الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحصون المنيعة. ولمّا مات محمّد بن سعد جاء أولاده، وقيل هم أخوته، إلى الأمير يوسف بن عبد المؤمن وهو باشبيلية فسلّموا له جميع بلاد شرق الأندلس التي كانت / لأبيهم أو أخيهم فأحسن إليهم الأمير يوسف وتزوّج أختهم فأصبحوا عنده في أعز مكان.
ثم ان الأمير يوسف شرع في استرجاع بلاد المسلمين من أيدي الافرنج، وكانوا قد استولوا عليها، فاتّسعت مملكته بالأندلس وصارت سراياه تصل (147) مغيرة إلى باب طليطلة، ثم أنه حاصرها، فاجتمع الافرنج عليه كافة، واشتد الغلاء في عسكره، فرجع عنها وعاد إلى مراكش.
وفي سنة خمس وسبعين (148) قصد بلاد افريقية وفتح مدينة قفصة، ثم دخل إلى جزيرة الأندلس في سنة ثمانين ومعه جمع كثيف، وقصد غربي بلادها فحاصر مدينة شنترين شهرا فأصابه مرض فمات منه في شهر ربيع الأول سنة ثمانين وخمسمائة (149) وحمل في تابوت إلى اشبيلية - رحمه الله تعالى -.
أبو يوسف يعقوب:
وبعد وفاته اجتمع رأي أشياخ الموحدين وبني عبد المؤمن على تقديم ولده (150) أبي يوسف يعقوب بن أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن فبايعوه، وعقدوا له الولاية ودعوه أمير المؤمنين، ولقّبوه المنصور فقام بالأمر أحسن قيام» (151)، «وكان من أهل العلم، وحسن التوقيع، طلب يوما من قاضيه أن يختار له رجلين لغرضين: من تعليم ولد، وضبط أمر، فعرّفه برجلين، قال في أحدهما: هو برّ في دينه، وقال في الآخر:
هو بحر في علمه، فاختبرهما السّلطان بنفسه فقصّرا بين يديه وأكذبا الدعوى (152)، فكتب على رقعة القاضي التي سيّرها / معهما بتعريفهما: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(147) في الأصول: «تتصل» .
(148)
1179 - 1180 م.
(149)
كذا بالوفيات، جوان - جويلية 1184 وفي تاريخ الدولتين:«الثامن عشر من ربيع الآخر» ص: 14.
(150)
ما يتعلق بالأمير يوسف بن عبد المؤمن نقله المؤلف من وفيات الأعيان لابن خلكان 7/ 130 - 132.
(151)
الوفيات من ترجمة «المنصور الموحدي» 7/ 3.
(152)
في الأصول: «الدعوة» .
{ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (153). وهذا من التّوقيع العزيز (154) في الاجادة والصّنعة» (155).
«وهو (156) الذي أظهر أبهة الملك، ورفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل، وبسط أحكام النّاس على حقيقة الشّرع، ونظر في أمر الدّين والورع، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وأقام الحدود حتى في أهله وعشيرته وأقاربه كما أقامها في سائر النّاس أجمعين، فاستقامت الأحوال في أيامه وعظمت الفتوحات، ولمّا مات أبوه كان معه في الصّحبة، فباشر تدبير المملكة هنالك، وأول ما رتّب قواعد الأندلس، فأصلح شأنها ورتّب المقاتلة في مراكزها، ورتب أحوالها في مدة شهرين وأمر بقراءة البسملة في [أول] الفاتحة في الصلاة، وأرسل بذلك إلى سائر بلاد (157) الاسلام التي في مملكته، فأجابه قوم وامتنع آخرون (لاختلاف الآراء في كونها آية من الفاتحة، وهي مسألة مشهورة محلّها كتب الفروع)(158).
ولمّا رجع إلى مرّاكش كرسي ملكهم خرج عليه علي بن اسحاق» (159)(وأخوه يحيى أولاد [ابن] غانية بقية الملثّمين كما سيأتي نبؤهم في الباب الثالث)(160).
