الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يَقْدِرُ على غيرِ الصِّيامِ. وإذا صامَ فإنَّه يَصُومُ عن كُلِّ مُدٍّ من قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا. ويَنْبَغِى أن يُخَرَّجَ فيه من الخِلَافِ ما ذَكَرْنَاه فى الصَّيْدِ، ومتى بَقِىَ من قِيمَتِها أقَلُّ من مُدٍّ، صامَ عنه يَوْمًا كَامِلًا؛ لأنّ الصَّوْمَ لا يَتَبَعَّضُ، فيَجِبُ تَكْمِيلُه، كمَنْ نَذَرَ أن يَصُومَ يومَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فقَدِمَ فى بعضِ النَّهارِ، لَزِمَه صَوْمُ يَوْمٍ كامِلٍ، والأوْلَى أن يكونَ الواجِبُ من الصَّوْمِ عشرةَ أيَّامٍ، كصَوْمِ المُتْعَةِ، كما جاءَ فى حَدِيثِ عمرَ (2)، أنَّه قال لهبَّارِ بن الأسْوَدِ: إنْ (3) وَجَدْتَ سَعَةً فأهْدِ، فإن لم تَجِدْ سَعَةً، فَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ فى الحَجِّ، وسَبْعَةً إذا رَجَعْتَ، إن شاءَ اللهُ تعالى. ورَوَى الشَّافِعِىُّ، فى "مُسْنَدِه" عن ابْنِ عمرَ مِثْلَ ذلك (4). وأحمدُ ذَهَبَ إلى حَدِيثِ عمرَ، واحْتَجَّ به؛ لأنَّه صَوْمٌ وَجَبَ لِحِلِّه من إحْرَامِه قبلَ إتْمامِه، فكان عشرةَ أيَّامٍ، كصَوْمِ المُحْصَرِ (5). والمُعْسِرُ فى الصَّوْمِ كالعَبْدِ، ولذلك قال عمرُ لِهَبَّارِ بن الأسْوَدِ: إن وَجَدْتَ سَعَةً فأهْدِ، فإن لم تَجِدْ فصُمْ. ويُعْتَبَرُ اليَسارُ والإعْسارُ فى زَمَنِ الوُجوبِ، وهو فى سَنَةِ القَضاءِ إن قُلْنا بِوُجُوبِه، أو فى سَنَةِ الفَواتِ إن قُلْنا لا يَجِبُ القَضاءُ. وقَوْلُ الخِرَقِىِّ:"ثُمَّ يُقَصِّرُ وَيَحِلُّ". يُرِيدُ أن العَبْدَ لا يَحْلِقُ هاهُنا، ولا فى مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لأنَّ الحَلْقَ إزَالَةٌ للشَّعْرِ (6) الذى يَزِيدُ فى قِيمَتِه ومَالِيَّتِه، وهو مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ، ولم يَتَعَيَّنْ إزَالَتُه، فلم يَكُنْ له إزَالَتُه. كغيرِ (7) حَالَةِ الإِحْرامِ. وإن أذِنَ له السَّيِّدُ فى الحَلْقِ، جازَ؛ لأنَّه إنَّما مُنِعَ منه لِحَقِّهِ.
692 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا أَحْرَمَتِ الْمَرْأَةُ لِوَاجِبٍ، لَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ المَرْأةَ إذا أحْرَمَتْ بِالحَجِّ الوَاجِبِ، أو العُمْرَةِ الوَاجِبَةِ، وهى
(2) تقدم تخريجه فى صفحة 425.
(3)
فى أ، ب، م:"فإن".
(4)
تقدم تخريجه فى صفحة 425.
(5)
فى م: "المحرم".
(6)
فى أ، ب، م:"الشعر".
(7)
سقط من: الأصل.
