الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ ذِكْرِ الإِحْرامِ
554 - مسألة؛ قال أبو القاسم: (وَمَنْ أرَادَ الحَجَّ، وقَد دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، فَإذَا بَلَغَ الْمِيقَاتَ، فَالاخْتِيَارُ لَهُ أنْ يَغْتَسِلَ)
قولُه: "وقد دَخَلَ أشْهُرُ الحَجِّ". يَدُلُّ على أنَّه لا يَنْبَغِى أن يُحْرِمَ بالحَجِّ قبلَ أشْهُرِه، وهذا هو الأوْلَى، فإنَّ الإِحْرامَ بالحَجِّ قبل أشْهُرِه مَكْرُوهٌ؛ لِكَوْنِه إحْرامًا به قبلَ وَقْتِه، فأشْبَهَ الإحْرامَ به قبلَ مِيقَاتِه، ولأنَّ في صِحَّتِه اخْتِلافًا، فإن أحْرَمَ به قبلَ أشْهُرِه صَحَّ، وإذا بَقِىَ على إحْرَامِه إلى وَقْتِ الحَجِّ، جازَ. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ النَّخَعِيِّ، ومالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ، وإسحاقَ. وقال عَطاءٌ، وطاوُسٌ، ومُجاهِدٌ، والشَّافعِىُّ: يَجْعَلُه عُمْرَةً؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (1). تَقْدِيرُه وَقْتُ الحَجِّ أشْهُرٌ، [أو أَشْهُرُ الحَجِّ أشْهُرٌ](2) مَعْلُومَاتٌ. فحَذَفَ المُضافَ، وأقامَ المُضافَ إليه مُقَامَه، ومتى ثَبَتَ أنَّه وَقَّتَه، لم يَجُزْ تَقْدِيمُ إحْرَامِه عليه، كأوْقاتِ الصَّلَوَاتِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (3). فدَلَّ على أنَّ جَمِيعَ الأشْهُرِ (4) مِيقاتٌ. ولأنَّه أحَدُ نُسُكَىِ القِرَانِ، فجَازَ الإِحْرَامُ به في جَمِيعِ السَّنَةِ، كالعُمْرَةِ، أو أحدُ المِيقاتَيْنِ، فصَحَّ الإِحْرَامُ قبلَه كمِيقاتِ المَكَانِ، والآيةُ مَحْمُولَةٌ على أنَّ الإِحْرامَ
(1) سورة البقرة 197.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سورة البقرة 189.
(4)
في أ: "الأهلة".
به إنَّما يُسْتَحَبُّ فيها. وعلى كلِّ حالٍ، فمَن أرَادَ الإِحْرامَ، اسْتُحِبَّ له أن يَغْتَسِلَ قبلَه، في قَوْلِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم طاوُسٌ، والنَّخَعِىُّ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لما رَوَى خَارِجَةُ بن زيدِ بن ثابِتٍ، عن أبِيه، أنَّه رَأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لإِهْلَالِه، واغْتَسَلَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ (5)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ أسْماءَ بنتَ عُمَيْسٍ، وهى نُفَسَاءُ، أن تَغْتَسِلَ عندَ الإِحْرَامِ (6). وأمَرَ عائشةَ أن تَغْتَسِلَ عند الإِهْلالِ بالحَجِّ، وهي حائِضٌ (7). ولأنَّ هذه العِبادَةَ يَجْتَمِعُ (8) لها الناسُ، فسُنَّ لها الاغْتِسالُ، كالجُمُعَةِ، وليس ذلك وَاجِبًا في قَوْلِ عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ الإِحْرامَ جائِزٌ بغير اغْتِسَالٍ، وأنَّه غيرُ وَاجِبٍ. وحُكِىَ عن الحَسَنِ أنَّه قال: إذا نَسِىَ الغُسْلَ، يَغْتَسِلُ إذا ذَكَرَ. وقال الأَثْرَمُ: سمعتُ أبا عبدِ اللَّه قِيلَ له عن بعضِ أهْلِ المَدِينَةِ: مَنْ تَرَكَ الاغْتِسَالَ (9) عندَ الإِحْرَامِ، فعليه دَمٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأسْماءَ وهي نُفَسَاء:"اغْتَسِلِى". فكيف الطَّاهِرُ؟ فأظْهَرَ التَّعَجُّبَ من هذَا القَوْلِ. وكان ابنُ عمرَ يَغْتَسِلُ أحْيَانًا، وَيتَوَضَّأُ أحْيَانًا. وأىُّ ذلك فَعَلَ أجْزَأَهُ، ولا يَجِبُ الاغْتِسَالُ، ولا نُقِلَ الأمْرُ به إلَّا لِحَائِضٍ أو
(5) في: باب ما جاء في الاغتسال عند الإِحرام، من أبواب الحج، عارضة الأحوذى 4/ 48:
كما أخرجه الدارمي، في: باب الاغتسال في الإِحرام، من كتاب المناسك. سنن الدارمي 2/ 31.
(6)
أخرجه مسلم، في: باب إحرام النفساء. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 869. وأبو داود، في: باب الحائض تهل بالحج، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 404. والنسائي، في: باب الاغتسال من النفاس، من كتاب الطهارة، وفي: باب ما تفعل النفساء عند الإِحرام، من كتاب الحيض، وفي: باب إهلال النفساء، من كتاب الحج. المجتبى 1/ 101، 160، 5/ 127، 128. وابن ماجه، في: باب النفساء والحائض تهل بالحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 971، 972. والإمام مالك، في: باب الغسل للإِهلال، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 322.
(7)
تقدم تخريجه في صفحة 15.
(8)
في ب: "مجتمع".
(9)
في أ، ب، م:"الغسل".