الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يَخْلُو مَنْ أبْهَمَ إحْرامَه من أحْوَالٍ أرْبَعَةٍ: أحدُها، أن يَعْلَمَ ما أحْرَمَ به فلانٌ، فيَنْعَقِدُ إحْرامُه بمِثْلِه؛ فإنَّ عليًّا قال له النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ؟ " قال: قلتُ: اللَّهُمَّ إنِّى أُهِلُّ بما أهَلَّ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال:"فَإنَّ مَعِى الهَدْىَ، فَلَا تَحِلَّ"(16). الثاني، أن لا يَعْلَمَ ما أحْرَمَ به فلانٌ، فيكون حُكْمُه حُكْمَ النَّاسِى، على ما سَنُبَيِّنُه. الثالث، أن لا يكونَ فلانٌ أحْرَمَ، فيكونَ إحْرَامُه مُطْلَقًا، حُكْمُه حُكْمُ ال
فَصْلِ
الذى قبلَه. الرابع، أن لا يَعْلَمَ هل أحْرَمَ فلانٌ، أو لا، فَحُكْمُه حُكْمُ من لم يُحْرِمْ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ إحْرامِه، فيكون إحْرامُه هاهُنا مُطْلَقًا، يَصْرِفُه إلى ما شاءَ، فإنْ صَرَفَه قبلَ الطَّوَافِ، فَحَسَنٌ، وإن طافَ قبل صَرْفِه، لم يُعْتَدَّ بِطَوَافِه؛ لأنَّه طافَ لا فى حَجٍّ ولا عُمْرَةٍ.
فصل: إذا أحْرَمَ بِنُسُكٍ، ثم نَسِيَهُ قبلَ الطَّوَافِ، فله صَرْفُه إلى أىِّ الأنْسَاكِ شاءَ، فإنَّه إن صَرَفَهُ إلى عُمْرَةٍ، وكان المَنْسِىُّ عُمْرَةً، فقد أصابَ، وإن كان حَجًّا مُفْرَدًا أو قِرَانًا (17) فله فَسْخُهُما إلى العُمْرَةِ، على ما سَنَذْكُرُه، وإنْ صَرَفَهُ إلى القِرَانِ، وكان المَنْسِىُّ قِرَانًا، فقد أصابَ، وإن كان عُمْرَةً، فإدْخَالُ الحَجِّ على العُمْرَةِ جَائِزٌ قبلَ الطَّوَافِ، فيَصِيرُ قَارِنًا، وإن كان مُفْرِدًا، لَغَا إحْرَامُه بالعُمْرَةِ، وصَحَّ حَجُّهُ (18)، وسَقَطَ فَرْضُه، وإن صَرَفَهُ إلى الإفْرَادِ، وكان مُفْرِدًا، فقد أصابَ، وإن كان مُتَمَتِّعًا، فقد أدْخَلَ الحَجَّ على العُمْرَةِ، وصارَ قَارِنًا فى الحُكْمِ، وفيما بَيْنَه وَبيْنَ اللهِ تعالى، وهو يَظُنُّ أنَّه مُفْرِدٌ، وإن كان قَارِنًا فكذلك، والمَنْصُوصُ عن أحمدَ، أَنَّه يَجْعَلُه عُمْرَةً. قال القاضى: هذا على سَبِيلِ الاسْتِحْبَابِ؛ لأنَّه إذا اسْتُحِبَّ ذلك فى حال العِلْمِ، فمَعَ عَدَمِه أوْلَى. وقال أبو
(16) وهذا لفظ النسائى عن جابر، انظر تخريج الحديث السابق.
(17)
فى ب: "قارنا".
(18)
فى م: "بالحج".
