الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له؛ لأنَّه لا يجوزُ له إثْباتُ يَدِهِ (18) المُشاهَدَةِ على الصَّيْدِ. وهذا قَوْلُ الشَّافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. ولا يَسْتَرِدُّ المُحْرِمُ الصَّيْدَ الذى باعَه وهو حلالٌ بِخِيَارٍ (19)، ولا عَيْبٍ فى ثَمَنِه، ولا غَيْرهما؛ لأنَّه ابْتِداءُ مِلْكٍ على الصَّيْدِ، وهو مَمْنُوعٌ منه. وإن رَدَّهُ المُشْتَرِى عليه بِعَيْبٍ أو خِيَارٍ، فله ذلك؛ لأنَّ سَبَبَ الرَّدِّ مُتَحَقِّقٌ (20)، ثم لا يَدْخُلُ فى مِلْكِ المُحْرِمِ، ويَلْزَمُهُ إرْسالُهُ.
فصل:
وإن وَرِثَ المُحْرِمُ صَيْدًا مَلَكَهُ؛ لأنَّ المِلْكَ بالإرْثِ ليس بِفِعْلٍ من جِهَتِه، وإنَّما يَدْخُلُ فى مِلْكِهِ حُكْمًا، اخْتارَ ذلك أو كَرِهَه؛ ولهذا يَدْخُلُ فى مِلْكِ الصَّبِىِّ والمَجْنُونِ، فيدخلُ به المُسْلِمُ فى مِلْكِ الكافِرِ، فجَرَى مَجْرَى الاسْتِدامَةِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَمْلِكَ به؛ لأنَّه من جِهاتِ التَّمَلُّكِ، فأشْبَهَ البَيْعَ وغيرَه، فعلى هذا يكونُ أحَقَّ به من غيرِ ثُبُوتِ مِلْكِه عليه، فإذا حَلَّ مَلَكَهُ.
690 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وذَبَحَ، إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ، وحَجَّ مِنْ قَابِلٍ، وأَتَى بِدَمٍ)
الكلامُ فى هذه المسألةِ فى أرْبَعةِ فُصولٍ: الأوَّل، أنَّ آخِرَ وَقْتِ الوُقُوفِ آخِرُ لَيلةِ النَّحْرِ، فمَن [لم] (1) يُدْرِكِ الوُقُوفَ حتى طَلَعَ الفجرُ يَوْمَئِذٍ فَاتَهُ الحَجُّ. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. قال جابِرٌ: لا يَفُوتُ الحَجُّ حتى يَطْلُعَ الفَجْرُ من لَيْلَةِ جَمْعٍ. قال أبو الزُّبَيْرِ، فقلتُ له: أقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم. رَوَاهُ الأثْرَمُ بإسْنَادِهِ (2). وقَولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "الحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"(3). يَدُلُّ على فَوَاتِه بِخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْعٍ. ورَوى ابنُ عمرَ
(18) فى ب، م:"يد".
(19)
فى أ، ب، م:"مختار".
(20)
فى الأصل: "يتحقق".
(1)
زيادة يقتضيها المعنى.
(2)
تقدم تخريجه فى صفحة 274.
(3)
تقدم تخريجه فى صفحة 268.
أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ، فَقَدْ أدْرَكَ الحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيلٍ، [فَقَدْ فاتَه الحَجُّ] (4)، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وعَلَيْهِ الحَجُّ مِنْ قَابِلٍ". رَوَاهُ الدَّارَقُطنِىُّ (5)، وضَعَّفَهُ. الفَصْلُ الثانِى، أنَّ مَن فَاتَهُ الحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وسَعْىٍ وحِلَاقٍ. هذا الصَّحِيحُ من المذهبِ. ورُوِىَ ذلك عن عمرَ بن الخَطَّابِ، وابْنِه، وزيدِ بن ثابِتٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ الزُّبَيْرِ، ومَرْوَانَ بن الحَكَمِ، [وهو قَوْلُ مالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. وقال ابنُ أبى موسَى: فى المسألة رِوايتانِ](6)؛ إحْدَاهُما، كما ذَكَرْنَا. والثانِيَةُ، يَمْضِى فى حَجٍّ فَاسِدٍ. وهو قَوْلُ المُزَنِىِّ، قال: يَلْزَمُه جَمِيعُ أفْعالِ الحَجِّ؛ لأنَّ سُقُوطَ ما فاتَ وَقْتُه لا يَمْنَعُ وُجُوبَ (7) ما لم يَفُتْ. ولَنا، قَوْلُ مَن سَمَّيْنَا من الصَّحابَةِ، ولم نَعْرِفْ لهم مُخَالِفًا؛ فكان إجْمَاعًا. ورَوَى الشَّافِعِىُّ، فى "مُسْنَدِه"(8)، أنَّ عمرَ قال لأبى أيُّوبَ حين فَاتَهُ الحَجُّ: اصْنَعْ ما يَصْنَعُ المُعْتَمِرُ، ثم قد حَلَلْتَ، فإن أدْرَكْتَ الحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ وَأهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ من الهَدْىِ. وروَى أيضًا عن ابنِ عمرَ نحوَ ذلك. ورَوَى الأثْرَمُ، بإسْنَادِه، عن سليمانَ بن يَسَارٍ، أنَّ هَبَّارَ بنَ الأسْوَدِ (9) حَجَّ من الشَّامِ، فقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فقال له عمرُ: ما حَبَسَكَ؟ قال: حَسِبْتُ أنَّ اليَومَ يومُ عَرَفَةَ، قال: فانْطَلِقْ إلى البَيْتِ، فطُفْ به سَبْعًا، وإن كان مَعَكَ هَدْيَةٌ فَانْحَرْهَا، ثم إذا كان عامٌ قَابِلٌ فَاحْجُجْ، فإن وَجَدْتَ سَعَةً فأهْدِ، فإن لم تَجِدْ فصُمْ ثلاثة أيَّامٍ فى الحَجِّ
(4) سقط من: ب، م.
