب من هذا كله ومن فطنة المهدي [ونفوذ فكرته](109).

(103) في الأصول: «نعله» والمثبت من رحلة التجاني.

(104)

النقل من الرحلة وتساءل حسن حسني عبد الوهاب محقق الرحلة: «لعله محرز بن خلف المعلم المتوفي سنة 413 هـ - 1022 - 1023 م» .

(105)

في ت وش: «ولايته» ، وفي ط:«ولاته» والمثبت من الرحلة.

(106)

أبي عبيد الله ابن عبد العزيز البكري.

(107)

المسالك والممالك.

(108)

في الرحلة: «تركيبه» .

(109)

اضافة من الرحلة.

ص: 345

وأمر المهدي بحفر مرسى المهديّة وكان حجرا صلدا، فنقر نقرا وجعله حصنا لمراكبه الحربية (110)، وأقام على فم هذا المرسى سلسلة من حديد، يرفع أحد طرفيها عند دخول السفن ثم تعاد كما كانت تحصينا للمرسى من طروء (111) مراكب النّصارى (112)، وابتنى دار الصّناعة، وهي من عجائب الدّنيا، ثم شرع في حفر الأهراء بداخل المدينة، وبنى الجباب (113) والمصانع، واختزن الأهراء بالطّعام، وملأ الجباب (113) بالماء، ثم أمر بحفظها ولم (114) تفتح إلاّ في أيّام أبي يزيد، ولولا ذلك لما أطاقوا الحصار، وكان اتّساع المهديّة في أول بنائها من الشمال (115) إلى الجنوب (116) قدر غلوة سهم فاستصغرها المهدي عند ذلك فردم من البحر مقدارها وأدخله في المدينة فاتسعت، والجامع الأعظم والدّار المعروفة في القديم بدار المحاسبات من جملة ما ردم من البحر.

وأخذ عبيد الله / في بناء قصوره بها فبنى القصر الكبير المعروف الذي كلّله بطيقان الذّهب، وبنى ابنه أبو القاسم بازائه قصره المعروف به [أيضا] وبينهما فسحة، وبشرقي قصر عبيد الله حيث كان هي دار الصّناعة [الآن].

ولمّا كمل سور البلد (117) وقصورها أراد عبيد الله الانتقال إليها فثقل ذلك على أوليائه وجنده، وصعب عليهم استبدالهم بالموضع الذي استوطنوه، فقال لهم: ان صعب عليكم ذلك فنحن ننتقل ونترككم هاهنا ونجري عليكم الأرزاق والصّلات، وعمّا قليل ستنتقلون إلينا مسارعين. قال المؤرخون: فلم يكن بعد ذلك إلاّ زمان يسير حتى أرسل الله السّماء بأمطار غزيرة أخربت مساكن رقّادة وأهدمت دورها وأهلكت خلقا عظيما من

(110) في الأصول: «بحرية» .

(111)

في الرحلة: «دخول» .

(112)

قال البكري في خصوص مرسى المهدية: «ومرساها منقور في حجر صلد يسع ثلاثين مركبا على طرفي المرسى برجان بينهما سلسلة من حديد فاذا أريد ادخال سفينة فيه أرسل حراس البرجين أحد طرفي السلسلة حتى تدخل السفينة ثم مدوها كما كانت بعد ذلك لئلا يطرقها مراكب الروم» كتاب المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب (جزء من المسالك) تحقيق دي سلان (De Slane) باريس 1965 ص: 30.

(113)

في الرحلة: «الجباب» وعند مقديش «المصانع» والجباب لها نفس المعنى، وكذلك كانت تطلق كلمة المصانع على صهاريج الناصرية بصفاقس، واستعمل البكري كلمة «مواجل» في نفس المعنى.

(114)

في الأصول: «وأن لا» والمثبت من الرحلة ص: 322.

(115)

في الرحلة: «الجوف» .

(116)

في الرحلة: «القبلة» .

(117)

في الرحلة: «المدينة» . وفي لهجة صفاقس وكما سيكتبها المؤلف في عدة مواضع من هذا الكتاب: «البلاد» وتعني المدينة.

ص: 346