الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفاقس:
ومن مدينة قابس إلى مدينة صفاقس (31) نازلا مع الجون سبعون ميلا.
وبين قفصة وصفاقس بين جنوب وغرب ثلاثة أيام، ومدينة صفاقس / قديمة (اسلامية)(32) عامرة، لها أسواق كثيرة، وعمارة شاملة، وعليها سور حصين من حجارة، في غاية السمو، وأبوابها مصفحة بصفائح من حديد منيعة، وعلى سورها محارس نفيسة للرّباط، وأسواقها نافقة، وشرب أهلها من المواجل (وكان)(33) يجلب إليها من قابس نفيس الفواكه، وعجيب أنواعها، ويصاد بها من السمك ما يعظم خطره ويكبر قدره (قبل أن تدخله الأمكاس وظلم الأنجاس)(34) وأكثر صيدهم بالزّروب المنصوبة لهم في الماء الميت بضروب من الحيل، وأكثر غلاّتها (في سابق الزمن)(35) الزيتون والزيت. وبها منه ما ليس يوجد بغيرها مثله، وبها مرسى حسن ميت الماء. قال في «نزهة المشتاق» (36):«وبالجملة فهي من عز البلاد، ولأهلها نخوة، وفي أنفسهم عزة، وهي الآن معمورة وليست مثل ما كانت عليه من العمارة والأسواق والمتاجر في الزمن القديم» أهـ. يعني وقت تأليفه لكتابه.
وكان (37) زمن استيلاء الخبيث لجار عليها وغيرها، - عليه لعنة الملك الجبّار - فإنها في تلك المدة (38) قتلت أبطالها وعلماؤها جهادا في سبيل الله حسبما يأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في المقالة الثامنة.
(31) كتبها الادريسي بالسين في أولها، وكذلك كانت تكتب إلى القرن الثامن، ثم أبدلت السين صادا كما نقرأه في رحلة التجاني، وتاريخ ابن خلدون، وهي كلمة بربرية الأصل، واللغة البربرية لا صاد فيها وفي اللهجة الدارجة تنطق بالسين موافقة للغة البربرية.
(32)
اضافة من المؤلف، ويقصد بها أن صفاقس اسلامية المنشأ كما سيبينه في الجزء الثاني من كتابه.
(33)
اضافة تسجل بعدا تاريخيا، ففي القرن الثامن عشر الذي عاش المؤلف ثلثه الأخير امتدت الأراضي الفلاحية حول صفاقس، وصارت هذه المدينة تنتج من الثمار والفواكه عديدها، وتصدر منها الكثير داخل الايالة وخارجها نحو طرابلس ومصر و «بلاد الترك» .
(34)
اضافة من المؤلف، ويشير بها إلى مختلف الضرائب التي كانت تدفع على مختلف المنتوجات الفلاحية ويزيد فيها القياد واللّزامون الذين اشتروها لزمة من حكام البلاد طلبا للربح ظلما.
(35)
اضافة من المؤلف لها بعد تاريخي، اذ في زمانه تعددت الأشجار المثمرة وتنوعت كما ينص عليه في الفقرة الموالية، وفي الجزء الثاني من كتابه.
(36)
ص: 107، تصرف في النقل كعادته بشيء يسير في هذه المرة.
(37)
هنا يبدأ محمود مقديش تأليفا خاصا به.
(38)
من سنة 543 - 551 هـ - 1148 - 1156، راجع رحلة التجاني، ص: 74 - 75، وشارل جوليان (Ch. A Julien)
تاريخ شمال افريقيا 1/ 107 (Histoire).
وقال التجاني (39) في «رحلته» وصلنا ظهرا إلى صفاقس فرأيت / مدينة حاضرة ذات سورين يمشي الراكب بينهما، ويضرب البحر في الخارج منهما، وكانت بها غابة زيتون ملاصقة لسورها فأفسدتها العرب، فليس بخارجها الآن شجرة قائمة، وفواكهها مجلوبة إليها من قابس (40).
قلت (41): وهذا كان في تلك الأعصار وأما الآن منذ دخلت العساكر العثمانية (42)، ولا سيّما في دولة سيدي حسين باي بن علي (43) وعترته، فصفاقس لها بساتين وجنّات مشتملة على غرائب الأشجار، وبدائع الثّمار خصوصا الفستق (44) الذي لا يوجد مثله إلاّ مجلب، والتين والكروم المختلفة الألوان والأشكال، والكمثرى بجميع أنواعها، خصوصا السكّري منها، والتفّاح بجميع طعومه، والمشمش الفائت الحصر، واللّوز بجميع أنواعه، والمقاثي، والبطيخ بجميع أنواعه وأشكاله، وعيون
(39) أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد التجاني، ولد بتونس العاصمة ما بين 670 - 675/ 1272 - 1276 ونشأ في بيئة مخزنية راقية، قام برحلته في البلاد التونسية والقطر الطرابلسي من سنة 706 - 708/ 1306 - 1308. راجع مقدمة حسن حسني عبد الوهاب، محقق الرحلة، ص: 19 وما بعدها. رحلة التجاني. تونس 1958.
(40)
رحلة التجاني، تحقيق حسن حسني عبد الوهاب، تونس 1378/ 1958 ص:68.
(41)
ما يلي خاص بالمؤلف.
(42)
دخلت صفاقس مع عدة مدن تونسية تحت النفوذ العثماني، على يد درغوث باشا، قبل دخول تونس العاصمة تحت نفوذهم بنحو عشرين سنة، وألحقت صفاقس نهائيا بعاصمتها تونس في رجب 1002 هـ - مارس 1593 بعد فترة طويلة بقيت فيها مرتبطة اداريا بطرابلس. راجع علي الزواري: صفاقس في القرن السادس عشر، مجلة القلم، صفاقس 1974 عدد 2، ص: 4 وما بعدها، وأنظر عزيز سامح: الأتراك العثمانيون بشمال افريقيا، ترجمة من التركية، عبد السلام أدهم، بيروت 1969، ص:86.
(43)
أسس الدولة الحسينية في سنة 1705 إلى أن افتكها منه ابن أخيه علي باشا في سنة 1740 بعد مدة من الاضطرابات بدأت سنة 1728، والمؤلف من الممجدين للدولة الحسينية كما يتبين من تأليفه، وربما لأن الايالة التونسية وصفاقس، مدينة المؤلف، مشت على درب التقدم أشواطا خلال القرن الثامن عشر أي منذ انتصاب الحسينيين. وخاصة مدة حكم حمودة باشا الذي عاصره محمود مقديش.
(44)
كتبها المؤلف «فزدق» . هذا في عصر المؤلف، أما الآن فإن انتاجها منه قليل لأن شجرة الفستق تحتاج إلى عناية كبيرة، وأهم غراسة للفستق الآن موجودة بضيعة الشعال الحكومية التي بها ما يقرب من 30000 شجرة. والطقس وطبيعة التربة بمنطقة صفاقس يساعدان على نمو هذه الشجرة لذلك بدت الرغبة الآن في غراستها من جديد وجربت بين الزيتون كما في الماضي فتعايشت معه.