الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو عبدِ اللهِ: أمَّا أبو هُرَيْرَةَ فيقولُ: "يَوْمًا ولَيْلَةً". ويُرْوَى عن أبى هُرَيْرَةَ: "لا تُسَافِرُ سَفَرًا" أيضًا. وأمَّا حَدِيثُ أبى سعيدٍ يقولُ: "ثَلَاثَة أيَّامٍ". قلتُ: ما تقولُ أنْتَ؟ قال: لا تُسَافِرُ سَفَرًا قَلِيلًا ولا كَثِيرًا، إلَّا مع ذِى مَحْرَمٍ. ورَوَى الدَّارَقُطْنِىُّ (7) بإسْنَادِهِ عن ابنِ عَبَّاسٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ". وهذا صَرِيحٌ فى الحُكْمِ. ولأنَّها أَنْشَأَتْ سفرًا فى دار الإِسلامِ؛ فلم يَجُزْ بغيرِ مَحْرَمٍ، كحَجِّ التَّطَوُّعِ. وحَدِيثُهم مَحْمُولٌ على الرَّجُلِ، بِدَلِيلِ أنَّهم شَرَطُوا (8) خُرُوجَ غيرِها معها، فجَعْلُ ذلك الغَيْرِ (9) المَحْرَمَ الذى بَيَّنَه النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم فى أحَادِيثِنا أَولَى ممَّا اشْتَرَطُوهُ بالتَّحَكُّم من غيرِ دَلِيلٍ. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ أنَّ الزادَ والرَّاحِلَةَ يُوجِبُ الحَجَّ، مع كَمالِ بَقِيَّة الشُّرُوطِ، ولذلك اشْتَرَطُوا تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ، وإمْكانَ المَسِيرِ، وقَضاءَ الدَّيْنِ، ونَفَقَةَ العِيالِ، واشْتَرَطَ مالِكٌ إمْكانَ الثُّبُوتِ على الرَّاحِلَةِ، وهى غير مَذْكُورَةٍ فى الحَدِيثِ. واشْتَرَطَ كلُّ واحِدٍ منهم فى مَحَلِّ النِّزَاعِ شَرْطًا مِن عند نَفْسِه، لا مِن كِتابٍ (10) ولا من سُنَّةٍ، فما ذَكَرَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى بالاشْتِرَاطِ، ولو قُدِّرَ التَّعَارُضُ، فحَدِيثُنا أخَصُّ وأَصَحُّ وأوْلَى بالتَّقْدِيمِ، وحَدِيثُ عَدِىٍّ يَدُلُّ على وُجُودِ السَّفَرِ، لا على جَوَازِه، ولذلك لم يَجُزْ فى غير الحَجِّ المَفْرُوضِ، ولم يَذْكُرْ فيه خُرُوجَ غيرِها مَعَها، وقد اشْتَرَطُوا هاهُنا خُرُوجَ غيرِها معها. وأمَّا الأسِيرَةُ إذا تَخَلَّصَتْ من أَيْدِى الكُفَّارِ، فإنَّ سَفَرَها سَفَرُ ضرُورَةٍ، لا يُقَاسُ عليه حالةُ الاخْتِيَارِ، ولذلك تَخْرُجُ فيه وَحْدَها؛ ولأنَّها تَدْفَعُ ضَرَرًا مُتَيَقَّنًا بِتَحَمُّلِ الضَّرَرِ المُتَوَهَّمِ، فلا يَلْزَمُ تَحَمُّلُ ذلك من غيرِ ضَرَرٍ أَصْلًا.
فصل:
والمَحْرَمُ زَوْجُها، أو مَن تَحْرُمُ عليه على التَّأْبِيدِ، بنَسَبٍ أو سَبَبٍ
(7) فى: أول كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 223.
(8)
فى م: "اشترطوا".
(9)
فى م: "لغير". خطأ.
(10)
فى أ، ب:"كتاب اللَّه".
مُبَاحٍ، كأبِيها وابْنِها وأخِيها من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ؛ لما رَوَى أبو سعيدٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لِامْرَأةٍ تُؤْمِنُ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ، أنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ فَصَاعِدًا، إلَّا ومَعَهَا أبُوهَا أوِ ابْنُها أوْ زَوْجُها أوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (11). قال أحمدُ: ويكونُ زَوْجُ أُمِّ المَرْأةِ مَحْرَمًا لها يَحُجُّ بها، ويُسافِرُ الرجلُ مع أُمِّ ولدِ جَدِّه، فإذا كان أخُوها من الرِّضَاعَةِ خَرَجَتْ معه. وقال فى أُمِّ امْرَأتِه: ويكون مَحْرَمًا لها فى حَجِّ الفَرْضِ، دون غيرِه. قال الأَثْرَمُ: كأنَّه ذَهَبَ إلى أنَّها لم تُذْكَرْ فى قَوْلِه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} (12). الآية. فأمَّا مَن تَحِلُّ له فى حالٍ، كعَبْدِها، وزَوْجِ أخْتِها، فليسا بمَحْرَمٍ لها. نَصَّ عليه أحمدُ. لأنَّهما غيرُ مَأْمُونَيْنِ عليها، ولا تَحْرُمُ عليهما علَى التَّأْبِيدِ، فهما كالأجْنَبِىِّ. وقد رُوِىَ عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قال:"سَفَرُ المَرْأةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ"(13). أخْرَجَهُ سَعِيدٌ. وقال الشَّافِعِىُّ: عَبْدُها مَحْرَمٌ لها؛ لأنَّه يُباحُ له النَّظَرُ إليها، فكان مَحْرَمًا لها، كذِى رَحِمِها. والأوَّلُ أوْلَى. ويُفَارِقُ ذَا الرَّحِمِ؛ لأنَّه مَأْمُونٌ عليها، وتَحْرُمُ عليه على التَّأْبِيدِ، ويَنْتَقِضُ ما ذَكَرُوهُ بالقَواعِدِ من النِّسَاءِ، وغير أُولِى الإِرْبَةِ من الرِّجَالِ. وأمَّا أُمُّ المَوْطُوءةِ بِشُبْهَةٍ، أو المَزْنِىِّ بها، أو ابْنَتِهما، فليس بمَحْرَمٍ لهما؛ فإنَّ (14) تَحْرِيمَهما بسَبَبٍ غيرِ مُباحٍ، فلم يَثْبُتْ به حُكْمُ المَحْرَمِيَّةِ كالتَّحْرِيمِ الثَّابِتِ باللّعَانِ، وليس له الخَلْوَةُ بهما، ولا النَّظَرُ إليهما لذلك. والكافِرُ ليس بمَحْرَمٍ لِلْمُسْلِمَةِ، وإن كانت ابْنَتَهُ. قال أحمدُ فى يَهُودِىٍّ أو نَصْرَانِىٍّ
(11) فى: باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 937.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى المرأة تحج بغير محرم، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 401. والترمذى، فى: باب كراهية أن تسافر المرأة وحدها، من أبواب الرضاع. عارضة الأحوذى 5/ 117. وابن ماجه، فى: باب المرأة تحج بغير ولى، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 968.
(12)
سورة النور 31.
(13)
أورده المناوى، وعزاه للبزار والطبرانى فى الأوسط. فيض القدير 4/ 105، 106.
(14)
فى م: "لأن".