حنيفةَ: يَصْرِفُه إلى القِرَانِ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ فى الجَدِيدِ، وقال فى القَدِيمِ: يَتَحَرَّى، فيَبْنِى على غالِبِ ظَنِّه؛ لأنَّه مِن شَرائِط العِبادَةِ، فيَدْخُلُه التَّحَرِّى كالقِبْلَةِ. ومَبْنَى (19) الخِلافِ على فَسْخِ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ، فإنَّه جائِزٌ عِنْدَنا، وغيرُ جَائِزٍ عِنْدَهم، فعَلَى هذا إنْ صَرَفَهُ إلى المُتْعَةِ فهو مُتَمَتِّعٌ. عليه دَمُ المُتْعَةِ، ويُجْزِئُه عن الحَجِّ والعُمْرَةِ جميعًا، وإن صَرَفَهُ إلى إفْرادٍ أو قِرانٍ، لم يُجْزِئْهُ عن العُمْرَةِ، إذ من المُحْتَمِلِ أن يكونَ المَنْسِىُّ حَجًّا مُفْرَدًا، وليس له إدْخالُ العُمْرَةِ على الحَجِّ، فتكونُ صِحَّةُ العُمْرَةِ مَشْكُوكًا فيها، فلا تَسْقُطُ من ذِمَّتِه بالشَّكِّ، ولا دَمَ عليه لذلك؛ فإنَّه لم يَثْبُتْ حُكْمُ القِرانِ يَقِينًا، ولا يَجِبُ الدَّمُ مع الشَّكِّ فى سَبَبِه. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ. فأمَّا إن شَكَّ بعد الطَّوافِ، لم يَجُزْ صَرْفُه إلَّا إلى العُمْرَةِ؛ لأنَّ إدْخالَ الحَجِّ على العُمْرَةِ بعدَ الطَّوافِ غيرُ جائِزٍ. فإن صَرَفَه إلى حَجٍّ أو قِرانٍ، فإنَّه يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ الحَجِّ ولا يُجْزِئُه عن وَاحِدٍ من النُّسُكَيْنِ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أن يكونَ المَنْسِىُّ عُمْرَةً، فلم يَصِحَّ إدْخالُ الحَجِّ عليها بعدَ طَوَافِها، ويَحْتَمِلُ أن يكونَ حَجًّا، وإدْخالُ العُمْرَةِ عليه غيرُ جائِزٍ، فلم يُجْزِئْه واحِدٌ منهما مع الشَّكِّ، ولا دَمَ عليه؛ لِلشَّكِّ فيما يُوجبُ الدَّمَ، ولا قَضَاءَ عليه، لِلشّكِّ فيما يُوجِبُه. وإن شَكَّ وهو فى الوُقُوفِ بعدَ أن طافَ وسَعَى، جَعَلَهُ عُمْرَةً، فقَصَرَ، ثم أحْرَمَ بالحَجِّ، فإنَّه إن كان المَنْسِىُّ عُمْرَةً فقد أصابَ وكان مُتَمَتِّعًا، وإن كان إفْرَادًا أو قِرانًا لم يَنْفَسِخْ بتَقْصِيرِه، وعليه دَمٌ بكلِّ حالٍ، فإنَّه لا يَخْلُو مِن أن يكونَ مُتَمَتِّعًا عليه دَمُ المُتْعَةِ، أو غيرَ مُتَمَتِّعٍ فيَلْزَمُه دَمٌ لِتَقْصِيرِه. وإن شَكَّ، ولم يَكُنْ طافَ وسَعَى، جَعَلَهُ قِرَانًا؛ لأنَّه إن كان قَارِنًا فقد أصابَ، وإن كان مُعْتَمِرًا فقد أدْخَلَ الحَجَّ على العُمْرَةِ، وصارَ قَارِنًا، وإن كان مُفْرِدًا لَغَا إحْرَامُهُ بِالعُمْرَةِ، وصَحَّ إحْرَامُهُ بالحَجِّ، وإن صَرَفَهُ إلى الحَجِّ جَازَ أيضا، ولا يُجْزِئُه عن العُمْرَةِ فى هذه المَوَاضِعِ؛
(19) فى أ، ب، م:"ومنشأ".