«وفي سنة ست وثمانين (163) بلغه أن الافرنج ملكوا مدينة شلب (164) وهي في غرب
(153) سورة الروم: 41.
(154)
في تاريخ الدولتين: «الغريب» .
(155)
ما بين الظفرين نقله بتصرف من تاريخ الدولتين للزركشي ص: 15. وذكر ذلك لسان الدّين بن الخطيب في «رقم الحلل»، أنظر الاستقصا 2/ 179.
(156)
رجع إلى النقل من الوفيات لابن خلكان 7/ 3.
(157)
في ش: «البلاد» .
(158)
ما بين القوسين زيادة من المؤلف عن الوفيات.
(159)
وفيات الأعيان 7/ 3 - 4.
(160)
زيادة عن الوفيات.
(161)
1185 - 1186 م.
(162)
نقل من تاريخ الدولتين ص: 15.
(163)
1190 م.
(164)
في الأصول: «سلف» والمثبت من الوفيات 7/ 4 «واستولوا على غيرها من مدن غرب الأندلس كباجة ويابرة» . انظر الاستقصا 2/ 164.
جزيرة الأندلس، فتجهز إليها بنفسه وحاصرها وأخذها، وأنفذ في الوقت / جيشا من الموحدين ومعهم جماعة من العرب، ففتحوا أربع مدائن من مدن الافرنج كانوا أخذوها من المسلمين قبل ذلك بأربعين سنة، وخاف صاحب طليطلة وطلب الصّلح، فصالحه خمس سنين وعاد إلى مرّاكش» (165).
«ولما انقضت مدة الهدنة (169) ولم يبق سوى القليل خرجت طائفة من الافرنج في جيش كثيف إلى بلاد المسلمين فنهبوا وسبوا وعاثوا عيثا فظيعا، فانهى الخبر إلى الأمير يعقوب وهو بمراكش، فتجهز لقصدهم [في] جحفل عرمرم من قبائل العرب والموحدين، واحتفل وجاز إلى الأندلس، وذلك في سنة احدى وتسعين، وخمسمائة» (170)، «فعلم الافرنج به فجمعوا خلقا كثيرا من أقاصي بلادهم» (171) «وقصدوه فبلغ الأمير يعقوب خبر مسيرهم، وكثرة جموعهم، فما هاله ذلك، وجدّ في السّير نحوهم، حتى التقوا في شمال قرطبة على قرب قلعة رباح (172) في مرج (173) الحديد وفيه نهر يشقّه وعبروا إلى منزلة الافرنج وصافهم وذلك في يوم الخميس التاسع (174) من شعبان سنة احدى وتسعين وخمسمائة (175) واقتفى في ذلك أثر أبيه وجدّه، انهما كانا أكثر ما يصافون يوم الخميس، ومعظم حركاتهم في صفر، ووقع القتال وبرزت الأبطال
(165) الوفيات 7/ 4.
(166)
1194 م.
(167)
في تاريخ الدولتين ص: 16: «الحسن» .
(168)
نقل حرفي من تاريخ الدولتين ص: 16 وانظر الاستقصا 2/ 187 وفيه أنه توفي سنة 572 ولعله تحريف عن 92 وذكر الاستقصا في ص: 189 أنه توفي سنة 594 وهو التاريخ الصحيح، وهو الذي ذكره ابن قنفد القسنطيني في الوفيات (الجزائر)146.
(169)
في الأصول: «المهدية» والمثبت من الوفيات 7/ 4.
(170)
1194 - 1195 م.
(171)
الوفيات لابن خلكان 7/ 4 - 5.
(172)
في الأصول: «رياح» والمثبت من الوفيات 7/ 8.
(173)
كذا بالأصول والوفيات، «وفحص الحديد» في المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي كان موجودا سنة 621. تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، القاهرة 1368/ 1949 ص: 282.
(174)
في الأصول: «السابع» والمثبت من الوفيات التي ينقل عنها المؤلف.
