الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
إذا تَرَكَ الآفاقِىُّ الإِحْرامَ من المِيقاتِ، أو أحْرَمَ من دونِه بِعُمْرَةٍ، ثم حَلَّ منها، وأحْرَمَ بالحَجِّ من مَكَّةَ من عامِه، فهو مُتَمَتِّعٌ، عليه دَمَانِ؛ دَمٌ لمُتْعَتِه (34)، ودَمٌ لإِحْرَامِه مِن دون مِيقَاتِه. قال ابنُ المُنْذِرِ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ: أجْمَعَ العُلَمَاءُ على أنَّ مَن أَحْرَمَ فى أَشْهُرِ الحَجِّ بِعُمْرَةٍ، وحَلَّ منها، ولم يَكُنْ من حَاضِرِى المَسْجِدِ الحَرَامِ، ثم أقامَ بمَكَّةَ حَلالًا، ثم حَجَّ من عَامِه، أنَّه مُتَمَتِّعٌ، عليه دَمٌ. وقال القاضى: إذا تَجَاوَزَ المِيقَاتَ، حتى صَارَ بينَه وبين مَكَّةَ أقَلُّ من مَسَافَة القَصْرِ، فأحْرَمَ منه، فلا دَمَ عليه لِلْمُتْعَةِ؛ لأنَّه من حَاضِرِى المسجدِ الحَرامِ. وليس هذا بِجَيِّدٍ؛ فإنَّ حُضُورَ المسجدِ الحَرامِ إنَّما يَحْصُلُ بالإقَامَةِ به ونِيَّةِ ذلك (35)، وهذا لم يَحْصُلْ منه الإِقَامَةُ، [ولا نِيَّتُها، ولأنَّ اللهَ تعالى قال: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}. وهذا يَقْتَضِى أن يكونَ المَانِعُ من الدَّمِ السُّكْنَى به، وهذا لَيْسَ بِساكِنٍ](36)؛ وإن أحْرَمَ الآفاقِىُّ بِعُمْرَةٍ، فى غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ، ثم أقامَ بمَكَّةَ، فاعْتَمَرَ من التَّنْعِيمِ فى أَشْهُرِ الحَجِّ، وحَجَّ من عَامِه، فهو مُتَمَتِّعٌ، عليه دَمٌ. نَصَّ عليه أحمدُ. وفى تَنْصِيصِه على هذه الصُّورَةِ تَنْبِيهٌ على إِيجَابِ الدَّمِ فى الصُّورَةِ الأُولَى، بِطرِيقِ الأَوْلَى. وذَكَرَ القاضى أنَّ مِن شَرْطِ وُجُوبِ الدَّمِ، أن يَنْوِىَ فى ابْتِدَاءِ العُمْرَةِ، أو فى أَثْنَائِها، أنَّه مُتَمَتِّعٌ. وظَاهِرُ النَّصِّ يَدُلُّ على أنَّ هذا غيرُ مُشْتَرَطٍ؛ فإنَّه لم يَذْكُرْهُ، وكذلك الإجْماعُ الذى ذَكَرْناهُ مُخَالِفٌ لهذا القَوْلِ. ولأنَّه قد حَصَلَ له التَّرَفُّهُ بِسُقُوطِ أحَدِ السَّفَرَيْنِ، فلَزِمَهُ الدَّمُ، كمَنْ لم يَنْوِ. الفصل الثالث، فى وَقْتِ [وُجُوبِ الهَدْىِ، ووَقْتِ](36) ذَبْحِه. أمَّا وَقْتُ وُجُوبِهِ، فعن أحمدَ أنَّه يَجِبُ إذا أَحْرَمَ بِالحَجِّ. وهو قَوْلُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ
(34) فى أ، ب، م:"المتعة".
(35)
سقط من: ب، م.
(36)
سقط من: الأصل.
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}. وهذا قد فَعَلَ ذلك. ولأنَّ ما جُعِلَ غَايَةً، فَوُجُودُ أَوَّلِه كَافٍ، كَقَوْلِه تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (37). ولأنَّه مُتَمَتِّعٌ أَحْرَمَ بِالحَجِّ من دونِ المِيقَاتِ، فلَزِمَهُ الدَّمُ، كما لو وَقَفَ أو تَحَلَّلَ. وعنه أنَّه يَجِبُ الدم (38) إذا وَقَفَ بِعَرَفَةَ. وهو قَوْلُ مَالِكٍ، واخْتِيارُ القاضى؛ لأنَّ التَّمَتُّعَ بِالعُمْرَةِ إلى (39) الحَجِّ إنَّما يَحْصُلُ بعدَ وُجوُدِ الحَجِّ منه، ولا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بِالوُقُوفِ، فإنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الْحَجُّ عَرَفَةُ"(40). ولأنَّه قبلَ ذلك يَعْرِضُ (41). الفَوَاتُ، فلا يَحْصُلُ التَّمَتُّعُ، ولأنَّه لو أحْرَمَ بِالحَجِّ، ثم أُحْصِرَ، أو فَاتَهُ الحَجُّ [لم يَلْزَمْهُ](42) دَمُ المُتْعَةِ، ولا كان مُتَمَتِّعًا، ولو وَجَبَ الدَّمُ لمَا سَقَطَ. وقال عَطاءٌ: يَجِبُ إذا رَمَى الجمْرَةَ. ونحوُه قَوْلُ أبى الخَطَّابِ، قال: يَجِبُ إذا طَلَعَ الفَجْرُ يومَ النَّحْرِ؛ لأنَّه وَقْتُ ذَبْحِه، فكان وَقْتَ وُجُوبِه. فأمَّا وَقْتُ إخْراجِهِ فيومُ النَّحْرِ. وبه قال مَالِكٌ، وأبو حنيفةَ؛ لأنَّ ما قبلَ يومِ النَّحْرِ لا يجوزُ فيه ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ، فلا يجوزُ فيه ذَبْحُ هَدْىِ [التَّمتُّعِ، كقَبْلِ](43) التَّحَلُّلِ من العُمْرَةِ. وقال أبُو طالِبٍ: سمعتُ أحمدَ، قال فى الرجلِ يَدْخُلُ مَكَّةَ فى شَوَّالٍ ومعه هَدْىٌ. قال: يَنْحَرُ بمَكَّةَ، وإن قَدِمَ قبلَ العَشْرِ نَحَرَهُ، لا يضيعُ أو يموتُ أو يُسْرَقُ. وكذلك قال عَطاءٌ. وإن قَدِمَ فى العَشْرِ، لم يَنْحَرْهُ حتى يَنْحَرَهُ بِمِنًى؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابَه قَدِمُوا فى العَشْرِ، فلم يَنْحَرُوا [حتى نَحَرُوا](44) بِمِنًى. ومن جَاءَ قبل ذلك نَحَرَهُ
(37) سورة البقرة 187.
(38)
سقط من: ب، م.
(39)
فى ب، م:"فى".
(40)
تقدم تخريجه فى صفحة 268.
(41)
فى النسخ: "بعرض".
(42)
فى الأصل: "لزمه".
(43)
فى أ، ب، م:"المتمتع كمثل".
(44)
سقط من: الأصل.