حَجَّةُ الإسْلامِ وعُمْرَتُه، أو المَنْذُورُ منهما، فليس لِزَوْجها مَنْعُها من المُضِىِّ فيها، ولا تَحْلِيلُها، فى قَوْلِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم أحمدُ (1)، والنَّخَعِىُّ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، والشَّافِعِىُّ فى أصَحِّ قَوْلَيْه (2)، وقال فى الآخَرِ: له مَنْعُها. لأنَّ الحَجَّ عِنْدَهُ على التَّرَاخِى، فلم يَتَعَيَّنْ فى هذا العام. وليس هذا بِصَحِيحٍ، فإنَّ الحَجَّ الوَاجِبَ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فيه، فيَصِيرُ كالصلاةِ إذا أحْرَمْتَ بها فى أوَّلِ وَقْتِهَا، وقَضاءِ رمضانَ إذا شَرَعْتَ فيه، ولأنَّ حَقَّ الزَّوْجِ مُسْتَمِرٌّ على الدَّوَامِ، فلو مَلَكَ مَنْعَها فى هذا العَامِ لَمَلَكَهُ فى كلِّ عامٍ، فيُفْضِى إلى إسْقَاطِ أحَدِ أَرْكانِ الإسْلامِ، بخِلَافِ العِدَّةِ، فإنَّها لا تَسْتَمِرُّ. فأمَّا إن أحْرَمَتْ بِتَطَوُّعٍ، فله تَحْلِيلُها ومَنْعُها منه، فى ظاهِرِ قَوْلِ الخِرَقِىِّ. وقال القاضى: ليس له تَحْلِيلُها؛ لأنَّ الحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فيه، فلا يَمْلِكُ الزَّوْجُ تَحْلِيلَها، كالحَجِّ المَنْذُورِ. وحُكِىَ عن أحمدَ، فى امْرَأةٍ تَحْلِفُ بِالصَّوْمِ أو بِالحَجِّ، ولها زَوْجٌ: لها أن تَصُومَ بغيرِ إذْنِ زَوْجِها، ما تَصْنَعُ! قد ابْتُلِيَتْ وَابْتُلِىَ زَوْجُها. ولَنا، أنَّه تَطَوُّعٌ يُفَوِّتُ حَقَّ غيرِها منها، أحْرَمَتْ به بغيرِ إذْنِه، فمَلَكَ تَحْلِيلَها منه، كالأمَةِ تُحْرِمُ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِها، والمَدِينَةِ تُحْرِمُ بغيرِ إذْنِ غَرِيمِها على وَجْهٍ يَمْنَعُه ايفاءَ دَيْنِه الحَالِّ عليها، ولأنَّ العِدَّةَ تَمْنَعُ المُضِىَّ فى الإحْرَامِ لِحَقِّ اللهِ تعالى، فحَقُّ الآدَمِىِّ أوْلَى؛ لأنَّ حَقَّهُ أضْيَقُ، لِشُحِّهِ وحَاجَتِه، وكَرَمِ اللهِ تَعَالَى وغِناهُ. وكلامُ أحمدَ لا يَتَناوَلُ مَحلَّ النِّزاعِ، وهو مُخالِفٌ له من وَجْهَيْنِ؛ أحَدُهما، أنَّه فى الصَّوْمِ، وتَأْثِيرُ الصَّوْمِ فى مَنْعِ حَقِّ الزَّوْجِ يَسِيرٌ، فإنَّه فى النَّهارِ دون اللَّيْلِ. ولو حَلَفَتْ بِالحَجِّ فله مَنْعُها؛ لأنَّ الحَجَّ لا يَتَعَيَّنُ فى نَذْرِ اللَّجَاجِ والغَضَبِ، بل هو مُخَيَّرٌ بين فِعْلِه والتَّكْفِيرِ، فله مَنْعُها منه قبلَ إحْرَامِها بكلِّ حالٍ، بخِلافِ الصَّوْمِ. والثانى، أنَّ الصَّوْمَ إذا وَجَبَ صارَ كالمَنْذُورِ، بِخِلافِ ما نحن فيه، والشُّرُوعُ هاهُنا على وَجْهٍ غيرِ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
فى أ، ب، م:"القولين له".