(175)
19 جويلية 1195 م.
وصبرت الرجال، فأمر الأمير يعقوب فرسان / الموحدين وأمراء العرب أن يحملوا ففعلوا، وانهزم الافرنج وعمل فيهم السّيف فاستأصلهم قتلا، وما نجا (176) ملكهم الا في نفر يسير، ولولا دخول الليل لم يبق منهم أحد، وغنم المسلمون أموالهم، حتى قيل ان الذي حمل (177) لبيت المال من دروعهم ستّون ألف درع، وأما الدّواب على اختلاف أنواعها فلم يحص لها عدد، ولم يسمع في بلاد الأندلس بكسرة مثلها (178).
ومن عادة الموحدين أنهم لا يأسرون مشركا محاربا ان ظفروا به ولو كان ملكا عظيما، بل تضرب رقابهم قلّوا أو كثروا، فلما أصبح جيش المسلمين اتبعوهم فألفوهم قد أخلوا (179) قلعة رباح لما داخلهم من الرّعب، فملكها الأمير يعقوب وجعل فيها واليا وجيشا، ولكثرة ما حصل له من الغنائم لم يمكنه الدّخول إلى بلاد الافرنج في ذلك الوقت، فعاد إلى مدينة طليطلة وحاصرها وقاتلها أشدّ القتال، وقطع أشجارها وشن الغارات على بلادها، وأخذ من أعمالها حصونا كثيرة وقتل رجالها وسبي حريمها وخرّب مبانيها وهدّم أسوارها، وترك الافرنج في أسوء حال، ولم يبرز إليه أحد من المقاتلة.
ثم رجع إلى اشبيلية وأقام بها إلى سنة ثلاث وتسعين (180)، فعاد إلى بلاد الافرنج مرّة ثالثة، وفعل بها كفعله المتقدم، فلم يبق للافرنج قدرة على لقائه وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فأرسلوا إليه يلتمسون الصّلح، فأجابهم إلى ذلك لما اتصل به من أخبار يحيى بن اسحاق (181) / الميورقي ابن غانية لما دخل افريقية عند اشتغال الأمير يعقوب بجهاد الأندلس ثلاث سنين، فأوقع الصلح بينه وبين ملوك الافرنج بالأندلس
(176) في ش: «نجى» .
(177)
في الوفيات: «حصل» .
(178)
وهذه الوقعة تعرف بوقعة الارك. قال عبد الواحد المراكشي في «المعجب» ص: 283: «وكانت هذه الهزيمة أختا لهزيمة «الزّلاقة» وسيذكرها المؤلف بعد قليل.
(179)
في الأصول: «دخلوا» .
(180)
1196 - 1197 م.
(181)
في الوفيات: «علي بن اسحاق» وعلي هو أخ يحيى، وجاء في رحلة التجاني:«وفي مياومة الفاضل ابن البيساني أن الخبر وصلهم في جمادى الاخرى من سنة خمس وثمانين ان يحيى بن اسحاق الميورقي وأبا زياد المغربي دخلا إلى جزيرة باشو بقرب من تونس واستأصلا أهلها فانتقلوا إلى تونس ودخلوا حفاة عراة فمات منهم بالجوع والبرد والانقطاع نحو اثني عشر ألفا، هكذا ذكر الفاضل ان ذلك من فعل يحيى بن اسحاق وفي الحديث المتقدم ان ذلك من فعل علي بن اسحاق أخيه فيمكن أن تكون قضية واحدة وقع الغلط في نسبتها ويمكن أن تكونا قضيتين وهذا هو الظاهر فان سنة اثنين وثمانين على ما ذكر ابن شدّاد انما كان الأمر فيها لعلي ابن اسحاق وبعده ولي أخوه يحيى والله أعلم» ص: 14 - 15.
