الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِرْقٍ، فرَوَى أبو دَاوُدَ، والنَّسَائىُّ (11)، وغيرُهما، بإسْنَادِهم، عن القاسِمِ، عن عائشةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأهْل العِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. وعن أبي الزُّبَيْرِ، أنَّه سَمِعَ جابِرًا سُئِلَ عن المُهَلِّ؟ قال: سَمِعْتُه -وأحْسبُه رَفَعَ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يقول: "مُهَلُّ أهْلِ المَدِينَةِ مِنْ ذِى الحُلَيْفَةِ، والطَّرِيقُ الآخَرُ مِنَ الجُحْفَةِ، ومُهَلُّ أهْلِ العِرَاقِ مِنْ ذاتِ عِرْقٍ، ومُهَلُّ أهْلِ نَجْدٍ من قَرْنٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، في "صَحِيحِه" (12). وقال قومٌ آخَرُونَ: إنَّما وَقَّتَها عمرُ، رَضِىَ اللَّه عنه، فرَوَى البُخَارِىُّ (13)، بإسنَادِهِ عن ابنِ عمرَ، قال: لمَّا فُتِحَ هذان المِصْرَانِ، أتَوْا عمرَ، فقالوا: يا أمِيرَ المُؤْمِنينَ، إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّ لأهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وهو جَوْرٌ (14) عن طَرِيقِنا، وإنَّا إن أرَدْنا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنا. قال: فانْظُرُوا حَذْوَها من طَرِيقِكُمْ. فحَدَّ لهم ذاتَ عِرْقٍ. ويجوزُ أن يكونَ عمرُ ومَن سَأَلَهُ لم يَعْلَمُوا تَوْقِيتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ عِرْقٍ، فقال ذلك بِرَأْيِه، فأصَابَ، ووَافَقَ قوْلَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فقد كان كَثِيرَ الإصابَةِ، رَضِىَ اللهُ عنه. وإذا ثَبَتَ تَوْقِيتُها عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وعن عمَرَ، فالإحْرَامُ منه أوْلَى، إن شاءَ اللهُ تعالى.
فصل:
وإذا كان المِيقاتُ قَرْيَةً فانْتَقَلَتْ إلى مكان آخَرَ، فمَوْضِعُ الإحْرامِ من الأولَى، وإن انتقَلَ الاسْمُ إلى الثانيةِ؛ لأنَّ الحُكْمَ تَعَلَّقَ بذلك المَوْضِع، فلا يَزُولُ بِخَرَابِه. وقد رَأى سَعِيدُ بن جُبَيْرٍ رَجُلًا يُرِيدُ أن يُحْرِمَ مِن ذاتِ عِرْقٍ، فأخَذَ بِيَدِه
(11) أخرجه أبو داود، في: باب في المواقيت، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 404. والنسائي، في: باب ميقات أهل مصر، وباب ميقات أهل العراق، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 94، 95.
(12)
في: باب مواقيت الحج والعمرة، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 840، 841.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب مواقيت أهل الآفاق، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 972، 973. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 333، 336.
(13)
في: باب ذات عرق لأهل العراق، من كتاب الحج. صحيح البخارى 2/ 166.
(14)
أى مائل.
حتى خَرَجَ به من البُيُوتِ، قطَعَ الوَادِىَ، فأتَى به المَقَابِرَ، فقال: هذه ذاتُ عِرْقٍ الأُولَى.
547 -
مسألة؛ قال: (وَأهْلُ مَكَّةَ إذَا (1) أرَادُوا الْعُمْرَةَ، فَمِنَ الْحِلِّ، وإذَا (2) أرَادُوا الْحَجَّ، فَمِنْ مَكَّةَ)
أهْلُ مَكَّةَ، مَن (3) كان بها، سَوَاءٌ كان مُقِيمًا بها أو غَيْرَ مُقِيمٍ؛ لأنَّ كُلَّ مَن أتَى على مِيقَاتٍ كان مِيقَاتًا له، فكذلك كُلُّ مَن كان بمَكَّةَ فهى مِيقَاتُه لِلْحَجِّ؛ وإن أرادَ العُمْرَةَ فمِن الحِلِّ. لا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. ولذلك أمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عَبدَ الرحمنِ ابنَ أبي بكرٍ أن يُعْمِرَ عائشةَ من التَّنْعِيمِ. مُتَّفَقٌ عليه (4). وكانت بمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ، والأصْلُ في هذا قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"حَتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّون مِنْهَا"(5). يَعْنِى لِلْحَجِّ. وقال أيضا: "وَمَنْ كَانَ أهْلُهُ دُونَ المِيقَاتِ فَمِنْ حَيْثُ يُنْشِئُ، حَتَّى يَأْتِىَ ذلِكَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ"(5). وهذا في الحَجِّ. فأمَّا في العُمْرَةِ فمِيقَاتُها في حَقِّهِم الحِلُّ، مِن أىِّ جَوَانِبِ الحَرَمِ شاءَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم. أمَرَ بإعْمارِ عائشةَ من التَّنْعِيمِ، وهو أدْنَى الحِلِّ إلى مَكَّةَ. وقال ابنُ سِيرِينَ: بَلَغَنِى أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ (6). وقال ابنُ عَبَّاسٍ: يا أهْلَ مَكَّةَ، مَنْ أتَى منكم العُمْرَةَ، فلْيَجْعَلْ بَيْنَه وبَيْنَها بَطْنَ مُحَسِّرٍ (7). يَعْنِى إذا أحْرَمَ بها من ناحِيَةِ المُزْدَلِفَة. وإنَّما لَزِمَ الإحْرَامُ من الحِلِّ، لِيَجْمَعَ في النُّسُكِ بينَ الحِلِّ والحَرَمِ، فإنَّه لو أحْرَمَ من الحَرَمِ، لمَا جَمَعَ بينهما فيه، لأنَّ أفْعالَ العُمْرَةِ كُلَّها في الحَرَمِ، بخِلَافِ الحَجِّ،
(1) في الأصل، أ:"إن".
