الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ صِفَةِ الحَجِّ
نذكرُ فى هذا البابِ صِفةَ الحَجِّ، بعدَ حِلِّ المُتَمَتِّعِ مِن عُمْرَتِه، ونبدأُ بِذِكْرِ حديثِ جابِرٍ (1) فى صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ونَقْتَصِرُ منه علي ما يَخْتَصُّ بهذا البابِ، وقد ذَكَرْنا بعضَه مُفَرَّقًا فى الأبْوابِ الماضِيةِ، وهو حديثٌ جامِعٌ صحيحٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وأبو دَاوُدَ، وابنُ مَاجَه، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيه، عن جابِرٍ، ذَكَرَ الحَدِيثَ، قال: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُم، وقَصَّرُوا، إلَّا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، ومَن كان معه هَدْىٌ، فلمَّا كان يومُ التَّرْوِيَةِ، تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بِالحَجِّ، وركبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى مِنًى، فصَلَّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفجرَ، ثمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حتى طلعتِ الشَّمسُ، وأمَرَ بِقُبَّةٍ من شَعْرٍ تُضْرَبُ له بِنَمِرَةَ، فسارَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أنَّه وَاقِفٌ عند المَشْعَرِ الحَرامِ، كما كانت قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فى الجاهِلِيَّةِ، فأجازَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حتَّى (2) أتى عَرفَةَ، فوجد القُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بِنَمِرَةَ، فنزلَ بها حتَّى إذا زالتِ (3) الشمسُ أمَرَ بالقَصْواءِ فَرُحِلَتْ له، فأتَى بَطْنَ الوَادِى، فخطبَ النّاسَ، وقال: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذَا، فِى شَهْرِكُمْ هذَا، فِى بَلَدِكُمْ هذَا، ألَا إنَّ كُلَّ شَىْءٍ مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ مَوْضُوعٌ، ودِمَاءَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وإنَّ أوَّلَ دَمٍ أضَعُه مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بن الْحَارِثِ -كان مُسْتَرْضَعًا فى بنِى سَعْدٍ، فقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ- وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ [مِنْ رِبَانَا](4)، رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَإنَّهُ مَوْضُوعٌ
(1) تقدَّم تخريجه فى صفحة 156.
(2)
فى أ، ب، م زيادة:"إذا".
(3)
فى صحيح مسلم: "زاغت".
(4)
سقط من: الأصل، أ. وليس فى صحيح مسلم:"من".
كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِى النِّسَاءِ، فإنَّكُم أخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانَةِ (5) اللهِ، واسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، ولَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإنْ فَعَلْنَ ذلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكُسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابَ اللهِ، وأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى، فَمَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟ ". قالوا: نَشْهَدُ أنَّك قد بَلَّغْتَ، وأَدَّيْتَ، ونَصَحْتَ. فقال بإصْبَعِه السَّبَّابَة يَرْفَعُها إلى السَّمَاءِ، ويَنْكُبُها (6) إلى النَّاسِ:"اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ"، ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثمَّ أذَّنَ، ثمَّ أقامَ فصَلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقامَ فصَلَّى العصرَ، ولم يُصَلِّ بينهما شَيْئًا، ثمَّ رَكِبَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى أَتى المَوْقِفَ، فجعَلَ بَطْنَ نَاقَتِه القَصْواءِ إلى الصَّخَرَاتِ، وجعَل حَبْلَ المُشَاةِ بين يَدَيْه، فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فلم يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حتَّى غَابَ القُرْصُ، وأرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَه، ودَفَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقد شَنَقَ (7) لِلْقَصْواءِ الزِّمامَ، حتَّى إنَّ رَأْسَها ليُصِيبُ مَوْرِكَ (8) رَحْلِه، ويقول بِيَده اليُمْنَى:"أيُّهَا النّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ"، كلَّما أتَى حَبْلًا (9) من الحِبالِ أرْخَى لها قَلِيلًا حتَّى تَصْعَد، حتَّى أتَى المُزْدَلِفَةَ، فصَلَّى بها المغربَ والعِشاءَ، بأذَانٍ واحِدٍ وإقامَتَيْنِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثمَّ اضْطَجَعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى طَلَعَ الفجرُ، فصَلَّى الصبحَ حين تَبَيَّنَ له الصبحُ، بأذانٍ وإقامَةٍ، ثمَّ رَكِبَ القَصْواءَ، حتَّى أتَى المَشْعَرَ الحَرامَ، فاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فدَعَا اللهَ وكَبَّرَهُ وهَلَّلَهُ ووَحَّدَه، ولم يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى أسْفَرَ جِدًّا،
(5) فى صحيح مسلم: "بأمان".
(6)
ينكبها: يقلبها ويرددها إلى النَّاس مشيرا إليهم. وروى: "ينكتها" انظر شرح النووى على صحيح مسلم 8/ 184.
(7)
شنق: ضم وضيَّق.
(8)
مورك الرحل: هو الموضع الذى يثنى الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب.
(9)
الحبل هنا: التل اللطيف من الرَّمل الضخم.