جميعهم على ما اختاره لمدة خمس سنين، ثم عاد إلى مراكش في أواخر سنة ثلاث وتسعين، ولما وصل إليها أمر باتخاذ الأحواض والرّوايا (182) وآلة السفر للتوجه إلى بلاد افريقية، فاجتمع إليه أشياخ (183) الموحدين وقالوا له: يا سيدنا قد طالت غيبتنا بالأندلس، فمنا من له خمس سنين ومنا من له ثلاث سنين وغير ذلك، فتنعم علينا بالمهلة هذا العام وتكون الحركة سنة خمس وتسعين، فأجابهم إلى سؤالهم وانتقل إلى مدينة سلا (184) وشاهد ما فيها من المنتزهات المعدّة له، وكان قد بنى بالقرب منها مدينة عظيمة سمّاها «رباط الفتح» على هيئة الاسكندرية في اتّساع الشّوارع وحسن التّقسيم واتّساع البناء وتحسينه وتحصينه، وبناها على البحر المحيط الذي هناك، وهي على نهر بسلا (184) مقابلة لها من البرّ (185)، وطاف تلك البلاد وتنزّه فيها ثم رجع إلى مرّاكش» (186).
وقال ابن الخطيب (189) «لما تم له ما أراده من تمهيد بلاد افريقية صرف عنانه إلى الجهاد بالأندلس فأجاز البحر، واحتل اشبيلية (190)، ولحقت به ارسال طاغية الروم،
(182) في ط: «الراويات» ، وفي ش:«الروايات» .
(183)
في الوفيات: «مشايخ» .
(184)
في الأصول: «سلى» .
(185)
في الوفيات: «البر القبلي» 7/ 9.
(186)
الوفيات 7/ 8 - 9.
(187)
ما سيذكره ابن خلكان في خصوص موت المنصور لا أساس له من الصحة، بل توفي بقصره في مراكش في 22 ربيع الثاني سنة 595. انظر مثلا تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين تأليف يوسف أشباح ترجمة محمد عبد الله عنان، القاهرة 1360/ 1941، 2/ 90، ويقابله بالمسيحية 22 مارس 1199 م. وقال الزركشي: «اختلف في موته. . . ثم توفي في ليلة الجمعة الثانية والعشرين من ربيع الأول سنة خمس وتسعين» .
(188)
الوفيات 7/ 9 - 10.
(189)
في رقم الحلل. أنظر أيضا الاستقصا 2/ 168.
(190)
في الأصول: «باشبيلية» .
فصرفهم وعرض الجيش، وأخذ في التقرّب بالقرب إلى الله بين يدي جهاده فاستبرا (191) السّجون وأدرّ الأرزاق، وعيّن الصّدقات، ورحل ونزل الأرك (192) وقد خيّمت بأحوازها محلاّت العدو يضيق عنها المتسّع (193)، وقام بعد أن اجتمع النّاس فتحلل من المسلمين، وقال: اغفروا لي فيما عسى أن يكون صدر مني، فبكى النّاس، وقالوا منكم يطلب الرضا والغفران، وخطب الخطباء بين يديه محرّضين، فنشط النّاس، وطابت النّفوس، ومن الغد صدع بالنّداء وأخذ السّلاح والبروز إلى اللقاء، فكانت التعبئة تحت الغلس، وكان اللقاء فسال العدو على المسلمين كالبحر، فزلزل مسيرة المسلمين، وعند ذلك أمر المنصور بالهجوم على العدو، فاختلط الفريقان واعتركا، وصدقت حملات المسلمين، حتى أخلت مراكز العدو، فولوا الأدبار ضحى يوم الأربعاء التاسع من شعبان (194) عام واحد وتسعين وخمسمائة (195)، وانتهبت محلات العدو وانجلت المعركة عن حصيد من القتلى لا يحصى عدده، فذكر المقلل / أنه بلغ ثلاثين ألفا، وصرف وجهه عزيزا ظافرا رحمه الله. وفي الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين توفي (196) المنصور ودفن بمجلس سكناه من مراكش، وكذب العامة بموته ولوعا وتمسكا به فادعوا أنه ساح في الأرض» اهـ.