(2)
في الأصل: "وإن".
(3)
في أ، ب، م:"ومن".
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 15.
(5)
تقدم تخريجهما في حديث ابن عباس صفحة 56.
(6)
عزاه المزى لأبي داود في المراسيل. تحفة الأشراف 13/ 357. وكذلك الزيلعى، في نصب الراية 3/ 16.
(7)
بطن محسر. هو وادى المزدلفة. معجم البلدان 1/ 667.
فإنَّه يَفْتَقِرُ إلى الخُرُوجِ إلى عَرَفَةَ، فيَجْتَمِع له الحِلُّ والحَرَمُ، والعُمْرَةُ بخِلَافِ ذلك. ومِن أيِّ الحِلِّ أحْرَمَ جازَ. وإنَّما أعْمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عائشةَ من التَّنْعِيمِ؛ لأنَّها أقْرَبُ الحِلِّ إلى مَكَّةَ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، في المَكِّىِّ، كلَّما تَباعَدَ في العُمْرَةِ فهو أعْظَمُ لِلْأَجْرِ، هى على قَدْرِ تَعَبِهَا. وأمَّا إنْ أرَادَ المَكِّىُّ الإحْرَامَ بالحَجِّ، فمِن مَكَّةَ؛ لِلْخَبَرِ الذى ذَكَرْنَا، ولأنَّ أصْحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَسَخُوا الحَجَّ، أمَرَهم فأحْرَمُوا من مَكَّةَ. قال جابِرٌ: أمَرَنَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا حَلَلْنَا، أنْ نُحْرِمَ إذا تَوَجَّهْنَا من الأبْطَح. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (8). وهذا يَدُلُّ على أنَّه لا فَرْقَ بين قَاطِنِى مَكَّةَ وبين غَيْرِهم ممَّن هو بها، كالمُتَمَتِّعِ إذا حَلَّ، ومن فَسَخَ حَجَّهُ بها. ونُقِلَ عن أحمدَ في مَن اعْتَمَرَ في أشْهُرِ الحَجِّ من أهْلِ مَكَّةَ، [ثم تَمَتَّعَ](9)، أنَّه يُهِلُّ بالحَجِّ من المِيقاتِ، فإنْ لم يَفْعَلْ، فعليه دَمٌ. والصَّحِيحُ خِلافُ هذا؛ لما دَلَّتْ عليه الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ. ويَحْتَمِلُ أنَّ أحمدَ إنَّما أرَادَ أنَّ المُتَمَتِّعَ يَسْقُطُ عنه الدَّمُ إذا خَرَجَ إلى المِيقَاتِ، ولا يَسْقُطُ إذا أحْرَمَ من مَكَّةَ. وهذا في غيرِ المَكِّىِّ، أمَّا المَكِّىُّ فلا يَجِبُ عليه دَمُ مُتْعَةٍ بحالٍ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (10). وذَكَرَ القاضى في مَن دَخَلَ مَكَّةَ يَحُجُّ عن غيرِه، ثم أرَادَ أن يَعْتَمِرَ بعدَه لِنَفْسِه، أو دَخَلَ يَحُجُّ لِنَفْسِه، ثم أرَادَ أن يَعْتَمِرَ لغيرِه، أو دَخَلَ بِعُمْرَةٍ لِنَفْسِه، ثم أرَادَ أن يَحُجَّ أو يَعْتَمِرَ لغيرِه، أو دَخَلَ بِعُمْرَةٍ لغيرِه، ثم أرَادَ أن يَحُجَّ أو يَعْتَمِرَ لِنَفْسِه، أنَّه في جَمِيعِ ذلك يَخْرُجُ إلى المِيقاتِ، فيُحْرِمُ منه، فإن لم يَفْعَلْ، فعليه دَمٌ. قال: وقد قال أحمدُ، في رِوَايةِ
(8) في: باب بيان وجوه الإحرام. . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 882.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 318، 378.
(9)
سقط من: أ، ب، م.
(10)
سورة البقرة 196.