(5)
فى: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 241.
(6)
سقط من: أ.
(7)
سقط من: ب، م.
(8)
فى: الباب التاسع فى أحكام المحصر ومن فاته الحج، من كتاب الحج. كما روى عن ابن عمر نحوه. ترتيب مسند الشافعى للسندى 1/ 384.
كما أخرجه الإمام مالك، فى: باب هدى من فاته الحج، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 383. والبيهقى، فى: باب ما يفعل من فاته الحج، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 174.
(9)
هو هَبَّار بن الأسود بن المطلب بن أسد، القرشى، أسلم بعد الفتح، وحسن إسلامه، وصحب النبى صلى الله عليه وسلم. أسد الغابة 5/ 384.
وسَبْعَةً إذا رَجَعْتَ، إن شاءَ اللهُ تعالى (10). ورَوَى النَّجَّادُ، بإسْنَادِه عن عَطَاءٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ فَاتَهُ الحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ، ولْيَجْعَلْها عُمْرَةً، ولْيَحُجّ مِنْ قَابِلٍ"(11). ولأنَّه يجوزُ فَسْخُ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ من غيرِ فَوَاتٍ، فمع الفَوَاتِ أَوْلَى. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَجْعَلُ إحْرامَه بِعُمْرَةٍ. وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، ونَصَّ عليه أحمدُ، واخْتارَهُ أبو بكرٍ. وهو قَوْلُ ابنِ عَبّاسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، وعَطاءٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقال ابنُ حَامِدٍ: لا يَصِيرُ إحْرامُه بِعُمْرَةٍ، بل يَتَحَلَّلُ بِطوَافٍ وسَعْىٍ وحَلْقٍ. وهو مذهبُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ بأحدِ النُّسُكَيْنِ، فلم يَنْقَلِبْ إلى الآخَرِ، كما لو أحْرَمَ بِالعُمْرَةِ، ويَحْتَمِلُ أنَّ مَن قال: يَجْعَلُ إحْرَامَهُ عُمْرَةً. أرَادَ به يَفْعَلُ ما فَعَلَ المُعْتَمِرُ، وهو الطَّوَافُ والسَّعْىُ، ولا يكونُ بين القَولَيْنِ خِلَافٌ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِيرَ إحْرامُ الحَجِّ إحْرامًا بِعُمْرَةٍ، بحيثُ يُجْزِئُه عن عُمْرَةِ الإسْلامِ إن لم يكُنِ اعْتَمَرَ، ولو أدْخَلَ الحَجَّ عليها لصَارَ قَارِنًا، إلَّا أنَّه لا يُمْكِنُه الحَجُّ بذلك الإحْرامِ، إلَّا أن يَصِيرَ مُحْرِمًا به فى غير أشْهُرِه، فيَصِيرَ كمَنْ أحْرَمَ بِالحَجِّ فى غيرِ أشْهُرِهِ، ولأنَّ قَلْبَ الحَجِّ إلى العُمْرَةِ يجوزُ من غيرِ سَبَبٍ، على ما قَرَّرْناهُ فى فَسْخِ الحَجِّ، فمع الحاجَةِ أوْلَى، ويُخَرَّجُ على هذا قَلْبُ العُمْرَةِ إلى الحَجِّ، فإنه لا يجوزُ، ولأنَّ العُمْرَةَ لا يَفُوتُ وَقْتُها، فلا حَاجَةَ إلى انْقِلابِ إحْرامِها، بِخِلافِ الحَجِّ. الفَصْلُ الثَّالِثُ، أنَّه يَلْزَمُه القَضاءُ من قَابِلٍ، سواءٌ كان الفَائِتُ وَاجِبًا، أو تَطوُّعًا. رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وابْنِه، وزيدٍ، وابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ الزُّبَيْرِ، ومَرْوَانَ، وهو قَوْلُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وعن أحْمدَ، لا قَضاءَ عليه،
(10) أخرجه الإمام مالك، فى: باب هدى من فاته الحج، من كتاب الحج. الموطأ 1/ 383. والبيهقى، فى: باب ما يفعل من فاته الحج، من كتاب الحج. السنن الكبرى 5/ 174.