وكان (197) رحمه الله ملكا جوادا عادلا متمسّكا بالشّرع المطهر، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر من غير محاباة، ويصلّي بالناس الصّلوات الخمس، ويلبس الصّوف ويقف للمرأة والضعيف ويأخذ لهم بالحق، ابن خلكان (198): أوصى أن يدفن على قارعة الطريق ليترحم عليه من يمرّ به قال: وسمعت عليه حكاية يليق أن أذكرها هنا، وهي أن الأمير الشيخ عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص عمر والد الأمير أبي زكرياء يحيى [بن عبد الواحد](199) صاحب افريقية كان قد تزوج أخت الأمير المذكور،
(191) في الأصول: «اسبرأ» .
(192)
Alarcos وفي الأصول: «الاراك» .
(193)
في الأصول: «فضيق المتسع» .
(194)
في الأصول: «التاسع عشر من شعبان» والاصلاح من ابن خلكان وغيره وقد ذكر المؤلف هذه الواقعة بالتاريخ هذا عندما نقل أحداثها عن ابن خلكان.
(195)
25 جويلية 1195 م.
(196)
لقد ناقش المؤلف تاريخ وفاة المنصور فيما سبق واعادة هذا تكرار.
(197)
النقل من ابن خلكان، وفيات الأعيان 7/ 10.
(198)
بل يستمر في النقل.
(199)
اضافة من الوفيات.
وأقامت عنده، ثم جرت بينهما مشاجرة (200) فجاءت إلى بيت أخيها الأمير يعقوب، فسير الأمير عبد الواحد في طلبها فامتنعت عليه، فشكى الأمير عبد الواحد [ذلك](201) إلى قاضي الجماعة بمرّاكش، وهو القاضي [أبو](202) عبد الله محمد بن علي بن مروان، فاجتمع القاضي المذكور بالأمير يعقوب وقال له: ان الشيخ أبا محمد عبد الواحد يطلب أهله، فسكت الأمير يعقوب، ومضى على ذلك أيام (203) ثم ان (204) الشيخ عبد الواحد اجتمع بالقاضي المذكور في قصر الأمير يعقوب بمراكش وقال: أنت قاضي المسلمين، وقد طلبت أهلي فما جاؤوني (205) فاجتمع القاضي بالأمير يعقوب / وقال له: يا أمير المؤمنين، الشيخ عبد الواحد قد طلب أهله مرة وهذه الثانية، فسكت الأمير يعقوب، ثم بعد ذلك بمدة لقي الشيخ عبد الواحد القاضي بالقصر وقد جاء إلى خدمة الأمير يعقوب فقال له: يا قاضي المسلمين، قد قلت لك مرتين وهذه الثالثة: أطلب أهلي وقد منعوني عنهم (206)، فاجتمع القاضي بالأمير يعقوب وقال له: يا مولانا قد تكرّر طلبه لأهله، فاما أن تسيّر إليه أهله والا فاعزلني من القضاء، فسكت الأمير يعقوب، وقيل إنه قال له: يا [أبا] عبد الله ما هذا الاّ جدّ كثير (207)، ثم استدعى خادما وقال له في السّرّ:
تحمل أهل الشيخ عبد الواحد إليه (فحملت إليه)(208) في ذلك النهار ولم ينتهر القاضي ولا قال له شيئا يكرهه، وتبع في ذلك حكم الشّرع المطهر وانقاد لأوامره، وهذه حسنة تعدّ له وللقاضي أيضا فانه بالغ في اقامة منار الشّرع والعدل.
وكان الأمير يعقوب شدّد في الزام الرعية باقامة الصّلوات الخمس، «وقتل [في] بعض الأحيان على شرب الخمر، وقتل العمّال الذين تشكوا الرّعايا (209) منهم، وأمر برفض فروع الفقه، وأن العلماء لا يفتون الاّ بالكتاب والسّنة (210)، ولا يقلّدون أحدا من
(200) الوفيات: «منافرة» .
(201)
اضافة من الوفيات.
(202)
اضافة من الوفيات.
(203)
في ش: «أياما» .
(204)
ساقطة من ش.
(205)
في الأصول: «جاءتني» .
(206)
كذا في ط والوفيات، وفي ش:«عنها» .
(207)
في الوفيات: «كبير» .
(208)
ساقطة من ش.
(209)
في ش: «الرعاية» .
(210)
أمر باحراق كتب المذهب المالكي كالمدونة وتهذيب المدونة والواضحة وكان قصده محو المذهب المالكي واحلال المذهب الظاهري محله، وكان أبوه وجده يسيران في هذا الطريق الا أنهما لم يخطوا هذه الخطوة، وشجع على طلب علم الحديث، ونالوا ما لم ينالوا في أيام أبيه وجده. انظر المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي، ص: 78 و 280.
الأيمة المجتهدين المتقدمين، بل تكون أحكامهم بما يؤدي إليه اجتهادهم من استنباطهم القضايا من الكتاب والسنّة والاجماع والقياس.
قال: وقد أدركنا جماعة من مشايخ المغرب وصلوا الينا إلى البلاد وهم على ذلك الطريق مثل أبي الخطاب بن دحية وأخيه أبي عمر ومحي الدّين ابن العربي (211) / نزيل دمشق وغيرهم.
وكان يعاقب على ترك الصّلاة ويأمر بالنّداء في الأسواق بالمبادرة إليها، فمن غفل عنها واشتغل بمعيشته يعزره (212) تعزيرا بليغا.
وكان قد عظم ملكه واتّسعت دائرة سلطنته حتى لم يبق بجميع أقطار المغرب من البحر المحيط إلى برقة إلاّ من هو على طاعته وداخل في ولايته، إلى غير ذلك من جزيرة الأندلس وكان محسنا محبّا للعلماء مقرّبا للأدباء مصغيا إلى المدح مثيبا عليه.
والى الأمير يعقوب تنسب الدّنانير اليعقوبية المغربية.
وكان قد أرسل إليه السلطان صلاح الدّين يوسف بن أيوب رسولا من بني منقذ في سنة سبع وثمانين وخمسمائة (213) يستنجده على (214) الافرنج الواصلين من بلاد المغرب إلى الديار المصرية وساحل الشام، ولم يخاطبه بأمير المؤمنين بل خاطبه بأمير المسلمين، فعزّ عليه ذلك، ولم يجبه إلى ما طلبه (215) منه».
«ولما (216) حضرت الوفاة الأمير يعقوب وقضى نحبه بايع النّاس ولده أبا عبد الله محمد بن يعقوب وتلقب «بالنّاصر» (فاستوزر الشّيخ أبا محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص)(217) واتّصل (218) به ما فعل الميورقي، فنهض إلى افريقية وهزم الميورقي - كما يأتي ان شاء الله تعالى - ثم تحرّك إلى جزيرة الأندلس (فلم يرزق فتحا بل كانت الهزيمة
(211) في الأصول: «محي الدّين المغربي» والمثبت من وفيات الأعيان لابن خلكان 7/ 11.
(212)
يقصد يؤنبه.
(213)
كذا في ابن خلكان ويوافقها بالميلادي 1191 م وفي الاستقصا سنة 585، وفي الروضتين لابي شامة المقدسي سنة 586، انظر الاستقصا والتعليقات عليه 2/ 163.
(214)
قال ابن خلدون: «وفي هذا دليل على اختصاص ملوك المغرب يومئذ بالأساطيل الجهادية، وعدم عناية الدول بمصر والشام لذلك العهد بها» ، الاستقصا 2/ 163 - 164.
(215)
وفيات الأعيان بتصرف يسير 7/ 10 - 11.
(216)
انتقل إلى صفحة 15 من نفس المرجع.
(217)
زيادة عما هو موجود بالوفيات، ونقلها المؤلف عن تاريخ الدولتين ص:17.
(218)
في ط: «وامتثل» .