(11)
وأخرجه الدارقطنى عن عطاء عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم، بمعناه، فى: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى 2/ 241.
بل إن كانت فَرْضًا فَعَلَها بِالوُجُوبِ السَّابِق، وإن كانت نَفْلًا سَقَطَتْ. ورُوِىَ هذا عن عَطاءٍ، وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن مالِكٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عن الحَجِّ أكْثَرَ من مَرَّةٍ، قال:"بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً"(12). ولو أوْجَبْنا القَضاءَ، كان أكْثَرَ من مَرَّةٍ، ولأنَّه مَعْذُورٌ فى تَرْكِ إتْمَامِ حَجِّه، فلم يَلْزَمْهُ القَضاءُ كالمُحْصَرِ (13)، ولأنَّها عِبادَةُ تَطَوُّعٍ، فلم يَجِبْ قَضاؤُها، كسَائِرِ التَّطَوُّعاتِ. ووَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى ما ذَكَرْنَا من الحَدِيثِ، وإجْماعِ الصَّحَابَةِ، ورَوَى الدَّارَقُطنِىُّ (14)، بإسْنَادِه، عن ابْنِ عَبّاسٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَاتَهُ الحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ". ولأنَّ الحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فيه، فيَصِيرُ كالمَنْذُورِ، بِخِلافِ سائِرِ التَّطَوُّعاتِ. وأمَّا الحَدِيثُ، فإنَّه أرادَ الواجِبَ بِأصْلِ الشَّرْعِ حَجَّةً وَاحِدَةً، وهذه إنما تَجِبُ بإيجابِه لها بالشُّرُوعِ فيها، فهِىَ (15) كالمَنْذُورَةِ، وأمَّا المُحْصَرُ فإنَّه غيرُ مَنْسُوبٍ إلى التَّفْرِيطِ، بِخِلافِ مَن فَاتَهُ الحَجُّ، وإذا قَضَى أَجْزَأَهُ القَضَاءُ عن الحَجَّةِ الوَاجِبَةِ، لا نَعْلَمُ فى هذا خِلَافًا؛ لأنَّ الحَجَّةَ المَقْضِيَّة لو تَمَّتْ لأجْزَأَتْ عن الوَاجِبَةِ عليه، فكذلك قَضاؤُها؛ لأنَّ القَضاءَ يَقُومُ مَقامَ الأداءِ. الفصلُ الرَّابِعُ، أنَّ الهَدْىَ يَلْزَمُ مَن فَاتَهُ الحَجُّ، فى أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وهو قَوْلُ مَن سَمَّيْنا من الصَّحابَةِ، والفُقهاءِ، إلَّا أصْحابَ الرَّأْىِ، فإنَّهم قالوا: لا هَدْىَ عليه. وهى الرِّوايَةُ الثَّانِيَةُ عن أحمدَ؛ لأنَّه لو كان الفَواتُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الهَدْىِ، لَلَزِمَ المُحْصَرَ (16) هَدْيَانِ؛ لِلْفَواتِ، والإحْصارِ. ولَنا، حَدِيثُ عَطاءٍ، وإجْماعُ الصَّحابةِ، ولأنَّه حَلَّ من إحْرامِه قبلَ إتْمامِه، فَلَزِمَهُ هَدْىٌ، [كالمُحْصَرِ، والمُحْصَرُ](17) لم يَفُتْ حَجُّهُ، فإنَّه يَحِلُّ قبلَ فَواتِه. إذا
(12) أخرجه أبو داود، فى: باب فرض الحج، من كتاب الحج. سنن أبى داود 1/ 400. وابن ماجه، فى: باب فرض الحج، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 963.
(13)
فى ب، م:"كالمحرم".
(14)
تقدم تخريجه فى صفحة 425.
(15)
سقط من: ب، م.
(16)
فى أ، ب، م:"المحرم".
(17)
فى ب، م:"كالمحرم".